في 23 آذار/مارس 2024، انطلقت في معهد العالم العربي بباريس فعاليات أيام التاريخ، تحت شعار "الحب في العالم العربي". هذه الفعالية، التي استمرت يومين، قدمت برنامجاً متنوعاً من النقاشات والجلسات الحوارية التي تغطي موضوعات الحب والتاريخ في الثقافة العربية والإسلامية عبر مختلف العصور.
احتفى المعهد بأوجه الحب المتنوعة وتطوراته في الفنون والعلوم الإنسانية، من الأدب والشعر إلى الموسيقى والسينما. ومن ألف ليلة وليلة، إلى أطروحات عن الحب الإلهي، ومن الشهوانية إلى شعر الحب، والدعوات إلى الحب، وما وراء التاريخ، وكل الفنون - الشعر، والأغنية، والسينما - وكل العلوم الإنسانية والاجتماعية.
وداعاً بابل… حكايات الحب في زمن الحرب
كان الافتتاح بحضور الفنانة التشكيلية والكاتبة اللبنانية، لمياء زيادة، المعروفة بشغفها في تسليط الضوء على ثقافتها العربية. هذا الشغف لم يأتِ من فراغ، بل نما وتعمق عقب تجربتها خلال الصراع الإسرائيلي اللبناني في عام 2006، إذ وجدت في التاريخ ملاذاً ووسيلة لإحياء الذاكرة الجماعية والأعمال الشخصية، مكنتها من التنقل بين ذكريات القرن العشرين المليئة بالاضطرابات.الفنانة التشكيلية والكاتبة اللبنانية، لمياء زيادة. تصوير رقية العبادي
"الجانب الآخر من بيروت، الذي دائماً ما أبهرني بأضواء النيون المتلألئة في الحمراء والكورنيش والحرش وطريق المطار، بمآذنه وباعة البطيخ، ولافتات الفنادق وصالات السينما ذات الأحرف العملاقة التي تحمل أسماء واعدة، هذا الشق من بيروت الذي منعت عنه طوال خمسة عشر عاماً. كم اشتقت إليه. اختفت الغربية بشكل قاطع من حياتي حتى قبل نهاية السنة الأولى من الحرب، إلا أنها وسعت آفاق خيالي ورغباتي بشكل لم تقدر عليه لا باريس ولا نيويورك ولا أي بلد آخر من بلاد الأحلام أو جنة على الأرض". هذا مقتطف من روايتها المصورة، وداعاً بابل، بيروت 1975-1979 (2010).
تنقل لمياء في هذه الرواية تجربتها كطفلة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، مقدمةً سيرة ذاتية مصورة تبعث فينا ذكريات لبنان في أحلك سنواته. تمزج في عملها بين السياسة والحياة اليومية خلال الصراع، مقدمةً رؤية إنسانية للسكان ومبرزةً جماليات مستوحاة من الثقافة المحلية وأسلوب فني متعدد الألوان يتجاوز الحدود الجغرافية، مفتحةً بذلك الباب أمام أجيال جديدة من الروايات المصورة.
احتفى معهد العالم في باريس بأوجه الحب المتنوعة، من الأدب والشعر إلى الموسيقى والسينما. ومن ألف ليلة وليلة، إلى أطروحات عن الحب الإلهي، ومن الشهوانية إلى شعر الحب.في عام 2015، أصدرت لمياء زيادة رواية مصورة بعنوان "يا ليل يا عيني"، وهي أشبه بتحية للعصر الذهبي للموسيقى والسينما العربية، تأخذنا في جولة من دمشق إلى القاهرة مروراً ببيروت والقدس وحيفا، معرفةً إيانا على العظماء والشعراء والأمراء وكازينوهات القاهرة وقصورها، وتروي لنا قصصاً عن أم كلثوم وعبد الوهاب وليلى مراد وأسمهان وصباح والأميرة الدرزية وابن المؤذن، ونعيش لحظات سقوط المملكة العثمانية، وحرب فلسطين، وتأميم قناة السويس، ونكسة 1967.
توثق لمياء زيادة قرناً من التاريخ في الشرق الأوسط من خلال رسومها وكتاباتها، تنقلنا في رحلتها من جنوب لبنان مع الفدائيين الفلسطينيين إلى مظاهرات القاهرة، تنفخ الحياة في الديناميكية السياسية بدقة متناهية، متجاوزة الصور النمطية بخيالاتها الملونة.
صورة من جلسة الحب في السينما العربية، تصوير رقية العبادي
الحب في "ألف ليلة وليلة"
من قصص الحب في الحرب إلى حكايات ألف ليلة وليلة، تلك الملحمة القصصية العربية الأيقونية، نكتشف نسيجاً غنياً من الحكايات العاطفية التي تمتد من الروايات التاريخية إلى الرومانسيات البدوية، ومن العلاقات المعقدة في البيئات المدنية إلى حب الخليفة المتوكل لجاريته محبوبة وحكايات "مجنون ليلى". مؤكدة على البعد الإنساني للعواطف.
لقطات من جلسات معهد العالم العربي في أيام الحب، باريس. تصوير رقية العبادي
وخلال جلسة نقاش ضمن فعاليات الحب في العالم العربي، التي أدارها أبو بكر الشرايبي، أستاذ الأدب العربي بالمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية ومتخصص في "ألف ليلة وليلة". إلى جانب العلاقات العاطفية، تطرقت جلسة "ألف ليلة وليلة" إلى موضوعات الزنا، العلاقات الزوفيلية، الحب الصوفي، والرومانسية بين الجن والبشر، مشيرة إلى الحب الأبدي والرغبة في العودة إلى الأصل. هذه الأنثولوجيا غنية بالتفاصيل العاطفية والشغف وتنتهي قصصها غالباً بالزواج والسعادة، مؤكدة على دور المرأة الفاعل والمؤثر.
إلى جانب العلاقات العاطفية، تطرقت جلسة "ألف ليلة وليلة" إلى موضوعات الزنا، العلاقات الزوفيلية، الحب الصوفي، والرومانسية بين الجن والبشر، مشيرة إلى الحب الأبدي والرغبة في العودة إلى الأصلقدم طلاب من جامعة السوربون "حكاية المتلمس مع زوجته أميمة"، قصة تروي كيف أن المتلمس، بعد غياب طويل، يعود في ليلة زفاف زوجته لآخر، مما يبرز الذكاء والتخطيط في تغيير المصائر. كيف غاب المتلمس طويلاً بعد هروبه من النعمان بن المنذر بعد ظنوا أنه مات، ليعود في ليلة زفاف زوجته أميمة على آخر، حينها أنشدت أميمة قصيدة تعبيراً عن حزنها وشوقها.
أيا ليت شعري والحوادث جمة بأى بلاد أنت يا متلمس؟
ويرد المتلمس عليها : بأقرب دار يا أميمة فاعلمى وما زلت مشتاقاً إذا الركب عرسوا
فعند ذلك فطن العريس بهما فخرج من بينهما بسرعة وهو ينشد قوله:
فكنت بخير ثم بت بضده وضمكما بيت رحيب ومجلس.
ومن حكاية المتلمس وأميمة إلى حكاية ملك الجزيرة السوداء وختاماً بقمر الزمان، اختتمت هذه الجلسة رحلتها في قلب "ألف ليلة وليلة". هذه الحكايات، التي تعد نافذة على الثقافة والتقاليد العربية العريقة، تؤكد على أهمية القصص والروايات في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية، معرضة الحب بجميع تجلياته وتعقيداته عبر العصور.
لقطات من جلسات معهد العالم العربي في أيام الحب، باريس. تصوير رقية العبادي
في رحلة استثنائية تدوم ساعة ونصف، تقودنا ثلاث نساء من المغرب العربي، متنقلات بين جمال الجنوب التونسي، وصخب الدار البيضاء، وسحر باريس، لاستكشاف أبعاد الحب المغاربي. من خلال لغتهن الفريدة، يكشفن عن الديناميكيات العميقة التي تنسج علاقات الحب الزوجية، العائلية، والصداقة في المغرب العربي.
جوسلين داخلية، مؤرخة وعالمة أنثروبولوجيا، تطرح سؤالاً: كيف تُعبر عن الحب باللغة المغاربية، سواء كنت في باريس، أو في الدار البيضاء، أو في الجنوب التونسي؟
تأخذنا التونسية سارة زايد الحاملة شهادة دكتوراه في التاريخ، لتنير لنا طريق الشعر الغنائي النسائي بجنوب تونس. وتشير سارة إلى دور الشعر المرتجل في التعبير عن الحياة اليومية للنساء وأحاسيسهن، وكيف يعزز الروابط الأسرية، خاصة بين الأمهات وبناتهن. تلقي الضوء على التحولات الاجتماعية التي تشهدها المنطقة وتبرز أهمية الحب الأبوي كمحور في أبحاثها.
وردة حجاب، جوسلين داخلية، سارة زايد، من جلسة الحب المغاربي. تصوير رقية العبادي
من خلال عينة شعرية، تستعرض سارة عمق التعبير العاطفي بالمغرب العربي؛ ففي جنوب تونس، تصور أم حبها العميق لابنتها من خلال الدعاء لها بالحماية الإلهية، قائلة: " يا خالقي، احفظ لي صغيرتي العزيزة". وفي قصيدة أخرى، تُظهر البهجة والترابط الأسري في لحظة زفاف، عندما ترى امرأة بناتها آتيات، تلتفت وتقول: " رأيت بناتي يأتين نحوي. هنّ بلسمي. يُهدئن عينيّ". مؤكدة على دور المرأة كمحور للحنان والأمان.
وبدورها المغربية وردة حجاب، دكتورة في علم الاجتماع، تغوص في تعبيرات الحب المغاربية وعلاقتها بالشتات في فرنسا، ملاحظةً إغفال الدراسات لموضوع الحب وتركيزها على التقاليد الزواجية. تستكشف حجاب كيف يمكن أن تقدم دراسة الحب فهماً أعمق لتجارب الشتات المغاربي، مشددةً على الحاجة إلى التفكير في دور الإسلام والعزوبية المسلمة. وتشير إلى تطوير الشباب المسلم في فرنسا للغة جديدة للتعبير عن تجاربهم في الحب والزواج، مستخدمين مصطلح "حلال" بطرق جديدة تتوافق مع القيم الدينية والاجتماعية.
تستكشف المغربية وردة حجاب كيف تقدم دراسة الحب فهماً لتجارب الشتات المغاربي، مشددةً على الحاجة إلى التفكير في دور الإسلام والعزوبية المسلمة. وتشير إلى تطوير الشباب المسلم في فرنسا للغة جديدة للتعبير عن تجاربهم في الحب، مستخدمين مصطلح "حلال" بطرق تتوافق مع قيمهم الدينيةمن الشعر الغنائي في جنوب تونس إلى البحث الاجتماعي في قلب فرنسا، يظهر الحب المغاربي كوسيلة قوية للتعبير والتواصل، متجاوزاً الحدود الجغرافية والثقافية. مؤكدةً على الحاجة لاستكشاف وفهم هذه الأبعاد العميقة للحب، ليس فقط كمشاعر فردية، بل كجزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي.
لقطات من جلسات معهد العالم العربي في أيام الحب، باريس. تصوير رقية العبادي
الحب في السينما العربية
منذ القدم، كان الحب محوراً رئيسياً في الأدب العربي، متجلياً في القصائد، والأشعار، والروايات. وقد انتقلت هذه الثيمة إلى السينما العربية، حيث استكشف صناع الأفلام العرب تجليات الحب، متخطين الحواجز الجغرافية والثقافية، ومناقشة المحظورات الثقافية والمبادئ الدينية.
في الجزائر، يُقدم فيلم "موكب الطاووس" للمخرج ناظم جمعي، نموذجاً بارزاً حيث تنشأ قصة حب في ظروف غير مألوفة داخل حديقة حيوان في العاصمة الجزائرية. يلقي الفيلم الضوء على التحديات الاجتماعية والاقتصادية والعقبات التي تواجه صناع السينما في الجزائر، مستخدماً الحب كاستعارة للحياة السياسية وتحية للاستقلال.
منذ القدم، كان الحب محوراً رئيسياً في الأدب العربي. وقد انتقلت هذه الثيمة إلى السينما العربية، حيث استكشف صناع الأفلام العرب تجليات الحب، متخطين الحواجز الجغرافية والثقافية، ومناقشة المحظورات والمبادئ الدينية.من جانبها، تسلط المخرجة اللبنانية نادين أسمر الضوء على السينما اللبنانية من خلال أفلام مثل "بدوية باريس" و"غرب بيروت" و"1982"، التي تعكس الحياة في لبنان من خلال قصص الحب في سياق الحروب والتحولات الاجتماعية. تُظهر هذه الأعمال تأثير الصراعات على العلاقات الشخصية، متناولةً قضايا كالرقابة والضغوط الأسرية بجرأة وصدق.
وفي السياق المصري، يستعرض الفنان اللبناني-السوري مارك خريش تمثيل العلاقات المثلية الجنسية في السينما المصرية، مشيراً إلى كيفية تعامل هذه الأفلام مع المواضيع الحساسة ضمن الإطار الديني والاجتماعي. خلال السبعينيات، قدمت السينما المصرية شخصيات مثلية في سياقات غير رومانسية، غالباً ما كانت تعزز الصور النمطية السلبية والسخرية، معالجةً المثلية إما كمرض نفسي أو سلوك يجب تصحيحه.
يُظهر هذا الاستعراض لمسيرة الحب في السينما العربية كيف أن صناع الأفلام العرب استطاعوا استكشاف هذه العاطفة الإنسانية الجوهرية، عاكسين التحديات والتطورات الثقافية والاجتماعية والسياسية عبر العصور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه