نبحر في الليل على متن القمر. يجلس أبي على طرفه وأجلس أنا على الطرف الآخر، يتكفل البحر بالهدهدة، وبيننا صمتُ طويل، حتى نهاية الحلم الذي أصبح متكرّراً منذ سمعت هذه الأغنية للمرة الأولى. يتطاير رذاذ الماء المنعش على وجهينا، وكأنه قبلات متناهية الصغر لكي يعطي للحلم ملمساً من الجنة، وحميمية نَدية.
"يبقى القمر قاربنا...
والليل بحر مهاودنا"
أتتبع صوت الغناء من غرفتي في آخر المنزل الضيق، حتى أصل إلى غرفة أبي في طرفه الآخر، وكلما دنوت، يقترب صوت الغناء الشجي، حتى أصل إلى مصدره من هذا الراديو ذي الأزرار الدائرية التي تشبه العيون، والسماعة المستديرة التي تطل من خلف فتحات دائرية ضيقة تسمح بخروج الصوت، وفوقهم باب لشريط الكاسيت، بينما يلمع زر التسجيل بلون برتقالي، أضفى على الجهاز مسحة حداثية، كانت طفرة في تصميمات نهاية سبعينيات القرن المنقضي.
"الهوى هوايا…
الهوى هوايا…"
تتطاير ستائر غرفة النوم، بفعل هواء الصيف الخفيف. هل هذا الهواء هواء المغنّي، أم هواء أبي؟ وهل هو "هواء" بالمعنى الحرفي، أم "هوى" بالمعنى المجازي المرادف لإحدى درجات الحب؟
أجلس على السرير وأعطي ظهري لنسمات الهواء، وأسلم أذني لصوت المطرب. صوت آلة الرق هي أول ما يلفت نظري، دقات أنامل بشرية، أتعرّف بها على معنى الإيقاع، وأتيقن أن هذا العازف في قمة سعادته، على الأقل أثناء وقت التسجيل، بينما يتناغم مع صوت المطرب المنتشي، وفي نفس الوقت لا تخلو بحّة صوته من شجن عميق، يتخفى خلف أحبال صوتية تتراقص على إيقاعات الرق.
"الهوى هوايا…" تتطاير ستائر غرفة النوم، بفعل هواء الصيف الخفيف. هل هذا الهواء هواء المغنّي، أم هواء أبي؟ وهل هو "هواء" بالمعنى الحرفي، أم "هوى" بالمعنى المجازي المرادف لإحدى درجات الحب؟... مجاز
يأتي صوت أبي من مكان آخر بالشقة، وهو يردّد خلفه باستمتاع محافظاً على إيقاع الغناء وموقع الحروف، مردّداً الكلمات بالضبط في مكانها وتوقيتها، محاولاً بيأس شديد أن يقلد نبرة صوت المغني. تعايش تام مع اللحظة، تزداد عندما ألاحظ أن هناك صدى صوت يردّد خلف أبي، ما معناه أنه بالحمام، ولكن وضوح صوته يوحي أن الباب مفتوح. أختبئ وأطلّ بنظري عليه، فأرى معجون الحلاقة الأبيض يغطي نصف وجهه، والنصف الآخر حليق، بينما يحرك ماكينة الحلاقة اليدوية على ذقنه بهدوء محاكياً إيقاع الأغنية، وكأنه يعزف على الكمان وسط الفرقة الموسيقية المصاحبة.
أتعجّبُ. لماذا يغني أبي هذه الأغنية بمثل هذا الشغف؟
هل يغنيها لأمي؟ لقد أحبها وتزوجها بالفعل. هل يغنيها لأخرى؟ هل أغاني الحب يجب أن تكون بالضرورة للزوجة أو العشيقة، أم أن أغاني الحب الجميلة، هي أغاني حب جميلة في المطلق؟ هي جميلة وعذبة في ذاتها، الحب لذاته، والغناء لذاته.
لم أكن قد جربت بعد هذه المشاعر، ويقيناً ليس لأبي عشيقة سرية، ولكن مثل هذا النوع من الأغاني متقنة الصنع، يجعل المستمع يتماهى معها، يعيشها ويعيش فيها، ويطير في رحاب موسيقاها، بل ربما لا يوجد على الأرض هنا من تستحق هذا السمو والرقي والمستوى المتصاعد من المشاعر السامية، حتى وإن كانت "ميرفت أمين" بجمالها، وشَعرها، ونظرة عينيها اللامعة.
"الهوى هوايا…"
حرف "الهاء" المتكرّر يخرج من تباريح الروح، من الجوف، يطلق مجالاً للهوى و "الهواء"، و"الوهن"، و"التنهيد"، و"السهر"، و"السهد"، تنويعات عديدة يشترك فيها حرف "الهاء"، في تجسيد لعبقرية اللغة العربية في ربط الصوت بالإحساس ودلالات الحروف. يمسك الملحن بتلابيب الهاء و"يهدهد" به آذان المستمعين وقلوبهم، ويمزجه بلحن مبهج في "المذهب" أو "السينيو" (الجملة اللحنية المتكرّرة).
"واشغلك عُقد غالي"
يتكرّر حرف "الغين" مرتين في أقل من ثانيتين، "يدغدغ" الحواس، و"الغين" من "الغزل" ومن "الغناء" و"الغنج" و"الغواية". معانٍ تتسلّل إليك رغماً عنك، عبر لحن لملحن ينتهي اسمه بحرف "الغين"… "بليغ"، معنى ولقباً، بلاغة موسيقية، ولحناً يطاردني في عقلي، وصورة ماكينة الحلاقة ماركة "لورد" تتحرّر في يد أبي كأنها قوس آلة الكمان، واللون الأبيض للفانلة الداخلية التي كان يرتديها تذكّرني ببياض قلبه ونقاء نواياه.
أتصور أنه ربما يغزل عقداً غالياً لحبيبته في خياله، سواء كانت أمي أو غيرها! الغزل هو عمل دقيق يحتاج للصبر، تماماً كالعشق والهوى!
"يضوي يا أحلى الصبايا"
"يضوي"… لفظ جديد على القاموس الشِعري لهذه الحقبة الزمنية. بعد سنوات أبحث عن اسم الشاعر الذي كتب هذه الحروف الماسية، وأجده "أبنودياً"، منسوباً لقرية "أبنود" في محافظة قنا. يشبه تقاطيع أبي، الأنف الطويل والرأس الفرعونية والقوام الطويل. لم يكن من السهل أن يلتقط مطرب ما في هذا الوقت كلمات كهذه ليغنيها. خرجت كلمة "يضوي" من قاموس جديد لشاعر صعيدي، وفقير، وعامّي، واشتراكي، وناصري، وعاشق ولِه، يدعى عبد الرحمن الأبنودي.
"والصبايا"
وصف آخر للمحبوبة بصيغة الجمع غير دارج في كلمات أغاني هذا الوقت، يغازل فيه الأبنودي محبوبته، ويعطيها صفة البراءة والعفة والمراهقة. تمر الكلمة على أذني جديدة، تحب المرأة الغزل، وما أجمل من أن تُردّ إلى سِن أصغر، تظهر فيه كصبية صغيرة تفتن حبيبها، بينما يضع في صدرها عنقوداً من الألماس الذي "يضوي"، قام بغزله بنفسه.
هجر جدي الصعيد إلى الإسماعيلية، وعمل بها فترة، أرسم وجهه هنا بالحروف، وأجده يشبه هذا "الأبنودي" شكلاً، ويشترك معه في الفقر وحب الغناء والوله. أبي، جدي والأبنودي، بدأوا فقراء، ولكنهم يعرفون العشق، والغناء، والحب، عاشوا الحياة "على هواهم" نعم، ولكن لم يكونوا يملكون من مباهج الحياة الكثير.
"يضوي يا أحلى الصبايا"... خرجت كلمة "يضوي" من قاموس جديد لشاعر صعيدي، وفقير، وعامّي، واشتراكي، وناصري، وعاشق ولِه، يدعى عبد الرحمن الأبنودي... مجاز
تأتي "أحلى الصبايا" من ماضي غرفة المنزل القديم الخاوية إلا مني، بينما خلفي شباك صغير ألمح منه فتاة تقف في شرفة بناية عالية بعيدة، لم أستطع أبداً ان أرى ملامحها بسبب البعد. أتوقع اسمها، وشكلها، وصوتها، ولون فستانها، وأغزل قصصاً في خيالي عن لقاءات بيننا لم تتم إلا في رأسي. لا أحكي لأبي عنها. لم تكن ذقني قد نبتت، وكنت أغار من رجولة أبي، وأحلم بهذا اليوم الذي نتشارك فيه ماكينة الحلاقة اللورد والمعجون، وأكتفي بمشاركته في حب الأغنية بصوته المرافق لعبد الحليم حافظ، وأختلف عنه في أن "أحلى الصبايا" موجودة في واقعي.
"ندخل كتب الحكاوي"
اصطحب أبي داخل القصص. يدخل معي إلى "كتب الحكاوي"، التي اعتاد أن يشتريها لي صغيراً وكبيراً. أخصّص له مقعداً في "الحكاوي" التي أكتبها، والأشعار التي أزرعها في حدائق قلبي، بعد أن كان سبّاقاً بإلقاء بذور الذكريات في روحي.
أحتفظ لأبي بصورة في منتصف مكتبة منزلي وهو يحملني وخلفنا الهرم الأكبر. أختار هذه اللقطة خصيصاً، وأزرعها وسط "كتب الحكاوي" في المكتبة، لكي تتلمّس خلود الهرم الأكبر حتى أغادر هذه العالم.
"أروي سنينك غناوي"
أعيش لأسقي سنيني بالأغاني، أمتهن كتابة "الغناوي" وأروي بها ظمأ المشاعر عندي وعند من يستمعون لها، أتلمّس طرقاً غير معبدة، وأعاني لكي أصدُقهم القول. أروي سنين كل بنت أحببتها بالأغاني، وكلهن يرحلن بعد اكتمال اللحن.
أكتب عن "أحلى الصبايا" ذات الفستان الطائر التي لا أعلم عنها شيئاً، ولا تعلم أني أخلدها الآن وأكتب عنها "حكاوي" و"غناوي"، بتحريض من أبي. يعود إيقاع الرق المبهج ويستحضرها ترقص أمامي نفس رقصة ميرفت أمين، وهي تتوسّط الراقصات في الأغنية. تتحداني هذه الكلمات في أن أكتب في مثل جودتها وسحرها، وأضعها في قائمة الخمسين الأغنية التي أود أن أكتب في إتقانها، وقد وضعني أبي في هذا المأزق مبكراً جداً، عندما غرزها في نن عين عقلي وأنا لم أتعد العشر سنوات.
كان عبد الحليم حافظ سباقاً في التجديد في "الغناوي"، واختيار طرق جديدة في التعبير سواء على مستوى اللحن والكلمات، وكان أول من احتفى بموجة ما يسمى بــ "شعراء العامية" متمثلين في صلاح جاهين الأبنودي ومجدي نجيب وعبد الرحيم منصور، في مقابل شعراء الأغنية مثل محمد حمزة، ومرسي جميل عزيز، وفتحي قورة، وحسين السيد.
بدأ ينتقي من أعمالهم ما يطور من تجربته، وكانت من ضمن هذه التجارب ثلاث أغان عاطفية أخذها من الأبنودي، وهي "أنا كل ما أقول التوبة"، و"أحضان الحبايب"، و"الهوى هوايا" التي بدأت بجملة لحنية من بليغ حمدي، وهي جملة المذهب الرئيسية "الهوى هوايا"، والتي كتب عليها الأبنودي ثلاثة اقتراحات، وانتقي منها عبد الحليم "الهوى هوايا"، ويضيف الأبنودي أنه كتب أربعين مقطعاً على نفس لحن الكوبليهات، واختار منهم بليغ وحليم ستة فقط، كما جاءوا بالأغنية.
حاولت مرات ومرات أن أكتب أغنية عن أبي نفسه، وفي كل مرة تجفّ "سنيني"، ولا أكملها، وأتيقن أن مشاعري له لا يمكن التعبير عنها بالشِعر، ربما تكون أعلى بكثير من موهبتي على صياغة أغنية، والاحتمال الآخر أنه بنفسه قد وضع معياراً عالياً جداً لغزل "الغناوي"، عندما كان سبباً في أن أسمع "الهوى هوايا"، التي سرد فيها الأبنودي أربعين مقطعاً، فأهواها وأصدقها ولا أستطيع عبور "القصر العالي" الذي بناه أبي وسكن بداخله، وأدار هذه الأغنية فيه بشكل مستمر ثم أورثني إياه، وقال لي: "أروي سنينَك غناوي".
"أرسم صورتِك بيدي
ع النسمة اللي تعدي
ع الفجر أبو ضحكة وردي"
يضحك الفجر ضحكاً وردياً، وأرسم صوراً خيالية "لأحلى الصبايا" القابعة هناك في دهاليز خيالي، والنسمة "تعدّي"، وتذكرني بعطور الصبا، ورائحة اللافندر المنبعثة من زجاجة الكولونيا التي يستخدمها أبي بعد الحلاقة.
لا يجيد أبي الرسم، وورثت عنه ذلك، ولكن كان لي نصيب من حب الموسيقى، والغناء، والذوق المتفرّد في سماعها واختيارها، وكانت هذه الأغنية جزءاً من إذاعة الأغاني المصرية الشهيرة، التي تذيع أغاني باستمرار على مدار اليوم، لكي "تروي سنين" المستمعين بالأغاني، وتملأ يومهم بالبهجة والطرب.
تتجلى الصور الشِعرية والاستعارات في هذا المقطع، الذي أعتبره تحديداً ثورة على الطرح الواقعي للكلمات التي تغنى بها عبد الحليم في الخمسينيات والستينيات. إنه طرح شاعري حالم وثائر يتماشى مع ثورات الهيبيز في السبعينيات، وبهجة الألوان النارية الصارخة، التي ساهم في ظهورها دخولُ السينما عصر التصوير بالألوان الطبيعية التي صوّر بها فيلم "أبي فوق الشجرة"، وظهر فيه ألوان زي الراقصين، وفستان ميرفت أمين الأحمر، القصير، الفاتن، وضوء النهار، ولون الشماسي في أغنية أخرى بنفس الفيلم.
يلوّن الأبنودي صوت عبد الحليم بألوان جديدة، ومبهجة، ويضفي على ذكرياتي مع أبي بُعداً شاعرياً، ويضحكان معاً ضحكاً وردياً كالفجر، ويلمحني أبي بطرف عينيه، وأنا أراقبه وهو يحلق، ويتظاهر بأنه لا يراني، ثم تأتي الأغنية من خلفي مع "النسمة المعدية"، ويرسم أبي بيده طرقاً ممهدة على ذقنه بالماكينة اللورد.
"وكفاية إنك أنتِ
اللي فضلتي معايا"
ينظر لها بعينين مليئتين بالفخر والحب، يعلم حسين كمال، مُخرج الفيلم، المعاني الخفية للرومانسية، ويفهم ما يريده عبد الحليم حافظ، وماذا يريد الجمهور منه. يستدعي الوجه الجديد ميرفت أمين، ويضعها أمام رمز الرومانسية، "مكنتش مصدقة إن عبد الحليم هايغني لي": صرحت هي نفسها فيما بعد. كان يكفي أن تبتسم فقط أثناء غنائه لها، لكي تفتح لها الابتسامة أبواب الشهرة، والنجومية. إنها سعيدة بامتنانه لها لأنها "الوحيدة اللي فضلت معاه".
هكذا كان عادل في الفيلم، أما عبد الحليم حافظ نفسه، فإنه لم يذق إحساس مرافقة محبوبة للنهاية، فلقد عاني في كل قصص الحب التي عاشها، وحالت الظروف بينه وبينهن، ولم يجد من يقول لها: "وكفاية إنك أنتِ اللي فضلتي معايا".
أمر بين الذكريات الآن، ولا أجد من أشكرها لأنها "الوحيدة اللي فضلت معايا"، ثم أرسل رسالة إلى أمي وأصرح لها: "أنتِ الوحيدة اللي فضلتي ثابتة على خط الزمن بتاعي"، لا يصلها تعقيد الجملة من الوهلة الأولى، فأضيف: "وكفاية إنك أنتِ اللي فضلتي معايا".
أشارك أبي محبوبته السرية والعلنية، وبرغم أن ذقني قد نبتت منذ عقود، فأنا أخالفه في استخدام ماكينة الحلاقة، حيث إني أخترت أن أكون ملتحياً.
"وكفاية إنك أنتِ اللي فضلتي معايا". سمعته يقولها لأمي بعدها بحوالي نصف قرن. حضور المرأة الدائم في حياة الرجل يرقيها إلى مصاف الملائكة. الرجل متقلب وصعب وطفل وأحياناً خائن، وله أربعة قلوب أو أكثر... مجاز
"وكفاية إنك أنتِ اللي فضلتي معايا".
سمعته يقولها لأمي بعدها بحوالي نصف قرن. ظاهرياً، من الصعب مقارنة ميرفت أمين بأي امرأة، ولكن حضور المرأة الدائم في حياة الرجل يرقيها إلى مصاف الملائكة. الرجل متقلب وصعب وطفل وأحياناً خائن، وله أربعة قلوب أو أكثر.
"لكن وأنا كُلي حيرة
مش بـ أملك يا أميرة
من أحلامي الكتيرة
غير ضحكي وغير بُكايا"
نُولد ونحن نبكي بشدة، ثم نجرّب الابتسام في الشهور الستة الأولى، ربما لرؤية الأب أو الأم، أو الملائكة أثناء النوم. كانت فرحة أبي وأمي مضاعفة عند ولادتي، لأني تأخرت في المجيء ست سنوات بعد الزواج، وكانا قد جرّبا البكاء بحرقة عندما توفي لهم بنتان قبلي عمرهن أيام.
قبل عصر توثيق كل شيء بكاميرا الهاتف المحمول، لم يكن ممكناً معرفة أول مرة أضحك فيها وأنا رضيع. لم أكن أملك حينها إلا "ضحكي وبُكايا". يقف هنا الأبنودي عند نفس النقطة، لا يملك الانسان إلا كونه إنساناً، يضحك ويبكي، هي مشاعره الأساسية التي يملكها ويسيطر عليها. يضع في هذا المقطع الحد الفاصل بين الأحلام والواقع، ما يملكه الشاعر من مشاعر وأحلام وأماني، وما يملكه الإنسان من "المشاعر الأساسية".
يشترك الأبنودي مع جدي وأبي في تجربة الفقر، والكفاح، وأنهم لا يملكون سوى مشاعرهم. لم يتقاض الأبنودي أي أجر عن كل الأغاني الوطنية التي كتبها لعبد الحليم حافظ، وعندما طلب منه ذلك، قال له ما معناه: "كأن أشعارك خرجت للناس في ديوان عبد الحليم حافظ"، بينما راضاه عندما كتب له ثلاث أغان عاطفية فقط. لا يملك الشعراء إلا مشاعرهم، ويعد الشاعر محظوظاً إذا تلاقت "أحلامه الكتيرة" مع "ضحكه وبكائه" في "الغناوي" التي "يروي" بها سنين المستمعين والقراء.
ورغم اختلاف علاقة الأب بابنه في الفيلم عن علاقتي بأبي، إلا أن الخط يظل موصولاً بين الماضي والحاضر، لكي يذكرني بفكرة الشجرة ذات الأفرع التي تخرج منها أجيال بعد أجيال. يزرع أبي شجرته ويتركها للزمن لكي يرويها "بالغناوي" على "هواه".
ينقذ عادل في الفيلم أباه من فوق الشجرة، وها هو "أبي فوق شجرة الذكريات"، ينظر لي من أعلى، ويغني، بينما يراقبه الأبنودي على شجرة أخرى قريبة. أشير لهم مبتسماً وأنا لا أملك إلا "ضحكي"، وأضع سماعات أذن حديثة استمع للأغنية على إحدى منصات الموسيقى بعد صدور الأغنية بحوالي 55 عاماً، وأنظر فوقي لأجد "أحلى الصبايا" فوق سحابة بعيدة، ترتدي "عقد غالي يضوي بالنجوم"، لا أتبين ملامحها كالعادة، وترتدي فستاناً أحمر اللون يكشف عن ساقيها، بينما يبدأ المقطع: "وكفاية إنك أنتِ اللي فضلتي معايا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 11 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت