لليمون طعم لاذع يجعلنا ننفر منه إن أردنا تناوله كثمرة فقط، لكن فوائده، أو قُل دفعه بعض الأضرار عن أجسادنا، جعلنا مجبرين على التحايل وتناوله من آن لآخر، نعصره ونضيف السكر ليقلّل مرارته فنشربه، أو نعصره على طبق السلطة أو على وجبة أسماك، وفي مصر اعتدنا أن نعصره على الفول و... مرشحي الانتخابات الرئاسية، لـ "ينبلعوا".
سمعت مصطلح "عصر الليمون" لأول مرة سياسياً، حين واجه محمد مرسي مرشح الإخوان، أحمد شفيق مُرشح الفلول، حينها اضطررنا لانتخاب مرسي حتى لا تركد المياه مجدداً بعد ثورة 25 يناير. فهمت في ذلك الوقت أنها لم تكن المرة الأولى التي قمت فيها بعصر بعض الليمون سياسياً، فقد حدث ذلك عندما خرجنا في تظاهرات تطالب المجلس العسكري تسليم السلطة لمجلس الشعب، الذي تشكل من الإخوان والسلفيين وبعض أفراد التيار المدني الذين لا يسمنون ولا يغنون من جوع، ورغم خلافي الفكري مع الإخوان والسلفيين، وهم الأغلبية في ذلك البرلمان، رأيت أن حيازة المجلس العسكري للسلطة يُمكن أن يجعل تسليمها غير مضمون، إذن، عصرت على نفسي الليمون مرتين حتى الآن، وأوشك على الثالثة بكل أسف.
سمعت مصطلح "عصر الليمون" لأول مرة سياسياً، حين واجه محمد مرسي مرشح الإخوان، أحمد شفيق مُرشح الفلول، حينها اضطررنا لانتخاب مرسي حتى لا تركد المياه مجدداً بعد ثورة 25 يناير
السيسي الذي أكره
حتى أعوام قريبة لم أكن أكره الرئيس السيسي، رغم اختلافي الكبير معه في عديد الأمور الهامة، كنت أرفض وجوده لكن لم تكن مشاعر الكراهية قد تمكنت مني بعد. اعتدت موازنة الأمور بين التحديات الموجهة له ولي كمواطن مصري، ما أعاد توجيه مشاعر الكراهية لنواحي أخرى، تركيا أحياناً وقطر غالباً. لم أنتخبه أبداً لكن لم أسع لرحيله بأي شكل في أي وقت، في الانتخابات الأولى مثلاً لم يكن لي صوت انتخابي باعتباري مجنداً في القوات المسلحة، لكني وددت لو استطاع منافسه حمدين صباحي فعلها.
وعندما أتت الانتخابات الثانية، كانت تلك أول شرارة الكره تشتعل، فوقتها وجدت أن ليس فقط المرشح المنافس كان مجرد ديكور للمشهد الانتخابي، لكن تم إجبار البعض على دخول اللجان الانتخابية من أجل تحقيق نسبة مشاركة جيدة، وعلى كل حال لا يوجد هناك مخاوف من السلطة بالنسبة للنتيجة، فالمنافس ذاته قال علناً إنه يرشح السيسي، لكن الإجبار على المشاركة أو إلقاء القبض علي، ذلك كان يعني أنه لو تكلمت أو حتى أردت الصمت فأنا في خطر، لم نصل لتلك المرحلة من الديكتاتورية في أي وقت من قبل، حتى أن حسني مبارك كان يضطر لإدراج أسماء المتوفيين في كشوفات الانتخاب لتحقيق نسبة مشاركة عالية، لكنه لم يجرؤ على إجبار الناس دخول اللجان والمشاركة عنوة، هل أصبحنا أمواتاً في نظر السيسي؟
يُمكن أن أعد أخطاء الرئيس ولن يكفي هذا المقال لحصدها جميعاً، لكني أردت التركيز على سبب الكره وليس الرفض والمعارضة، فبعد ثورتين، ناضل المصريون فيهما لنيل حرية الكلام، فقدنا القدرة على الصمت أيضاً، هذا الأمر يتكرّر حالياً عن طريق التحصل على صور البطاقات الشخصية للمواطنين، مع شكوك حول استخدامها في كتابة توكيلات للرئيس، يتم ذلك في بعض المصالح الحكومية والمدارس، وباستغلال مصالح أخرى مثل التموين بدواعي تحديث البيانات أو في شركات القطاع الخاص، مع إبلاغ المواطن بأن ذلك من أجل إجراءات أمنية فقط.
السيء أن يحدث هذا والأسوأ أن الكلّ يعرف، من يأخذ صور البطاقات ومن يُعطيها يعرفون ذلك. شعرت في تلك المرات بأجواء رواية "1984" ترفرف من حولي في كل شيء، مع تغيير بسيط ليُصبح الاقتباس الأشهر منها هكذا: "كيف يفرض إنسان سلطته على إنسان آخر يا ونستون؟"، فكر ونستون ثم قال: "بأن يحرمه من الصمت، لا من الحديث فقط".
الطنطاوي الذي لا أحب
بالعودة إلى العادة التي يصعب التخلي عنها، وفي ظل تلك الظروف، وجدتني أهمّ بتحضير الليمون من أجل جولة أخرى من عصره على نفسي لصالح أحمد الطنطاوي، منافس السيسي الحقيقي إن سمحوا له بالترشح أصلاً، ولم سأحسب هذه المرة عصر ليمون أيضاً؟
لأنه، وبغض النظر عن احترامي الشديد لشجاعة هذا الرجل، لكني لا أتفق معه في شيء سوى كره السيسي ربما، فالطنطاوي قال بصراحة إنه لا يتطلع لتغيير أي بنود فيما يخص قوانين حماية الأقليات حماية جادة، بل إنه أردف ذلك بنكتة سخيفة، أن من حق كل مواطن أن يعتقد فيما يشاء، شرط عدم ممارسة اعتقاده علناً!
تلك النكتة ذاتها قال قاض منذ عدة شهور، في حيثيات حكم في إحدى قضايا ازدراء الأديان في مصر، وكأن الطنطاوي أو القاضي يُمكنهم العلم بمكنونات صدور الناس، فيسمحون لهم مشكورين بالاعتقاد سراً، والحق أني قد لمست من بقية تصريحاته أن ذلك ليس مجرد احترام للقانون لكنها رغبته الشخصية كذلك، ففي النهاية للرئيس الحق في طرح عدة تعديلات على القوانين، لكنه لا ينتوى ذلك ولا يريده.
مع احترامي الشديد لشجاعة هذا الرجل، لكني لا أتفق معه في شيء سوى كره السيسي ربما، فالطنطاوي قال بصراحة إنه لا يتطلع لتغيير أي بنود فيما يخص قوانين حماية الأقليات حماية جادة
من ناحية أخرى، لم أجد في رؤية أحمد الطنطاوي أي أمور جديرة بالإعجاب أو حتى الشعور بوجود عقل مُفكّر أجدر من السيسي بمنصب الرئاسة، كل ما وجدته هو طرح لنفس حلول الرئيس الحالي، مع تذييل كل فكرة بأنه سيفعلها بشكل صحيح، عكس ما يحدث حالياً، سنستدين وسنجعل من قناة السويس مرفأ تجارياً، وسنسمح بشراكات مع الدول في استثمارات داخلية، كل تلك هي ذاتها الأفكار القديمة. لم أسمع منه أفكاراً جديدة ولا أي ملامح نحو حلول بحيثيات واضحة أو حتى بلمحات عابرة، بل أرهقني رغبته في تهديد الناس بأن بديله هو السيسي، حتى أني كدت أسمع منه عبارة: "مش أحسن ما أبقى زي السيسي ولا مبارك"؟
شخصياً، لا أثق أن الطنطاوي قادر على حل الأزمة الاقتصادية، والرهان سيكون، في حال نجاحه، على تسامح المجتمع الدولي مع التغيير الحاصل وجدولة المديونيات وتقليل الفائدة فقط، وذلك مجرد رهان.
أخيراً، إذا تمّت مهمة جمع التوكيلات لحملة المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي بالفعل وخاض الانتخابات، فأغلب الظن أني سأضطر لعصر الليمون وانتخابه، ففي النهاية أعلم أن كل ما تعلمناه عن الدول الديمقراطية ذات طابع تداول السلطة، هي أنها لم تهبط عليها تلك المكتسبات مرة واحدة، لكنها أتت بالممارسة والممارسة فقط، ورغم عدم إيماني بأن ذلك على وشك الحدوث، لكن وجود أحمد الطنطاوي، أو أي طنطاوي آخر، في القصر الرئاسي، سيضع طاولة مفاوضات داخل القصر لأول مرة.
قد يحصل من يوافقونني الرأي على كرسي على تلك المنضدة، ومنه نتطلع لأشياء أخرى، وفي أسوأ الأحوال سنضطرّ إلى الصمت لكن سيُسمح لنا بالصمت بالتأكيد، لهذا لا أكره أحمد الطنطاوي لكني لا أحبه فقط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوميناوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ يومينمبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ 3 أياملقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ 4 أيامهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ 4 أيامجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...