بعد هدوء وحذر تشهدهما إيران خلف قمع الاحتجاجات التي بدأت منذ نحو 100 يوم، تزف الحكومة المحافظة وأنصارها المتشددون، بشائر النصر وترقص على جراح شعب أتعبته هموم الحياة وعنف الحكومة المفرط، إذ ملأت آذان المواطنين بأن النصر الإلهي حالفها وتمكنت من السيطرة على "أعمال الشغب".
لا تعترف إيران بالمظاهرات قط وبالمشاركين فيها، وتسميهم "مثيري الشغب"، "مرتزقة"، وتطلق عليهم عناوين أخرى، ووسط تحذيرات خبراء علم الاجتماع والسياسة، بأن المجتمع يقع على حافة الهاوية وما زال محملاً بالكثير من الغضب، نتيجة لعناد النظام في عدم الإنصات للشعب، وفقدانه الأمل بتنازل النظام من أجل حياة كريمة على الصعيدين الاقتصادي والحريات الفردية، وتأكيد الخبراء على الحد من أي سلوك أو سياسة أو خطاب يبتز الشارع، إلا أن النظام يصر على تفوقه في إخماد المظاهرات، كما تصدر المحاكم أحكاماً ثقيلة بحق المتظاهرين، وتصدح أبواق الدولة بمكتسباتها وتنال من المحتجين ورموزهم.
بعد التحاق دائي بإضرابات السوق، في بداية كانون الأول/ديسمبر الماضي، أغلقت السلطات متجر المجوهرات والمطعم اللذين يملكهما في العاصمة طهران، وبعد أيام قامت مجموعات متشددة من كتابة شعارات ضد هذا الكابتن على أبواب متاجره
لا تخلو زاوية من مفاصل الحكم إلا وتقع في يد المتشددين، أبرزها القطاع الإعلامي من هيئة الإذاعة والتلفزيون، ووسائل الإعلام الإلكترونية والصحافية، والجيش الإلكتروني من الحسابات الوهمية على شبكات التواصل، حيث بدأوا وبأشكال متعددة بالتشهير ضد المشاهير في الأوساط الفنية والرياضية والثقافية والصحافة المهددين يومياً بالمنع من ممارسة نشاطاتهم اليومية والمنع من مغادرة البلاد، وملفات أمنية تجوب المحاكم.
أبرز حدث من هذا النوع، هو اغتيال الشخصية الذي قام به النظام الإيراني تجاه أسطورة كرة القدم علي دائي، الذي أيد الاحتجاجات وانتقد سلوك السلطات في تعاملهم مع الشارع. علي دائي (52 عاماً)، هو أحد أشهر الشخصيات الرياضية. قائد سابق للمنتخب الوطني لكرة القدم، إذ سجل 109 أهداف على المستوى الدولي في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
"ليغادروا حتى يتطهر الوطن منهم"
"له قامة طويلة، فكل تمريرة كرة تصله، تلامس رأسه وتدخل الشباك، هؤلاء ليسوا أبطالنا"، بهذه الكلمات استهزء عضو فيلق القدس في الحرس الثوري أمير حسين حاجي نصيري، من مهاجم كرة القدم السابق دائي، على الهواء مباشرة في برنامج تلفزيوني.
وأكمل عضو فيلق القدس بصفته خبيراً للشأن الاجتماعي: "أنا أقول للسلطة القضائية والمؤسسات الأمنية ممازحاً بأن يسمحوا بمغادرة هؤلاء البلاد لكي يتطهر الوطن منهم"، في تصريحات أساءت لأيقونة كرة القدم والبطل الشعبي الذي يحظى بمكانة مرموقة في قلوب الإيرانيين.
علي دائي وزوجته
وجاءت هذه التصريحات تلميحاً لأحداث وقعت قبل أسبوع، حيث أعادت القوات الأمنية رحلةً جوية كانت قد أقلعت من طهران نحو دبي، لإخراج زوجة دائي وابنته من الرحلة والحد من مغادرتهم البلاد.
وهبطت الطائرة في جزيرة كيش في جنوب إيران، لإنزال زوجة علي دائي وابنته، مما أثار استغراب الجميع حول أولويات النظام. ولتبرير ما حدث قالت وسائل إعلام حكومية إن السيدة مونا فَرُخ آذري خرجت من البلاد دون إذن السلطات التي قدمت لهم التزاماً بإطلاعهم قبل أي رحلة خارجية، كما أكدت وسائل الإعلام أن زوجة دائي كانت متجهة نحو أمريكا.
نفى علي دائي هذه التصريحات، وأكد أن زوجته وابنته كانتا في رحلة قصيرة إلى دبي على أن يعودا للبلاد بعد أيام، كما قام بنشر تذاكر عودتهما، وشرح أن أسرته غادرت البلاد بشكل قانوني و"لو كان تم منعهما من المغادرة لكان على نظام شرطة الجوازات إظهار ذلك"، والمنع من ركوبهما الطائرة، وليس إعادة الطائرة بعد إقلاعها.
كما طعن لاعب كرة القدم السابق الحكومةَ في كلمة لاذعة: "أحمد الله على عدم قصف الطائرة"، وأراد التلميح إلى حادث إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية بصاروخ الحرس الثوري عقب مقتل قاسم سليماني في 2020.
إغلاق متاجر دائي
وبعد التحاق دائي بإضرابات السوق، في بداية كانون الأول/ديسمبر الماضي، أغلقت السلطات متجر المجوهرات والمطعم اللذين يملكهما في العاصمة طهران، وبعد أيام قامت مجموعات متشددة بكتابة شعارات ضد هذا اللاعب على أبواب متاجره، ومنها: "علي دائي عديم الشرف"، "علي دائي لا غيرة لك".
لم تقتصر حملات التشهير ضد دائي إلى هنا، ففي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، انتقد نجم الكرة، ما وصفه بـ"الصمت تجاه ضغوط السلطات بحق المحتجين وانتهاك حرمة طلبة جامعة الشريف الصناعية"، مشيراً إلى أن ذلك الصمت أدى إلى "الاعتداء على الطلاب الأبرياء في المدارس، وضربهم ومقتل إحدى بنات مسقط رأسي"، أي مدينة أردبيل الواقعة شمال غرب البلاد.
علي دائي وابنته
واتهمت وكالة "فارس" للأنباء التابعة للحرس الثوري، اللاعب بـ"الكذب" والتأثر برواية وسائل إعلام "معادية" في الخارج، قائلة إن "البطل القومي لا يكذب"، على حد تعبيرها.
كما كان المهاجم الإيراني السابق، في رحلة خارج البلاد عند اندلاع المظاهرات في أيلول/سبتمبر الماضي، ولكن لم يتوان عن تأييد الاحتجاجات عبر حسابه على الإنستغرام الذي يتابعه 11.4 مليون شخص، وبعد عودته للبلاد، تم مصادرة جواز سفره ومنعه من السفر، كما الكثير من المشاهير الإيرانيين.
أعمال فنية ومواقف داعمة
ومع كل موجة تشهير واغتيال للشخصية تطال النجوم، تشتعل شبكات التواصل الاجتماعي، بمنشورات وتعليقات لدعمهم. وبالنسبة لمن كان سيّد هدافي كرة القدم الدولية، فقد حظي بدعم وافر من الرياضيين والفنانيين إلى جانب عامة الناس من رواد المنصات.
وسط إعادة نشر آلاف الصور من نشاطات دائي الخيرية في بناء المدارس ومساعدة الأيتام والمعوزين، وحضوره في ملاعب الرياضة، علّق الصحافي إحسان بُداغي: "هذه ليست تصريحات خبير غير مشهور في التلفزيون، بل هي سياسة النظام التي ينفذها أمام النخب والطاقات البشرية ورأس المال الاجتماعي"
وكتب البرلماني السابق عبد الكريم حسين زاده: "السلوك غير الأخلاقي واغتيال الشخصيات في هيئة الإذاعة والتلفزيون، يأتي لتشريد رأس المال الاجتماعي". كذلك غرد المعارض والناشط السياسي حسين رونقي: "علي دائي هو أمل وطننا إيران، إنه وقف إلى جانب الشعب، فنقف إلى جانبه بكل قوة".
وعن استهزاء عضو فيلق القدس من قامة دائي الطويلة حيث 1.92 متر، نشرت الفنانة الكوميدية على السوشال ميديا زينب موسوي، مقطع فيديو على طريقتها الكوميدية لتسخر من الخبير، وقد حظي عملها الفني بإعجاب الكثير.
ووسط إعادة نشر آلاف الصور من نشاطات دائي الخيرية في بناء المدارس ومساعدة الأيتام والمعوزين، وحضوره في ملاعب الرياضة، علّق الصحافي إحسان بُداغي: "هذه ليست تصريحات خبير غير مشهور في التلفزيون، بل هي سياسة النظام التي ينفذها أمام النخب والطاقات البشرية ورأس المال الاجتماعي".
أما رائد المنصات إيمان طاهري فقال: "السعودية تسدل الستار عن لاعبها الجديد كريستيانو رونالدو وهو أفضل هداف العالم، أما مهرجو الجمهورية الإسلامية وعبر الإعلام الرسمي يسيئون لأفضل هداف العالم قبل رونالدو".
كما تداولت وسائل الإعلام الحرة ومواقع التواصل العملَ الفني للكاريكاتير الإيراني بُزرْكمِهر حسين بُور، حيث رسم فيه عضو فيلق القدس وهو يشرح على السبورة أصناف اللعيبة، حيث كتب على السبورة: "كائن قصير القامة، تلامسه الكرة فيصبح مارادونا، وشيء أسود تلامسه الكرة يصبح بيله، وكائن طويل تلامسه الكره يصبح علي دائي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...