أمام واقع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، تتعدد السرديات والمواقف، بين تلك التي تتخذ من القانون الدولي معياراً لإطلاق الحكم، وبين تلك الإسرائيلية التي تقدّم المعيار الديني كحجة أو بالأحرى كركيزة لسياسة الإبقاء على الاحتلال والتوسع في سرقة الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حرب حزيران/ يونيو 1967.
فهل الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية "جريمة حرب" أم "حق توراتي" وتاريخي؟
رداً على هذا السؤال، يختار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، مايكل لينك، الجواب الأول، بحسب تقرير له صدر في التاسع من تموز/ يوليو 2021. يؤكد أن "المستوطنات الإسرائيلية تنتهك الحظر المطلق المفروض على إمكانية أن تنقل سلطة احتلال بعضاً من سكانها المدنيين إلى أرض محتلة"، في إشارة إلى المادة الثامنة من "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية" (1998)، التي تحدد ماهية "جرائم الحرب".
القانون الدولي... لا مصادقة
القانون الدولي بالغ الوضوح لجهة عدم المصادقة على السياسات الاستيطانية، سواء تعلق الأمر بما يُسمّى بالـ"البؤر الاستيطانية"، أي المستوطنات التي شُيّدَت من دون إذن رسمي إسرائيلي، أو بتلك المستوطنات المرخصة رسمياً من قبل سلطات الاحتلال. فمجلس الأمن يصنّف المستوطنات الإسرائيلية باعتبارها "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي"، على حد ما ورد في قراره رقم 2334، الصادر في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2016.
حتى الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل الأولى، تدين الاستيطان، وأحياناً بنبرة قاسية، كما في تصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، في 16 شباط/ فبراير 2023، الذي قالت فيه إن واشنطن "منزعجة بشدة" من "إعلان الإسرائيليين أنهم سيقيمون آلاف المنازل الجديدة في المستوطنات ويمنحون تراخيص بأثر رجعي لتسعة مواقع استيطانية في الضفة الغربية".
إسرائيل... لا إخلاء
لكن إسرائيل لا تعير آذاناً صاغية لا للقانون الدولي ولا لحلفائها. رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو ثابت في دعم السياسة الاستيطانية التي أدت، حتى العام 2022، إلى بناء 199 مستوطنة و220 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية وحدها.
وسبق لنتنياهو أن تعهد بعدم السماح بـ"اقتلاع أيّة مستوطنة من أرض إسرائيل"، وفق ما ورد في خطاب له بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، في تموز/ يوليو 2019.
لموقف رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي خلفيات دينية تاريخية تقوم على فكرة أن "يهودا والسامرة"، أي الضفة الغربية، هي جزء من أرض إسرائيل التاريخية بحسب الرواية الدينية، إضافة إلى خلفيات أمنية تتذرع بأن إخلاء المستوطنات في قطاع غزة، عام 2005، لم يحقق الأمن لإسرائيل.
ويجاهر نتنياهو بأنه سيواجه الضغوط الدولية "بحزم" لمنع إخلاء المستوطنات. أكثر من ذلك، وافقت حكومته أخيراً على عودة مستوطنين إلى أربع مستوطنات في الضفة الغربية، سبق أن أُخلِيَت في سياق العملية السلمية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية عام 2005.
ومن المؤشرات على وجود إرادة دائمة بالاستيطان، ذلك التحول الذي طرأ على سياسة الصندوق القومي اليهودي (كاكال)، الذي تأسس سنة 1901، والذي صادق في شباط/ فبراير 2021 على تمويل مشاريع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، علماً أنه لم يكن يدعم بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة بعد حرب 1967.
عدد المستوطنين... نحو مليون؟
لا تختلف التقديرات كثيراً بشأن عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، لكنها تُجمع على أن عددهم يرتفع بوتيرة مستمرة. يشير أحد التقارير إلى أن عددهم كان يقدَّر في العام 2016 بـ400 ألف مستوطن في الضفة الغربية و218 ألفاً في القدس الشرقية، بينما ارتفع، حتى كانون الأول/ ديسمبر 2021 إلى 475 ألفاً و230 ألفاً، قبل أن يصل، حتى شباط/ فبراير 2023، إلى حوالي 575 ألفاً و230 ألفاً، وفق تقارير صحافية.
مشروع استعماري استيطاني من الأساس
إسرائيل هي في الأساس مشروع استعماري استيطاني. الحاخام يهودا القلعي (1798- 1878) دعا، منذ صدور كتابه "اسمعي يا إسرائيل"، في العام 1838، إلى تشييد دولة لليهود في فلسطين، معتبراً أن ذلك يتحقق بواسطة الانطلاق في بناء المستوطنات اليهودية.
وبدأ بناء المستوطنات حتى قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول، صيف العام 1897، في مدينة بال السويسرية، بقيادة ثيودور هيرتسل، وهو المؤتمر الذي أسس "المنظمة الصهيونية العالمية" بهدف "إقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين".
نظرت حركة كاخ العنصرية إلى الفلسطينيين على أنهم يشكلون "خطراً على الشعب اليهودي ودولة إسرائيل، إذ إنهم كمجموع يتكاثرون كـ‘البراغيث’"، بحسب تعبير استخدمه مؤسسها مئير كهانا
وانتظم مشروع الهجرة والاستيطان أكثر فأكثر وأصبح ملموساً اعتباراً من العام 1882. وبحلول العام 1890، كانت هناك 15 مستوطنة في فلسطين، وصل إليها بين عامي 1904 و1914 بين 35 و40 ألف مهاجر يهودي. وكان ذلك قبل وعد "بلفور" البريطاني، عام 1917، والذي على أساسه كثفت الحركة الصهيونية وتيرة الهجرة لبناء دولة إسرائيل.
وفي ثلاثينيات القرن العشرين، بدأ التخطيط لترحيل السكان العرب من المناطق التي كانت ستكون ضمن نطاق حدود الدولة اليهودية، إلى شرق الأردن. وارتفع عدد المستوطنات إلى 252 بحلول العام 1939، بحسب دراسة للباحث سميح شبيب، بعنوان "الاستيطان والهجرة في الفكر الصهيوني 1864-1939"، نشرتها مجلة "شؤون فلسطينية"، ربيع العام 2012.
وسيلة دفاعية؟
سهّل الانتداب البريطاني على فلسطين (1920-1948) العملية الاستيطانية. وخلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، عام 1948، ساهمت المستوطنات في الدفاع عن الأراضي الموكلة إلى إسرائيل بموجب قرار التقسيم، رقم 181، الصادر عن الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947. عزز ذلك القناعة لدى سلطات إسرائيل بأن الاستيطان السكاني هو وسيلة أساسية لسياسة دفاعية ضد العرب، بحسب مقال للأكاديمي هرفيه أميو (Hervé Amiot)، نُشر على موقع Les clés du Moyen-Orient، تحدث فيه عن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وتاريخ الوجود اليهودي في فلسطين قبل 1967. وعليه، شُيّدت نحو 30 مستوطنة في مناطق متاخمة للضفة الغربية وقطاع غزة، بين عامي 1948 و1967.
حرب 1967 والاستيطان غير الشرعي
بعد حرب 1967، بدأ الاستيطان غير الشرعي في الأراضي التي احتلتها إسرائيل: سيناء، الجولان، قطاع غزة، القدس الشرقية والضفة الغربية، وهو ما يُعتبر "جريمة حرب" ارتُكبت وتُرتَكب من دون أيّة مساءلة وعقوبات دولية.
في سيناء، في مصر، شَيدت إسرائيل 21 مستوطنة سرعان ما تحوّلت إلى ميدان لأنشطة اقتصادية وزراعية وسياحية مختلفة. ولم تكن دولة الاحتلال تنوي إخلاءها، إذ ثمة معطيات تفيد بوجود خطط لم تتحقق لتوطين ربع مليون نسمة في مستوطنة ياميت وحدها، في سيناء، بحلول مطلع القرن الواحد والعشرين. لكنها اضطرت لاحقاً إلى الانسحاب من سيناء وإزالة المستوطنات فيها، بموجب اتفاقية "كامب ديفيد" للسلام مع مصر، عام 1978.
منذ ثمانينيات القرن العشرين، تنشط في إسرائيل عشرات الجمعيات والمنظمات الصهيونية المتطرفة. كلها تنظر إلى الضفة الغربية بوصفها أرض يهودا والسامرة، أي تعتبرها جزءاً من الأسطورة الدينية بشأن إسرائيل الكبرى، وكلها تطالب بهدم المسجد الأقصى لبناء "الهيكل الثالث"
وفي الجولان، في سوريا، ثمة تقديرات بوجود 35 مستوطنة في المنطقة المحتلة التي أصدت إسرائيل قراراً بضمّها في العام 1981، وهو عدد مرشح للارتفاع في السنوات المقبلة.
بالإضافة إلى الأهمية الأمنية والاستراتيجية لهضبة الجولان، تستفيد إسرائيل من الاستيطان هناك لتحقيق فوائد ثمينة، أهمها السيطرة على الثروة المائية والاستثمارات الزراعية والسياحية.
وفي غزة، شُيّدت 25 مستوطنة في فترة احتلالها، قطنها أكثر من 8000 مستوطن، قبل أن تُفكَّك وتُخلى عند انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع في أيلول/ سبتمبر 2005.
خطة آلون... الأمن أولاً
بعد حرب 1967، كانت حكومة حزب العمل اليسارية، بقيادة ليفي إشكول، أوّل مَن نظّم العملية التوسعية الاستيطانية. وكان نائب رئيس الحكومة آنذاك، الجنرال في الجيش الإسرائيلي أثناء حرب 1948، إيغال آلون هو مَن وضع أوّل مخطط استيطاني رسمي، شمل بشكل خاص الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
دوافع "خطة آلون" الأساسية كانت أمنية وعسكرية، مع حسابات أخرى غير هامشية تتعلق بالسيطرة على مناطق زراعية وغنيّة بالموارد المائية. لكن لم تكن هناك "دوافع تاريخية أو توراتية". كان الاستيطان يرمي إلى ضمان أمن إسرائيل من خلال السيطرة على مناطق استراتيجية في الضفة الغربية وليس على كامل أراضيها، وبناء مستوطنات على امتداد تلك المناطق. وكانت الأولوية تتمثل في تمكين إسرائيل من التحكم بوادي الأردن من جهة، ومراقبة المملكة الأردنية لرصد أي تحرك عسكري محتمل بعد حرب 1967، كما يذكر الأكاديمي هرفيه أميو، في الجزء الثاني من مقالته عن تاريخ الاستيطان منذ العام 1967.
بيد أن "خطة آلون" لم تلائم الآراء الصهيونية المتشددة التي كانت تطمح إلى بناء ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى" من منظور تاريخي وديني. أداء حكومات حزب العمل، بعد العام 1967 وحتى خروجه من الحكم أمام حزب الليكود اليميني، عام 1977، كان موضع لوْم، لأن المشاريع الاستيطانية ظلت محدودة، سواء تعلق الأمر بـ"خطة آلون"، أو بخطة وزير شؤون الاستيطان يسرائيل غاليلي (1977) لبناء عدد كبير من المستوطنات، بينها 49 مستوطنة في الأراضي المحتلة بعد العام 1967.
صعود الصهيونية الدينية
أظهرت حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 أن "خطة آلون" لم تخدم المصلحة الأمنية الإسرائيلية لأن الجيوش العربية تمكنت من شن هجوم مفاجئ لم يساهم انتشار المستوطنات على طول خط نهر الأردن في استباقه.
وبعد هذه الحرب، بدأت تظهر نزعة استيطانية توسعية جديدة في الأراضي المحتلة، ترفض التعايش مع الفلسطينيين وتعارض بشكل مطلق فكرة قيام دولة فلسطينية مجاورة لإسرائيل. نقطة التحول كانت في العام 1974، أي مع بدء بروز نزعة الصهيونية الدينية المختلفة عن الصهيونية العلمانية، وتحديداً مع تأسيس حركة "غوش إيمونيم" (كتلة الإيمان) في تلك السنة.
كانت الحركة المذكورة تروّج للاستيطان مع دعوة الإسرائيليين للإقامة في الضفة الغربية تحت ذريعة "الواجب الديني". وتقوم رؤيتها على أيديولوجيا مفادها أن "السكان الفلسطينيين ليسوا أكثر من نُزلاء غير قانونيين، ويشكلون تهديداً للخلاص". أما شعارها فهو: "أرض إسرائيل لشعب إسرائيل طبقاً لتوراة إسرائيل". ونظرتها الاستيطانية ترتكز إلى وجود حقين: "الحق التاريخي والحق الإلهي". وهي تؤمن بوجود وعد إلهي "بإقامة مملكة إسرائيل الكبرى لشعب الله المختار"، بحسب دراسة تحت عنوان "الحركات الاستيطانية/ غوش إيمونيم نموذجاً" للباحثة إنعام حامد، نشرت عام 2022.
حكم الليكود يقلب الطاولة
لاقت الطروحات الاستيطانية صدى في المجتمع الإسرائيلي. وسادَ مناخ ملائم لوصول حزب الليكود اليميني إلى الحكم في العام 1977. ولم تعد دوافع دوافع الاستيطان أمنية وحسب بل صارت توسعية أيضاً، مع هدف واضح يتمثل في "تهويد" المناطق المحتلة ورفض الانسحاب منها.
من مشروع توسعي اقترحه المهندس أبراهام فوخمان، في العام 1976، ولم تطبّقه حكومة "العمل"، لكنه ألهم حكومة "الليكود" لاحقاً، مروراً بمشروع رئيس دائرة الاستيطان في "الوكالة اليهودية" متتياهو دروبلس، في العام 1978، ثم بعدة مشاريع وخطط كان لأرييل شارون دور في تصورها أو تنفيذها، وصولاً إلى خطط بنيامين نتنياهو، سعت الحكومات الإسرائيلية بقيادة "الليكود"، إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: الأول أمني يتعلق بالسيطرة الدائمة على الضفة الغربية، والثاني سياسي يتمحور حول قطع الطريق بشكل مستدام أمام أي قدرة على بناء دولة فلسطينية ذات سيادة، فيما كان الثالث ذا بعد ديموغرافي يهدف إلى دفع الفلسطينيين إلى النزوح، أو ما يعرف بتنفيذ مخطط "الترانسفير الصامت" للفلسطينيين، وفق ما يشير الباحث الفرنسي بيار بلان (Pierre Blanc)، في ورقة بحثية له بعنوان "فلسطين: جغرافيا سياسية لعنف إقليمي"، نُشرت في مجلة Confluences Méditerranée، عام 2013.
المنظمات المتطرفة تحتل المشهد
لم تكن حركة "غوش إيمونيم" التي نالت تأييداً شبه رسمي من حكومة الليكود، بحسب أحد التقارير، وحدها على الساحة. من الحركات الأخرى الشديدة العداء للفلسطينيين، والمدافِعة بقوة عن الاستيطان في الأراضي المحتلة، هناك "عصبة الدفاع اليهودي" التي أسسها الحاخام مئير كهانا (اغتيل عام 1990) في نيويورك في العام 1968 وباتت تعمل باسم حركة "كاخ" اعباراً من العام 1973. صحيح أن إسرائيل اضطرت إلى حظر هذه الحركة لاحقاً، بسبب سمتها العنصرية والإرهابية، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى خسوف رؤيتها التي تجمع بين "قداسة أرض إسرائيل وتكاملها الإقليمي"، ما يعني أن "لدولة إسرائيل الحق في الأرض والسيادة، وينبغي لإسرائيل أن تطبق سيادتها على الأرض فوراً"، واعتقاد أن "من حق إسرائيل عدم إعادة المناطق المحتلة الأخرى الضرورية لمصالح إسرائيل الأمنية". أما الفلسطينيين، بحسب رؤيتها، فيشكلون "خطراً على الشعب اليهودي ودولة إسرائيل، إذ إنهم كمجموع يتكاثرون كـ‘البراغيث’"، وهو تعبير استخدمه مؤسس الحركة، مئير كهانا، كما ورد في دراسة بعنوان "حركة كاخ في المشهد السياسي الإسرائيلي"، للكاتب، أحمد خليفة، نشرتها مجلة "الدراسات الفلسطينية"، ربيع العام 1994.
ومنذ ثمانينيات القرن العشرين، تنشط في إسرائيل عشرات الجمعيات والمنظمات الصهيونية المتطرفة. كلها تنظر إلى الضفة الغربية بوصفها أرض يهودا والسامرة، أي تعتبرها جزءاً من الأسطورة الدينية بشأن إسرائيل الكبرى. وكلها تطالب بهدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل، أو بالأحرى ببناء "الهيكل الثالث"، بعد تدمير "الهيكل الأول" في القرن السادس قبل الميلاد على يد نبوخذ نصر الكلداني البابلي (أسطورة السبي البابلي)، وبعد تدمير "الهيكل الثاني"، في القرن الأول بعد الميلاد، خلال حقبة الإمبراطورية الرومانية (السبي الروماني)، بحسب السردية الأسطورية التلمودية. ومن هذه المنظمات: حركة "أمناء الهيكل" و"التنظيم اليهودي المقاتل" (آيال) و"معهد الهيكل"، و"مواطنون من أجل يهودا والسامرة وغزة" (ييشع)، و"تدفيع الثمن" (تاغ محي)... كلها تتفق على تبنّي وترويج نظرة عدائية للفلسطينيين في القدس وفي كل أرجاء فلسطين.
إفشال "أوسلو"... الأرض هبة من الله
كاد "اتفاق أوسلو" بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في العام 1993 أن يؤدي إلى "حل الدولتين"، مع ما يعنيه ذلك من انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وغزة. لكن حزب الليكود وتنظيمات أقصى اليمين الإسرائيلي أفشلوا هذا الاتفاق. وبدأت تتشكل في إسرائيل قيادات سياسية ترفض بشكل قاطع "حل الدولتين" ووقف الاستيطان، على خلفية قناعة قديمة راسخة لدى المستوطنين الإسرائيليين، مفادها أن "الله وهبهم هذه الأرض، وأن العهد القديم يكفل لهم حق ملكيتها"، كما ورد في تقرير للصحافي الفرنسي باتريك كوبشو نشرته مجلة "لو موند ديبلوماتيك".
والبديل الذي يعملون على تحقيقه يتمثل في دولة يهودية لها سيادة على الضفة الغربية مع اعتبار القدس عاصمة أبدية لها. هذا الطرح يحظى بشبه إجماع في أوساط الأحزاب والقوى الإسرائيلية، لا سيما اليمينية والوسطية. هكذا، لم تعد المشكلة: ما هو مصير المستوطنات؟ بل ما هو مصير الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وحتى داخل إسرائيل؟
طرد الفلسطينيين أو عدم منحهم حقوق مدنية كاملة
كان بعض قادة اليمين الإسرائيلي يتمسكون بسردية ليبرالية، مع التأكيد الشفهي على حل الدولتين، أو على إمكانية منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً إدارياً أو حقوق سياسية ومدنية كاملة في دولة إسرائيل اليهودية، إلا أن أحزاب "الصهيونية الدينية" التي يزداد حضورها وتأثيرها في الحياة السياسية تحمل رؤية إقصائية.
تريد الأحزاب الأخيرة التعامل مع فلسطينيي الداخل كـ"مقيمين" لا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها سكان إسرائيل والمستوطنون. وهذا ما يدفع البعض إلى وصف هذه الحالة بالـ"أبارتهايد"، لأن المطروح هو "إبقاء السيطرة الإسرائيلية على الأرض، وضم مناطق من الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، وحرمان الفلسطينيين من أية حقوق سياسية ومدنية متساوية وكاملة"، وفق تحليل للباحث أنطوان شلحت، في بحث له بعنوان "تطلعات الصهيونية الدينية: الدولة اليهودية أولاً"، نشره مجلة "الدراسات الفلسطينية"، شتاء العام 2023.
بعبارة أخرى، تتلازم السياسة الاستيطانية التوسعية مع سياسة اضطهاد الفلسطينيين والتنكيل بهم وهدم بيوتهم والاستيلاء على أراضيهم. أما الهدف النهائي فيتمثل في طردهم إذا أمكن أو دفعهم إلى اليأس والاضطرار بالتالي إلى الرحيل من أرضهم وبيوتهم، فتخلو الساحة لبناء "إسرائيل الكبرى".
هذه هي أسس أيديولوجيا "الصهيونية الدينية" التي باتت تشكل طرفاً أساسياً في الحكومة الإسرائيلية اليوم. ومن أبرز رموزها رئيس حزب "الاتحاد القومي"، وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي أنكر من باريس، في 20 آذار/ مارس 2023، وجود شعب فلسطيني بقوله إن هذا الشعب "ليس إلا اختراع عمره أقل من مئة عام". واشتهر سموتريتش بنشاطه ضد إخلاء مستوطنات غزة، في العام 2005، ويطالب اليوم بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة.
هناك أيضاً رئيس حزب "قوة يهودية"، وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، المتحدر من حركة "كاخ" العنصرية والإرهابية، والمصمم على دعم عملية تعزيز السياسة الاستيطانية.
وهناك أيضاً رئيس حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينيت، الذي ترأس الحكومة الإسرائيلية بين حزيران/ يونيو 2021 وتموز/ يوليو 2022، وينأى بنفسه عن النزعات الاستفزازية والعنصرية لبن غفير مثلاً، لكنه يعارض حل الدولتين ويشتهر بدعواته العلنية لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل.
مع كل هذا التطرف القومي الديني في إسرائيل، تتكرس جريمة الحرب في القدس الشرقية والضفة الغربية، في إطار معادلة تضع الفلسطينيين أمام مصير مجهول: إما أن ينتظرهم مشروع ضمّ سيجعلهم مواطنين مهمشين، أو مشروع "ترانسفير" لا أحد يضمن عدم تنفيذه، بسبب عدم تعامل المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً بشكل صارم وحازم مع إسرائيل، وإما الحفاظ على "الستاتيكو" مع ما يعنيه من استعصاء دائم وإبقاء الفلسطينيين في حالة حرب دائمة لكن غير متكافئة مع إسرائيل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع