فازت بجائزة نوبل للسلام 2023، وهي خلف قضبان السجن، فلم تر سلاماً بعد ولا جائزةً. إنها الناشطة السياسية والاجتماعية الإيرانية نرجس محمدي، التي تلقّت خبر حصولها على هذه الجائزة، وهي مسجونة في سجن "إيفين" سيئ السمعة في العاصمة الإيرانية طهران.
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلنت لجنة نوبل، فوز محمدي بجائزة نوبل للسلام، وذلك تكريماً لنضالها ضد اضطهاد المرأة ومطالباتها بتعزيز حقوق الإنسان والحرية في إيران، وقد دفعت هذه الناشطة أثماناً باهظةً بسبب أعمالها تلك.
أملت لجنة نوبل، في استلام الجائزة من قبل محمدي نفسها في كانون الأول/ديسمبر العام الجاري، إذ قالت رئيسة هذه الجنة "بيريت ريس أندرسن"، إن السلطات الإيرانية إذا أرادت اتخاذ القرار الصحيح، فعليها إطلاق سراح الفائزة بالجائزة، لتتلقى هذا التكريم بنفسها.
وأصدرت نرجس محمدي، بياناً من السجن، نقلته شقيقتها عنها، أكدت فيه أنها لن تتوقف أبداً عن السعي لتحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة في إيران، وإن "جائزة نوبل للسلام ستجعلها أكثر قوة وتصميماً وتفاؤلاً وحماساً في هذا الطريق".
من هي نرجس محمدي؟
وُلدت نرجس محمدي عام 1972، في مدينة زنجان شمال غرب إيران، ونشأت في مدينتَي كرج (شمال)، وقوره (غرب). وبعد إتمام الثانوية العامة، تابعت دراستها في مجال الفيزياء التطبيقية في جامعة قزوين في شمال البلاد.
أعلنت لجنة نوبل، فوز محمدي بجائزة نوبل للسلام، تكريماً لنضالها ضد اضطهاد المرأة ومطالباتها بتعزيز حقوق الإنسان والحرية في إيران، وقد دفعت هذه الناشطة أثماناً باهظةً بسبب أعمالها تلك
في أثناء دراستها في الجامعة، شاركت في تأسيس "منظمة الطلاب المنورين"، واعتُقلت بعد ذلك مرتين. وخلال إقامة اجتماعات طلابية في الجامعة، وفي أيام دراستها كانت تشارك بانتظام، في رحلات تسلّق أعلى قمم إيران، لكنها مُنعت من ذلك العمل أيضاً، بسبب نشاطها السياسي.
بدأت محمدي العمل الصحافي في مجلة "بيام هاجر"، عام 1996، وحينها نشرت مقالات حول قضايا المرأة وقضايا الطلاب وحقوق الإنسان في تلك المجلة وغيرها من المجلات والصحف، وبعد ذلك تزوجت عام 1999 من الكاتب والأستاذ الجامعي والناشط والسجين السياسي تقي رحماني، وأنجبت منه طفلين.
بعد مرور فترة وجيزة، أصبحت عضوةً في جمعية "المدافعين عن حقوق الإنسان" (غير معترف بها من قبل السلطات الإيرانية)، وتوسع عملها في هذه الجمعية، حتى صارت في ما بعد نائبة رئيسة الجمعية ورئيسة للجنتها النسائية، وترأست هذا المركز القاضية السابقة والحائزة كذلك على جائزة نوبل للسلام "شيرين عبادي".
في عام 2007، تشكل "مجلس السلام الوطني في إيران"، من قبل 83 شخصيةً اجتماعيةً وسياسيةً وثقافيةً إيرانيةً، مع التركيز على السلام وحقوق الإنسان، حيث بعد عام من تأسيس المجلس، اختيرت محمدي لمنصب الرئيسة التنفيذية له.
بعد ذلك طُردت محمدي من مكان عملها "شركة الفحص الهندسي الإيرانية"، في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، بسبب نشاطها السياسي، إذ في أيار/مايو 2010، تم استدعاؤها إلى الفرع الرابع لمحكمة "الثورة الإسلامية"، بتهمة عضويتها في هذا المجلس، مما أدى إلى إصدار حكم بحقها بدفع غرامة تبلغ نحو 50 ألف دولار.
نرجس في السجون
لكن بعد أيام قليلة، اعتُقلت من قبل ضباط الأمن من داخل منزلها ليلاً، وجرت محاكمتها في تموز/يوليو 2011، في الفرع 26 لمحكمة "الثورة الإسلامية"، إثر أحداث "الانتفاضة الخضراء"، التي وقعت عقب الانتخابات الرئاسية في إيران، وحُكم عليها بالسجن لمدة 11 سنةً، وبعد شهور من حبسها، تدهورت حالتها الصحية، مما اضطر المحكمة إلى أن تطلق سراحها.
تجربة السجن لم تمنع محمدي من نشاطها في مجال حقوق الإنسان، بل كثفته وأُطلقت حملة "لا لعقوبة الإعدام"، الأمر الذي أدى من جديد إلى عودتها إلى السجن، وهذه المرة بعقوبة سجنية لمدة 16 عاماً، ولكن بعد 5 سنوات من قضاء العقوبة أُطلق سراحها، فألّفت كتاباً تحت عنوان "التعذيب الأبيض"، وتضمّن هذا الكتاب روايات لسجينات سياسيات إيرانيات، عن التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي، الذي تعرضن له في السجون وخلال التحقيقات.
الناشطة نرجس محمدي، لم تكنّ ولم تهدأ يوماً إن في نشاطها السياسي والاجتماعي، أو في كتابة المقالات واللقاءات مع الإعلام الغربي، وذلك لتسليط الضوء على قضية حقوق الإنسان في إيران، وهو ما انتهى بها مجدداً إلى السجن لكن هذه المرة لفترة 30 شهراً.
وبرغم أنها ما زالت تقبع في سجن طهران، يعيش زوجها وولداها في فرنسا منذ سنوات، كما أنها كشفت عن تعرض معتقلات، لاعتداءات جنسية، كأحد أشكال الانتقام والإذلال والتنكيل بهن، على خلفية احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، التي اندلعت بعد مقتل الفتاة مهسا أميني، في أحد مراكز "شرطة الحجاب" في طهران، عام 2022.
تستلم الجوائز في السجن
جائزة نوبل للسلام، ليست الجائزة الوحيدة التي تحصل عليها نرجس محمدي وهي في السجن، بيد أن لها جوائز دوليةً كثيرةً منها: "جائزة الأمم المتحدة لحرية الصحافة" (2023)، و"جائزة الشجاعة لمراسلين بلا حدود" (2022)، كما أنها دخلت في عام 2022 قائمة "بي بي سي" لمئة امرأة مؤثرة في العالم.
وفي آذار/ مارس 2019، تم ترشيح نرجس محمدي لتسلم جائزة نوبل للسلام مع الناشطة السعودية في مجال حقوق الإنسان "لجين الهذلول"، من قبل عضوين في البرلمان النرويجي، وعام 2018 مُنحت جائزة ساخاروف من قبل البرلمان الأوروبي، وتُعطى هذه الجائزة الشرفية سنوياً، لأولئك الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الفكر.
قبل ذلك بسنتين حازت محمدي، على جائزة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وفي 2011 فازت بجائزة "مؤسسة وحكومة التاريخ الحي السويدي"، التي تُمنح كل عام باسم أحد الناشطين التاريخيين والديمقراطيين في السويد، إلى العاملين في مجال حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم.
عام 2009 حازت على "جائزة مؤسسة ألكسندر لانغر الدولية"، وكان أهم سبب لمنحها هذه الجائزة، نشاطها في مجال حقوق الإنسان في إيران منذ أيام دراستها، ومؤسسة ألكسندر لانغر هي منظمة غير حكومية، تعمل في مجال القضايا الاجتماعية وقضايا السلام، سُمّيت على اسم السياسي والصحافي والمعلم الإيطالي ألكسندر لانغر.
هل تستحق نرجس جائزة نوبل للسلام؟
انقسمت ردود الفعل حول استحقاق نرجس محمدي حول حصولها على هذه الجائزة، حيث أن مسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية نددوا بهذا التكريم، بينما نوّهت الشخصيات الأمريكية والأوروبية، بأحقية وأهلية هذه الناشطة الإيرانية للحصول على هذه الجائزة.
الناشطة نرجس محمدي، لم تكنّ ولم تهدأ يوماً إن في نشاطها السياسي والاجتماعي، أو في كتابة المقالات واللقاءات مع الإعلام الغربي، وذلك لتسليط الضوء على قضية حقوق الإنسان في إيران
ورداً على هذا الحدث، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية "ناصر كنعاني"، إن لجنة نوبل للسلام، مَنحت هذه الجائزة لامرأة أُدينت مراراً، بانتهاك القوانين وارتكاب أعمال إجرامية، وعدّ هذا التكريم بمثابة خطوة سياسية منحازة ومدانة من قبل الجمهورية الإسلامية.
كما قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قال في منشور على منصة إكس (X) إن "الرمز الأكثر جدارة للسلام العالمي هو الجنرال قاسم سليماني"، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وقالت وكالة فارس للأنباء التابعة للحرس الثوري الإيراني إن نرجس محمدي حصلت على جائزة نوبل للسلام "لنشاطها ضد الأمن القومي الإيراني".
في المقابل أشاد عدد من المسؤولين الغربيين بمنحها الجائزة، فرئيسة البرلمان الأوروبي "روبرتا ميتسولا"، كتبت على صفحتها في منصة إكس (X): "إنها تواصل الدفاع عن الحرية والديمقراطية والمساواة، إلى جانب الرجال والنساء الشجعان/الشجاعات، وهي في السجن. وكما قال زوج نرجس، سنبقى مع الإيرانيين/ات".
وعبر إكس أيضاً، وصف المبعوث الأمريكي الخاص في إيران "آبرام بيلي"، نرجس بـ"الشجاعة"، كما لقّبها وزير الدولة للأمن البريطاني "توم توجندهات" بفانوس الشجاعة الذي يستحق الثناء.
وفي تعليقه على منح جائزة نوبل للسلام لنرجس محمدي، دعا الرئيس الأميركي جو بايدن، إيران، إلى "الإفراج الفوري" عن نرجس محمدي، مشيداً بـ"شجاعتها التي لا تتزعزع".
تقضي نرجس أيامها حالياً في السجن، بتهمة "نشر دعاية مناهضة للدولة"، وقد عاشت سجينةً بشكل شبه مستمر منذ 2009، لكن حتى قضبان السجن لم تستطع أن تحدّ من نشاطها السياسي والاجتماعي.
علماً بأن نرجس محمدي هي ثاني شخصية إيرانية تحصل على جائزة نوبل للسلام، وكانت الناشطة الحقوقية والسياسية شيرين عبادي حصلت على هذه في عام 2002.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 5 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه