في إطار "العقيدة" الإقليمية الإيرانية ودعواها أن الوكالات أو الحركات الوطنية أو المحلية المسلحة، والعاملة تحت لواء طهران ووحدة ساحاتها العربية، تمويلاً وتسليحاً وتدريباً وتخطيطاً، هي منظمات مستقلة القرار أو مترابطة بل متماسكة الإلهام والفهم والعمل، معاً- فتح قصف "أنصار الله" الحوثيين، منذ 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، سفناً مبحرة في البحر الأحمر، صفحة قديمة ومتجدّدة.
وبينما بادر "حزب الله"- لبنان إلى الاشتباك والقصف منذ صباح 8 تشرين الأول/ أوكتوبر، أي غداة هجوم "حماس" في اليوم السابق، واقتصر انتظار بعض منظمات "الحشد الشعبي" العراقي على نحو الأسبوعين (قبل توضيح الفرق بين قصف تضامني، وآخر إجلائي تقطع منذ اغتيال قاسم سليماني ومساعده العراقي)، انتظر قرار العصبية الحوثية شهراً تاماً ونصف الشهر تقريباً. وبينما يرفع البيرق الحزب اللهي اللبناني شعار "الثورة الإسلامية في لبنان"، تمحو الصرخة (الشعار) الحوثية من بيرقها أي أثر للمكان وللوقت أو التاريخ (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل...). وتقتصر، عدا الدعاء بالانتصار للإسلام، على ذكر الأعداء، أو العدوين الحالَّين، على قول أبو نؤاس، في عدو واحد ومتصل.
ورغم مثول شِقَّيْ العدو الواحد والمركزي على طول البحر الأحمر، من باب المندب جنوباً إلى إيلات والعقبة وبور سعيد شمالاً، ومن زمن بعيد، لم ينتبه أنصار السيد عبدالملك الحوثي إلى صيدهم الثمين والقريب إلا عشرين يوماً بعد افتتاح الجيش الإسرائيلي المرحلة الثانية (اقتحام شمال القطاع) من حربه. وما يبدو "تأخراً" تحريرياً عن إعمال التضامن مع غزة، والبحر في متناولهم وملاذات الجبال وملاجئها من القصف الأمريكي- الإسرائيلي المنتظر، من ورائهم، على قول طارق بن زياد الفاتح، ربما كان ("التأخر") قرينة على بعض الحيرة في إعمال التنسيق بين قيادات "الساحات" الواحدة والمنظمات الكثيرة والمستقلة.
والحق أن دعوى العقيدة الإقليمية، ومحاولتها، المترددة والمتلعثمة، التوفيق بين وحدة "المقاومة الإسلامية" (الاسم الذي تتشارك الحركات المسلحة في لبنان والعراق، وفي شطر فلسطين الجنوبي الغربي، من غير أن تكون "حماس" صنيعة طهران الخمينية)، وبين استقلالها واحدة واحدة بقرارها، هذه الدعوى تجريبية واختبارية. والمناقشة التي ثارت في شأن علم طهران ووكالاتها بموعد "طوفان الأقصى" الحمساوي، وإعلان آية الله العظمى علي خامنئي تأييده "الطوفان" من دون شراكته (وأجهزته) في الإعداد له، من القرائن ربما على تدرج "الوحدة" المفترضة والمنشودة، ومرورها بدوائر وعتبات قبل بلوغها محجتها.
تجريب الجبهات
ولا ينفي افتراض التجريب والاختبار والدوائر أسباباً إجرائية صغيرة، من مثل الوقت الذي يقتضيه تهريب "الحرس الثوري" إلى "أنصار الله" السلاح المناسب، من طريق الشاطئ الخليجي والبر العماني والحضرمي اليمني، أو من طريق البحر الأحمر، أو تهريب مشغلي هذا السلاح وبعض مصنّعيه. ويبقى، أياً كانت الأسباب، أن رد الساحات الواحدة والمستقلة القرار، خارج القيادة الإيرانية المركزية، اشتكى بعض التفاوت في المبادرة العملية، وفي إعلان النيات والتعليل.
كان "حزب الله"- لبنان سباقاً إلى صوغ موقفه السياسي والميداني العسكري من الحادثة الكبيرة. فقال إن تضامنه "البديهي" مع "الإخوة في غزة" يرمي إلى حماية "المقاومة" من هجوم إسرائيلي- أمريكي، بل أمريكي في المرتبة الأولى. و"المقاومة"، في هذا المعرض، واحدة. وإذا سقط أو قطع رأس "حماس"، فالدور آتٍ لا محالة على "المقاومة الإسلامية في لبنان"
وكان "حزب الله"- لبنان، على عادته، سباقاً إلى صوغ موقفه السياسي والميداني العسكري من الحادثة الكبيرة. فقال إن تضامنه "البديهي" مع "الإخوة في غزة" يرمي إلى حماية "المقاومة" من هجوم إسرائيلي- أمريكي، بل أمريكي في المرتبة الأولى. و"المقاومة"، في هذا المعرض، واحدة. وإذا سقط أو قطع رأس "حماس"، فالدور آتٍ لا محالة على "المقاومة الإسلامية في لبنان"، لأن الإسلام، على المعنى الخميني الإيراني العريض، هو عدو "العدو الأمريكي" الأول، على ما سارع إلى القول والكتابة الإعلام "المقاوم".
والحال هذه، لا يُسأل الحزب الحرسي عن مسوغ انخراطه في الحرب. فهو يدافع عن نفسه. وفي لغة الوكلاء لا تزن الدول الوطنية العربية ("القطرية"، في مصطلح البعث)، وشعوبها، شيئاً في ميزان "الإسلام" الواحد، وجسمه المرصوص، وعدوه الأمريكي. فنفس الحزب هي نفس الدولة، ونفس الشعب. فينبغي أن يكفي القول إن "حزب الله" ينصر غزة ليجوز له القتال على أرض لبنانية، من غير مسوّغ لبناني.
ولكن "حزب الله" تواضع مرتين: حين زاد على مسوغ قتاله داعياً أو سبباً لبنانياً هو طلب ترسيم الحدود من رأس الناقورة إلى مزارع شبعا (وسفوح جبل الشيخ)، وحين أعلن أن الهدف العسكري للقتال ليس الاضطلاع بتحرير فلسطين- فهذه مهمة "حماس" والأمة- بل يقتصر على إشغال 50 ألف جندي إسرائيل، أو 70 ألفاً في تقدير آخر، وعلى فرض وقف النار جراء الإنهاك. وسمى مساحة القتال الذي يخوضه "قواعد اشتباك" مرنة. ومدح نفسه مديحاً عالياً على غموضه، وصمته، وإقلاقه العدو، وعلى تعليقه "الحرب" بين خوضها "بلا سقوف ولا ضوابط ولا حدود"، على ما يهدد خطيبه وأمينه العام السيد حسن نصر الله بين الفينة والفينة، وبين الإمساك والتأييد الكلامي والبياني.
وهذه المواقف لم تأتِ مرةً واحدة، فالمفاوضة المقترحة والمرجوة على الحدود، وحملها على فرصة نادرة وثمينة، تعود إلى منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وإعلان "الحرب" حرباً مقيدة، أو منخفضة العنف والسلاح والدمار، انتظر فوق الشهر. وإدارة سهم "حزب الله"- لبنان فيها على وقف إسرائيل نيرانها على غزة، وإنقاذ رأس "حماس"، تزامن مع نقل قواتها مركز القتال إلى جنوب غزة، وحصارها مخيمات البريج والشجاعية والمغازي وخان يونس...
وجبهة جنوب لبنان، جراء صدارة "حزب الله" المنظمات الحرسيةَ الأخرى وتقدمه عليها، سياسياً وعسكرياً وزمنياً (هو بكرها)، هي مفتاح توسيع الحرب الفلسطينية- الإسرائيلية إلى حدود إقليمية، أو كبح هذا التوسيع. وعمق علاقة "حزب الله" بطهران، وطاقمها الحاكم و"حرسها" واستخباراتها، وثقة كلا "الطرفين" (في واحد) بالآخر، لا تنفيان ترتيبهما على مرتبتين متفاوتتين في مسألة على هذا القدر من الخطورة. فلا ريب في أن يد علي خامنئي فوق يد حسن نصر الله.
والإثنان متواضعان ومتفقان على أن الترجح بين الحروب "الوطنية"، المقتصرة على وخز الإبر أو المقيدة على المثال الحزب اللهي، وبين الحرب الإقليمية، وفاتحتها على شاكلة حرب تموز/ يوليو 2006 بين الطيران الإسرائيلي ومقاتلي "حزب الله" وصواريخه- تمرين دقيق، وينبغي أن يبقى بمنأى من الانفعالات الجامحة. وميزان هذا التمرين، بإجماع الطاقم السياسي الإيراني، حكاماً نافذين ومعارضين محالين على الاستيداع الوظيفي، هو تجنيب النظام الخميني كارثة حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وامتحان هذه الحرب. ومن وجه آخر، ينبغي ألا تتداعى المقالات الإيرانية في الضعف والأفول الأمريكيين والإسرائيليين، تحت وطأة الخوف من الحرب.
السيادة المتصدعة
وإذا كان لبنان المثال الخالص على الترجُّح والتمرين الإيرانيين، على معنى "إيران" الإقليمي والعريض، فالحركات الحرسية الأخرى تمثل على نواحٍ مختلفة من الترجح والتمرين هذين. فالقصف على قواعد عين الأسد، وجرف الصخر، والحرير في أربيل، في العراق، والحسكة والقامشلي في سوريا، يخلط الاقتصاص من الأمريكيين في هذه القواعد على مرابطتهم فيها، بموجب معاهدة تفاوض عليها بعض أشد السياسيين العراقيين ولاء لإيران، في 2008، بالثأر لمقتل سليماني، وإضعاف وصاية طهران و "حرسها" على دولة العراق ومجتمعه.
إذا كان لبنان المثال الخالص على الترجُّح والتمرين الإيرانيين، على معنى "إيران" الإقليمي والعريض، فالحركات الحرسية الأخرى تمثل على نواحٍ مختلفة من الترجح والتمرين هذين. فالقصف على قواعد عين الأسد، وجرف الصخر، والحرير في أربيل، في العراق، والحسكة والقامشلي في سوريا، يخلط الاقتصاص من الأمريكيين في هذه القواعد على مرابطتهم فيها
ومرابطة الـ2500 مستشار ومدرب وخبير أسلحة ومتعهد صيانة ومبيعات، على أرض العراق، مدار خلافات على بنية النظام الدستوري والعلاقات السياسية بين جماعات العراق بعد صدام حسين والغزو والانسحاب الأميركيين و "دولة" "داعش" والنزاع الأهلي، والانتخابات والحكومات المتفاوتة الفشل... فالانسحاب الأميركي ليس شأناً من شؤون السياسة الخارجية والسيادية. وإذا فرضه "الحزب" الإيراني، "الحشدي"، دل على انتصار فريق أقلي في أوساط الغالبية الشيعية المتنازعة. ودأبُ هذا الفريق تقويضُ دولة وطنية يحملها على مطية خصوم طهران، وأنصار "عدوها"، من سنّة داعشيين، وأكراد موساديين، وطبقة وسطى من متعلمين ومهنيين وإداريين وناشطين مارقين ومنافقين.
ويرفع محل الاستعانة بالعسكريين الأمريكيين من الخلافات العراقية مسألة جزئية إلى مرتبة القضية النظامية والاستراتيجية. ويطبق على هيئات الحكم كلها، ويعرقل الانتخابات، والأحلاف بين الكتل، وعمل الوزارات وقراراتها. فحرب غزة، والانقسامات العربية و"الجنوبية" عليها، وتوسل إيران بها إلى إرساء هيمنتها على جنوب آسيا، حكّت المواضع الأليمة في الجسم الوطني والسياسي العراقي، وحركت انفعالاتها. وإذا لم تفضِ الانقسامات إلى نزاع أهلي معلن، تدرك طهران أن ناره قد تمتد إلى هشيمها، فهو جمَّد، منذ الأمس وقبل اليوم، حياة سياسية تدور في حلقة مفرغة، وتعتاش على نهش جماعاتها لحمها.
ولم يحل نفوذ إيران القوي والعميق في "دولة" العراق وجماعاته ومجتمعه، وانقيادُ جماعات مسلحة ومذهبية لسياساتها الأمنية والديبلوماسية والنقدية والمصرفية والاقتصادية والجمركية والمائية في العراق، دون تدخلها المباشر والعسكري. فحين يعمد رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، وقبله مصطفى الكاظمي، إلى إدانة قصف القواعد العراقية المختلطة، أو منطقة السفارات في بغداد، والرد الأميركي المتأخر والمحسوب عليه، لا يسعه إلا التعهد الخجول باضطلاع الحكومة بملاحقة البادئين المحليين به.
ولكن جماعات "الحشد" تشترط الجلاء الأمريكي التام عقوبة على الرد، وعلى قتل سليماني والمهندس، وعلى الضلوع في حرب إسرائيل على غزة، وعلى الهيمنة الأمريكية والغربية على العالم، معاً وفي آن واحد. وإذا عجزت الحكومة العراقية عن معالجة هذه المسائل "التافهة" على وجه السرعة، بادرت وحدة الصواريخ في الجمهورية الإسلامية إلى إعمال ذراعها الطويلة في إربيل، وفي إدلب، في 16 كانون الثاني/ يناير الجاري. وثأرت لاغتيال كبار عمدائها، ومن كبار المتمولين الأكراد المتحفظين عن الجلاء الأميركي، ومن مدبري اغتيالات كرمان الجماعية المشبوهين.
وهذا الثأر موارب ومجازي، على شاكلة لغة الإيرانيين (والكوريين الشماليين) وتلويحاتهم الهيروشيمية. فهم يقتلون "عميلاً" للموساد، وابن عم أو خال قريباً لـ "داعش"، ويقصفون مكاناً غير بعيد من فرع السفارة الأمريكية في إربيل. وهذا كناية عن قتل عميل يعمل في صفوف "الموساد"، أو داعشي خراساني أو بلوشي تورط في الإرهاب، أو أمريكي موظف في "الوكر" الديبلوماسي. والحرب المجازية، أو بالكناية، تتيح المطاولة، أو المماطلة، وترجئ الاشتباك، ولا تتحمل ثقل الأكلاف، وتلوح بِتَليّة قادمة ثقيلة وتدعو العدو إلى تجنّبها.
ريع الموقع
و"الحرب" الحوثية البحرية تجري على هذا المثال. ويصرّف "أنصار الله" مناوشاتهم، ووخز إبَرهم، على مثال ريعي. وهم يجبون عوائد موقع جغرافي يخوّلهم تهديد شريان تجاري حيوي رغم ضعف عدتهم، وجباية عوائد تسليح مسيَّر وصاروخي لا يفترض بنية عسكرية ثقيلة ولا موارد اقتصادية ومالية كبيرة. وأدرك أنصار "السيد" الحوثي الريع الثمين الذي تعود به عليهم مكانتهم الجغرافية الخالصة منذ رفضوا، عشية الحرب الأهلية والإقليمية في 2015، حصتهم من الولايات الست التي خلصت إليها "مخرجات" الحوار اليمني يومذاك.
الأثر السياسي والوطني الذي خلفته وتخلفه "حروب" إيران، على الشاكلة العراقية أو الشاكلة اللبنانية- بعد الأثر السوري والأثر اليمني، والبَلدان مسرح نزاعات أهلية لا مخرج مرئياً منها، وضلعت السياسة الإيرانية فيهما ضلوعاً قوياً- لا ينفك فادحاً. وهو إذا لم يؤد اليوم، بعد، إلى دمار يقارن بالدمار الغزاوي، فهو فاقم تصديع البنيان الوطني في بلدان الشبكة على نحو لا علاج له
والسبب في رفضهم هو حرمانهم، في الترسيم المقترح، مطلاً على البحر الأحمر. وتشارك الحوثيون اليمنيون هذه "المظلومية" مع إيران التي حرمت، من طريقهم ومباشرة، من اتصال بري وبحري بأراضي السودان، في عهد عمر حسن البشير (وحسن الترابي)، ومن الجمع بين مضيقين، هرمز وباب المندب، حيويين. والريع الجغرافي اليمني يمكّن صاحب جزء منه على طول ضفة البحر الشرقية، مهما كان هذا الجزء ضئيلاً وكان صاحبه ضعيفاً، من ردع القوي، بالغاً ما بلغ من القوة العسكرية.
ومثَّل الخبراء الاستراتيجيون، في ذروة الحرب الباردة، على عدم التكافؤ هذا بصورة أو حال عابر الطريق، من رصيف إلى رصيف، أمام شاحنة "سيكس ويل" تطل من المنعطف القريب، وتهجم على موضع العبور والعابر. وليس في وسع سائق الشاحنة، في مثل هذه الحال (وعلى افتراض عقلانية السائق والتزامه قانون سير "عاقلاً")، غير الامتثال لإشارة عابر الطريق الضعيف، وكبح شاحنته.
ولعل الخلاف الذي ثار بين المعلقين، كتّاب رأي أو سياسيين وعسكريين محترفين، على القصف الأمريكي- البريطاني في ليل 11 إلى 12 كانون الثاني/ يناير من العام الجديد، رداً ثقيلاً على عشرات الصواريخ والمسيرات الحوثية قبل يومين، وعلى جدواه ومآلاته، صورةٌ متجددة عن الخلاف على أي عمل عسكري غير تقليدي، وغير محدد المسرح. وفي وقت أول، في الأسابيع الأولى لحرب غزة، قصف أنصار الحوثي أراضي الدولة العبرية، في أعالي شمال البحر الأحمر، على بعد 1700- 2000 كلم، بصواريخ أرض- أرض إيرانية، انتصاراً لغزة. وأقلعوا عن قصفهم لما بدا ضعف جدواه، من ناحية، واقتصر غرضه وضرره على إسرائيل، ولم يؤثر في الدوائر الإقليمية والدولية، من ناحية أخرى، وعمدوا إلى اعتراض الملاحة في الشريان الحيوي، وإلحاق ضرر جسيم فيهما.
وربما جدد الاعتراض الحوثي، على ضآلة آلته، التسببَ على صعيد إقليمي ودولي، بالحرج الذي تسبب به، ويتسبب قصف جماعات "حشدية" عراقية القواعد المختلطة في الأنبار وتكريت وكردستان، للدولة العراقية. فالسكوت عن التحرش والضرر الحوثيين هو سكوت عن انتهاك قواعد الملاحة الدولية، ورضوخ لابتزاز لا يؤمن تعاظم آثاره. ويطيل الرضوخ يد إيران وذراعها. ويؤدي تضافر هذه، الانتهاك والرضوخ وإطالة اليد، إلى تفاقم وضع بالغ الحرج، وتترتب على معالجته نتائج عسكرية واقتصادية وديبلوماسية ثقيلة. وحسم الوضع باكراً بوسائل عسكرية قد يؤدي إلى "التناقض" الذي تعاقب مير حسن عبد اللهيان، وعبدالملك الحوثي، وحسن نصر الله، وأكرم الكعبي، على التحذير من الوقوع فيه- بين الرغبة في لجم الحرب الإسرائيلية الحماسية وبين الاسترسال مع توسيعها الإقليمي والضلوع فيه.
"الكيان" المقحم
وإلى اليوم، لم تؤدِّ "الحروب" المجازية التي تشرف طهران الحرسية على توزيعها (الموسيقي)، واختبار إيقاعاتها الوطنية في الإطار الإقليمي الواسع، إلى كوارث، قياساً على كارثة غزة، وفلسطين عموماً. ولكن غزة، أو "حماس" تخرج عن "الحروب" المجازية ونطاقها. وحقيقتها الحادة تتخطى، بما لا يقاس، اللعب الإيراني على المجازات والكنايات، إذا استُثني لبنان وساحته. ويفضح التخطي هذا السياسة الإيرانية، وأداءها الدقيق. ومسار حرب "حماس" مستقل استقلالاً تاماً عن نسيج الشبكة الإيرانية، رغم الاستعمال المتبادل والمتفاوت الذي يتوسّل به كلا الطرفين تجاه الآخر.
إلا أن الأثر السياسي والوطني الذي خلفته وتخلفه "حروب" إيران، على الشاكلة العراقية أو الشاكلة اللبنانية- بعد الأثر السوري والأثر اليمني، والبَلدان مسرح نزاعات أهلية لا مخرج مرئياً منها، وضلعت السياسة الإيرانية فيهما ضلوعاً قوياً- لا ينفك فادحاً. وهو إذا لم يؤد اليوم، بعد، إلى دمار يقارن بالدمار الغزاوي، فهو فاقم تصديع البنيان الوطني في بلدان الشبكة على نحو لا علاج له. وسلط على الكيان الوطني، وعلى جماعاته وموازين علاقاتها، "كياناً" تتحكم "الطبقة" الحاكمة والمستولية في طهران، في معاييره وموازينه ومصالحه. والقضية الفلسطينية، على الصورة الإيرانية، جزء راجح من "الكيان" المقحم على الكيان الوطني بذرائع بعضها حقيقي، ومعظمها مجازي، إذا صحت العبارة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 12 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 18 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com