شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
ما أهمية أن نسمع قصص العرب الكويريين/ ات؟

ما أهمية أن نسمع قصص العرب الكويريين/ ات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والميم-عين

الجمعة 26 يناير 202401:09 م
Read in English:

Why do queer Arab stories matter?


شهدنا في السنوات الأخيرة انبثاق موجة من الأعمال الأدبية والفنية والنشاطات الهادفة إلى التغيير، أحدثها الأفراد المثليون/ ات العرب، ما ساهم في الإضاءة على تلك المجموعة الاجتماعية المتنوعة، وإتاحة فهم أعمق وأدق لهؤلاء الأشخاص.

على الرغم من ندرة الكتب العربية المتعلقة بالمثلية والكويرية، إلا أن الناطقين/ ات بالإنكليزية والفرنسية تلقّوا/ ين هدايا هي عبارة عن كتب رائعة كُتبت من قبل العرب الكوريين/ ات منذ تسعينيات القرن الماضي، بدءاً من الكتاب الرائد "كولايدس" (1998)، للكاتب ربيع علم الدين، وكتاب "جيش الخلاص" (2006) لعبد الله الطايع، إلى أعمال أحدث لزين جوخدار "أسماء الليل الثلاثون" (2020)، وداني رمضان "أصداء صافرة الضباب" (2022).

حملت هذه الأعمال في طياتها تجارب مُركّبةً وغير اعتيادية، تخرج من إطار التضييق والتمييز والقمع الذي تفرضه الأنظمة أو المجتمعات على المثلية والعبور الجنسي.

ولكن ما زال من المألوف أن نرى تداول الخطاب حول المثليين/ ات العرب، أو مناقشة قضاياهم/ نّ، بعيونٍ استشراقية، فيظهر العرب الكويريون/ ات عادةً في عناوين وسائل الإعلام لأسباب تثير الجدل، غالباً تصوّرهم كضحايا هامدين لثقافة أبوية مستبدة، ويظهر في ذلك الخطاب عادةً عنصر من عناصر عقدة "المنقذ الأبيض"، أو يُحمَّل الخطاب بأغراض معادية للإسلام (الإسلاموفوبيا)، أو لتغذية أجندات العنصرية.

ونرى في ما حدث في العراق مثالاً جيداً على الخطاب حول المثليين/ ات العرب. ففي العام 2020، رفعت بعض السفارات الأوروبية والكندية والبريطانية في بغداد، علم قوس قزح في اليوم العالمي لمكافحة رهاب المثلية ورهاب العبور الجنسي، وهو ما يمكن للمرء أن يجادل في أنه هو ما أثار تلك الموجة من الكراهية والاستنكار من قبل بعض الأطراف، حتى أصبحت تلك الحادثة نقطة تحول حاسمةً (بالإضافة إلى أمور أخرى)، في دفع المشرّعين إلى اقتراح قانون يُجرّم المثلية الجنسية ويجعلها جرماً يعاقَب عليه بالإعدام، وبرغم تغطية وسائل الإعلام ما دار من تحرك سعياً إلى تجريمها، إلا أنها لم توضح ما سبق هذا التحرك.

يظهر العرب الكويريون/ ات عادةً في عناوين وسائل الإعلام لأسباب تثير الجدل، غالباً تصوّرهم كضحايا هامدين لثقافة أبوية مستبدة، ويظهر في ذلك الخطاب عادةً عنصر من عناصر عقدة "المنقذ الأبيض"، أو يُحمَّل الخطاب بأغراض معادية للإسلام (الإسلاموفوبيا)، أو لتغذية أجندات العنصرية

وفي الوقت نفسه، فإن القصص التي تؤثر بشكل عميق على مجتمع الميم-عين، غالباً ما لا تحظى بتغطية إعلامية في الغرب. ومن الأمثلة على ذلك اضطهاد الدولة للمرأة العابرة جنسياً، الكويتية مها المطيري، في العام 2021، وقانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن الذي يمكن أن يُستخدم لاستهداف مجتمع المثليين/ ات في البلاد (على الرغم من رفض قانون لتجريم الترويج للمثلية الجنسية)، والهجوم الأخير بقيادة مجموعة مسيحية يمينية متطرفة تُسمّى "جنود الرب"، على حانة في بيروت لأنها كانت تستضيف حفلةً استعراضيةً للدراغ كوينز (drag queens). وفي حالات أخرى، تم التغاضي عن مشاعر المجتمعات المتأثرة وجهودها وعملها الدعوي، كما تبيّن ذلك في وفاة الناشطة المصرية المثلية والمنفية سارة حجازي، التي أصبحت حديث الصحافة في منتصف العام 2020.

يبدو أن وسائل الإعلام الغربية لا تهتم بالقصص حول مجتمع الميم-عين العربي، إلا إذا كانت تتناسب مع نمط محدد، أو عندما تتبع نصاً معيّناً، وغالباً ما يكون ذلك عبر عرض مشاهد مؤلمة أو محرجة لحياتنا أو عبر تبسيط هوياتنا وخبراتنا بناءً على معتقدات دينية أو للرد على ما يثير الجدل في الأخبار.

وبالطبع يجب الإبلاغ عن الأخبار التي تؤثر على مجتمعنا، وأنا أدعم كل من يحصل على منصة ليروي قصته، لكن مشكلتي هي مع الذين يتحكمون في ما سنروي من قصصنا. لماذا تبدو قصصنا مهمةً فقط عندما تتوافق مع نمط مسبق؟ لماذا لا نجد مساحةً لنحيا كما نشاء، ونعبّر عن واقعنا بالطريقة التي نختارها؟ لماذا نقتصر على الحديث عن جانب واحد من تجربتنا المثلية العربية، دون أن نستعرض باقي جوانبها، سواء كانت متعلقةً بهويتنا المثلية أو لا؟

وعلى الجانب المقابل، فإن قصص المثليين/ ات العرب في وسائل الإعلام والأدب باللغة العربية نادرة، وذلك بسبب قوانين الرقابة التي تفرضها الدول العربية. وحينما تظهر، فإنها تظهر مُحمَّلةً بالصور النمطية السلبية والمجرّدة من إنسانيتنا، وكما شهدنا في الشهور الماضية في لبنان، فإن السلطات لا تتورع عن قمع مجتمع الميم-عين واستغلاله كورقة سياسية لكسب تأييد الجماهير وتشتيت الانتباه عن المشكلات الأخرى الأكثر إلحاحاً والردود التي تأتي مليئةً بالكراهية والتحامل ضد المثليين/ ات والعابرين/ ات جنسياً والمرأة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى آثار خطيرة على سلامة مجتمع الميم-عين.

كما أنه من الشائع أن تقول السلطات أو القادة، إن المثلية الجنسية "مرض نفسي"، برغم أن الجمعية اللبنانية للطب النفسي نفت مثل هذه الخرافات. ويقال لنا أيضاً باستمرار إن المثلية "مستوردة من الغرب"، على الرغم من وجود المثليين/ ات في كل بقاع العالم، وكانوا/ كنّ كذلك منذ بدء الزمان. وفي العقود الأخيرة، شهدنا ظهور شخصيات مثل باسم فغالي، الذي زيّن التلفزيون اللبناني الرئيسي بأسلوبه في استعراض الدراغ "drag"، لكن تاريخ الثقافة الشعبية العربية مليء بالسرديات الكويرية، التي يبرز جزء منها عبر صفحة أرشيف تكوير على الإنستغرام.

 لماذا لا نجد مساحةً لنحيا كما نشاء، ونعبّر عن واقعنا بالطريقة التي نختارها؟ لماذا نقتصر على الحديث عن جانب واحد من تجربتنا المثلية العربية، دون أن نستعرض باقي جوانبها، سواء كانت متعلقةً بهويتنا المثلية أو لا؟

كمحرر سابق لمجلة Star Observer، المجلة المثلية الأقدم في أستراليا، كنت أستخدم خدمة الأخبار العاجلة التي توزَّع على المشتركين/ ات لكتابة مقالات عن جحيم داعش في سوريا والعراق، والروايات المروعة عن قيامهم برمي المثليين/ ات من أسطح المباني. ولم تكن هذه الأخبار تحتوي على أي تفصيل أو تحليل -وهو ما لا يمكن للمرء أن يتوقعه إذا كان هناك تعتيم إعلامي في مناطق داعش على أي حال- ولكن هذه المجازر تحولت إلى رمز وصورة نمطية غير دقيقة وغير عادلة للتجربة العربية المثلية. فعلى سبيل المثال، كثرٌ من الناس يقولون لي عندما يعرفون أنني مثلي وفلسطيني وأدعم فلسطين الحرة، أن أذهب إلى غزة وأحاول أن أكون مثلياً هناك، وأن أرى ما إذا كانت حماس ستقوم بإلقائي من فوق سطح، مثل داعش.

لهذا السبب نشرت كتاباً صدر العام الماضي، تحت اسم "هذا العربي كويري" [This Arab is Queer]، وهو كتاب يضم ثماني عشرة قصةً حقيقيةً من كُتَّاب عرب مثليين، كل واحد منهم يروي قصةً خاصةً به، لم يجدوا من يسمعهم من قبل ولم تكن لديهم منصة للكتابة عن تجاربهم من قبل. إنها مساحة تمنح الكلمة للكاتب بالكامل ولا تحجب صوته. وفي هذا الكتاب، سيجد القرّاء قصصاً عن الحب والعشق والفخر والشجاعة والثأر والفكاهة والرغبة، لذا يشهد هذا الكتاب على وجودنا وقوتنا كمجتمع ويحتفل بثراء تجاربنا.

هذا الكتاب هو دليل حيّ كذلك على أهمية قصصنا، وعلى ضرورة أن تكون أصواتنا كمثليين/ ات عرب، في المقدمة قدر الإمكان. إذ لا يجدي نفعاً أن يتحدث الآخرون عنّا دون وجودنا أو دون الأخذ برأينا، ولا يجوز أن يتحدثوا نيابةً عنّا إلا بحذر ووعي. فمن خلال المشاركة والتواصل المباشر مع المجتمع، نستطيع أن نساهم في إحداث تغيير إيجابي. وهذه ليست الطريقة الوحيدة بالطبع، فهي واحدة من بين تجارب كثيرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

المجاهرة العنيدة بأفكارنا

ظننا يوماً أنّ تشبثنا بآرائنا في وجه كلّ من ينبذنا، هو الطريق الأقوم لطرد شبح الخوف من الاختلاف.

لكن سرعان ما اتّضح لنا أنّ الصراخ بأعلى صوتٍ قد يبني حواجز بيننا وبين الآخرين، وبتنا نعي أنّ الظفر بالنجاح في أيّ نقاشٍ والسموّ في الحوار، لا يتحقّقان إلا بفهمٍ عميق للناس الذين ينفرون منّا، وملاقاتهم حيث هم الآن.

Website by WhiteBeard
Popup Image