أطروحتي في خمس دقائق... شغف البحث وحب البلاد في أيام التاريخ

استضاف معهد العالم العربي يومي السبت والأحد الماضيين، 23 و 24 آذار/مارس، النسخة العاشرة من أيام التاريخ، ومعهد العالم العربي هو مركز ثقافي أسسته فرنسا بالتعاون مع الدول العربية يهدف إلى نشر الثقافة العربية وتعزيز التعاون بين فرنسا والدول العربية في مجالات الثقافة والعلوم والتقنيات.

اختار المعهد هذا العام لأيام التاريخ موضوعة الحب، وقد يبدو الخيار غريباً في ظل الظروف التي تعصف بالوطن العربي ولا سيما الحرب على غزة، لأنه خيار بعيد كل البعد عن السياسة كما يهيأ للمرء عند الاطلاع على البرنامج، لكن مجريات بعض المحاضرات كانت في صلب الحدث السياسي، ولعل أبرز هذه المحاضرات السياسية هو طاولة مستديرة بعنوان "أطروحتي في خمس دقائق".

اختار المعهد هذا العام لأيام التاريخ موضوعة الحب، وقد يبدو الخيار غريباً في ظل الظروف التي تعصف بالوطن العربي ولا سيما الحرب على غزة، لأنه خيار بعيد عن السياسة كما يهيأ للمرء عند الاطلاع على البرنامج، لكن مجريات بعض المحاضرات كانت في صلب الحدث السياسي

لحضور الطاولة المستديرة، يوم السبت الماضي، اليوم الأول للفعاليات، مشيت على ضفاف نهر السين في قلب العاصمة باريس، وصلت إلى مبنى معهد العالم العربي ببنائه ذي التصميم المميز، ودخلت مارة بمكتبة بيع الكتب، دلتني موظفة إلى مكتبة إعارة الكتب التي تحتل ثلاث طوابق من المبنى الضخم، ومدخلها في الطابق الأول حيث برمجت جلسة "أطروحتي في خمس دقائق".

جلسة "أطروحتي في خمس دقائق"، تصوير إيناس حقي

دخلت المكتبة فاستقبلتني كتب عن حاضر وماضي غزة تنتشر على طاولة في مقدمة الصالة، كانت الكراسي مصفوفة بعناية، وكانت متطوعات يرتدين قميص أيام التاريخ يشرفن على توزع الحضور على الأماكن المتاحة، وكان الحضور كبيراً.

بدأت الجلسة بتقديم مديرة الجلسة للطاولة المستديرة التي تقوم فكرتها على أن يقوم كل من المشاركين والمشاركات، وهم طلاب في مرحلة الدكتوراه، بشرح مشروع أطروحاتهم خلال خمس دقائق. وقد قسمت الجلسة إلى قسمين، القسم الأول للدراسات العامة والقسم الثاني خصص لمناقشة أربع دراسات كانت كلها مختصة في الشأن اللبناني.

بدأت الجلسة بعرض أطروحة "الموت كمسيحي في بلاد موآب، النقوش الجنائزية، الثقافة والمجتمع في شبه الجزيرة العربية وفلسطين من بيزنطة إلى الإسلام" لألكسندرا فارفاكس، وهي أطروحة صعبة تستنتج حضور المسيحيين في المنطقة من خلال نقوش القبور التي عثر عليها في المنطقة، وقد شرحت فارفاكس الفروق اللغوية بين النقوش وكيفية الوصول إلى الاستنتاجات من خلال تحليلها، سواء من خلال الأسماء التي تحملها: إنجيلية ولاتينية وغيرها، أو من خلال لغاتها النبطية أو اليونانية القديمة. وأشارت الباحثة أنه يمكن أن نقرأ من بعضها سير المواجهات بين الجيوش الإسلامية والبيزنطية إذ تختفي هذه النقوش بعد الفتح الإسلامي. وقد اهتم الجمهور كثيراً بهذه الأطروحة وطرح حولها عدة أسئلة.

جلسة "أطروحتي في خمس دقائق"، تصوير إيناس حقي

عرضت لويز ماري بوشير أطروحتها "العلاقات الدبلوماسية الفرنسية الإيرانية: اللاعبون وميادين التصدير (1978-1995)"، وأشارت الباحثة أنها تدرس موضوعها من زاوية فرنسية بسبب عدم إمكانية التوصل إلى مصادر من الجانب الإيراني، وأنها استكشفت خلال دراستها للعلاقات الخارجية في عهد الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران، فوجدت أن اللاعبين الأساسيين في العلاقات الخارجية توسعت دائرتهم عن وزير الخارجية ورئيس الوزراء لتشمل وزراء آخرين، وأن العلاقات تشمل أيضاً علاقات غير مؤسساتية من خلال انخراط المجتمع المدني في العلاقات الفرنسية الإيرانية، وأشارت إلى أن هذه العلاقات تخللتها فترات انقطاع متعددة ولاسيما في ظل مشروع الخميني لتصدير الثورة الإسلامية إلى لبنان وسوريا وفلسطين وغيرها، كما تأثرت بالحرب العراقية الإيرانية. ووضحت أن دراستها تنتهي مع ظهور سياسة أوروبية مشتركة في ظل الاتحاد الأوروبي ترسم العلاقات الخارجية للدول الأعضاء.

في أطروحتها "الاحتجاج في المملكة المغربية: تطورات الثورة، المسارات الشخصية والإرث العاطفي لحركة 20 فبراير 2011"، تناولت لينا بن شكور، حركة الاحتجاج المغربية التي التحقت بركب الربيع العربي دون أن تتحول إلى ثورة، لأن الحكومة قدمت جملة إصلاحات دستورية وأجرت انتخابات مبكرة. شرحت بن شكور أن الكثير قد قيل عن الربيع العربي في إطار ثنائيات: انتصار وخسارة، سقوط نظام وبقاؤه، إلا أنها رغبت في فهم أثر المشاركة على الأفراد وانعكاساتها على حياتهم، ووجدت أنها شكلت هوية وتجربة مشتركة لجيل كامل بل إنها علمتهم الحياة وأنتجت تجارب جماعية كحراك الريف وتجارب مسرح المقهورين وغيرها. وذكرتنا بأننا عندما نفقد الأمل، لابد أن ننظر إلى التفاصيل لنجد التغيير الذي حصل، وأشارت إلى المظاهرات الكبيرة التي خرجت في المغرب مؤخراً من أجل دعم غزة ورفضاً للتطبيع.

شرحت لينا بن شكور أن الكثير قد قيل عن الربيع العربي في إطار ثنائيات: انتصار وخسارة، سقوط نظام وبقاؤه، إلا أنها رغبت في فهم أثر المشاركة على الأفراد وانعكاساتها على حياتهم، ووجدت أنها شكلت هوية لجيل كامل

تقاربت أطروحة فيكتور دوبون وتقاطعت كثيراً مع أطروحة بن شكور، إذ تناول موضوع "الانخراط في سوق العمل في تونس بعد الثورة: دراسة مقارنة حول علاقة الشباب بالسياسة بين الحاصلين على الشهادات الجامعية". رأى دوبون أن الثورة تستمر في تونس وفي غيرها من دول الربيع العربي، رغم المآلات الصعبة والأزمات الاقتصادية، وأشار إلى المطالبة بحق العمل كانت في صلب المظاهرات الثورية، وإلى أنه يبحث لمعرفة ما تبقى من هذا الحراك والانخراط السياسي الذي رافقه بعد ثلاثة عشر عاماً من خلال إعادة تركيب حكايات المشاركين من الحاصلين على الشهادات الجامعية. وأكد كما بن شكور على دلالة المظاهرات الداعمة لفلسطين مؤخراً، وأنهى حديثه بقوله: "في الثورة، كما في الألعاب الأولمبية المرتقبة في باريس، المهم أن نشارك".

جلسة "أطروحتي في خمس دقائق"، تصوير إيناس حقي

 عرضت شارلوت شفارتزنغر أطروحتها، عن "المشهد السينمائي في لبنان من انتفاضة 2019 حتى اليوم"، وشرحت انتهاء إمكانية الإبداع بسبب الظروف القاسية، إذ كيف نكتب فيلماً دون كهرباء؟ وكيف نعرض فيلماً دون صالات سينما؟

جلسة "أطروحتي في خمس دقائق"، تصوير إيناس حقي

في نهاية الجلسة، فكرت ببعدها عن موضوعة الحب المختارة لأيام التاريخ ظاهرياً، والتصاقها به فعلياً، غلب على الجلسة شغف كل المتداخلين بموضوعاتهم، حبهم للبلاد التي تحدثوا عنها، وقد خرجت من الجلسة بقلب مفعم بالأمل، كانت الجلسة ملهمة حقاً، فطالما أن البحث مستمر وطالما أننا نسأل الأسئلة الصحيحة، لابد أن نصل يوماً إلى الإجابات المرجوة.