شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ما الذي لم تفعله السلطة الفلسطينية طوال حرب الإبادة على غزة؟

ما الذي لم تفعله السلطة الفلسطينية طوال حرب الإبادة على غزة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 30 مايو 202411:38 ص

حين يُقرأ هذا المقال، سيكون مرّ على حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة أكثر من 33 أسبوعاً متواصلاً. إنها واحدة من أطول الحروب التي شهدتها المنطقة برمتها، إذا ما أخذنا في الإعتبار أن جيشاً منظماً متكاملاً متطوراً يقوم بشنها.

وطوال تلك الفترة، انتظر كثيرون من السلطة الفلسطينية أن تقوم بشيء، أو ربما أن تقول شيئاً. أن تتخذ موقفاً واحداً واضحاً وصريحاً ربما يسهم في وقف الحرب، أو حتى يدعم المواقف العالمية الكثيرة الساعية إلى وقفها بشكل فعلي. لكن ذلك لم يحدث.

ولعل الإجابة عن سؤال "ما الذي فعلته السلطة طوال فترة حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة"، لن تتعدى السطر الواحد. لكن الإجابات المُرة تحتاج لأسئلة تسهم في تعرية المواقف ونبشها، بل وفي الإشارة بكل وضوح وصراحة لما كان بإمكان السلطة أن تفعله خلال تلك المدة، ولم تفعله.

ارتبكت السلطة تماماً أمام أحداث السابع من أكتوبر، وربما أكثر مما ارتبك غيرها، لعوامل عديدة.

أولاً، لأن الحدث كبير وربما الأكبر منذ النكبة. ثانياً، لأن السلطة أدركت حينها أنها باتت لاعباً هامشياً في مجريات الأحداث.

وثالثاً، لأن تيارات عديدة تتجاذب في السلطة، فمنها من وجد في تلك الأحداث فرصة للضغظ على إسرائيل وتعرية الاحتلال ومماراساته. وهؤلاء طبعاً تم تهميشهم وإسكات أصواتهم.

وثمة تيار آخر وجد فيها فرصة للتخلص من حماس إلى الأبد. ولعل بعضهم انتظر ذلك طوال الفترة الأولى للحرب، في الشهرين الأولين في الأقل، وربما قبل أن تتبدد تلك الأحلام أو الأمنيات.

سعت السلطة لإبقاء الأجواء في الضفة هادئة تماماً. وكأن ما يجري في قطاع غزة يجري في إقليم على الطرف الآخر من العالم، ولا علاقة للفلسطينيين به

ولذلك، ساد الصمت المطبق أفواه المسؤولين في السلطة الفلسطينية، وغابوا تماماً عن المشهد. بل وتواروا عن الأنظار بشكل لافت. ولكي نجانب التجني، فقد صدر في تلك الفترة عن السلطة عدد من البيانات الخجولة المنددة بالحرب على غزة والمطالبة بوقفها فوراً من دون أن تحمل موقفاً حقيقياً داعماً لتلك الإدانات أو رافعاً لمقولة "وقف الحرب فوراً".

إذ لا يمكن أحداً أن يوقف حرباً بمجرد الإدانة أو التنديد أو المطالبة بحماية دولية. فعادة ما تُرفق الدول مواقفها بقرارات واضحة تدعم توجهاتها.

والسؤال الذي كان يدور بين الفلسطينيين في الأسابيع الأولى للحرب، هل تتخذ السلطة موقفاً واضحاً جدياً يسهم في وقف الحرب على قطاع غزة؟ لكن هذا السؤال تراجع كثيراً مع استمرار الحرب وتمادي جيش الإحتلال في ارتكاب أفظع المجازر.

فقد سمحت السلطة بيومين أو ثلاثة أيام حداداً في الضفة الغربية، تحت وطأة الضغط الشعبي. ترافقت كلها مع مجازر كبرى ارتكبت في قطاع غزة مثل مجزرة مشفى المعمدان، أو مع مجزرة في جنين.

عدا ذلك، سعت السلطة لإبقاء الأجواء في الضفة هادئة تماماً. وكأن ما يجري في قطاع غزة يجري في إقليم على الطرف الآخر من العالم، ولا علاقة للفلسطينيين به.

أما ما لم تفعله السلطة طوال فترة الإبادة الجماعية على قطاع غزة فهو كثير. إذ لم تعلن حالة الطوارئ، ولم تشكل حكومة طوارئ لتعلن للعالم أن مؤسسات السلطة وأجهزتها الإدارية والأمنية ستنشغل فقط في تبعات هذه الحرب في قطاع غزة والضفة الغربية.

لم تساعد، وربما لم تسمح، بوجود حملة وطنية مستقلة لجمع التبرعات لإغاثة الناس في القطاع. بل وأعاقت الكثير من المحاولات لذلك.

لم توقف التنسيق الأمني ولم تلوّح بذلك. لم توقف اتفاقية أوسلو وتبعاتها ولم تلوّح بذلك. رغم أن كل ما قامت به إسرائيل في غزة والضفة والقدس خلال الحرب على قطاع غزة، يعني بشكل واضح ولا لبس فيه أنها تناست تماماً وجود اتفاقية تسمى أوسلو.

لم تلوّح السلطة بسحب الاعتراف بإسرائيل لتستطيع مطالبة الدول العربية المعترفة بها بفعل ذلك.

لم تعلن السلطة أن أجهزتها الأمنية ستحمي الناس من اعتداءات المستوطنين في الضفة، الذين قتلوا برصاصهم فلسطينيين بأعداد قياسية

كذلك، لم ترسل وفداً في الأشهر الأولى للحرب لمتابعة أوضاع المصابين في مصر مثلاً، أو للمساعدة في تنظيم عمليات تدفق المساعدات إلى غزة.

وجاءت بشكل متأخر لتعمل كأي مؤسسة إنسانية في إدخال بعض المساعدات للقطاع، غلب عليها طابع العلاقات العامة، لا أكثر.

لم تعلن السلطة أن أجهزتها الأمنية ستحمي الناس من اعتداءات المستوطنين في الضفة، الذين قتلوا برصاصهم فلسطينيين بأعداد قياسية، مقارنة بأي فترة زمنية سابقة، منذ قيام السلطة. لم تقم بعملية ترشيد للنفقات، بل استمرت وزاراتها بالإعلان عن مسابقات توظيف وملء وظائف لا حاجة ملحة لها.

لم تعقد الحكومة إلا جلسة واحدة أطلقت عليها اسم "جلسة طارئة". خرج بعدها رئيس الوزراء السابق محمد اشتية ليتحدث عن الأزمة المالية ورواتب الموظفين وعدد شيكاتهم الراجعة في البنوك.

لم تتخذ اجراءً اقتصادياً واحداً يسهم في تخفيف عبء الحرب على اقتصاد الضفة. بل جلست الحكومة متفرجة على حالة غير مسبوقة من الكساد وتراجع القدرة الشرائية للناس في ظل وجود أكثر من 120 ألف عامل عاطلين عن العمل، بعد أن أوقفتهم إسرائيل عن العمل داخل الخط الأخضر للمرة الأولى منذ حرب الخليج عام 1991.

إن قائمة ما لم تقم به السلطة في ظل حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة طويلة، وقد نتطرق فيها، إن أردنا الإسهاب، إلى زي المسؤولين واستمرار حضور مواكبهم في الشوارع كالعادة. لكن السلطة حيدت نفسها تماماً عن الحرب في قطاع غزة، منتظرة الغنائم.

ولذلك، فقد شكلت حكومة جديدة، بضغط دولي وأمريكي وعربي. لكن حتى هذه الحكومة لم تكن تعبر عن حاجة الناس لها في ظل استمرار الحرب. فجاءت حكومة موسعة وغير متوائمة مع ظرف الحرب. لا هي حكومة طوارئ لمعالجة تبعات الإبادة، ولا هي حكومة إنقاذ وطني بالتوافق مع حماس، ولا هي حكومة أقنعت العالم والدول العربية بضرورة دعمها مادياً.

وفي ظل كل ذلك، عادت الحكومة إلى المربع الأول، بالكاد تستطيع أن تدير ما يمكّنها من تحصيل جزء من رواتب موظفيها، لا أكثر ولا أقل.

وظلت لهجة بيانات السلطة، كما كانت على مدار سنوات. وحتى في تنديدها، لم تغير نهجها أو مفرداتها أو لغتها، وهو أضعف الإيمان.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image