شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
مكاسب متبادلة وأثر مؤكد على الحرب الأهلية… دلالات استئناف العلاقات بين إيران والسودان

مكاسب متبادلة وأثر مؤكد على الحرب الأهلية… دلالات استئناف العلاقات بين إيران والسودان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بعد ثلاثة أشهر على اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في الرياض، على هامش القمة العربية الإسلامية، تسارعت خطوات التقارب بين البلدين لتشهد إعادة استئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات. 

بالتزامن، اتّهمت قوات الدعم السريع الجيش بالحصول على طائرات من دون طيار من التي تشتهر إيران بصناعتها، مُعلنة إسقاط ثلاث منها. فما هي أسباب استئناف العلاقات بين الخرطوم وطهران؟ وكيف قد ينعكس ذلك على الحرب الأهلية الدائرة في السودان؟

علاقات مضطربة

كان وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق، والنائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر اتفقا على تبادل السفراء في اللقاء الذي جمعهما في أوغندا أواخر كانون الثاني/يناير الماضي على هامش قمة دول عدم الانحياز. زار علي الصادق علي إيران قبل أسبوع، واتفق مع نظيره الإيراني حسين عبد اللهيان على ضرورة "فتح صفحة جديدة في مسار تعزيز العلاقات بين البلدين"، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، كما التقى الصادق بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

قبل أن يقطع السودان علاقاته مع إيران عام 2016، تضامناً مع السعودية، كانت علاقات طهران والخرطوم جيدة في مجال الاقتصاد والثقافة، وأيضاً في مجال الصناعات العسكرية. لاحقاً هاجمت إسرائيل مجمع اليرموك للصناعات الدفاعية بدعوى وجود أسلحة إيرانية داخله. هل يُغير استئناف العلاقات الإيرانية السودانية خطوات التطبيع؟ 

كذلك ثمّن وزير خارجية السودان الدعم السياسي الذي تقدمه الجمهورية الإسلامية لشعب السودان في المحافل والدوائر الدولية، وأكد اهتمام بلاده بتطوير العلاقات مع إيران وأعلن استعداد بلاده لزيادة التعاون الاقتصادي والتجاري معها، وذلك خلال لقائه بالرئيس الإيراني في طهران.

كان السودان قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران عام 2016 تضامناً مع السعودية بعد الاعتداء على سفارتها وقنصليتها في طهران ومشهد، كما شارك قبل ذلك بعام في الحرب الدائرة في اليمن ضمن صفوف التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران. بلغ عدد القوات السودانية العاملة ضمن التحالف، في بداية الحرب، نحو 15 ألف جندي.

قبل القطيعة، كان لدى السودان وإيران علاقات دبلوماسية جيدة، وتعاون كبير في مجال الصناعات العسكرية والاقتصاد والثقافة، وصل إلى حد أن تقوم إسرائيل - بحسب اتهام سوداني رسمي - بمهاجمة مجمع اليرموك للصناعات الدفاعية في العاصمة الخرطوم عام 2012 بدعوى أنه يحتوي على أسلحة إيرانية. فضلاً عن تعاون البلدين في دعم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إذ طالما اُتّهم السودان بتهريب الأسلحة إلى الحركة.

وساهمت عدة عوامل في التقارب بين طهران والخرطوم في عهد الرئيس المعزل عمر البشير، منها الموقف الغربي الرافض لنظام الحكم في البلدين، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على كل منهما على صلة بذلك. لكن هذا الوضع اختلف منذ ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2018 إذ رُفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وحاز إعفاء من الديون، ورُفعت عقوبات اقتصادية غربية. علماً أن هذا المسار تعرقل منذ انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

بعد قطيعة بين البلدين دامت أكثر من سبعة أعوام، اتّهَمَ خلالها الرئيس السوداني السابق إيران بمحاولة نشر التشيّع في بلاده، استأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية بعد نحو العام على تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية.

وراجت أنباء في الأيام الماضية عن زيارة مرتقبة لرئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى طهران، تتويجاً لاستعادة العلاقات بين البلدين. وكشف مصدر دبلوماسي بوزارة الخارجية، فضل حجب اسمه، لرصيف22 عن تقديم إيران دعوة للبرهان لزيارة طهران، لبحث تعزيز العلاقات بين البلدين، موضحاً أنّ موعد الزيارة لم يتحدد بعد، وأنّ تحرّك البرهان الخارجي في الوقت الراهن مرتبط بدول الإقليم التي يمكنها أن تساهم في حلّ الأزمة السودانية، مشدّداً على أنّ البرهان سيلبي الدعوة في الوقت المناسب.

مكاسب الطرفين من استئناف العلاقات

ذكرت تقارير غربية أن التقارب بين السودان وإيران مدفوع برغبة الجيش السوداني في الاستفادة من فرص التسليح التي قد توفرها إيران له، بعد عشرة أشهر من حرب استنزفت موارده وإمكاناته. في المقابل، تسعى إيران لترسيخ وجودها في البحر الأحمر من خلال الساحل السوداني الذي تتنافس عليه دول الولايات المتحدة وروسيا أيضاً في وقتٍ تشهد المنطقة توترات تُثير قلقاً دولياً كبيراً.

التقارب بين السودان وإيران مدفوع برغبة الجيش السوداني في الاستفادة من فرص التسليح التي قد توفرها إيران له، بعد عشرة أشهر من حرب استنزفت موارده وإمكاناته. في المقابل، تسعى إيران لترسيخ وجودها في البحر الأحمر، من خلال الساحل السوداني الذي تتنافس عليه دول الولايات المتحدة وروسيا أيضاً

ويُعدّ الحصول على تسهيلات بحرية من السودان أمراً في غاية الأهمية لإيران، نظراً للقرب الجغرافي بين السواحل السودانية والسواحل التي يسيطر عليها حلفاء إيران في اليمن، الحوثيون. علماً أن السفن الايرانية كثيراً ما رست في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر خلال فترات تحسن العلاقات بين الجانبين.

كما أنّ طهران لا تخفي رفضها تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان، ومن المؤكد أنّها ستعمل على أنّ يصبح هذا الاتفاق جزءاً من الماضي. خلال لقاء الرئيس الإيراني بوزير الخارجية السوداني، أكد الأول أنّ "الكيان الصهيوني المجرم الذي يسعى دائماً إلى عرقلة حركة المسلمين من خلال خلق الفتنة والتآمر، لا يمكن أبداً أن يكون صديقاً للدول الإسلامية ومهتماً بنمو وتطور الشعوب المسلمة"، معتبراً أنّ ما فعلته بعض الدول الإسلامية من تطبيع العلاقات مع تل أبيب "مناقضاً لهوية وطبيعة هذه الدول".

يقول ألان بوسويل، مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية، إن "استعادة حليف في السودان، خاصة على طول البحر الأحمر، سيكون بمثابة فوز كبير لإيران ولكنه سيثير قلق القوى الإقليمية والغربية الأخرى". 

ومن شأن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران أن يكون له تأثير كبير على الوضع الداخلي والعلاقات الخارجية. ذكرت وكالة "بلومبرغ"، أن إيران زوّدت الجيش السوداني طائرات من دون طيار من طراز "مهاجر6"، والتقطت أقمار اصطناعية صوراً لهذه الطائرات، في قاعدة "وادي سيدنا" العسكرية بأم درمان والتي تنطلق منها العمليات العسكرية للجيش السوداني. وتتمتع مسيّرات "مهاجر6" الإيرانية ذات المحرك الواحد بقدرة على إصابة أهدافها بدقة. وسبق للولايات المتحدة أن اتهمت إيران بتزويد روسيا طائرات من الطراز نفسه، واستخدامها في حربها على أوكرانيا، وهي الاتهامات التي نفتها طهران.

يقول مصدر عسكري ميداني، فضّل عدم ذكر اسمه، لرصيف22، إن "مهاجر6" الإيرانية دخلت المعركة منتصف الشهر الماضي، ولعبت دوراً في التقدم الذي أحرزه الجيش خاصة في منطقة أم درمان القديمة، وبات يسيطر على 85% من المنطقة بعد أنّ كانت معظمها تحت سيطرة الدعم السريع. بدوره، أعلنت قوات الدعم السريع عن إسقاط ثلاث طائرات مسيّرة تابعة للجيش من طراز "مهاجر6" الإيرانية الصنع. 

يوضح مصدر في الدعم السريع، اشترط عدم ذكر اسمه، لرصيف22، أنّ المفاوضات مع الجيش في البحرين تم تعليقها بسبب استئناف العلاقة مع إيران. وأكد على أن إعادة الجيش السوداني العلاقات الدبلوماسية مع إيران قرار غير مبرر في الوقت الحالي. وبحسبه فإنّ هدف الجيش هو الحصول على الدعم العسكري واللوجستي.

إذكاء الصراع

يرى الخبير الدبلوماسي علي يوسف أنّ الجيش السوداني في حاجة للسلاح، خاصة المسيرات الإيرانية الشهيرة، وفي ظل المقاطعة الغربية الشاملة لتزويد السودان السلاح، لجأ إلى إيران. يقول لرصيف22 إن "إيران تستعيد موقعها في بلد مهم في المنطقة خاصة في البحر الأحمر، في وقت تتصاعد فيه المواجهة بالوكالة بين حلفاء إيران وإسرائيل وحلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية". لافتاً إلى أن المنطقة تشهد حالة استقطاب حادة ستدفع بالسودان نحو معسكر الشرق بقيادة روسيا والصين وإيران.

في الوقت نفسه، تشهد العلاقات الدبلوماسية بين حكومة السودان وأوكرانيا تقارباً كبيراً، بعد أنّ اتبعت أوكرانيا سياسة استهداف المصالح الروسية الدولية، ووجدت في الجيش السوداني حليفاً في مواجهة قوات فاغنر الروسية شبه العسكرية، فضلاً عن الأخبار المنشورة حول مشاركة القوات الخاصة الأوكرانية في المعارك ضد فاغنر والدعم السريع في الخرطوم.

ويرى الخبير العسكري عمر أرباب أنّ الجيش السوداني في حاجة إلى حليف عسكري يستطيع مده بالسلاح، ولن يجد الجيش أفضل من إيران للقيام بهذه المهمة. ولفت إلى أنّه من الصعوبة بمكان أنّ يوازن السودان علاقاته بين إيران ومحيطه الدولي والإقليمي الذي يصنف "إيران" عدواً، أو على الأقل، خطراً محتملاً، مثل الولايات المتحدة وأوكرانيا اللتين تصنفان إيران كعدو، بينما السعودية ومصر لا تنظران بعين الرضا إلى إيران. 

بحسب بعض الخبراء والمتابعين، فإن "التحالف بين الإسلاميين وإيران خطة تكتيكه، وليست تحالفاً إستراتيجياً يعود بفائدة على السودان في المديين القريب والبعيد" إذ إنّ "حكومة الأمر الواقع من ‘الإسلاميين‘ تريد إعادة العلاقات مع إيران باعتبارها حليفاً قديماً، لكسر العزلة الدولية"

ويؤكّد لرصيف22 أنّ لا خيار للجيش السوداني سوى الرجوع إلى إيران وبناء علاقات جديدة يضمن بها الحصول على دعم عسكري لقدراته، والاستفادة من ذلك في تحقيق مكاسب ميدانية قبل التفاوض مع الدعم السريع. لهذا يري "أرباب" أن العلاقات مع الدول ليست ذات أولوية بالنسبة للجيش، لأن هدفه تحقيق الانتصار ميدانياً قبل كل شيء.

بدوره، حذر المتحدث الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، علاء نقد، من أن تلعب عودة العلاقات مع إيران دوراً في إشعال الحرب في الإقليم، حول البحر الأحمر. يقول لرصيف22 إن "الإسلاميين يعملون على إشعال الإقليم ويحولونه إلى جحيم خاصة في البحر الأحمر بعد أن فشلوا في العودة إلى الحكم"، لافتاً إلى أن التقارب مع إيران سيضيع على "الإسلاميين" بعض الحلفاء مثل مصر التي لا تسمح بالعبث بأمن البحر الأحمر. وبحسبه فـ"التحالف بين الإسلاميين وإيران خطة تكتيكه، وليست تحالفاً إستراتيجياً يعود بفائدة على السودان في المديين القريب والبعيد". يضيف أن حكومة الأمر الواقع من "الإسلاميين" تريد إعادة العلاقات مع إيران باعتبارها حليف قديم، لكسر العزلة الدولية.

في سياق متصل، يقول الخبير في الشؤون الأفريقية محمد تورشين، إن عودة العلاقات السودانية الإيرانية تأتي في إطار محاولة إيجاد أكبر قدر ممكن من المناورة السياسية من قبل الحكومة السودانية مع دول الخليج العربية، وأشار إلى أنّ الهدف من الاتفاق هو تزويد الجيش السوداني بأسلحة متطورة، لا سيما وأن إيران تمتلك أسلحة متطورة في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ طويلة المدى، كما أن منظومة الصناعات الدفاعية في السودان تعتمد على التقنيات الإيرانية، وباستعادة العلاقات الدبلوماسية ستعيد العلاقات العسكرية بين البلدين.

وحول انعكاس ذلك على علاقات الجيش السوداني بالولايات المتحدة وأوروبا، يقول تورشين لرصيف22 إن أثر ذلك لن يكون واضحاً لأن العالم مشغول بقضايا عدة، منها حرب غزة، وحالة الانقسام التي تعيشها الولايات المتحدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، والحرب في أوكرانيا، مضيفاً أنّه إذا استطاعت الدولة السودانية إدارة هذا الأمر باحترافية، من خلال تقديم رسائل تطمئن الدول الإقليمية والدولية، فلن يكون السودان محطة لتهديد مصالح الآخرين، وقتذاك يمكن أنّ تستفيد من تعدد حلفائها.

الجدير بالذكر أنّ استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران يأتي في وقت تشهد المنطقة انفتاحاً بين إيران ودول المنطقة بما فيها دول خليجية عدة ومصر.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard