شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كيف تحقق 100 ألف دولار شهرياً؟ خرافات صلاح أبو المجد والسلطة في مصر

كيف تحقق 100 ألف دولار شهرياً؟ خرافات صلاح أبو المجد والسلطة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الخميس 2 مايو 202411:29 ص

تحضرني تلك القصة التي حدثت لشاب من أحد فروع عائلتي، عندما يتحدّث أحد عن قدرة أي شاب عن التغلب على الفقر ومسؤوليته عن ذلك في مصر، ففي أثناء فترة العزل بسبب انتشار فيروس كورونا، قرّر ذلك الشاب أن يتصرف بذكاء ومسؤولية، وأن يخاطر خارج الوظيفة، بأن يستثمر ما لديه من أموال في استيراد كمامات لبيعها، لأن سوقها في ذلك الوقت كانت الأكثر رواجاً.

لن يخبرك صلاح أبو المجد أن مصر من بين الدول التي بها أقلّ متوسط أجور في العالم، وأن الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز مئة وعشرين دولاراً، وهو ما يعني استحالة تحقيق فائض ثروة لتنميته.

إلى هنا لم يخطئ الشاب في شيء، لكنه لم يضع في حسبانه أن جهة سيادية قد فعلت الشيء نفسه، وقرّرت ألا ينافسها أحد، لذا قُبض على الشاب، ووُجهت له تهمة "الاحتكار"، وخُيّر بين فتح قضية، وبين أن يتنازل عن الكمامات لصالح صندوق " تحيا مصر"، وهو ما اختاره الشاب الذي خسر أمواله.

في الفترة الأخيرة، اشتهر واحد من المؤثرين وهو صلاح أبو المجد، وهو مزيج متطوّر وأكثر فظاظة من إبراهيم الفقي وكتب التنمية البشرية ذائعة الصيت مع نبرة حادة، وقحة وتحقيرية، إن جاز التعبير، تستعمل كلمات عن غباء وكسل من لم يتمكنوا من تحقيق النجاح وتخطي عتبة الفقر في مصر، وتعلّق نير ذلك الفقر في أعناقهم وحدهم، ومن بين آخر تجلياته التي اشتهرت مؤخراً في مصر، اتهام أي شاب بلغ الثلاثين، ويملك لابتوب ولا يستطيع أن يدخر مبلغ 500 ألف جنيه مصري سنوياً، بالفشل، ومن قبل، انتشر له تصريح: إن لم يكن راتبك 10 آلاف جنيه مصري (وهو رقم ضخم حتى بالمعايير الحالية مقارنة بحقيقة الأجور الفعلية) فلا تتزوج.

المثير أن في الأسبوع نفسه، تبنّى رئيس الجمهورية خطاباً شبيهاً، وإن كان أكثر مبالغة، في واحدة من تجلياته المرتجلة في مؤتمرات ينفرد فيها وحده بالحديدة (الميكرفون)، يخبر فيها أولياء الأمور وأبناءهم، أن دخلهم من السهل أن يصل إلى 100 ألف دولار شهرياً من خلال تعلّم البرمجة، بدلاً من كليات التجارة والآداب والحقوق.

تبنّى رئيس الجمهورية خطاباً، في واحدة من تجلياته المرتجلة في مؤتمرات ينفرد فيها وحده بالحديدة (الميكرفون)، يخبر فيها أولياء الأمور وأبناءهم، أن دخلهم من السهل أن يصل إلى 100 ألف دولار شهرياً من خلال تعلّم البرمجة، بدلاً من كليات التجارة والآداب والحقوق

وبغض النظر عن المبالغة في توقعات الرئيس والراتب المستحيل، فالبديهة تخبرنا أن من باستطاعته الحصول على 100 ألف دولار (أي ما يعادل 5 ملايين جنيه مصري شهرياً)، فما الذي يجبره على البقاء في مصر؟ ولو افترضنا جدلاً إمكانية الحصول على هذا المبلغ من خلال تعلّم البرمجة، فكيف يمكن له أن يعمل في ظل واحدة من أسوأ وأغلى خدمات الإنترنت في العالم، وفي ظل انقطاع يومي ممنهج للكهرباء؟

الجامع بين الخطابين، خطاب أبو المجد وخطاب أعلى قيادة سياسية في البلاد- وهو ما انتشر عنه كوميك كان أبو المجد فخوراً بنشره- أنه يبدو في الظاهر كلاماً منطقياً وأكثر عملية، لكن في حقيقته يحمل انفصالاً عن الواقع وتضليلاً بربط الفقر في رقبة صاحبه، كما أنه يحمل تحقيراً مبطناً لعملية التعليم، في مقابل توسيع فرص الاستثمار المالي في بلد تشهد نقصاً حاداً في المعلمين والأطباء، وإن كان أبو المجد مجرّد فرد في مجتمع، يمكن مواجهته مهما بلغ انتشاره، فهو في النهاية، وبقدر ما، يمكن له أن يؤذي أفراداً نالوا "بركة الإلهام" على يديه، فهو لا يتحول إلى قرارات وخطط ومشاريع، كما سيحدث إن كانت القيادة السياسية، في أرفع مستوياتها، تتبنّى الفكر نفسه.

صلاح أبو المجد لم يأت من فراغ، بل هو النسخة المحلية الرديئة من مدرّبي التنمية البشرية الذين يخلطون الأمل بالدجل في العالم الأول، الذين يستغلون حاجة أفراده إلى الثراء السريع، أما في الدول النامية، فتعدل تلك النسخة إلى استغلال الفقر نفسه وآمال الناس في الخروج منه، من خلال عمل حقيقي يدرّ أرباحاً، متجاهلاً العوائق الاقتصادية والاجتماعية.

صلاح أبو المجد لم يأت من فراغ، بل هو النسخة المحلية الرديئة من مدرّبي التنمية البشرية الذين يخلطون الأمل بالدجل في العالم الأول، الذين يستغلون حاجة أفراده إلى الثراء السريع

تراقب حكومات الدول المتقدّمة النموذج الأول، من خلال مراقبة مصادر دخله وتهربه الضريبي، على سبيل المثال، بينما يتم تلميع هذا النموذج في دول العالم الثالث، بحسب الكاتب محمد عاطف، لأنه مفيد لكل عناصر المنظومة الفاسدة في مصر، فأنت وحدك سبب التقصير والفشل، لكنه لن يخبرك على سبيل المثال أن مصر ترتيبها 130 في مؤشر مكافحة الفساد، وهو ما يعني ضعف فرص نجاح أي استثمار، باستثناء الاستثمارات بين الشركات ومؤسسات كبيرة على رأس السلطة في مصر.

لن يخبرك صلاح أبو المجد أن مصر من بين الدول التي بها أقلّ متوسط أجور في العالم، وأن الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز مئة وعشرين دولاراً، وهو ما يعني استحالة تحقيق فائض ثروة لتنميته. لن يحدثك عن غياب الحماية العمالية من قبل النقابات للحصول على حقوقك فيما يخصّ الفصل التعسفي أو عدد ساعات العمل، أو كما يصف الباحث عبده فايد، سوق يقوم فيه القطاع الخاص بسحق الشباب الصغير بمعنى الكلمة، ووضعه في خانة مرتبات ألفي جنيه مع عدد ساعات عمل قياسية، ورسم مسار وظيفي قائم على عبودية مقننة، بحيث لا يتجاوز دخلك رقماً يسمح لك بالاستقلال المادي، بل هو نظام استغلال مصّمم كي تبقى في دائرة مغلقة من الكفاف.

لن يخبرك أن بيئة العمل طاردة للكفاءات، حتى إن ما يقرب من 60% من الأطباء، على سبيل المثال، هاجروا إلى الخارج، بينما تشهد معدلات الحاصلين على الدكتوراه، بحسب تقرير للجهاز المركزي والإحصاء، انخفاضاً غير مسبوق، لتصل إلى 9.06 ألف خريج خلال عام 2021، بنسبة تراجع قدرها 93% مقارنة بعام 2016 الذي سجل 128.7 ألف حاصل على دكتوراه من الجامعات المصرية والأجنبية.

 س: "كيف أتمكن من ادخار أكثر من نصف مليون جنيه في العام؟"

ج: "بسيطة... أعط دورات عن كيفية ادخار أكثر من نصف مليون جنيه في العام".

الجامع خطاب أبو المجد وخطاب أعلى قيادة سياسية في البلاد، أنه يبدو في الظاهر كلاماً منطقياً وأكثر عملية، لكن في حقيقته يحمل انفصالاً عن الواقع وتضليلاً بربط الفقر في رقبة صاحبه، كما أنه يحمل تحقيراً مبطناً لعملية التعليم

سيرة حياة صلاح أبو المجد، كما رواها بنفسه عدّة مرات، هي قصص فشل متعاقبة، خسر ملايين في مشروع، نُصب عليه من قبل شركائه، لكنه الآن أصبح ناجحاً، بالطبع أصبح كذلك، لكن بأي طريقة؟ الطريقة الممكنة الوحيدة للنجاح هي أن يحدثك عنه، أن يدفعك بنبرته التحفيزية والتحقيرية لتحقيق ما لم يستطع تحقيقه، نجاحه هو اللعب على شعورك بالذنب من عدم تحقيق شيء.

أمثال صلاح أبو المجد هم الأعداء الحقيقيون، كما يقول الكاتب أحمد منتصر، من يستخدمون كلمة "فقر" بدلا من "إفقار"، الذين ينطلقون من "أنا وأنت" لا من "الظروف والسياسات والسياقات الاجتماعية"، تضليل لا يختلف، بحسب منتصر، عما يفعله المحلّلون الاقتصاديون، عندما يغرقوننا بمصطلحات اقتصادية عن أسباب الفقر، دون الإشارة إلى الأسباب الحقيقية، ومن بينها أن "الأجندة الفاجرة" لصندوق النقد التي تفاقم الأزمات الاقتصادية بدلاً من حلها، لا تنفذ إلا بموافقة حكومية ومشاركة تامة من سلطة وسياسات وشرائح طبقية مستفيدة.

يغرقنا المحلّلون في أرقام وتقديرات وتوصيفات ومصطلحات، كأن الأزمة مسألة تقنية أو مجرد عطل أو خلل طارئ يجري العمل على إصلاحه، وفي الصورة الملغزة، تحتفي عن عمد المسألة الاجتماعية والأمور المتعلقة بالأوضاع المعيشية وسط فوضى الأرقام والإحصائيات.

واحدة من أكثر خرافات صلاح أبو المجد سماجة، هو تصريحه ذات مرة: "لو مرتبك أقل من 10 آلاف جنيه.. متتجوزش". حتى الزواج، كحق أساسي للإنسان، يرغب صلاح أبو المجد، في حرمان الفقراء منه. هذا الطرح، بحسب الباحث عبده فايد، يُعبّر عن نظرة سطحية وغير واقعية للحياة الاجتماعية والاقتصادية، خاصةً في مجتمعات تُعاني من تحديات مالية كبيرة.

الأغلبية العظمى من الموظفين لا يمكنهم تحقيق هذا المبلغ إلا بعد سنوات طويلة من العمل، إن حدث ذلك أصلاً. الحياة اليومية للمصريين تعتمد على التكافل الاجتماعي والمساعدات المتبادلة بين أفراد الأسرة والأصدقاء، وليس على الثروات الوراثية أو الأعمال الخارقة.

المدوّنون الذين يروّجون لهذه الأفكار يتجاهلون الواقع الاقتصادي الصعب والظروف العملية للشباب، حيث يُعاني الكثيرون من مرتبات زهيدة وساعات عمل طويلة. تقنين مبلغ معين كشرط للزواج يُعدّ تهميشاً لحقوق الفقراء وتجاهلاً لإمكانية تحسن ظروفهم المستقبلية.

المساواة في الفرص تعني توفير الدعم اللازم للفقراء منذ الصغر، ليتمكنوا من مواجهة تحديات الحياة بنجاح، وليس حرمانهم من حقوقهم الأساسية

تاريخياً، استُخدمت أفكار مشابهة لحرمان الفقراء من حقوقهم الأساسية، كما حدث في الهند والبيرو، حيث عُقِّم الملايين لمنعهم من الإنجاب، عوض تحسين ظروفهم الاقتصادية. هذه السياسات فشلت؛ لأن الحل الحقيقي يكمن في توفير فرص متساوية للجميع وتصميم مسارات اجتماعية تُمكّن الفقراء من النهوض والاندماج في سوق العمل.

المساواة في الفرص تعني توفير الدعم اللازم للفقراء منذ الصغر، ليتمكنوا من مواجهة تحديات الحياة بنجاح، وليس حرمانهم من حقوقهم الأساسية. نماذج نجاح الأفراد من خلفيات فقيرة تُظهر أن الفقر يجب ألا يكون قدراً محتوماً، بل يمكن تغييره بالسياسات الصحيحة والدعم المناسب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard