مغنٍّ أوبرالي وفنان تشكيلي، تحدّى الصورة النمطية المنقولة عن مجتمع الميم-عين، ليصل بصوته إلى العالمية، ويمثّل لبنان خير تمثيل على المسارح الغربية والعربية.
إنه ماتيو خضر، أو "La nouvelle diva"، كما سمّته صحيفة Lorient le jour، أو "le Rossignol libanais"، أو العندليب اللبناني، وهو اللقب الذي أطلقه عليه صحافي فرنسي يعمل في جريدة "Le Monde".
طفولته وعشقه للفن
ترعرع ماتيو خضر، في كنف عائلة أرستقراطية تعشق الفن، لتتلوّن طفولته بأنغام الموسيقى الكلاسيكية الفرنسية، واللوحات الفنية التي كانت تزيّن جدران منزله على وقع السيمفونيات، وأغاني البلوز والروك وماجدة الرومي وصوت أم كلثوم: "كنت مميزاً منذ طفولتي عن باقي الأطفال من عمري"، يقول ماتيو في حديثه إلى رصيف22.
ويضيف: "عشت طفولةً مختلفةً؛ تلقيت تعليماً عالياً، وزرت العديد من البلدان، وكانت المبادئ والأخلاق والانضباط مغروسةً بشخصيتي منذ صغري. أمّا اهتماماتي، فكانت مختلفةً جداً عن شباب وشابات جيلي، فأصدقائي الشباب كانوا يحبون الفوتبول، أما أنا فكنت أعشق الموسيقى والمسرح".
"نَمَت لديّ هذه الطبقة من الصوت في عمر الـ9 سنوات، حين كنت أقلّد صوت أميرات ديزني في أفلام الكرتون وليس الفرسان. وفي المسرحيات التي كنّا نقدّمها في المدرسة، كان الأساتذة يضعونني مع فريق الفتيات، بسبب خامة صوتي"
يتمتع ماتيو بصوت الـcountertenor، وهو الرجل الذي يملك صوتاً أقرب إلى أصوات النساء، ويقوم بغناء الأوبرا. واللافت أن هذا المصطلح شاع في القرن الـ17، عندما كانت النساء ممنوعات من الغناء، فكان يتمّ خصي بعض الرجال قبل سن البلوغ، كي لا تخشوشن أصواتهم وليتمكنوا تالياً من تأدية الأدوار النسائية في مسرحيات الأوبرا.
عن هذه الخامة، يقول خضر: "هذا الصوت اليوم لم يعد مفبركاً، إنما هو موجود عند الجميع، ويظهر عندما يحاول الرجال تقليد أصوات النساء، ويمكن تنميته".
ويتابع: "نَمَت لديّ هذه الطبقة من الصوت في عمر الـ9 سنوات، حين كنت أقلّد صوت أميرات ديزني في أفلام الكرتون وليس الفرسان. وفي المسرحيات التي كنّا نقدّمها في المدرسة، كان الأساتذة يضعونني مع فريق الفتيات، بسبب خامة صوتي".
وعمّا إذا كان هذا الوضع يسبب له إحراجاً، يجيب بكلّ ثقة: "أكيد لأ، في أحلى منا هيك شب لحالي بين مجموعة بنات وكلّ العيون عليي".
التنمّر وعدم تقبّله من قبل الأساتذة
لم يتأثر ماتيو بالتنمر الذي كان يطاله من قبل زملائه في الصف، وفق ما يؤكد: "كنت قوي الشخصية وأُجابِه المتنمّر حتى يصبح صديقي".
يتابع ممازحاً: "نعم كنت محبوباً، وواثقاً من نفسي، ومحصّناً نفسياً بفضل تربية أهلي والدعم الدائم الذي كنت أتلقاه منهم. وقد عرفت قيمة أن يكون الفرد مميزاً، عندما أصبحت أرى جميع الناس متشابهين، وأنا لم أتقصّد يوماً أن أكون مختلفاً، إنما هذه شخصيتي وهكذا خُلقت".
أوّل مرّة وقف فيها ماتيو خضر على خشبة مسرح مهرجانات بيت الدين، كانت مع الفنانة ماجدة الرومي، متوجهاً إلى جمهورٍ ضخمٍ، مع فرقة مؤلفة من 75 عازفاً
ويضيف: "من لم يتقبلني هم الأساتذة وليس الطلاب، فهم لم يتقبلوا اختلافي عن باقي زملائي، ولا اهتماماتي المغايرة، حتى أنهم أرسلوا ملاحظةً مع علاماتي كُتب فيها ابنكم Très original… attention، (ابنكم مختلف، انتبهوا)، ونصحوا أهلي بأن يعرضوني على طبيب نفسي. جُنّ جنون والدتي ودافعت عني بكل ّشراسة ونقلتني إلى مدرسة أخرى. وبعد النجاحات التي حققتها، عادت المدرسة نفسها لتطلبني لتقديم عرض لديها ورفضت طبعاً".
بداية مشواره الفني والجوائز التي حصدها
أكمل ماتيو خضر، دراسته حتى عمر الـ17 عاماً، حين سافر إلى فرنسا ليوقّع عقداً مع Universal studio، بعد أن اكتشف أصدقاء والدته موهبته في أثناء حفل نظّمه للاحتفال بعيدها، إذ قرّر أن يفاجئها وينشد لها أغنيةً أمام الحضور.
وهكذا بدأ بإنتاج أوّل ألبوم له، كما تابع دراسته في فرنسا في Academie Charpentier في الفنون التشكيلية، وكان يتلقى دروساً في الكونسرفتوار. وعلى عكس بعض الأهل الشرقيين، التقليديين، الذين لا يحبذون أن يتخصص ابنهم في مجال الفنون، لاقى ماتيو تشجيعاً كبيراً من أهله الذين قدّروا موهبته واستثمروا فيها، لتستلم والدته إدارة أعماله على مدى 10 سنوات، وفق ما يكشف: "هذا ما حماني من التعرّض لأي استغلال في عالم الفن، وساهم في خلق أفضل صورة عنّي، فمن أفضل من الأم للتسويق لموهبة ابنها؟".
"تمكّنت من كسر الصورة النمطية الكلاسيكية عن مغنّي الأوبرا، فكنت أرتدي أحياناً الجينز، وأضع الكحل في عينيّ، وحتى الأكسسوارات التي كنت أرتديها كانت مدروسةً في محاولة لتقديم أفضل صورة عن فنّي تتطابق مع شخصيتي"
وهكذا سجّل ماتيو ألبومين مع شركة Universal studio التي أكسبته خبرةً كبيرةً في عالم الأوبرا، واستثمرت في خامة صوته النادرة، وفي وقت لاحق، انفصل عن الشركة وبدأ بإحياء الحفلات الموسيقية والجولات الفنية وأصبح لديه فريقه الخاص المؤلّف من منتج ومموّل، وبعدها حصد ماتيو خضر أوّل جائزة في الـ2013 وهي جائزة first Lebanese baroque in the world، أي أوّل باروك لبناني في العالم.
خوف من الجمهور... فتحدٍ وخطف للأنظار
أوّل مرّة وقف فيها ماتيو خضر على خشبة مسرح مهرجانات بيت الدين، كانت مع الفنانة ماجدة الرومي، متوجهاً إلى جمهورٍ ضخمٍ، مع فرقة مؤلفة من 75 عازفاً: "كانت تجربةً رائعةً، ولا أنكر أنني كنت خائفاً وأتساءل: هل سيتقبلني الناس ويتقبلون صوتي أم أنهم سينتقدونني؟ فأنا أوّل من أدخل صوت الـcountertenor إلى لبنان ومنه إلى الدول العربية. وهذا النوع من الغناء كان جديداً على الشرق الأوسط".
ويضيف: "الإقبال فاق التوقعات والناس أحبتني وأصبحت أُطلَب للمشاركة في مهرجانات أخرى وحفلات خاصّة. وفي العام 2014، دعتني الشيخة موزا، لإحياء حفل في Qatar opera house لأكرَّم من بعدها للمرة الثانية في الـInternational award festival، وهو ما أكسبني شهرةً واسعةً، وبدأت الصحافة تكتب عني، ولم أواجه أي انتقادات جارحة، بل على العكس، فحتى الانتقادات التي كنت أتلقاها كانت بناءةً".
ويتابع: "لعلّ سبب احتضان الناس لي، كان الصورة الراقية التي قدّمت نفسي من خلالها، وهي خالية من الإيحاءات أو الابتذال. كنت أسوّق للفن وليس للجنس، على قاعدة Do it with class. أمّا هدفي فكان الوصول إلى كل ّالناس وتمكّنت من كسر الصورة النمطية الكلاسيكية عن مغنّي الأوبرا، فكنت أرتدي أحياناً الجينز، وأضع الكحل في عينيّ، وحتى الأكسسوارات التي كنت أرتديها كانت مدروسةً في محاولة لتقديم أفضل صورة عن فنّي تتطابق مع شخصيتي".
دخوله عالم التمثيل وتأديته دور"دراغ كوين"
إلى جانب عالم الأوبرا والغناء، دخل ماتيو إلى عالم التمثيل، بفيلم "خبصة": "تواصل معي المخرج، وقال لي: لدينا دور مهضوم، وظريف"، يضيف ضاحكاً: "وكأنه كان يخجل من أن يقول لي إنني مطلوب لألعب دور شخص مثلي الجنس. اطّلعت على النص وأحببت الدور، واشترطت ألّا يتمّ تصوير الشخصية بطريقة تسيء إلى مجتمع الميم-عين، فأنا أرفض أن أكون 'كاريكاتور' على غرار النماذج النمطية التي تشوّه صورة مجتمع الميم-عين في لبنان كشخصية مجدي ووجدي. ولعبت الدور، وكانت من أجمل التجارب في حياتي، وكنت خائفاً من الانتقادات، إلّا أنّ الناس أحبّت الشخصية كثيراً، لأُطلب من بعدها في مسلسل 'شتي يا بيروت'، في دور 'قوّاد' ولاقى الدور أيضاً أصداء رائعةً".
ومن التمثيل في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، خاض ماتيو أولى تجربته في المسرح الغنائي، في مسرحية "شيكاغو بالعربي" حيث أدّى للمرة الأولى دور "دراغ كوين" بشخصية "ماري سانشاين"، وهي صحافية في المسرحية، وهذا الدور كان قد كُتب بالأساس لمغنّيcountertenor : "وهذا الدور جلب لي سعادةً غير طبيعية، وكان تحدياً كبيراً لي أن أؤدي دور امرأة على المسرح وأحلق لحيتي وأضع شعراً مستعاراً، وأرتدي فستاناً، وأضع الميك أب الكثيف على وجهي، إلاّ أنها كانت تجربةً فريدةً من نوعها، ولاقى العرض الذي قدّمناه في كازينو لبنان طلباً واسعاً، لنقدّم بعدها 5 عروض بدل عرضَين. ونحن اليوم مدعوون لتقديم المسرحية في السعودية، ضمن مهرجانات الرياض".
أمّا تجربته في The voice France، فكان لها طعم آخر، وفق ما يقول: "بعد أن كنت أشارك في حراك 17 تشرين، إلى جانب أصدقائي، تلقيت اتصالاً من The voice France يطلبون مني فيه المشاركة في البرنامج، وهناك كانت صدمة لجنة التحكيم التي وبعد أن ضغطت بإجماع الأعضاء على الزر لمعرفة من الشخص الذي يغنّي، تفاجأت بأنني رجل".
ويضيف: "رفعت اسم بلدي في المسابقات العالمية، لأوقّع على أكثر من 17 عقداً، وأتحضر لجولاتي، إلا أنّ جائحة كورونا أوقفت كل شيء. وهنا قررت اللجوء إلى الرسم الذي كان هوايتي منذ الصغر وكنت قد تتلمذت على يد التشكيلي والرسام والنحات حسين ماضي، وهكذا أطلقت معرضي الأول في الحمرا، وتمكّنت من بيع 85% من لوحاتي".
انكسار فنهوض من الرماد
وراء كل ّهذا النجاح، مرّ ماتيو خضر بفترة صعبة جداً خلال حياته، فعلى غرار جميع اللبنانيين/ ات، شكّل انفجار مرفأ بيروت صدمةً كبيرةً له، إذ دُمّر منزله في منطقة الجميزة، وخسر صوته لمدّة 6 أشهر نتيجة الصدمة، وأصيب بـNervous aphonia (وهو نوع من الحالة العصبية التي تصيب الشخص نتيجة صدمة فيخسر صوته)، وتوقّف عمله، إلاّ أن إرادة الحياة كانت أقوى، فخضع ماتيو لعلاجات وتمارين صوتية عدة، وعاد ورمّم بيته، واستعاد صوته: "بعد أن كنت أسأل نفسي هل الحياة تستحق كلّ هذا؟ وما الجريمة التي ارتكبتها لأنال كلّ هذا العقاب؟ عدت وتذكرت أن هذه هي ضريبة النجاح والسعادة، والنِعَم التي كنت أمتلكها. نهضت من جديد وقررت مواجهة كلّ التحديات، ورفضت الهجرة على الرغم من امتلاكي باسبوراً يونانياً".
جاءت النكسة الثانية في حياة ماتيو، بعد إصابة والده بمرض اللوكيميا (سرطان الدمّ)، وبعد صراع كبير مع المرض، وحملات لتأمين كلفة العلاج، خسر ماتيو والده قبل 3 أسابيع.
"تواصل معي مخرج فيلم "خبصة"، وقال لي: لدينا دور مهضوم، وظريف وكأنه كان يخجل من أن يقول لي إنني مطلوب لألعب دور شخص مثلي الجنس. اطّلعت على النص وأحببت الدور، واشترطت ألّا يتمّ تصوير الشخصية بطريقة تسيء إلى مجتمع الميم-عين"
كانت حياة مايتو محفورةً بالألم والصدمات، إلاّ أنه وبفضل طاقته الإيجابية وتمسّكه بالحياة وايمانه بقدراته ومثابرته لتحقيق أحلامه، فضلاً عن القيم والمبادئ والأخلاق العالية التي يتمتّع بها، تمكّن من تحويل الألم إلى قصّة نجاح والاختلاف إلى تميّز، ولم يتخلَّ يوماً عن مجتمع الميم-عين، حيث يشارك في Ted talks ويشاطر تجربته ويقدّم خدمات دعم نفسي لأفراد مجموعته ويدرّبهم على كيفية التفاعل مع المجتمع والسيطرة على الحزن والغضب إذا ما تعرّضوا للرفض، كما هو ناشط في جمعية حلم، وProud Lebanon.
وفي رسالته التي يوجهها ماتيو إلى أفراد مجتمع الميم-عين، يقول: "أحبّكم كثيراً، وسأبقى أدافع عن حقوقنا ليبقى رأسنا مرفوعاً. وتذكروا أنّ من يرفضنا، يحتاجنا لإضحاكه، وللاهتمام بمظهره، من ميك أب، فشعر ولباس ويحتاجنا لإطعامه... فأنتم أكثر الناس الذين وصلوا إلى مراتب متقدمة في عالم الموضة والجمال والمطاعم والفن، ومجتمع الميم-عين هو الذي يدير الاقتصاد وليس العكس".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع