شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
التغيرات المناخية... واحات تونس تكافح من أجل البقاء

التغيرات المناخية... واحات تونس تكافح من أجل البقاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 28 فبراير 202411:38 ص

تمتد الواحات في الجنوب التونسي على مسافة تبلغ نحو 40 ألف هكتار، وتحتوي على أكثر من 5 ملايين نخلة، جلها من الأصناف الممتازة. ولئن تطور إنتاج التمور في الواحات من 73 ألف طن في أواسط التسعينيات إلى 390 ألفاً في موسم 2023-2024، وتصدرت تونس المراتب الأولى في تصدير التمور في العالم، فإن لهذا التطور، على أهميته في الجانب الاقتصادي، تبعات جد وخيمة على البيئة خاصة في ظل التغيرات المناخية.

تواجه تونس في السنوات الأخيرة شحاً في التساقطات تسبب في جفاف المنابع المائية في الجنوب "العيون"، فلجأ الفلاحون إلى حفر آبار عشوائية مما تسبب في استنزاف المياه الجوفية، وهذا الاستغلال الفاحش للموارد الطبيعية لم يحل الإشكال، فارتفاع الحرارة إلى مستويات قياسية ونقص الأمطار تسببا في ظهور آفة عنكبوت الغبار التي فتكت بالتمور وتسببت في إتلاف المحاصيل، كما أصبح تملح المياه في المنطقة خطراً حقيقياً على استدامة الواحات.

تمتد الواحات في الجنوب التونسي على مسافة تبلغ نحو 40 ألف هكتار، وتحتوي على أكثر من 5 ملايين نخلة.

ويبرز تأثير التغيرات المناخية على الواحات من خلال تغير المنظومة الإنتاجية والتي كانت تتكون من ثلاث طبقات، السفلى معدة لإنتاج الخضروات والوسطى لإنتاج الأشجار المثمرة كالزيتون والرمان والخوخ والطبقة العليا للنخيل، لكن وبسبب التحولات المناخية لم تحافظ الواحة في العديد من الجهات إلا على إنتاج التمور.

الفلاح لم يعد قادراً على الصمود

يشير كريم بن شعبان وهو فلاح ورئيس مجمع التنمية في تمغزة، إلى أن الواحات في المنطقة قديمة ومشهورة بتضاريسها الجبلية، وتحتوي على عيون طبيعية تمثل مصدر الري الوحيد، على عكس الواحات الأخرى التي ترتكز في ريها على الآبار، لكن احتباس الأمطار في السنوات الأخيرة بات تهديداً جاداً للموارد المائية في المنطقة، ويلفت إلى أن عملية ري واحته كانت تتم في ساعتين، لكن 120 دقيقة لم تعد حالياً كافية لإشباع التربة، والحال أن الدورة المائية موزعة بين الفلاحين ولا يمكن تجاوز التوقيت المحدد.

ويبيّن بن شعبان في حديثه لرصيف22 أن تراجع منسوب المياه له تداعيات وخيمة على ما تنتجه الواحة من خضروات وغلال، فهذه الزراعات لم تعد قادرة على مقاومة ارتفاع درجات الحرارة وشح المياه، كما أن جودة التمور آخذة في التدني.

 التغيرات المناخية... واحات تونس تكافح من أجل البقاء

من الواحات في جنوب تونس

وتحدّث الفلاح عن آفة عنكبوت الغبار الذي يعرف في المنطقة باسم "بوفروة"، وهو أيضاً من تبعات التغيرات المناخية، فيقول: "ساهم انحباس الأمطار في تفشي آفة عنكبوت الغبار، كما ساعدت درجات الحرارة المرتفعة في سرعة انتشاره وعرقلة عملية التصدي له، والتي تتطلب العديد من الأدوية والآليات المناسبة. ويضطر انتشار هذه الآفة الفلاح إلى قطع منتوجه وحرقه للقضاء على عنكبوت الغبار، وعوض أن يجني الفلاح ثمرة تعبه يجبر على تأجير عمال لقطع أغصان التمر وحرقها أو دفنها تحت الأرض".

ويرى المتحدث بأن التغيرات المناخية ستقضي على الواحات، التي تعاني أساساً من مشاكل الهشاشة وضعف المردودية وندرة الموارد الطبيعية، وتضطر الفلاح إلى أن يصبح كجندي على الثغر يراقب ليلاً ونهاراً، وفي النهاية يصطدم بواقع غلاء اليد العاملة وبالصعوبات التي يشهدها القطاع الفلاحي بصفة عامة، فيعجز حتى عن تغطية تكاليف الإنتاج.

ويختم بالتأكيد أن تمغزة وجهة سياحية ممتازة تشتهر بشلالاتها وعيونها ومناظرها الطبيعية الممتازة، وهو ما يمكن استغلاله بالسياحة البيئية ليعود بالنفع على المنطقة وأهاليها.

 التغيرات المناخية... واحات تونس تكافح من أجل البقاء

من الواحات في جنوب تونس

ثلث الواحات اندثر

تطال ظاهرة النزوح من الأرياف إلى المدن جميع المناطق الداخلية تقريباً، إلا أن أهالي الجنوب تشبثوا وعلى مدى سنين بالاستقرار في الصحراء وتأقلموا مع مناخها، لكن التقلبات المناخية في السنوات الأخيرة زادت من قساوة الطبيعة وأضرت بجميع أنشطة الفلاحين هناك سواء تربية الماشية من إبل وماعز، أو الزراعات المروية، وهو ما دفع بالعديد من أهالي الجنوب للتفكير جدياً بالاستقرار في المدن بحثاً عن مورد رزق.

وبالإضافة إلى التغيرات المناخية، تشكو بعض الواحات من التلوث الناجم عن المجمع الكيميائي المتمركز في قابس، وقد تسبب "الفوسفوجيبس" في القضاء على الواحة في المنطقة.

وأمام كل هذه التحديات تسعى العديد من الجمعيات المدنية إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتسليط الضوء على الإشكاليات البيئية، والتوعية بضرورة إيجاد حلول تخدم التنمية المستدامة بهذه المناطق.

ويرى نوفل حمودة رئيس جمعية المحافظة على المناطق الرطبة في الجنوب التونسي أن الواحات تعتبر مناطق رطبة لكنها اصطناعية، والإشكاليات المتعلقة بها كثيرة ومتشعبة حسب خصوصية كل منها، فالواحة الساحلية في قابس الفريدة من نوعها في البحر المتوسط والنادرة في العالم، لديها مشاكل خاصة تتلخص في التلوث والتوسع العمراني، ما من شانه أن يدمر الواحة ويؤثر على المشهد الطبيعي وشبكة المياه.

التغيرات المناخية ستقضي على الواحات، التي تعاني أساساً من مشاكل الهشاشة وضعف المردودية وندرة الموارد الطبيعية، وتضطر الفلاح إلى أن يصبح كجندي على الثغر يراقب ليلاً ونهاراً، وفي النهاية يصطدم بواقع غلاء اليد العاملة وبالصعوبات التي يشهدها القطاع الفلاحي

ويقول حمودة لرصيف22 إنّ الواحات الداخلية في قبلي ودوز، والواحات الجبلية في توزر وتطاوين وأيضاً واحة قابس، تشترك في مشكل هام ورئيسي وهو ندرة المياه وارتفاع وتيرة حفر الآبار عشوائياً وضعف المائدة المائية، ما من شانه أن يعطل الدورات المائية خاصة في الواحات الساحلية، لأن كل فلاح يحتاج إلى دورة مائية كل 15 يوماً، وبسبب الإشكاليات العالقة لا يحصل الفلاح على الماء إلا بعد 40 يوم أو أكثر.

ويوضح أن تقسيم الماء في الواحات موجود منذ عهد الرومان، فتمرر مياه الري من واحة إلى أخرى حسب المساحة والكمية المطلوبة، وتشرف جمعيات مائية على هذه العملية، لكن الفساد الإداري ينخرها، وسوء التصرف في الماء يزيد من تأزيم الوضع.

 التغيرات المناخية... واحات تونس تكافح من أجل البقاء

من الواحات في جنوب تونس

ويتحدث عن هندسة الواحة المتكونة من ممرات مائية يتدفق فيها الماء بشكل سلس وعلى مراحل من واحة لأخرى، لكن الواحات المهملة تتسبب في اضطراب هذه المسالك وتعيق وصول الماء إلى الواحات المستغلة، كما يلفت إلى أن مسالك الترشيح وهي شبكات الصرف الصحي التي تخلص الواحات من المياه الزائدة عن الحاجة بعد السقي تكون متقطعة، بالتالي لا تكتمل عملية الترشيح فتبقى الأملاح في الواحات، وهي سبب من أسباب القضاء على التنوع النباتي. كما يؤدي ارتفاع ملوحة المياه في بعض المناطق إلى موت مساحات شاسعة.

وبالإضافة للمشاكل الطبيعية المتجذرة في الواحات، يتسبب تشتت الملكية بعد تقسيم الميراث في تقلص مساحاتها وضعف مردوديتها.

ويستنكر حمودة ضعف تدخل الدولة في الواحات وافتقار هذا القطاع لتشريع خاص، رغم مطالب الجمعية المتكررة ببعث ديوان خاص للواحات، يأخذ على عاتقه حل المشاكل العالقة، ويعتبر أن القوانين الموجودة حالياً عامة ولا تراعي خصوصية واحات النخيل، كما يلفت إلى أن الجانب الاقتصادي معيق لتطور الواحة ويجعل إنتاج البعض منها غير ذي قيمة، على غرار أنواع اللمثي والبوحطم، والتي كان من الممكن استغلالها في صناعة السكر مثلاً، لكن هذا الأمر لا يتم بسبب التكلفة العالية.

ويؤكد أن ثلث الواحات اندثر، والمساحات الواحية بصدد الانحسار، وهو مؤشر خطير في ظل عدم إنشاء واحات جديدة، وذلك مقترن بمردود اقتصادي كبير، ويشير إلى أن بعض الفلاحين تحولوا من إنتاج التمور والزيتون إلى مشاريع تسمين العجول وتعليف الأبقار، وهي مشاريع لا تتماشى مع الواحة، ويمكن أن تزيد من الأوبئة التي تصيب الغلال والنباتات.

 التغيرات المناخية... واحات تونس تكافح من أجل البقاء

من الواحات في جنوب تونس

سياسات تصديرية غير مدروسة

لئن ساهمت العوامل المناخية في التأثير سلباً على الواحات التونسية، فإن نسق الإنتاج الذي لا يراعي سوى القدرة التنافسية العالمية أضر بدوره بالثراء البيولوجي للواحة، من خلال التركيز على إنتاج أنواع معينة من التمور مثل دقلة النور وإهمال الانواع الأخرى، رغم أن الواحات التونسية تنتج 200 صنفاً من بينها العليق والفطيمي والبلح وغيرهم.

ويذهب الخبير البيئي محمد بن صالح إلى أن السياسة التصديرية مرتبطة بسياسة الإنتاج، والتمور المنتجة سواء الموجهة للتصدير أو للاستهلاك المحلي لها نفس التأثيرات البيئية ومنها استهلاك المياه، مبينا أن نمط الإنتاج هو المسؤول عن استهلاك المياه، فطريقة الري بالغمر مستهلكة للمياه أكثر من الري الموضعي.

نسق الإنتاج الذي لا يراعي سوى القدرة التنافسية العالمية أضر بدوره بالثراء البيولوجي للواحة، من خلال التركيز على إنتاج أنواع معينة من التمور مثل دقلة النور وإهمال الانواع الأخرى، رغم أن الواحات التونسية تنتج 200 صنفاً من بينها العليق والفطيمي والبلح وغيرهم

ويشير الخبير في حديثه لرصيف22 إلى أن المنظومات الواحية في تونس وغيرها من الدول المنتجة للتمور تقع في المناطق القاحلة ذات المناخ الجاف والحار، نظراً لمتطلبات النخيل من الحرارة، فهو نبات تنمو ساقه في الماء ورأسه في الحرارة الشديدة، ويعتمد إنتاج النخيل بكل أصنافه على الري، ولا اختلاف في احتياجات أصناف التمور للماء، لكن دقلة النور تحتاج إلى درجات حرارة قياسية بالتالي لا تنبت في الواحات الساحلية.

ويعتبر أن قلة الأمطار لها تأثير ولكن غير مباشر، على اعتبار أن زراعة النخيل تعتمد على الري، لكن الأمطار لها تأثير على تغذية الطبقات المائية التي تمثل مصدراً لمياه الري، كما تؤثر على ملوحة التربة فتغسلها من الأملاح التي تتسرب إلى الأسفل، وبالتالي فإن نقص التساقطات له تأثير على الزراعة عموماً ومنها الزراعة الواحية.

 التغيرات المناخية... واحات تونس تكافح من أجل البقاء


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image