شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
إلغاء قانون فك الارتباط… هكذا تخطط إسرائيل للاستيلاء على ما تبقى من الضفة

إلغاء قانون فك الارتباط… هكذا تخطط إسرائيل للاستيلاء على ما تبقى من الضفة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ما إن أعلنت دول إسبانيا والنرويج وإيرلندا قرار الاعتراف بدولة فلسطين حتى أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت صباح الأربعاء 22 أيار/ مايو 2024، في بيان مشترك مع رئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة الغربية يوسي داغان، بدء تنفيذ ما نصّ عليه قانون "إلغاء فك الارتباط" من شمال الضفة الغربية.

ففي 21 آذار/مارس 2023، صادقت الكنيست الإسرائيلية بالقراءتين الثانية والثالثة على إلغاء بنود في قانون "فك الارتباط" من شمال الضفة.

وبحسب هذا القانون، الذي اعتُبر خطة إسرائيلية أحادية الجانب، انسحبت قوات الجيش عام 2005 من مستوطنات قطاع غزة، خلال تولي أرئيل شاورن منصب رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

أخلت في حينه إسرائيل 21 مستوطنة كانت تحتل نحو 35% من مساحة القطاع، إضافة إلى أربع مستوطنات في مناطق شمال الضفة الغربية وهي:"جانيم" و"كديم" و"حومش" و"سانور".

وفق قانون "فك الارتباط"، الذي أخليت لدى تنفيذه المستوطنات، يُحظر على المستوطنين دخول المستوطنات الأربع المذكورة في شمال الضفة. 

أما بموجب قرار إلغاء القانون، فسيُسمح للمستوطنين بالعودة إلى هذه المستوطنات، وإلغاء العقاب الجنائي الذي فرضه القانون الذي سُنّ خلال عهد شارون.

 ويوضح وليد حباس، الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أن ما أعلن عنه غالانت هو عبارة عن أمر عسكري سيجري تنفيذ القرار من خلاله، علماً بأن المستوطنات الأربع لم تُخلَ بشكل فعلي. 

فبعد تنفيذ قرار إخلاء مستوطنة حومش عام 2005، على سبيل المثال لا الحصر، عاد المستوطنون بعد أيام المكان وأقاموا مدرسة دينية فيه، ثم في فترة لاحقة أقاموا مزرعة وحديقة، فظلت الأراضي تحت السيطرة الإسرائيلية. 

ما إن أعلنت دول إسبانيا والنرويج وإيرلندا قرار الاعتراف بدولة فلسطين حتى أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت بدء تنفيذ ما نصّ عليه قانون "إلغاء فك الارتباط" من شمال الضفة الغربية. ماذا يعني ذلك؟

قانون جاء به شارون

وقد جاءت خطة شارون عام 2005 نتيجة معركة "أيام الغضب"، التي فشلت فيها إسرائيل في تحقيق أهدافها بمنع الصواريخ وعمليات المقاومة التي أطلقت من القطاع تجاه مستوطنات "غلاف غزة".

"لقد حمل ظاهر هذا القانون رسالة حسن نية من شارون تجاه المجتمع الدولي، مفادها أن إسرائيل لا تمانع بناء دولة فلسطينية مستقبلاً"، يقول وليد حباس لرصيف22.

لكنه يؤكد أن عدد المستوطنين على أرض الواقع، ومنذ عام 2000، يزداد في مناطق الضفة من 40 إلى 50 ألف مستوطن سنوياً.

 ولفت حباس إلى تصريح المستشار القضائي القانوني لشارون الذي أشار إلى أن هدف القرار هو جعل غزة منطقة اقتتال بين حركتي حماس وفتح. 

"ثمة وثائق رسمية تؤكد أن إسرائيل تستثمر استثماراً كبيراً في الانقسام الفلسطيني، وتمارس جميع الضغوط لمنع إتمام المصالحة"، يؤكد حباس.

لا شك في أن إصدار قانون فك الارتباط عام 2005، كان بداية حقبة جديدة بالنسبة لدولة إسرائيل، وفق حباس، بدأ فيها المستوطنون باستغلال "دور الضحية التي اقتُلعت من بيتها"، وتنفيذ خططهم بالدخول والسيطرة على مناصب في الحكومة الإسرائيلية، من خلال زرع المستوطنين والرجال المتدينين داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية، وصولاً إلى يومنا هذا الذي يسيطر فيه المستوطنون من اليمين المتطرف على مقاليد الحكم في إسرائيل. 

لماذا الآن؟

"يحمل توقيت القرار رسالة واضحة للسلطة الفلسطينية، مفادها أن لا وجود لـ"دولة فلسطينية"، وأن الاستيطان سيعود مرة أخرى حسب البرامج والمخططات الإسرائيلية"، يؤكد خليل تفكجي، الباحث في قضايا الاستيطان لرصيف22، مضيفاً أن "فك الارتباط" هو ترجمة لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ قال فيها إن" ما بين النهر والبحر دولة واحدة، وهي الدولة العبرية".

"إن إعادة طرح ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية، جعلت الإسرائيليين يعجلون في فرض أمر واقع، يسيطرون من خلاله على مساحات واسعة من الأراضي، بحيث تجعل الحل السياسي صعباً"، يقول تفكج. 

ويضيف: "من ينظر إلى الخارطة الفلسطينية الآن يرى أن برنامج تطويقها بالمستوطنات قد نُفذ بالفعل، وأن تحويل صلاحيات ما تسمى بـ"الإدارة المدنية" في الضفة الغربية إلى ولاية الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش، سيساعد على تسريع عودة المستوطنين وتنفيذ المشاريع الاستيطانية بوتيرة سريعة".

"يحمل توقيت القرار رسالة واضحة للسلطة الفلسطينية، مفادها أن لا وجود لـ"دولة فلسطينية"، وأن الاستيطان سيعود مرة أخرى حسب البرامج والمخططات الإسرائيلية"، يؤكد خليل تفكجي، الباحث في قضايا الاستيطان لرصيف22، مضيفاً أن "فك الارتباط" هو ترجمة لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي قال فيها إن" ما بين النهر والبحر دولة واحدة، وهي الدولة العبرية"

ويشير حبّاس إلى أن إلغاء هذا القانون كان أحد شروط المستوطنين مقابل تحالفهم مع رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو ليفوز في الانتخابات الأخيرة، بعد فشله في تشكيل حكومة منذ عام 2018 وإعادة الانتخابات خمس مرات. إذ قرر المستوطنون التحالف معه مقابل عدة شروط، أهمها إلغاء قانون "فك الارتباط" وتسليح المستوطنين وضمان زيادة الوحدات الاستيطانية.

حياة الفلسطينيين المحاذية للمستوطنات

تبعد مستوطنة "حومش" المخلاة عن بيت فطين صلاح، عضو لجان الدفاع عن الأراضي في بلدة برقة قضاء نابلس، نحو كيلو متر واحد. قبل أيام، تعرض نجل صلاح لإصابة أدت إلى كسر في يده وفكه، نتيجة اعتداء المستوطنين والجيش الإسرائيلي على البلدة. 

"لم تتوقف اعتداءات المستوطنين على بلدتنا، منذ لحظة إخلاء المستوطنة وفقاً لقرار فك الارتباط عام 2005"، يقول صلاح لرصيف22.

ويردف: "حتى القرارات القضائية التي حصل عليها أهالي البلدة، والتي تقضي بعودتهم إلى أراضيهم التي صودرت لمصلحة المستوطنة، لم تنفذ. إذ سيطر الجيش الإسرائيلي على هذه الأراضي بشكل كامل".

ويؤكد صلاح  أن الجيش يمنع المواطنين الفلسطينيين من الاقتراب من أراضيهم. فيما أقام المستوطنون مدرسة دينية فوق أراضي المستوطنة المخلاة، ويقيمون فيها باستمرار.

تنام عائلة صلاح، منذ بدء الحرب على غزة، على أصوات الجرافات الإسرائيلية، وتصحو على كرفانات ومنشآت جديدة يقيمها المستوطنون فوق هذه الأراضي. "خلال النهار، يتناوب المستوطنون والجيش على عمليات الاعتداء علينا. بينما تشهد بلدتنا المزيد من عمليات مصادرة الأراضي"، يقول صلاح. 

يسيطر الجيش الإسرائيلي، منذ السابع من أكتوبر، على ثلاثة جبال تطل على البلدة. وبحسب فطين، فإن سكانها مكشوفون تماماً أمام عناصر الجيش.

"إذا تمكنا من صد هجوم المستوطنين، نتعرض للضرب من قبل الجيش، وإذا غلبنا المستوطنون، يقف الجيش متفرجاً. وعندما أعلن عن إلغاء قانون "فك الارتباط" أقام المستوطنون حفلاً ليلاً في حومش".

استيطان في ظل الإبادة

لا يمكن فصل إلغاء قانون "فك الارتباط" عن سياسة الحكومة الإسرائيلية المنتهجة منذ حرب الإبادة التي ترتكبها في غزة، والتي ترمي إلى الاستيلاء على ما تبقى من الأرض وتطويق المحافظات الفلسطينية والمخيمات وأية مقاومة قد تخرج منها.

فقد استولت السلطات الإسرائيلية على 27 ألف دونم في الضفة الغربية، منذ بدء العدوان في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، منها 15 ألف دونم تحت مسمى "تعديل حدود محميات طبيعية في أريحا والأغوار"، و11 ألف دونم تم الاستيلاء عليها من خلال ثلاثة أوامر لإعلانها "أراضي دولة" في محافظات القدس ونابلس، و230 دونماً من خلال 24 أمراً لـ"وضع اليد لأغراض عسكرية".

كما أعلن سموتريش في آذار/ مارس الماضي عن عزم الحكومة بناء نحو 3500 وحدة استيطانية جديدة شرق القدس وإصدار أكثر من 18 ألف رخصة بناء في الضفة الغربية للعام الحالي وحده. 

ويعتقد الباحث وليد حبّاس بأن قانون "فك الارتباط" سوف يُستخدم لتوسيع النشاط الاستيطاني بشكل أكبر، ويؤدي إلى ضم فعلي لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية. 

"يجب أن نلتفت إلى مسألة مهمة هي أن جميع الأراضي المصنّفة "ج" حسب اتفاق أوسلو لم تعد للفلسطينيين (والتي من المفترض أن تكون تحت سيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية بحسب الاتفاق). إنما رُسمت داخل خارطة إسرائيل باعتبارها أراضي للمستوطنين وليست أراضي محتلة"، يؤكد حبّاس.

"أما وزارة التراث الإسرائيلية، فقد حددت 3300 موقع أثري داخل الضفة الغربية، لتحويلها إلى حدائق وطنية إسرائيلية. فيما خصصت وزارة المواصلات الإسرائيلية ربع ميزانيتها لفتح طرق داخل الضفة الغربية"، يقول مضيفاً.

"لقد جُنت إسرائيل، وتحديداً مسؤولوها العسكريون الذين يُحاكمون اليوم بصفتهم مجرمي حرب، لأن التطور الدبلوماسي والقانوني يذهب اليوم لمصلحة الحق الفلسطيني"

وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن مساحة الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها دولة إسرائيل بلغت 2380 كم2، أي ما يعادل 42% من مجمل أراضي الضفة الغربية، و69% من مجمل المناطق المصنفة "ج".

ماذا يقول القانون الدولي؟

تشرح لرصيف22 د. دلال عريقات، الخبيرة في القانون الدولي "إن إلغاء قانون "فك الارتباط" هو أمر عسكري إسرائيلي يعكس ردة فعل جنونية إسرائيلية على القانون الدولي ومنظومة الأمم المتحدة والمحاكم الدولية".

وتضيف: "لقد جُنت إسرائيل، وتحديداً مسؤولوها العسكريون الذين يُحاكمون اليوم بصفتهم مجرمي حرب، لأن التطور الدبلوماسي والقانوني يذهب اليوم لمصلحة الحق الفلسطيني".

وتشير عريقات إلى أن هذا الإجراء الإسرائيلي يندرج في إطار سياسة فرض أمر واقع جديد في الضفة الغربية الواقعة أصلاً تحت احتلال عسكري إسرائيلي، يضاف إليه إرهاب المستوطنين المدعوم من الجيش.

ويشكل القرار انتهاكاً صارخاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334، الذي يقول على نحو صريح إن الاستيطان غير قانوني، ويطالب بتفكيك المستوطنات وخروج المستوطنين الذين يُعدّون أفراداً غير قانونيين.

وتؤكد عريقات أن "وجود مستوطنين أعضاء في هذه الحكومة الإسرائيلية هو أكبر دليل على العقلية الإسرائيلية الإرهابية غير القانونية، وعلى أن سياسة التفلت من العقاب منحتها ضوءاً أخضر لمواصلة هذا الإجرام".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image