شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف يُدخل

كيف يُدخل "ديليفري الموت" الفاشنيستات إلى مصنع الاغتيالات في العراق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بشكل متزايد، تشهد السنوات الأخيرة حوادث عنف تستهدف المدونين/ات والعابرين/ات وصناع المحتوى في العراق، وبخاصة من يطلق عليهن "الفاشنيستات". تطوّر هذا العنف من الاستهداف الإعلامي ونشر الصور النمطية المسيئة إلى الاستهداف والتضييق الحكومي وصولاً إلى الاغتيال في ظل الدور النشط لهذا الوسط في واقع العراق الاجتماعي والسياسي.

أحدث هذه الحوادث قتل الفاشينيستا (أو البلوغر) أم فهد، أمام منزلها في منطقة زيونة وسط بغداد في 26 نيسان/ أبريل المنقضي، برصاصات مجهول يستقل دراجة نارية كعادة هذه الاغتيالات.

يعرف العراقيون جيداً "ديليفري الموت" الذي أرّق شوارع بغداد وباقي المحافظات، فسبق أن اغتال الخبير الأمني والباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة هشام الهاشمي، وكذلك الناشطون في الحراك الاحتجاجي فاهم الطائي وإيهاب الوزني في كربلاء، والصحافي أحمد عبد الصمد، والناشطة الاجتماعية رُهام يعقوب في البصرة والكثير من المؤثرين والمشاهير أمثال تارا فارس ورفيف الياسري ونور بي أم في بغداد، وسمسم في الديوانية.

ازدادت حوادث العنف والكراهية والاغتيال هذه بعدما أطلقت وزارة الداخلية العراقية منصة "بلِّغ" التي تُعنى بمتابعة مروجي ما يُعرف بـ"المحتوى الهابط"، وهو ما يدعو للتخوّف من أن قانون "مكافحة البغاء" الجديد الذي أقرّه البرلمان العراقي أخيراً، ويتضمن عقوبة تصل إلى السجن 15 عاماً لمن "يمارس الشذوذ" كما يحظر "الترويج للشذوذ"، قد يفتح الباب لشرعنة القتل والاعتداء ويحد من الحريات الفردية سيّما وأنه يحتوي على كلمات فضفاضة غير واضحة مثل "التخنّث" الذي يعاقب عليه القانون أيضاً.

"الإفلات من العقاب أصبح سنة قانونية لكل من يمتلك ظهيراً سياسياً وميليشياوياً"... مسلسل اغتيال البلوغرز وصانعات المحتوى العراقيات يتواصل، وسط شُبهات في تورط مسؤولين سياسيين وأمنيين في حوادث اغتيال أم فهد وغيرها. الشارع العراقي متهم أيضاً بـ"التضامن" مع القتلة بذريعة "الحفاظ على الهوية المجتمعية والعفة"

ملاحقة الفاشنيستات وقصة مقتل "أم فهد"

مصطلح "الفاشنيستا" في العراق يرتبط بالعديد من التعريفات المختلفة ويُطلق معمماً على فئات واسعة من النساء، بما يشبه الوصمة. فـ"الفاشينيستا" هي العاشقة لمجال الموضة والأزياء والمكياج، وهي كل امرأة مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً كل امرأة تملك المال والمنازل والسيارات الفارهة، وربما أيضاً من تقوم بعمليات التجميل الكثيرة، وهي المرأة التي لديها علاقات مع رجال الدولة والمسؤولين الأمنيين على وجه التحديد، أو تلك التي تتجاوز القانون وتتباهى بذلك. بالمختصر، باتت تُطلق التسمية على كل امرأة مثيرة للجدل مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي، سلباً كان أو إيجاباً.

قبل عامين أو أكثر بقليل، برزت غفران مهدي سوادي على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، باسم "أم فهد" التي قدمت نفسها كسيدة أعمال، وشددت في مناسبات عديدة على أنها ليست فاشنيستا أو موديل بل امرأة تملك المال وتنشر يومياتها فقط.

وباتت الكثير من الصفحات والمستخدمين ينقلون ما تنشره أم فهد ويجعلونه مادة للنقاش والجدل، وغالباً ما كان الحديث عن جسدها وتفاصيله، ولم تخل هذه الأحاديث حولها من الإيحاءات الجنسية والطعن في "شرفها".

صور أم فهد وابنها

صور أم فهد وابنها

خَفُت نجم أم فهد قبل أن يبرق من جديد في بطولة "خليجي 25" التي أقيمت في البصرة، جنوب العراق، حيث راجت فيديوهات لها وهي ترقص في المدرجات كغيرها من الجمهور، لكن رقصها أدى في حينه إلى موجة جديدة من التحريض عليها قبل أن تظهر في لقاء تلفزيوني وتتحدث عما تتعرض له من انتقادات وتهديدات جعلتها تفكر في مغادرة بلدها.

لاحقاً، أوقف القضاء العراقي أم فهد ستة أشهر بعد أن قدّم مستشار وزير الداخلية السابق، سعد معن، دعوى ضدها بتهمة "المحتوى الهابط" و"الإخلال بالآداب العامة" كونه كان يرأس لجنة "متابعة المحتوى المسيء" أو ما يعرف بمنصة "بلِّغ"، التي استهدفت -وما تزال- صنّاع المحتوى والمؤثرين. بعد انتهاء توقيفها، انتقدت أم فهد ما حصل معها، وقالت لصحيفة نيويورك تايمز إن قاضي التحقيق سألها: "لماذا ترقصين وتظهرين جزءاً من صدرك؟" خلال حفلة عيد الميلاد التي أقامتها لابنها.

الداخلية العراقية ترفع دعوى قضائية ضد أم فهد بسبب المحتوى الهابط

الداخلية العراقية ترفع دعوى قضائية ضد أم فهد بسبب المحتوى الهابط

ثم تطور الأمر إلى ما سُمّي بـ"كلاسيكو الفاشنيستات"، وهو مقطع فيديو أظهر أم فهد وهي تهاجم مواطنتها الإعلامية داليا نعيم الملقبة بـ"باربي العراق"، بقولها: "تزامطين (تستقوين) بسعد معن مدري ياهو، خلّي يوگفلج سعد معن وغيره، عندي دليل على سعد معن وأنتِ گاعدة وياه، وإذا أنشر هذا الفيديو أسويله مشكلة"، وهو الاتهام الذي هزّ مواقع التواصل الاجتماعي العراقية وأثارت الشكوك في مستشار وزير الداخلية العراقية، صاحب كتاب "الابتزاز الإلكتروني... طرقه والوقاية منه".

بعد أيام، أُحيل معن إلى التوقيف والتحقيق رفقة 14 ضابطاً أمنياً آخر لتورطهم في قضايا ابتزاز للمؤسسة الأمنية وضباطها ومساومتهم عبر إدارة صفحات بأسماء مستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي.

عقب إبعاد معن عن منصبه وإحالته للتحقيق بأيام، اختُطِفت داليا نعيم، وسط بغداد في 7 نيسان/ أبريل المنقضي، من قبل مجهولين، قبل أن يُعثر عليها مُلقاة في إحدى مناطق العاصمة وعليها آثار تعذيب على الوجه واليدين. إثر الحادثة، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي باتهامات ضد سعد معن وأم فهد كونهما على خلاف مع داليا.

الإعلامية داليا نعيم قبل وبعد اختطافها

الإعلامية داليا نعيم قبل وبعد اختطافها

وبعد قرابة 20 يوماً من حادثة اختطاف نعيم، قُتِلت أم فهد أمام باب منزلها داخل سيارتها برصاصات "ديليفري الموت" الذي ظهرت عليه ملامح الاحتراف في تنفيذ عملية الاغتيال، وسرقته هاتفها المحمول، بحسب خبراء وشهود عيان. لم يتوقف الأمر عند هذا، فسُرِّبت عمداً مقاطع مصورة لجسد الضحية أثناء عملية الشريح، تُظهر أجزاء حساسة من جسدها ووشوم مرسومة عليه، ما يُثير تساؤلات عديدة عن القضية والهدف الكامن وراءها وخطورتها إذ تؤكد استمرار كاتم الصوت في إسكات الأصوات وتسوية الخلافات التي يمكن أن يكون لشخصيات حكومية دور فيها.

مصطلح "الفاشنيستا" في العراق يرتبط بالعديد من التعريفات المختلفة ويُطلق معمماً على فئات واسعة من النساء، بما يشبه الوصمة. فباتت تُطلق التسمية على كل امرأة مثيرة للجدل مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي، بالسلب أو الإيجاب، وتتعرض غالبيتهن للتشويه والتحريض ضدهن

"جهات سياسية تخشى الفضيحة"

يقول لرصيف22 مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن، نزار حيدر، إن "التصفيات التي تتعرض لها مثل هذه النماذج تقف خلفها جهات سياسية وأحياناً أمنية 'تخشى الفضيحة'، فالثابت أن العديد من الفاشينيستات محميات من قبل أطراف نافذة في الدولة، ولذلك فبمجرد أن تشعر هذه الأطراف بأنهن أصبحن خطراً عليها يتم تصفيتهن بطريقة أو بأخرى".

ويشير حيدر إلى أن "عملية الاغتيال لم تتم لأسباب شخصية، وإنما لأسباب سياسية وأمنية حصراً… مستشار وزارة الداخلية هو أول من اعتقل المغدورة قبل أشهر وبأمر قضائي، ووقتها هدّدت بأنها ستشن عليه حملة تسقيط وتشهير لإنهاء حياته المهنية في الداخلية، وهذا ما حصل بالتعاون مع أطراف في الأجهزة الأمنية مستفيدة من التخلص منه ولصالح المغدورة وأمثالها".

ويردف بأن "هناك قاعدة منطقية باتت عرفاً في العراق تقول: إذا تم الكشف وبسرعة عن جناة أية عملية اغتيال، فتأكّد أن القتل عملية جنائية، أما إذا سوّفت الحكومة في الكشف عن الجناة فتأكّد أن القتل عملية سياسية، لأن الكشف عنها يُحرج الحكومة ويُحرج أطرافاً متنفذة في الدولة، لذلك عادة ما يتم تسجيل عمليات القتل السياسي ضد مجهول أو يقدم فيها كبش فداء".

و"الانفلات الأمني والإفلات من العقاب باتا من سمات الحياة السياسية والاجتماعية في العراق، وهو أمر خطير يجب على الحكومة ومختلف مؤسسات الدولة التعاون لوضع حد له ومواجهته، لأنه يضر بسمعة العراق دولياً وإقليمياً، وتالياً يؤثّر على مشاريع التنمية والاستثمار التي لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود حاضنة آمنة في البلاد"، وفق حيدر.

وهو يلفت إلى أن وجود الأصوات التي تشجع على ارتكاب جرائم مشابهة هو "دليل على تخلّف المجتمع وغياب مفهوم الدولة في عقلية المواطن، كما أنه دليل على ضعف الأجهزة الأمنية والقضاء، لذلك لا يجد المواطن طريقاً لانتزاع حقه إلا بذراعه وعضلاته، وينبغي التثقيف حول عقلية الدولة والالتزام بالقانون بدلاً من اللجوء إلى 'الثأر' أو ما يسمى بـ'غسل العار' لانتزاع الحقوق، إذا كانت هناك حقوق من الأساس".

"أكثر حالات الاستهداف إرباكاً"

حادثة قتل أم فهد هي "أكثر حالات الاستهداف إرباكاً"، بحسب الباحثة السياسية نوال الموسوي التي تقول لرصيف22: "لا يمكن اتهام جهة محددة دون اكتمال التحقيقات، نظراً لكثرة الأطراف المختلفة معها، وبعضهم شخصيات بمناصب متقدمة، ولتشعّب علاقاتها. كما لا يمكن الجزم بتحديد الجهة التي تقف وراءها، فمن يقع بدائرة الاتهام وتحوم حوله الشبهات وتم التطرق إليه في السوشيال ميديا (أي سعد معن) لن يُجازف بالقتل العمد ولو بقاتل مأجور، بالإضافة إلى أن أغلب حالات القتل السابقة لم تحدد الجهة أو هوية القاتل وبقيت طي الكتمان بسبب تقبُّل الناس للقصاص ممن يخالف المجتمع بسلوكيات غير مقبولة".

تضيف الموسوي: "مثل هذه الحوادث تؤثر بكل الأحوال على تصنيف الاستقرار الأمني وأداء الأجهزة الأمنية وضبطها ملف السلاح المنفلت. مؤشرات ارتفاع نسبة القتل تؤدي إلى فقدان الثقة بالأجهزة الأمنية وتعزز ميول المجتمع لحماية نفسه بالمزيد من السلاح في وقت تحاول الدولة تقليص دور السلاح في المجتمع".

وفي لقاء تلفزيوني، أدلى الخبير الأمني عدنان الكناني بمعلومات وتحليلات كثيرة تنذر بخطورة الحادثة من جوانب متعددة، وتؤشِّر إلى احترافية القاتل، منها قيام القاتل بأخذ مقذوفات الرصاص بعد تنفيذ الجريمة، ما قد يدل على أن سلاح الجريمة كان مرخّصاً.

برأي الكناني، "هذه العملية منظّمة وربما يقف خلفها شخص متنفّذ، وربما تملك الضحية بعض الأدلة عليه، لذلك تقصّد القاتل هاتفها، وسرقه، بعد تصفيتها جسدياً. كما أننا، وفي أي تحقيق عند غياب الأدلة، يجب أن نبحث في قاعدة البيانات عمّن هو المستفيد؟".

تتفق الموسوي مع هذا. تقول: "الشخصية المستهدفة (أم فهد) ربما تمتلك معلومات عن جهات يمكن أن يساء لها، خصوصاً إذا كان القضاء قد فتح تحقيقات وملفات بحقهم، فبالتالي تصفية السيدة يمكن أن يشكل عقبة في التحقيق لأحد المتهمين".

"مثل هذه الحوادث تؤثر بكل الأحوال على تصنيف الاستقرار الأمني وأداء الأجهزة الأمنية وضبطها ملف السلاح المنفلت".

ظهر أفراد من عائلة أم فهد، في لقاء تلفزيوني بعد الحادثة، وأشاروا إلى أن هناك أسراراً وراء حادثة القتل، وأن القاتل متمرّس ومحترف وقام بسرقة هواتف غير معلومة العدد من الضحية، كما أنه على ما يبدو تدرَّب خارج العراق بسبب احترافيته، وفق شقيق الضحية.

لفت المصدر نفسه إلى أن "الاستخبارات تملك هاتفين اثنين لأم فهد، كما أن هناك جهاز تصوير داخل منزلها تم سحبه من قبل لجنة مختصة، دون أن يطلع أحد على ما به من تسجيلات. كما تم التحفّظ على السيارة وإقفال المنزل ومنعنا من دخوله، وهناك سر وراء هذا".

وجّه شقيق أم فهد رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، متسائلاً: "على أي أساس تسحب مفاتيح البيت؟ هذا البيت تابع لنا وهو بيت أختي".

من جانب آخر، ظهر مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية، خالد المحنا، في لقاء تلفزيوني، واصفاً الحادثة بأنها "جنائية" ثم قال إن الوصف القانوني للحادثة هو "حادث قتل" إلى أن تكشف التحقيقات ملابسات هذا الحادث.

وأضاف المحنا: "لم تُثبت التحقيقات ارتباط اللواء سعد معن بحادثة الاغتيال نهائياً. كما أن توقيف معن والتحقيق معه لم يكن له ارتباط بما قالته أم فهد، بل ما حصل هو تزامن مع هذا الحادث، وملفه مختلف ويتعلق بقضية إنشاء صفحات ابتزت ضباط أمنيين".

كما نفى المحنا سرقة هواتف لأم فهد من قبل القاتل، وصرّح بأن ممتلكاتها الشخصية موجودة لدى القوات الأمنية، وأن كل ما تم أخذه، أخذ لغرض التحقيقات من قبل لجنة الأدلة الجنائية.

الداخلية العراقية تنفي علاقة توقيف ضباط بقتل أم فهد

الداخلية العراقية تنفي علاقة توقيف ضباط بقتل أم فهد

وبما يخص ردود الفعل المجتمعية، تقول باحثة نسوية عراقية، فضّلت عدم ذكر اسمها، لرصيف22: "هناك خطورة كبيرة على حياة فئة النساء اللواتي اشتهرن كصانعات محتوى في العراق، فليس لأي أحد الحق في إدانتهن بل هو شأن القضاء، وأي تحريض على قتلهن أو تقييد حريتهن يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان".

تُشدد الباحثة النسوية على أنه "لا يجوز أن يخضع القتل لمزاجيات وانطباعات شخصية، وأن تشجيع القاتل بذرائع على غرار: 'الحفاظ على الهوية المجتمعية والعفة' أو غيرها من مسميات يعد جريمة بحد ذاته، ولا بد من توعية المجتمع لخطورة هذه التوجهات التي تحد من حرية الناس في التعبير عن أنفسهم في الملبس أو الشكل أو السلوك الذي لا يضر أحداً".

أسرار أم فهد… هل دُفنت معها؟

تراود المدون والناشط في الحراك الاحتجاجي محمد عفلوك، خلال حديثه مع رصيف22، العديد من التساؤلات: "ما هي الأسرار التي كانت في جعبة أم فهد، عن مسؤولين وقيادات أمنية ورجالات مافيا؟ وهؤلاء الذين يرتبطون معها في شبهات حول 'شبكات دعارة' أو غسيل أموال أو شبكات ابتزاز؟ تساؤل آخر هو الأبرز: لماذا هذا التركيز على هاتف أم فهد؟ بحسب تصريح شقيقها، حول منعت الاستخبارات أي أحد من دخول البيت وصادرت هاتفيها الاثنين، وعلى ما يبدو كل المقتنيات داخل البيت تمت مصادرتها!".

قانون "مكافحة البغاء" الجديد الذي أقرّه البرلمان العراقي أخيراً، ويتضمن عقوبة تصل إلى السجن 15 عاماً لمن "يمارس الشذوذ" كما يحظر "الترويج للشذوذ"، قد يفتح الباب لشرعنة القتل والاعتداء ويحد من الحريات الفردية سيّما وأنه يحتوي على كلمات فضفاضة غير واضحة مثل "التخنّث" الذي يعاقب عليه القانون أيضاً

وعن المخاوف يقول عفلوك: "الإفلات من العقاب أصبح يمر بموجب القانون في العراق، وأنا في عداد ضحاياه، حيث تم توثيق الاعتداء الذي تعرضت له من قبل عصابة، والجميع شاهده، وبعد عام تم إلقاء القبض على المعتدين، ثم تم الإفراج عنهم بسبب 'عدم كفاية الأدلة'، وبعد تمييز الدعوى، تم الإفراج عنهم للسبب ذاته، رغم توافر المقاطع المصورة والشهود، وكشف هوية المسؤولين عن الاعتداء لكن لم تتم محاسبتهم".

يستطرد عفلوك بأن هذا ما حدث أيضاً في جريمة اغتيال هشام الهاشمي الذي اعترف قاتله "بالصوت والصورة"، ولاحقاً أُفرج عنه لعدم كفاية الأدلة. يصف المصدر ذلك بأنه "كارثة، لأنه لم يتم الإفراج عنه بسبب انتهاء مدة محكوميته. لكنه قاتل مع سبق الإصرار والترصد يتم الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة، ولهذا فإن الإفلات من العقاب أصبح سنة قانونية لكل من يمتلك ظهيراً سياسياً وميليشياوياً".

ويضيف عفلوك: "للشارع العراقي اليد الطولى في موضوعة الإفلات من العقاب، حيث أن أي جريمة سواء كانت جريمة شرف أو جريمة ترتكب لنصرة الدين والمذهب، فالشارع العراقي يناصر ويدافع عن الجاني، وحدث هذا كثيراً والأمثال وافرة".

تساؤلات وشكوك كثيرة تخيّم على هذه الحادثة، وتتضارب التصريحات الأمنية الرسمية مع ما يقوله ذوو الضحية والخبراء، في انتظار الوعود التي قطعتها وزارة الداخلية بالكشف عن تفاصيل الجريمة المربكة، وسط مخاوف النشطاء والمدونين من تنامي حالات الاغتيال وإفلات المجرمين من العقاب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image