شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
استهداف البنوك والاقتصاد الفلسطيني… هل تدفع إسرائيل السلطة إلى الانهيار؟

استهداف البنوك والاقتصاد الفلسطيني… هل تدفع إسرائيل السلطة إلى الانهيار؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Targeting the Palestinian economy: Is Israel driving the Palestinian Authority to collapse?

لا يبدو الخروج من دائرة الجرائم المتعاقبة التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وشيكاً. ففي العلن، يشهد العالم إبادة لحاضر ومستقبل المجتمع الغزي. وفي الظل، تواجه الضفة الغربية استهدافاً مباشراً ويومياً للبيوت عبر هدمها، ولسكانها عبر قتلهم واعتقالهم، ولأراضيها من خلال الاستيطان واعتداءات المستوطنين، ولاقتصادها عبر فرض حزمة من العقوبات الاقتصادية التي تهدف إلى إفراغها- أي الضفة- من السيولة المالية، وإفقار المواطنين وتجويعهم.

ويبدو أن وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش وجد في ضرب اقتصاد الضفة وسيلة جديدة لضرب كياناتها المدنية والحكومية، سيما بعد اعتراف ثلاث دول أوروبية بدولة فلسطين.

فقرر الوزير في 24 أيار/ مايو 2024 عدم تجديد رخص التعاون النقدي بين المصارف الفلسطينية والإسرائيلية. كما استُهدفت في الأسابيع الأخيرة محلات الصرافة من خلال التخريب والسرقة والمداهمة المباشرة من قبل جنود الاحتلال. بالإضافة إلى جملة من القوانين الجديدة التي تضرب المؤسسة الإقتصادية الفلسطينية. إنها "إجراءات تتصاعد منذ السابع من أكتوبر، وتحمل تغييراً جوهرياً في نظرة إسرائيل تجاه السلطة"، كما يؤكد الخبير الاقتصادي جعفر صدقة لرصيف22.

إسرائيل تعاقب بنوك الضفة

"منذ بداية تسلمها مقاليد الحكم في إسرائيل، اتخذت الحكومة اليمينية إجراءات تغير من علاقتها التاريخية مع السلطة الفلسطينية. فقد كانت إسرائيل تاريخياً تحاول الحفاظ على السلطة ككيان ضعيف"، يقول جعفر صدقة.

ويردف: "وفرت إسرائيل للسلطة الحد الأدنى من القوة التي تجعلها شرطياً يحافظ على أمن إسرائيل. لكن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تريد هذه السلطة من الأساس، وتدفعها بكل قوتها نحو الانهيار".

ويقول لرصيف22 نهاد أبو غوش، المحلل السياسي المختص في الشأن الإسرائيلي، إن "قرار وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بالامتناع عن تقديم ضمانات مالية للبنوك الإسرائيلية الثلاثة التي تقيم علاقات مع البنوك الفلسطينية وهي "ليؤومي"، "هبوعليم"، و"ديسكونت". يضاف ذلك إلى سلسلة من القرارات العقابية التي اتخذها سموترتش من بداية الحرب على غزة.

إسرائيل لا تريد للسلطة أن تعود إلى غزة، بحسب أبو غوش. ليس حباً في فتح أو كرهاً في حماس، ولا العكس. إنما هي مصلحة إسرائيل في إبقاء الانقسام، والقضاء على أي صيغة توحد الفلسطينيين وترمز إلى كونهم شعباً واحداً

يقدّر أبو غوش بأن الحكومة الإسرائيلية تستخدم هذه القضية كورقة للتلويح والتهديد، وأن البنوك الإسرائيلية نفسها قد تتعرض لعقوبات في حال تنفيذ القرار. وبالتالي، ستقع متوالية من الأحداث ليست في مصلحة إسرائيل، سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة في مناطق السلطة التي تحذر الدوائر الأمنية من أنها قد تؤدي إلى انفجار أمني يهدد بتحويل الضفة الغربية إلى جبهة قتال ثالثة، خاصة بوجود منافذ للنفوذ الإيراني، بحسب أبو غوش.

ويشير صدقة إلى أنه إذا انتهت الإجراءات في نهاية الشهر الحالي، والقاضية بعدم تجديد رسالة الضمانات للبنوك الإسرائيلية، فسيكون ذلك الإجراء الأخير لدفع السلطة نحو الانهيار.

لكنه يرجح أن من صلاحيات المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر نقض قرار سموتريتش، مثلما حدث في السابق حين جددت السلطات الإسرائيلية رسالة الضمانات للبنوك لثلاثة أشهر.

وقد اتخذت هذه العقوبات الإسرائيلية أربعة أشكال رئيسية، كما يرى خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في مركز مسارات. أولها الضغوط الاقتصادية والمالية وتجفيف موارد السلطة. وتدمير البنى التحتية من خلال التدخل العسكري وإضعاف قدرة البلديات والمجالس المحلية على معالجة هذا التدمير المستمر والمتكرر.

وثالثاً تدمير الاقتصاد الفلسطيني القائم بأغلبيته على المنشآت الصغيرة كمحالّ الصرافة. وأخيراً، إضعاف قدرة المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية والإغاثية من خلال تقييد تمويلها، والتضييق على مجالات عملها أو إغلاقها.

قوانين تقطع عنق السلطة

وضمن تواتر الممارسات الإسرائيلية الهادفة إلى ضرب القطاع الاقتصادي، أقرت الهيئة العامة للكنيست، في 29 أيار 2024، بالقراءة التمهيدية، مشروعي قانونين. يقضي أحدهما بفرض عقوبات على مؤسسات مالية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة في حال ثبت أنها تحول أموالاً إلى من يتم اعتبارهم بموجب التعريف الإسرائيلي "إرهابيين".

ويتضمن القانون أيضاً فرض عقوبات وقيود على مؤسسات مالية إسرائيلية، أو تعمل داخل إسرائيل، في حال تعاملت مع تلك المؤسسات المالية "الأجنبية".

لكن مشروع القانون الثاني، الأكثر خطورة، فيقضي بالتصرف بأموال السلطة الفلسطينية التي تحتجزها الحكومة الإسرائيلية.

يوضح جعفر صدقة أنه في العام 2018، أقر الكنيست الإسرائيلي قانوناً يقضي بأن تحتجز الحكومة الإسرائيلية من أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها على المعابر سنوياً، بقدر المبالغ التي تصرفها السلطة على مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى.

في العام 2018، أقر الكنيست الإسرائيلي قانوناً يقضي بأن تحتجز الحكومة الإسرائيلية من أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها على المعابر سنوياً، بقدر المبالغ التي تصرفها السلطة على مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى

وقد مُنحت صلاحية تقدير هذه المبالغ للوزارات المعنية في الحكومة الإسرائيلية، وبدأت هذه بدورها بخصم هذه المبالغ منذ عام 2019، وتقدر قيمتها بـ52 مليون شيكل شهرياً (ما يعادل 13 مليوناً وثمانمئة ألف دولار).

"يوضع المبلغ الذي يُخصم في حساب تحفظي، أي يحافظ على هذه الأموال دون أن تُستخدم. لكن في حال إقرار هذا القانون في الكنيست، فإن هذه الأموال سوف تصرف من جانب إسرائيل على بنود مختلفة، يتوقع أن يكون معظمها عبارة عن تعويضات للمتضررين من العمليات العسكرية الفلسطينية ضد إسرائيل"، يقول صدقة.

في سياق متصل أوضحت سلطة النقد الفلسطينية لرصيف22 أن أي تغيير على أسس العلاقة المصرفية بين البنوك الفلسطينية والبنوك الإسرائيلية، يتطلب تعديل الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين.

وفي تعقيبها، قالت سلطة النقد: "إنها ترى أن هذه العلاقة حيوية لاستمرار العلاقة التجارية وتسديد أثمان السلع والخدمات المستوردة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. وإن المسّ بها سيؤدي إلى أزمة إنسانية قبل أن تكون اقتصادية أو سياسية".

وترجح سلطة النقد أن التعديلات القانونية المطروحة بعيدة عن الواقع، خاصة أن مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء لا تدفع من خلال البنوك أو الصرافين أو النظام المالي الرسمي.

أزمة فائض الشيكل

يرى الخبير الاقتصادي جعفر صدقة أن "أزمة فائض الشيكل" بدأت منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 وتأسيس البنوك الفلسطينية، حيث تعاني السلطة من فائض كبير في عملة الشيكل التي تسبب أزمة للفلسطينيين.

ويقول شارحاً: "إن حاجة الفلسطينيين للشيكل مقتصرة على شراء البضائع من إسرائيل بقيمة 22 مليار شيكل سنوياً (ما يعادل 5.8 مليار دولار). لكن حجم التداولات المالية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بما في ذلك أموال المقاصة (الضرائب الفلسطينية التي تجنيها إسرائيل عن المعابر)، وأجور العمال الفلسطينيين العاملين في إسرائيل، تقترب من 60 مليار شيكل سنوياً (ما يعادل 16 مليار دولار)، وهو يفوق الحاجة من العملة لاستيراد البضائع".

ويوضح صدقة بأن العملة هي مخزن للقيمة، وأنك حين تحمل عملة الشيكل، فإن صاحب هذه العملة، أي إسرائيل، يستدين جهدك وعملك. وحين ترفض إسرائيل استقبال هذا الفائض، فذلك يعتبر سرقة لجهد الشعب، وسرقة شهور كاملة من العمل.

"كما أن السلطة تحتاج إلى تحويل أموالها لعملات أخرى من أجل شراء بضائع أخرى من خارج إسرائيل. وعلى الرغم من أن البنك الذي يصدر العملة ملزم بأن يأخذها، إلا أن إسرائيل تماطل في ذلك وترمي الشيكل في وجوه الفلسطينيين"، يؤكد صدقة.

السؤال الأهم هو ليس اختصار موقف إسرائيل بأنها مع بقاء السلطة أو دفعها للانهيار، بل هو أي نوع من السلطة تريدها إسرائيل

إسرائيل والعالم… أي سلطة يريدون؟

يؤكد أبو غوش أن ثمة انقساماً في صفوف الداخل الإسرائيلي، وبأن التوجه للدفع نحو انهيار السلطة ما زال محدوداً لدى قوى اليمين الفاشي والاستيطاني المتطرف. في حين لم يصبح بعد توجهاً مركزياً حتى لدى حكومة اليمين، بل تعارضه كل الأجهزة الأمنية.

"كما أن ذلك سيستدرج على الأرجح ردود فعل، وربما عقوبات أميركية وأوروبية، ويضعف فرص التطبيع مع السعودية وغيرها من دول مرشحة لذلك"، يقول أبو غوش.

ويضيف: "حتى الآن ليس لإسرائيل مصلحة في انهيار السلطة إلا إذا توفر بديل مقنع. فالسلطة تحقق لإسرائيل فوائد التنسيق الأمني وقمع المقاومة ومعارضي إسرائيل، وإعفاء إسرائيل من عبء التعامل مع خمسة ملايين فلسطيني وحاجاتهم المعيشية والخدمية اليومية"

"بالإضافة إلى الإيحاء أن ثمة عملية سياسية يمكن أن تستأنف حتى لو كانت جامدة الآن. وإلى تحميل السلطة، وليس الاحتلال، كل مسؤوليات معاناة الشعب الفلسطيني من فقر وقمع وفساد. وكأن الاحتلال بريء من كل ذلك"، يؤكد أبو غوش.

ويرى أن السؤال الأهم هو ليس اختصار موقف إسرائيل بأنها مع بقاء السلطة أو دفعها للانهيار، بل هو أي نوع من السلطة تريدها إسرائيل.

"إذ تفضل إسرائيل التعاون مع الفلسطينيين كسكان، وإن أمكن، كعائلات وحمائل، وليس كشعب له حق في تقرير المصير. فيما تعرف السلطة الحالية نفسها بأنها نواة لمشروع الدولة المستقلة، وهي وليدة الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية"، يقول أبو غوش.

ويردف: "لكن ما تريده إسرائيل بالتحديد هو اختزال دور السلطة إلى وظائف أمنية وخدمية محدودة، ومنعها من أن تكون قادرة على التحول إلى دولة. إسرائيل تريدها سلطة ضعيفة خاضعة، وجودها أو غيابه مرهون بالقرار الإسرائيلي، تعيش على أموال المقاصة ويمكن أن تنهار بقرار إسرائيلي".

كما أن إسرائيل لا تريد للسلطة أن تعود إلى غزة، بحسب أبو غوش. ليس حباً في فتح أو كرهاً في حماس، ولا العكس. إنما هي مصلحة إسرائيل في إبقاء الانقسام، والقضاء على أي صيغة توحد الفلسطينيين وترمز إلى كونهم شعباً واحداً.

الحصاد المر لاتفاقية أوسلو

"نحن الآن في مرحلة الحصاد المر لاتفاقية (أوسلو) واتفاقية باريس الاقتصادية الملحقة بها، التي كرست التبعية الاقتصادية لإسرائيل، وحرمت السلطة الناشئة من استخدام الموارد التي كان يمكن أن تساهم في إحداث تنمية"، يقول شاهين. مضيفاً: "حتى الهوامش المتاحة في هذه الاتفاقية لم تستفد منها السلطة الفلسطينية، مثل إنشاء محطات توليد كهرباء أو استيراد الطاقة بدلاً من شراء هذه الخدمات الأساسية من إسرائيل".

بدوره يقول صدقة: "صحيح أن العالم يضغط على إسرائيل، ولكن يبدو أن للدول المانحة العربية والأجنبية قراراً بضرورة إجراء إصلاحات جدية في السلطة. فالمجتمع الدولي يقول إنه يريد سلطة قوية وشفافة، وقادرة على أن تقوم بدورها في إدارة الشأن الفلسطيني العام وقادرة على التحول إلى دولة حين يحين الوقت".

ويشير صدقة إلى أن إمكانات السلطة الفلسطينية حالياً شبه معدومة وهي عاجزة كلياً عن دفع رواتب موظفيها. فالجباية المحلية انخفضت بسبب ضعف النشاط الاقتصادي بعد الحرب، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة مما يمكن تحصيله بشكل مقدم من مدفوعات الشركات الكبرى مثل الاتصالات. فاضطرت إلى أخذ أموال صندوق تعويض حوادث الطرق، وصناديق مدخرات أخرى.

يوضح شاهين أن جوهر السياسات الإسرائيلية التاريخية لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة تقوم على "تغيير صورة الوضع القائم". وأن ما حدث بعد السابع من أكتوبر هو تسريع لهذه العملية من خلال إحداث تغييرات في العلاقة السياسية مع السلطة الفلسطينية تهدف إلى تغيير الوضع الديمغرافي.

"لا توجد لدى إسرائيل رؤية نهائية وتفصيلية متفق عليها في الضفة الغربية. لكنها تندرج تحت عنوان عريض هو حرب الاستنزاف الشاملة التي تهدف إلى إنهاك السلطة والمجتمع الفلسطيني"، يؤكد شاهين.

ويختم: "أما قطاع غزة، فإسرائيل تريده خاوياً، أو في أحسن الأحوال، ما أسماه وزير الأمن يؤاف غالانت "الجزر الإنسانية"، التي يتم تسليمها إلى جهات فلسطينية تحت إشراف الجيش الإسرائيلي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image