شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
محبة وترحاب ورغبة في الدعم… المصريون يُقبلون على المطابخ الفلسطينية

محبة وترحاب ورغبة في الدعم… المصريون يُقبلون على المطابخ الفلسطينية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الثلاثاء 27 فبراير 202404:24 م

قبل نحو خمس سنوات حاولت السيدة الفلسطينية صابرين عبد الله استثمار موهبتها في إعداد الأكلات التراثية الفلسطينية التي ورثتها عن نساء أسرتها، أسوة بالمطاعم السورية التي انتشرت في مصر عقب الحرب السورية، إلا أن مشروعها لم يستطيع الصمود كثيراً، لضعف الإقبال الذي أرجعته عبد الله إلى المنافسة الشديدة مع المطاعم السورية، وعدم معرفة الشعب المصري بالأكلات الفلسطينية وظنه أن الأكلات الفلسطينية والسورية لا تختلف بعضها عن بعض، إلا أن صابرين عادت بعد حرب غزة الأخيرة لافتتاح مشروعها مرة أخرى ليلقى إقبالاً شديداً هذه المرة مدفوعاً بدعم المصريين للفلسطينين النازحين من غزة.

تقول صابرين لرصيف22: "أسرتي من حيفا خرجت في النكبة عام 1948، فعشنا في سوريا وليبيا والسعودية وأخيراً مصر، ورغم أنني لم أعش في فلسطين حرصت جدتي على تعليم أمي كل تفاصيل المطبخ الفلسطيني وارتباطه بتراثنا، وهو ما كررته أمي معي، فتعلمت المفتول والكعك الفلسطينى والمقلوبة والمسخن وغيرها من الأكلات".

تمكّنت عدة أسر فلسطينية من الوصول إلى مصر عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ,لجأت إلى افتتاح مشروعات بسيطة لطهو الطعام الفلسطيني منزلياً وتوصيله إلى المنازل لكسب الرزق لحين تحقق وقف إطلاق النار والعودة إلى غزة

من أجل غزة

على العكس من صابرين التي عاشت معظم حياتها في مصر، تمكّنت عدة أسر فلسطينية من الوصول إلى مصر عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، لجأت إلى افتتاح مشروعات بسيطة لطهو الطعام الفلسطيني منزلياً وتوصيله إلى المنازل لكسب الرزق لحين تحقق وقف إطلاق النار والعودة إلى غزة، منهن الشابة الفسلطينية رنا ماهر، التي افتتحت مطبخاً فلسطينياً في محافظة الإسكندرية حيث استقر بها الحال لتلقى سريعاً ترحاباً واسعاً من سكان الإسكندرية وزائريها الراغبين في دعمها، معربين في تعليقات عدة على صفحة مطبخها على فيسبوك عن محبتهم لفلسطين ورغبتهم في انتهاز أي فرصة لدعم أهلها. 

بحسب صابرين، فإن المطبخ الفلسطيني مرتبط بمواسم الزراعة في أرضها، ففي موسم القمح والزيتون ينتشر المفتول وهو أكلة قريبة من الكسكسي المغربي، عبارة عن عجين من القمح أو الشعير أو الفريك أو السميد يفتل لحبات أصغر من الأرز، ويطهى على البخار ويقدم مع اللحم أو الدجاج والمرق وزيت الزيتون، ويعد من أشهر الأكلات الفلسطينية هو والمسخن الذي ينتشر أيضاً في موسم قطف وعصر الزيتون، وهو عبارة عن دجاج مطهو بالبصل وزيت الزيتون ومتبل بالسماق البلدي، ويخبز له خبز الصاج أو الطابون.

كانت التجربة الأولى لصابرين في مشروع المطبخ الفلسطيني ماثلة أمام عينيها، لذلك لم تحاول التوسع في البداية، إلا أنها فوجئت بإقبال جيد على مأكولاتها، وهو ما أرجعته لسببين الأول هو زيادة عدد الجالية الفلسطينية مدعومة بالنازحين القادمين من غزة، والثاني؛ التضامن المصري مع غزة وفلسطين بشكل عام، وهو ما يدفع المصريين إلى محاولة معرفة أكثر عن فلسطين وتراثها، أو دعم المشروعات الفلسطينية.

كانت التجربة الأولى لصابرين في مشروع المطبخ الفلسطيني ماثلة أمام عينيها، لذلك لم تحاول التوسع في البداية، إلا أنها فوجئت بإقبال جيد على مأكولاتها، وهو ما أرجعته لسببين الأول هو زيادة عدد الجالية الفلسطينية مدعومة بالنازحين القادمين من غزة، والثاني i, التضامن المصري مع غزة وفلسطين بشكل عام

ليس هنالك تقديرات رسمية منشورة لعدد الفلسطينيين أو المصريين الذين عبروا معبر رفح من غزة إلى مصر خلال العدوان الحالي، إلا أن موسوعة المخيمات الفلسطينية تقدر أعداد الجالية الفلسطينية في مصر بـ60 ألف فلسطيني يتركز معظمهم في محافظات القاهرة والإسكندرية والشرقية وسيناء ومدن القناة، ويعتبر المجتمع الفلسطيني في مصر مبعثراً، حيث لا يعيش أفراده في مدن أو مخيمات مثل باقي الدول أو حتى تظهر لهم تجمعات وأحياء وشوارع محددة كمواطني السودان النازحين إلى مصر. وبدأ النزوح الفلسطيني المحدود إلى مصر على موجات، أولاها كانت بعد النكبة ثم العدوان الثلاثي إلا أن الموجة الأكبر جاءت بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة في 1967، خاصة أن إسرائيل وقتذاك منعت الطلاب الفلسطينيين الدارسين في مصر من العودة إلى بلدهم، خاصة المنتمين منهم إلى شرق فلسطين "الضفة الغربية لنهر الأردن".

مسخن فلسطيني في الإسماعيلية

في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، انتقلت سهير محمد وابنتيها من قطاع غزة إلى مدينة الاسماعيلية بسبب حصول ابنتيها المولودتين لأب مصري على الجنسية المصرية مما سهل عبورهما - بعد التنسيق- من معبر رفح.

هربت سهير من ويلات الحرب هناك في غزة، لكنها قابلت هنا في مصر ضيق الحال، فهي منفصلة عن الأب المصري منذ عامين، ولا يوجد لديها معيل فقررت افتتاح مشروع مطبخ منزلي للمأكولات الفلسطينية أطلقت عليه اسم "المطبخ الفلسطيني". 

تقول سهير: "تزوجت في مصر منذ أكثر من 10 أعوام، وأنجبت طفلتين وقبل عامين انفصلنا مما دفعني للعودة للإقامة في منزل عائلتي في غزة قبل اندلاع الحرب، استطعت العبور إلى مصر بعد أكثر من شهرين من بدء العدوان، لكن قابلني ضيق الحال خاصة مع فقداني جميع مدخراتي أثناء الحرب، وخروجنا من دون أغراضنا إلا بعض الملابس، ولكوني ربة من المنزل  وليس لدي خبرات عملية في سوق العمل، فكان تقديم الطعام الفلسطيني هو المنفذ الوحيد للدخل، وساعدني على ذلك وجود جالية فلسطينية أغلبهم من النازحين الذين يحملون الجنسية المصرية، وكذلك الجالية المقيمة في مصر وتشتاق للطعام الفلسطيني".

كان هذا تفكيرها عندما بدات مشروعها الصغير، إلا أنها فوجئت بزبائن آخرين لم تحسب لهم حساباً: "لم أتوقع إقبال على مشروعي سوى من الفلسطينيين، نظراً لعدم انتشار المطبخ الفلسطيني في مصر وهو ما أعرفه من إقامتي السابقة، خاصة أن الاطعمة الفلسطينية على عكس السورية لا تقدم كوجبات سريعة مثل الشاورما، وإنما أطباق منزلية تأخذ وقت في التحضير والتجهيز، إلا أنني وجدت اقبالاً مصرياً على وجبات المسخن والمقلوبة وغيرها من الأطعمة الفلسطينية الشهيرة، وكان من الواضح أن المصريين يطلبون الطعام كشكل من أشكال الدعم للفلسطينيين خاصة وان الإقبال زاد جداً عندما عرف الناس أني نازحة من غزة".

تعتبر سهير الطعام الفلسطيني وسيلة للمقاومة، فتقول إن الطعام الفلسطيني وسيلة للتأكيد على وجود فلسطين، وإن لهذه الأرض شعباً له تراث من مأكولات وزي وثقافة، وليس كما تروج دولة الاحتلال لأنها أرض دون شعب، وهو ما يدفع المحتل إلى محاولة سرقة هذا التراث ونسبه لنفسه.

في يونيو/ حزيران الماضي، نشر رصيف22 تقريراً حول محاولات أسرلة التراث الفلسطيني من زي ومأكولات، ورصد التقرير ترويج إسرائيل طبق الحمص الفلسطيني الشهير فى اليوم العالمى للحمص الموافق في 13 آيار/مايو باعتباره مذاق إسرائيل وطبقها الوطني، وكذلك الفلافل.

"أنا لا أفهم في السياسة والمقاومة، ولكني اعتبر طهو الطعام الفلسطيني وسيلة لأقول إننا هنا" بهذه العبارة بدأت رباب فارس صاحبة مطبخ "أم طه" للمأكولات الفلسطينية القائم منذ 4 سنوات.

جاءت رباب قبل 12 عاماً إلى مصر، ورغم قولها إنها لا تفهم بالسياسة، فإنّ السياسة هي من جاءت بها إلى مصر بعد لجوء ابن خالتها المنتمي لحركة فتح إلى مصر بسبب الانقسام الفلسطيني بين حماس وفتح، والاشتباكات التي وقعت بين الحركتين في القطاع، وبعد استقراره طلب يدها للزواج، لتأتي إلي مصر وتستقر معه.

تقول رباب: "لم أعمل قبل ذلك، ولكن بسبب وقت الفراغ وحبي للمطبخ قررت إنشاء مطبخ للمخبوزات الفلسطينية، خاصة مع الاختلاف الواسع بين المخبوزات المصرية والفلسطينية، فالمخبوزات المصرية تعتمد على الدقيق الأبيض، بينما المخبوزات الفلسطينية تعتمد على دقيق السميد بصورة أكبر".

ورثت رباب وصفات المطبخ الفلسطيني عن والدتها التي ورثتها بدورها عن جدتها، مشيرة إلى أن كل أم فلسطينية تحرص على توريث الوصفات الأصلية من دون تغيير لبناتها ليظل تراث الأكل الفلسطيني موجوداً. تقول: "رغم أن الشعب الفلسطيني موزع في كل دول العالم من بعد النكبة لا يتأثر بالمأكولات العالمية، ويحرص على طهو الطعام الفلسطيني وعدم الانخراط في المطابخ العالمية أو تغيير الوصفات الأصلية أو تبديل مكوناتها".

حين بدأت رباب مطبخها استهدفت الجالية الفلسطينية في مصر التي تفتقد طعم المخبوزات الفلسطينية لعدم انتشار المحال التي تقدمها في مصر، وبالفعل وجدت ردود أفعال جيدة خاصة من الأجيال القديمة التي وجدوا المخبوزات مطابقة للوصفات الأصلية، إلا أن بعد عملية طوفان الأقصى وما استتبعها من عدوان على قطاع غزة وفي الضفة الغربية، "أصبح هناك إقبال أكبر بسبب رغبة المصريين في دعم كل ما هو فلسطيني، بالإضافة إلى الفضول الذي رافق الحرب للتعرف على التراث الفلسطيني خاصة من الأجيال الشابة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard