في خضم الحضور السياسي اللافت لإسبانيا على الصعيد الأوروبي والشرق الأوسط، تبرز شخصية هنا جلول النائبة البرلمانية لحزب العمال الإشتراكي في مجلس النواب الإسباني الحاكم PSOE.
وهي تنحدر من مدينة ثاراغوثا الإسبانية، لأب لبناني وأم إسبانية، مما منحها رؤية ثقافية متنوعة كونها عاشت في العالمين وأتقنت لغات متعددة كما تعمقت في الثقافات والأديان. نالت درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية في قسم القانون الدولي، كما درّست مادة الإرهاب الدولي في جامعة كارلوس الثالث، وتخصصت في دراسة الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط.
انطلق مشوارها السياسي بتقلّدها مناصب استشارية مرموقة في الدولة بالإضافة إلى عدة مناصب سياسية أهمها منصب مديرة عامة لوزارة الهجرة والضمان الاجتماعي في الحكومة الإسبانية. كما تميزت بحنكتها السياسية ونظرتها الشمولية مما جعلها تتبوأ دور مسؤولة السياسة الدولية والتعاون الإنمائي لحزب PSOE لعام 2023.
Foto: Eva Ercolanese
حاورها رصيف22 وفي ما يلي نص الحوار.
ما هي التحديات التي واجهتك والفوائد التي كسبتيها كونك جزءاً من جيل أبناء المهاجرين؟ وكيف استطعت تحقيق التوازن في تكوين هوية خاصة بك؟
من الخطأ الاعتقاد بأنه من الضروري اختيار هوية واحدة أو أخرى، بل بإمكانك أن تكوني كل شيء، دائماً أقول لأبنائي" "إذا كان بإمكانك الحصول على كل شيء، فلماذا عليك أن تكتفي بالقليل؟". أنا امرأة إسبانية، ولدت هنا وعشت هنا، والدتي إسبانية، ولكنني أشعر أيضاً بأنني لبنانية جداً، كما والدي اللبناني. عشت في لبنان، وأعتبره أيضاً بلدي، وبالطبع واجهت أزمات في مرحلة المراهقة وحتى في وقت لاحق، إذ يبدو أن المجتمع يفرض علينا ضرورة اختيار هوية واحدة أو أخرى، لكنني لا أرى ذلك مهماً مقابل أهمية الحديث عن هوياتنا وثقافاتنا ولغاتنا المتنوعة. ما يحدث هو أنني ما زلت أعيش في مجتمعات لديها العديد من الصور النمطية، وهذا يجب تغييره.
"من الخطأ الاعتقاد بأنه من الضروري اختيار هوية واحدة أو أخرى، بل بإمكانك أن تكوني كل شيء". هنا جلولكيف تفسرين ما نشهده من معايير مزدوجة تظهرها أوروبا في إدانة انتهاكات روسيا ضد أوكرانيا وإيران ضد إسرائيل، بينما يبدو أنها تتجاهل الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة وجنوب لبنان وانتهاكها لعدة قرارات للأمم المتحدة؟
لن أستطيع الإجابة بشكل جيد على هذا السؤال لأننا حقاً نفكر بنفس الأمر أيضاً. شهدنا في إسبانيا موقفاً مغايراً تماماً، فرئيس حكومتنا بيدرو سانتشيز، يقود بشجاعة عملية الاعتراف بسيادة الدولة الفلسطينية. كما اقترح مؤتمراً للسلام منذ أشهر، وحضر مؤتمر القاهرة وزار فلسطين وتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، حول هذا الأمر. كما تم التصريح بوقف إطلاق النار، وضرورة البحث عن حلول سياسية لهذا النوع من الصراعات الذي يمكن حله دبلوماسياً وسياسياً. ولا يعزى هذا إلى كون بعض المنظمات طالبت بوجوب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل هناك قرار من الأمم المتحدة منذ العام 1948 ينص على وجوب الاعتراف بسيادة فلسطين، لذا يجب الالتزام به. إن عدد القتلى غير مقبول، كما أنه غير مقبول أن يتم اختطاف رهائن من قبل حماس وقد طالبنا مراراً بإطلاق سراحهم. وفي هذا السياق، نحن مع حقوق الإنسان، والأفراد والعائلات. لذا نطالب منذ زمن بضرورة وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة.
Foto: Eva Ercolanese
هل سيؤدي اعتراف إسبانيا بسيادة دولة فلسطين جنباً إلى جنب مع دول أوروبية أخرى مثل مالطا والنرويج وأيرلندا، إلى تغيير حقيقي يوقف الإبادة الجماعية ويدين إسرائيل، أم أنه مجرد موقف رمزي؟
الاعتراف بدولة فلسطين يمثل نقطة تحول بالغة الأهمية وسينطوي عليها العديد من الأمور. من الضروري الآن التخطيط بعناية للمرحلة المقبلة، مع النظر ليس فقط في الوضع الراهن والقوى التي ستدير البلاد، بل في كيفية تنفيذ هذا الاعتراف بشكل فعّال. منذ عام 1948، لم يتم الاعتراف رسمياً بسيادة فلسطين، وقد شهدت الفترة التالية تغييرات جمة. لذلك، كما أكد رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، نحن كحكومة ندعم هذه الخطوة بقوة. من الواضح أن هناك فارقاً ملحوظاً قبل هذا الاعتراف وبعده، وأعتقد أنه في هذه المرحلة لا يمكن فتح مجال للنقاش أو التراجع عن هذه الخطوة. وبالفعل، نرى للمزيد من الدول أن تنضم إلى موقف إسبانيا الداعم.
"منذ عام 1948، لم يتم الاعتراف رسمياً بسيادة فلسطين، وقد شهدت الفترة التالية تغييرات جمة. لذلك، كما أكد رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، نحن كحكومة ندعم هذه الخطوة بقوة". هنا جلولكبروفسورة في العلاقات الدولية والقانون الدولي ومتخصصة في مفهوم الإرهاب، ما رؤيتك إلى مستقبل الشرق الأوسط بعد الأحداث الأخيرة؟
يواجه العالم العربي، الممتد من شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط، تحديات معقدة ونزاعات متعددة تؤثر بشكل مباشر على أوروبا. ليبيا تخوض حرباً مستمرة ذات تأثيرات عميقة، فيما تواجه مصر ضغوطاً شديدة بسبب الأوضاع في رفح وغزة. تونس تراجعت في العديد من القضايا التي كانت قد تجاوزتها، وذلك نتيجة لدستور 2014 الذي جاء أكثر تعقيداً والأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد. في الشرق الأوسط، يعاني لبنان من أزمة اقتصادية خطيرة، مما أثر على قدرة الناس على سحب أموالهم من البنوك، وخاصة بعد انفجار مرفأ بيروت. هناك أيضاً التوترات المستمرة بين حزب الله وإسرائيل، بما في ذلك المواجهات على الحدود البحرية والغارات التي نفذها الجيش الإسرائيلي. العراق لا يزال يكافح لتحقيق استقرار ما بعد النزاعات، والوضع في سوريا متدهور بشكل كبير، إضافة إلى التحديات الأمنية المستمرة بسبب الحوثيين. بشكل عام، الوضع في الشرق الأوسط سيء للغاية.
من جهة أخرى، تشهد دول شمال أفريقيا تحدياتها الخاصة بما في ذلك تدفق المهاجرين من ليبيا وموريتانيا نحو أوروبا والمشكلات المرتبطة بالإرهاب على الساحل. إذ تشير التقديرات إلى وجود حوالى 40 مليون شخص في الساحل، وهذا سيؤدي إلى زيادة كبيرة في ضغط تدفق المهاجرين نحو الشمال.
ينبغي أولاً أن يُسمح للشعوب في العالم العربي بأن يكون لديهم دور فعّال في صنع قراراتهم، ومن ثم ينبغي العمل على تعزيز الديمقراطية في المنطقة وتمكين المجتمعات من المشاركة في عمليات الانتخابات الحرة. كما يجب العمل مع منظمات المجتمع المدني والمواطنين.
"ينبغي أولاً أن يُسمح للشعوب في العالم العربي بأن يكون لديهم دور فعّال في صنع قراراتهم، ومن ثم ينبغي العمل على تعزيز الديمقراطية في المنطقة وتمكين المجتمعات من المشاركة في عمليات الانتخابات الحرة". هنا جلول
ماذا عن تأثير الإيديولوجيات والحركات الدينية المختلفة في المنطقة؟
بالتأكيد، هنالك مواجهات وتوترات بين الجزء العربي السني والشيعي الفارسي، إذا جاز التعبير. حزب الله، رغم كونه حركة سياسية لبنانية، يُعتبر إرهابياً من قبل الاتحاد الأوروبي وجهادياً في سوريا وفقاً لأيديولوجياته. الشيعة، بوجه عام، يظهرون ولاءً وتعاوناً أكبر مع إيران. كما أن هناك جماعات أخرى ذات توجه إسلامي عقائدي مثل حماس، التي، على الرغم من عدم انتمائها السني، تنسق مع إيران. يجب أن ندرك أن الوضع الحالي في الشرق الأوسط معقد، ويتطلب منا العمل نحو تعزيز الديمقراطية في المنطقة. من المهم أن نولي العالم العربي اهتماماً أكبر، وأن نعمل ونتعاون وننسق معه، إذ إن ما يحدث هناك يؤثر مباشرةً على أوروبا، وذلك للعديد من الأسباب، منها الارتباط الجغرافي عبر البحر الأبيض المتوسط، لذا نحن مرتبطون بقضايا الأمن الاقتصادي وجوانب أخرى كثيرة. التنسيق الأفضل مع العالم العربي يُعد خيارًا ذكياً.
Foto: Eva Ercolanese
كان لك نشاط سياسي في لبنان في الماضي، هل بالإمكان أن تحدثينا عن هذه التجربة؟
نعم، لقد عملت في لبنان كخبيرة ضمن مشروعين للاتحاد الأوروبي ومساعدة سياسية لبعثة الاتحاد الأوروبي خلال مراقبة الانتخابات البرلمانية اللبنانية في عام 2009. أشعر بحماس شديد للعمل في هذا المجال وقد نشرت العديد من الأعمال حول مواضيع تتعلق بلبنان والمنطقة. لبنان بلد يتميز بتنوع طائفي كبير، حيث يضم ثماني عشرة طائفة دينية، كل طائفة تمتلك سياقها ومحاكمها الخاصة، هذا التنوع يجعل لبنان فريداً بثقافته الغنية التي تشمل كنائس ومعابد متعددة. أعتقد أن فهم هذه السياقات الخاصة أمر ضروري.
ما هي رسالتك للنساء ذوات الأصول المهاجرة اللاتي يطمحن للتقدم في المناصب السياسية أو الاجتماعية ، وما هي الخطوات الرئيسية لتحقيق ذلك؟
نصيحتي هي عدم فقدان الأمل والشغف والعمل الجاد. بالإضافة إلى إيماننا وثقتنا بأن الأمور يمكن أن تتحسن. الحياة تحمل في طياتها التحديات والصعاب، لذا لا يجب أن نستسلم لليأس أبداً بل نستمر بالعمل بإصرار فلدينا الكثير لنقدمه.
كما أنه من المهم أن نثق بأنفسنا على الرغم من عدم سهولة هذا الأمر. نحن بحاجة لدعم بعضنا بعضاً وبناء شبكة. مقر حزب العمال الاشتراكي هو بيت مفتوح للجميع يعمل مع مجتمعات متنوعة كما المهاجرين، بمن فيهم النساء الأفارقة واللاتينيات. نحن ندعم التنوع لذا نرغب بأن يثق المهاجرون بأن لديهم الدعم. ولهذا نعمل على الاستماع إلى الناس من أجل نقل ما يخبروننا به من أمور ومشاكل.
هل تعتبرين أن اتفاقية الهجرة الأخيرة الموقعة من قبل دول الاتحاد الأوروبي غير عادلة بحق المهاجرين حسب منظمات دولية؟
نعتقد أن هذا الاتفاق كان من الممكن أن يكون أفضل، لكن هذه الخطوة تعتبر إيجابية نحو توحيد قوانين الهجرة. هذا النوع من التوافق القانوني مهم للغاية، ويعكس الجهود الكبيرة التي بذلها فريق حزب العمال الاشتراكي في البرلمان الأوروبي. سنواصل التأكيد على أهمية توفير حقوق للمهاجرين لغاية تحسين أوضاعهم.
ماذا عن كتابك الذي أصدرته مع الكاتب محمد خالد مسعود عام 2022 تحت عنوان (قانون الشريعة في القرن الواحد والعشرين)؟
في دراستي، استكشفت كيف يمكن مكافحة الخطابات الجهادية التي تبرر الأفعال المتطرفة بالاستناد إلى الشريعة، مستخدمةً الافتراضات نفسها التي يستندون عليها وذلك لتفكيك سردياتهم". هنا جلولخلال عملي على أطروحة الدكتوراه، تركزت جهودي بشكل أساسي على فهم الخطابات الإسلامية المتطرفة، التي يدعي مروجوها أنها مستمدة من الشريعة الإسلامية. هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش معمق، ولكن من المهم الإشارة إلى أن أساس الأنظمة القانونية يقوم على التفسير. في دراستي، استكشفت كيف يمكن مكافحة الخطابات الجهادية التي تبرر الأفعال المتطرفة بالاستناد إلى الشريعة، مستخدمةً الافتراضات نفسها التي يستندون عليها وذلك لتفكيك سردياتهم وفهم واقعهم. أعتقد أن هذا النهج ضروري لأن العديد من المجموعات المتطرفة تسعى لتبرير أفعالها باستخدام مصطلحات دينية، على الرغم من عدم توافق هذا مع الواقع. في الكتاب الذي شاركت فيه، قمت بالمساهمة في الفصل التاسع الذي يتناول التفسير الديني للنصوص القرآنية والحديث النبوي وغيرها، معتمدةً على تفسيرات مؤسسات إسلامية رسمية. فأنا أرى أن هذا الموضوع مثير للاهتمام ويمكن أن يساهم في منع التطرف وتوفير فهم أعمق للدين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه