شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الدكتور ناصر:

الدكتور ناصر: "فخور بعروبتي ومثليتي في الوقت نفسه وأرفض إخراجي من هذا الإطار"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الأربعاء 3 يناير 202412:59 م


في عالم النشاط التوعوي، هناك أفراد يتميزون بتفانيهم وتعاطفهم العميقين، ويتركون بصمةً لا تُنسى في المجتمع.

يفتخر الدكتور ناصر بعروبته وأصله، برغم أنه المشاكس الثائر على عادات قبيلته وتقاليدها.

ازدادت شهرته في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم من خلال صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي Dr._nass، إذ يكرّس وقته للدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين.

يحاول د. ناصر، بلا كلل، أن يخلق مجتمعاً أكثر شمولاً وقبولاً، حيث يمكن للأفراد ذوي التوجهات والهويات الجنسية المختلفة، خاصة العرب منهم، أن يعيشوا حقيقتهم دون خوف من التمييز أو التنمّر.

في هذه الرحلة الاستثنائية، من تجاربه الأولى كشاب قطري يعيش في مجتمع يرفض تقبّل هويته الجنسية وميوله، إلى سفره واستقراره في أمريكا حيث يعمل لإزالة وصمة العار عن مجتمع الميم-عين في الخليج، نكتشف عمق عمل الدكتور ناصر وتجاربه الشخصية وعمله في مجال الدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين، من خلال هذا الحوار.

حدّثنا قليلاً عن طفولتك في قطر، قبل أن تهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية... كيف كانت حياتك هناك؟ ومتى اكتشفت ميولك الجنسية؟

وُلدت وترعرعت في قطر مع عائلتي الملتزمة دينياً. تعلّمت في مدرسة رسمية إلى أن أنهيت الثانوية. خلال هذا الوقت، وبسبب التزام عائلتي بالدين والأعراف والتقاليد، لم أتعرّف على أي ثقافة خارج نطاق ما تربّيت عليه ورأيته من حولي.

عندما كنت في الثانية عشرة من عمري، بدأت أشعر بالانجذاب الجنسي نحو أشخاص من جنسي نفسه، لكن لم أكن أعرف ما هو هذا الشعور. كان أهلي يرغبون في أن أتزوج كإخوتي عقب تخرّجي من الثانوية العامة. وعليه، لم أفكّر في الموضوع بشكل جدّي إلى أن دخلت الجامعة المختلطة، وفي كلية الطب، أرسلتني الجامعة في بعثة إلى لاس فيغاس للمشاركة في مؤتمر طبي.

من تجاربه الأولى كشاب قطري يعيش في مجتمع يرفض تقبّل هويته الجنسية وميوله، إلى سفره واستقراره في أمريكا حيث يعمل لإزالة وصمة العار عن مجتمع الميم-عين في الخليج، نكتشف عمق عمل الدكتور ناصر وتجاربه الشخصية وعمله في مجال الدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين

هناك كانت صدمة الحضارات والثقافات. صُدمت بما رأيته من حولي خاصةً أنني في ذلك الوقت كنت ملتزماً دينياً. في إحدى المرات، كنت في الفندق، وإذ بشاب وسيم يمرّ بجانبي. شعرت حينها بأحاسيس غريبة. أردت من بعدها أن أبحث على الإنترنت كي أجد تفسيراً لكل هذه المشاعر، وبحثت عن أسماء بارات وملاهٍ ليلية في فيغاس لإشباع فضولي في الموضوع، وكنت أتساءل: ماذا يفعلون هناك؟ ماذا يحصل في أماكن كهذه؟

كنت خائفاً لكونها ستكون المرة الأولى التي أذهب فيها إلى أماكن مماثلة، خاصةً أن صورتي على جواز السفر، بالزيّ الرسمي القطري، إلا أنهم نظروا على باب الملهى، إلى الجواز وقالوا لي: صورتك cool! دخلت من دون مشكلات وهناك شاهدت الرجال وهم يرقصون.

ماذا حصل معك عندما عدت إلى قطر بعد رحلة لاس فيغاس التي غيّرت حياتك؟

أُصبت باكتئاب حاد عندما عدت إلى قطر. عرفت بعد فترة أن العديد من الأشخاص يمرّون بهذه الحالة، ولكنني كنت وحيداً في ذلك الوقت، غير قادر على الانتماء إلى المجتمع من حولي. فبالإضافة إلى القوانين التي تجرّم العلاقات المثلية، فإن المجتمع القطري المحافظ لا يتقبل ميولي الجنسية.

إلا أنني قررت أن أكمل دراستي في أمريكا وأتخصص في الطب العام، ومن بعدها تخصصت في طب الرياضة. أما اليوم، فأولي أهميةً خاصةً للاعتناء بالمرضى من مجتمع الميم-عين تحديداً، بالإضافة إلى تخصصي في علاج مرض فيروس نقص المناعة.

متى أحسست بأنك جزء من مجتمع الميم-عين، وقررت المشاركة في نشاطات توعوية إلى أن أصبحت اسماً لامعاً في مجال الدفاع عن حقوق هذا المجتمع؟

في العام 2011، عندما سافرت إلى أمريكا للتخصص في الطب، بدأت أتقبّل نفسي وأعمل على بناء شخصيتي ومكانتي.

وبعد أعوام التخصص، أدركت أن صلاحية الفيزا شارفت على الانتهاء في العام 2015، ووجدت نفسي أمام خيارين: إمّا العودة إلى قطر والتخلّي عن كل ما بنيته أو البقاء في أمريكا. بالطبع، كان قراراً صعباً جداً.

"أُصبت بصدمة لدى متابعة أخبار كأس العالم، خاصةً عندما كان بعض المسؤولين القطريين يصرّحون عبر الإعلام العالمي بأن "قطر خالية من المثليين". أحسست في تلك اللحظة بقهر وتذكرت معاناتي. فحين يقولون إنه لا وجود للمثليين في قطر، فهذا يعني أنني غير موجود بالنسبة لهم"

وحينها، قررت الاتصال بأهلي لأخبرهم بأنني مثليّ الجنس، ولكن للأسف كانت ردة فعلهم سلبيةً ممّا أنهى علاقتي بهم.

طلبت من بعدها اللجوء السياسي كي أتمكن من البقاء في أمريكا وانتقلت إلى مدينة سان فرانسيسكو. كنت ناشطاً في وقتها ولكن مع الوقت، ازدادت أعمالي ونشاطاتي في هذا المجال.

هلا أخبرتنا أكثر عن نشاطك في مجال الدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين خلال كأس العالم الذي أجري في قطر وبعده؟

في الحقيقة، أُصبت بصدمة لدى متابعة أخبار كأس العالم، خاصةً عندما كان بعض المسؤولين القطريين يصرّحون عبر الإعلام العالمي بأن "قطر خالية من المثليين". أحسست في تلك اللحظة بقهر وتذكرت معاناتي. فحين يقولون إنه لا وجود للمثليين في قطر، فهذا يعني أنني غير موجود بالنسبة لهم، وكأنهم يحاولون إلغاء وجودي. في الحقيقة، هناك حواجز كثيرة، إذ إن الكثير من الناس يعانون بصمت جرّاء الدين والعادات والتقاليد.

أخبرنا عن الثوب القطري التقليدي الذي أدخلت إليه ألوان علم قوس القزح ولبسته خلال مقابلات تلفزيونية عدة، مما أثار ضجةً على وسائل التواصل الاجتماعي.

بعد أن ارتديت هذا الثوب خلال المقابلة مع الـ"بي بي سي"، والتي عُرضت في قطر، وصلتني مئات الرسائل من أفراد مجتمع الميم-عين يخبرونني فيها عن قصصهم ومعاناتهم.

لكن للأسف، لم تكن كل وسائل الإعلام التي تحدثت من خلالها عن نشاطاتي، منصفةً بحقي وبحق مجتمع الميم-عين، لا سيما المقابلة التي أجريتها مع صحيفة بريطانية، إذ شعرت بأن أسلوبهم في النشر طغى عليه شيء من العنصرية، فقد تمّ تحوير موضوع الثوب وقارنوا صوري بالثياب العادية التي أبدو فيها بالنسبة لهم حرّاً وغير مقموع.

في الحقيقة، أنا فخور بعروبتي وبمثليتي في الوقت نفسه، وأرفض أن يتم إخراجي من هذا الإطار.

أمّا الفستان الذي ارتديته في مسيرة الدعم لمجتمع الميم-عين، والذي أثار أيضاً ضجّةً كبيرةً، فهو يعكس اعتزازي بمثليتي وعروبتي. أنا عربيّ ولكنني غير تقليدي، شخصيتي مميزة وأحب أن أظهرها للعالم أجمع.

ما هي منظمة "ألوان" التي شاركت في تأسيسها؟

منظمة "ألوان" هي ملاذ آمن لكل شخص مرّ بتجربة تشبه تجربتي، خاصةً أفراد مجتمع الميم-عين في الخليج، إذ لا توجد هناك أي منظمة معنية بشؤونهم/ نّ والعديد من اللاجئين/ ات الذي/ اللواتي يغادرون/ ن بلدانهم/ نّ هرباً من القمع ليست لديهم/ نّ منظمة يلجؤون/ ن إليها ولا يجدون/ ن أشخاصاً بإمكانهم/ نّ التحدث إليهم/ نّ والاستماع إلى قصصهم/ نّ.

"الأمور بدأت تتغيّر والبذور التي زرعناها وسقيناها، نراها تنبت لتُزهر وروداً ملوّنةً بأعلام قوس القزح"

سبق أن تواصلت مع "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية، بالإضافة إلى منظمات أخرى لنشر تقاريري العلمية في شؤون مجتمع الميم-عين، ومع ذلك لم يتم نشر غير تقرير واحد.

وعليه، قررت تأسيس منظمة "ألوان"، كي أنشر التقارير العلمية، بالإضافة إلى بناء مجتمع يشمل كل الأفراد مهما كانت انتماءاتهم وميولهم. أنا فخور جداً بالإنجازات التي حققناها من خلال منظمة "ألوان" ونتطلع نحو مستقبل مشرق مليء بالإنجازات.

ما هي أبرز الإنجازات التي استطعت تحقيقها من خلال هذه المنظمة؟

بفضل انضمام أشخاص كويريين خليجيين إلى المنظمة، مثل اللاجئ السعودي والناشط المعروف طارق عزيز، الذي جاء بعد خروجه من السجن إلى سان فرانسيسكو للانضمام إلى منظمة "ألوان"، نعمل على إعلاء شأن المنظمة والمساهمة في انتشارها، وهذا بالنسبة لي يُعدّ إنجازاً كبيراً، بما أن طارق هو من الأصوات الخليجية القليلة الصارخة على وسائل التواصل الاجتماعي.

"في الحقيقة، أنا فخور بعروبتي وبمثليتي في الوقت نفسه، وأرفض أن يتم إخراجي من هذا الإطار"

معاً سنعمل على تطوير المنظمة، وأول ما قمنا بتحقيقه هو التواصل مع منظمة ilga المختصّة بالكويريين، والتي تنشر تقريرها السنوي حول وضع أفراد مجتمع الميم-عين في الدول التي تستخدم القوة في قمعهم/ نّ، ومساهمتنا في التقرير تمثلت في كيفية تعامل الشرطة السعودية والقطرية مع أفراد هذا المجتمع.

من خلال المنظمة، نقدّم للّاجئين/ ات إرشادات حول أماكن السكن وأسماء محامين/ ات وأماكن عمل لكي يتمكنوا/ نّ من الانطلاق في حياتهم/ نّ من جديد.

ونحن بصدد إحياء حفلة ذات طابع خليجي، تحت عنوان "تَمرة"، يحتفل فيها الأفراد مهما كانت ميولهم الجنسية أو انتماءاتهم، بالتراث الخليجي لنشر البهجة ولتعزيز فخرنا بعروبتنا وبمثليتنا في الوقت نفسه.

ما هي آمالك حول مستقبل النضال في مجال الدفاع عن أفراد مجتمع الميم-عين؟

أنا متفائل جداً ولديّ آمال كثيرة. تكفي الإنجازات التي حققناها وسنحققها في المستقبل القريب. الأمور بدأت تتغيّر والبذور التي زرعناها وسقيناها، نراها تنبت لتُزهر وروداً ملوّنةً بأعلام قوس القزح.

من خلال تحدياته وانتصاراته، يظهر الدكتور ناصر أن التغيير يبدأ بالتقبّل والاستعداد للاستماع والتعلم من تجارب الآخرين.

في عالم يعاني في كثير من الأحيان من التفرقة والتمييز، يُعدّ التزامه الثابت بخلق مجتمع أكثر شمولاً نقطةً مهمةً في مشوار النضال الطويل، كما أن عمله مع منظمة "ألوان" وجهوده في تعزيز أصوات مجتمع الميم-عين، تذكير بأنه لدينا جميعاً دوراً مهماً نلعبه في النضال من أجل المساواة وحقوق الإنسان، على أمل أن تُثمر أعماله وتكون بمثابة شعلة التغيير التي ستنير ظلمة الكراهية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard