عادت قضية إقرار قانون يجرّم المثلية الجنسية في العراق إلى الواجهة مؤخراً، بعد إدراج التصويت على التعديل الأول لمسودة القانون، في جدول أعمال الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان، في محاولات مستمرّة من قبل أحزاب الإسلام السياسي لتمريره.
يُعرف مشروع القانون، الذي طُرح لأول مرة في آب/ أغسطس الماضي، بـ "قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي"، وهو يجرّم بشكل صريح المثلية الجنسية، بعقوبات تصل إلى حد الإعدام.
ويجرّم القانون أيضاً "تغيير الجنس بناءً على الميول والرغبات الشخصية"، كما ويعاقب من يقوم بـ "الترويج للمثلية الجنسية" بالسجن لمدة لا تقلّ عن "سبع سنوات"، وهي تهمة "غير محدّدة" وفقاً لهيومن رايتس ووتش.
وكان من المقرّر أن يتمّ التصويت على القانون خلال جلسة البرلمان في 15 نيسان/ أبريل 2024، إلا أنه تم تأجيل التصويت لموعد آخر لم يحدّد بعد.
عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، رائد المالكي، أشار في بيان رسمي إلى أن اللجنة أنهت كافة التعديلات على مقترح القانون، مؤكداً أنهم "ملتزمون بالمضي في تشريع القانون، ونرفض أي ضغوط أو تدخل للحيلولة دون ذلك".
وأشار المالكي إلى أن التعديلات الأخيرة على القانون شملت استبعاد عقوبة الإعدام، مع الإبقاء على عقوبة السجن وفرض غرامات مالية.
قلق وخوف وتهديد مستمر
لا تغادر مشاعر الخوف والقلق رأس كادي، (23 عاماً)، التي كلما سمعت بمحاولات إقرار القانون، تختبيء في منزلها ولا تغادره إلا للضرورة، كونها عابرة جنسياً."عندما سمعت بمشروع القانون لأول مرة، انتابتني مشاعر الخوف كوني 'ليدي بوي'. لم أعد قادرة على ممارسة حياتي الطبيعية، إذ صرت أشعر بخوف أكبر كلما غادرت المنزل"، تقول كادي التي اضطرّت لقصّ شعرها للمرة الثالثة خلال عام، خوفاً من أن يثير مظهرها "الشبهات".
يشهد العراق، منذ تموز/ يوليو الماضي، حملة تحريض واسعة النطاق ضد أفراد مجتمع الميم‑عين، شملت مواقع التواصل الاجتماعي والمدارس والجامعات ودور العبادة، كما وأخذ أصحاب بعض المقاهي والمطاعم في العاصمة بغداد، بوضع لافتات على واجهات محلاتهم توجّه بعدم دخول المثليين/ات.
"في إحدى المرات، كنت بمقهى 'أنا وليلى' في منطقة الكرادة، وتعرّضت وأصدقائي للتنمّر والاعتداء اللفظي والطرد، إذ إنه بمجرّد دخولنا المقهى، اقترب أحدهم وقال: 'تفضلو برّة'، الأمر الذي سرعان ما تحول إلى شجار"، تقول كادي، مضيفةً أنه "عندما غادرنا المكان، انتبهنا لوجود عبارة 'ممنوع دخول المثليين'".
ووفقاً للمسودة الأولى للقانون، فإنه يستهدف أيضاً النساء العابرات جنسياً، ويعاقب بالسَّجن، بين سنة وثلاث سنوات، أو غرامة تتراوح بين 5 ملايين دينار (3,800 دولار أمريكي) و10 ملايين دينار (7,700 دولار أمريكي) لكل من "مارس أي فعل من أفعال التخنّث"، والذي يعرّفه القانون أيضاً بأنه "التشبّه النساء"، ويشمل "وضع مساحيق التجميل الخاصة بالنساء، ولبس الملابس الخاصة بهن في الأماكن العامة، أو الظهور بمظهر يشبه مظهر النساء".
حملة التحريض الممنهجة ضد الكوير في العراق أيضاً اغتيل إثرها عدد من الأفراد المثليين/ات والعابرين/ات، مثل نور بي ام، التي قتلت أمام منزلها في أيلول/ سبتمبر الماضي، من قبل شخص مجهول يقود دراجة نارية، ولا يزال القاتل طليقاً حتى وقت كتابة هذا التقرير.
وفقاً لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر عام 2022، فإن أفراد المجتمع الكويري في العراق، هم هدف متكرّر لعمليات "الخطف والاغتصاب والتعذيب والقتل" من قبل جماعات مسلحة يمكنها "الإفلات من العقاب".
"إن قُتل أحدنا، يقال: يستحق الموت، لقد كان شاذاً"، تقول كادي، التي تفكّر بالهجرة من العراق اليوم، خصوصاً في حال تمّ إقرار القانون بشكل رسمي.
منظمات حقوق إنسان ونشطاء مدافعين عن حقوق المثليين/ات في العراق، أعربوا عن قلقهم المتزايد إزاء احتمال إقرار هذا القانون، والذي يعد تجاوزاً خطيراً على حقوق الإنسان ومبادئ المساواة.
"القانون يعد انتهاكاً صريحاً لحقوق الإنسان، لأنه يعاقب مجموعة كبيرة من الناس دون ارتكابهم أي جريمة سوى أنهم ولدوا بميول لا تتماهى مع طبيعة المجتمع"، يقول سيف علي، أحد القائمين على منصة "گالا" المدافعة عن حقوق أفراد مجتمع الميم‑عين في العراق.
"أفراد مجتمع الميم‑عين في العراق لا يملكون حق الظهور والتعبير عن أنفسهم، حتى مع عدم وجود هذا القانون، بسبب السطوة العشائرية ووجود الميليشيات المسلحة المنتشرة في العراق، إلا أن القانون الجديد يعطي شرعية صريحة لقتل المثليين/ات والعابرين/ات، ما يعني المزيد من الاضطهاد والتمييز بحقهم/ن"، وفقاً لسيف.
في الثامن آب/ أغسطس 2023، وجّهت هيئة الإعلام والاتصالات في العراق جميع وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي العاملة في البلاد، بعدم استخدام مصطلح "المثلية الجنسية"، واستبداله بـ"الشذوذ الجنسي"، وذلك من أجل "حماية المجتمع وقيمه الأصيلة من المصطلحات الدخيلة التي أصبحت لها مدلولات مخالفة للنظام العام والآداب العامة".
يقول سيف إن منصته تستقبل يومياً عشرات الرسائل من أفراد كويريين/ات يتعرّضون للاضطهاد والتحرّش والعنف، لذا، مع إقرار القانون سيزداد الأمر تعقيداً، ويضيف أن إقرار القانون سيؤثر بشكل مباشر على إدارة منصته، إذ إنه سيكون مضطرّاً لأن يستغني عن فريق عمله داخل العراق، خوفاً عليهم من الاعتقال والسجن، وسيقتصر عمله على إدارة منصته من خارج العراق.
نفكر بالهجرة كل يوم
تحاول آية (19عاماً) من البصرة، أن تخفي حقيقة ميولها المثلية عن زملائها في الدراسة وأسرتها ومحيطها، خصوصاً أنها لاحظت تصاعد خطاب الكراهية ضد المثليين/ات في المؤسسات التعليمية في الفترة الأخيرة، وعند سماع تعليقات هوموفوبية، تكتفي بالصمت والانزواء.
"الناس يعبّرون عن كراهيتهم للمثليين دون خوف أو قيود، يقولون لك وبصوت عال: 'يشعروننا بالتقزّز'، لذا، أتخيل أنه وفي حال تم إقرار هذا القانون، سنشهد انتهاكات أكثر بحق أفراد مجتمع الميم-عين، ويسود اعتقاد بأن الدولة نفسها موافقة على قتلهم".
تفكر آية اليوم بالهجرة مع الفتاة التي تحب، خصوصاً وأن أسرتها بدأت بالضغط عليها حتى تتزوج، رغم مواجهتها لهم بحقيقة رفضها القاطع لفكرة الزواج.
يُواجه رصد أعداد أفراد مجتمع الميم-عين في العراق، بمن فيهم المهاجرون/ات، تحديات كبيرة، إذ تفتقر البلاد إلى إحصائيات رسمية تُحدّد عددهم بدقة، وتُعدّ تقديرات "مرصد أوركاجينا لحقوق الإنسان" هي الوحيدة المتاحة بهذا الصدد، والتي تُشير إلى وجود ما يقارب 4500 إلى 5000 من المثليين/ات في العراق، باستثناء الذين يعيشون في إقليم كردستان وتركيا، حيث يُعتقد أن عددهم/ن يُضاعف هذا الرقم.
ومع ذلك، تُواجه عملية حصر أعداد المثليين/ات صعوبات جوهرية، ناتجة عن الخوف الذي يدفعهم إلى إخفاء ميولهم الجنسية وسلوكياتهم عن عائلاتهم ومجتمعاتهم.
"كنت أتجنّب المشي في الشارع، وأرتعب من مروري بنقطة تفتيش عادية للشرطة بسيارتي، حتى ولو كانت شرطة مرور، إذ كنت أشعر أنهم سيكتشفون بطريقة أو بأخرى أنني مثلي الجنس، وسيقومون باعتقالي"
يروي صالح (29 عاماً)، لرصيف22 ، وهو عراقي كردي، هاجر مؤخراً من مدينة السليمانية شمال العراق بسبب ميوله الجنسية المثلية، معاناته عندما كان لا يزال يعيش داخل البلاد.
"غادرت العراق لكوني مثلياً، إذا كنت أتعرّض للكثير من الضغوطات من قبل عائلتي وزملائي في العمل، يسألونني باستمرار متى سأتزوج، وإذا ما كنت أحب النساء أم لا، لذا، كنت أختبئ خلف هوية مزيّفة طوال الوقت وأخفي حقيقة ميولي. كان الأمر مرهقاً"، يقول صالح.
ليست تلك الأسباب وحدها التي حملت صالح الى الهجرة، بل إن حملات التحريض والاعتقالات ضد أفراد مجتمع الميم-عين، جعلته يتخذ قراراً حاسماً بالمغادرة.
في نيسان/ أبريل عام 2021، أعلنت شرطة محافظة السليمانية بشكل رسمي، إطلاقها حملة لاعتقال المثليين/ات في المحافظة، واعتقل إثرها العشرات.
يتذكر صالح تلك الحادثة، التي جعلته يعيش حالة من الرعب والخوف والقلق لقرابة شهر كامل، لم يغادر فيها منزله إلا للضرورة القصوى.
يعيش صالح اليوم في ألمانيا، إلا أنه ومع احتمالية إقرار قانون تجريم المثلية، ربما لن يتمكن من زيارة العراق مرة أخرى."حياتي الآن في برلين أفضل بكل تأكيد، لكني لا زلت أود العودة لزيارة أسرتي وأصدقائي في العراق، وإقرار هذا القانون سيجعل الأمر مستحيلاً، سأفتقد عائلتي كثيراً"، يختم صالح.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...