شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
قصة الصورة التي أربكت أول زيارة لوزير الخارجية السعودي إلى إيران بعد 17 عاماً

قصة الصورة التي أربكت أول زيارة لوزير الخارجية السعودي إلى إيران بعد 17 عاماً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

آخر زيارة وزير خارجية السعودية إلى طهران تعود إلى 17 عاماً، حينما زار هذا البلدَ الوزيرُ الراحل سعود الفيصل عام 2006. بعد ذلك توترت العلاقات بين إيران والسعودية شيئاً فشيئاً إلى أن جاءت زيارة فيصل بن فرحان أمس السبت 17 حزيران/يونيو 2023، برفقة وفد دبلوماسي مكون من 3 أفراد، إلى العاصمة الإيرانية طهران، ليتم استئناف العلاقات بعد قطيعة دامت 7 سنوات بسبب حرق السفارة السعودية عام 2016. جولات محادثات في العراق، ثم جولة في الصين، أثمرت عن اتفاق بين طهران والرياض بدعم صيني ليتم طي صفحة الخلافات بين البلدين، وتطبيع العلاقات التي شهدت توترات عديدة.

طغت الهوامش على أصل الزيارة التي يبدو أنها جاءت بهدف دعوة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة السعودية، وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عما جرى في قاعة الخارجية في طهران، وأخدت الاتهامات تتراشق يميناً وشمالاً بين التيار الإصلاحي والأصولي.


تقيم الخارجية الإيرانية مؤتمراتها الصحافية في قاعة "آيينه" ("المرآة" بالفارسية)، ومنذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد قوات القدس في الحرس الثوري في مطلع عام 2020، وضعت صورته على أحد جدران القاعة.

خلال هذه الفترة أقام الوزير الإيراني عشرات من المؤتمرات الصحافية مع نظرائه الدوليين في القاعة، وصورة سليماني خلفهم دون أي مشكلة، حتى وصل فيصل بن فرحان إلى مبنى الخارجية وراح ينتظره نحو 100 صحافي في قاعة "المرآة" ليتحدث الوزيران عن نتائج المباحثات.

فوضى في المبنى

في نهاية المباحثات لم يصعد الوزيران إلى المنصة، بل نُقلت المنصة وأعلام البلدان إلى قاعة المباحثات، وسط استغراب وسائل إعلام الصحافة. ثم دُعيَ الصحافيون للحضور في تلك القاعة البيضاء التي تزينها صور قديمة من مبنى الخارجية، وذلك لسماع إفادة حسين أمير عبداللهيان وفيصل بن فرحان.

حدث تخبط واضح في نظم الاجتماع، وبدا واضحاً أنه كان قراراً وليد اللحظة، كما أن الحضورَ شعروا بشيء ما يدور خلف الكواليس. ومنذ اللحظات الأولى بدأت التكهنات حول سبب تغيير مكان انعقاد المؤتمر الصحافي، لكن كان لا بد من سماع كلمة الوزيرين دون مكبرات صوت وسط حضور هائل لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية. "لقد شهدنا أحد أكثر المؤتمرات الصحافية فوضى في وزارة الخارجية"؛ هكذا نقلت الصحافية يسرا البخاخ من قاعة المؤتمرات.

تصريحات الوزيرين

بدأ رئيس السلك الدبلوماسي الإيراني بالحديث، قال فيه: "لقد تحدثنا اليوم عن أهمية إنشاء لجنة اقتصادية وسياسية وحدودية وبيئية مشتركة، وكذلك مكافحة تهريب المخدرات، ونحن متفقون على هذه الأمور".

ثم أردف: "كما تحدثنا على تسهيل مناخ الاستثمار بين البلدين، وخاصة في ما يتعلق بمجال المواصلات والسياحة والتكنولوجيا".

وشرح أيضاً: "بحثنا قضية الأمن الإقليمي والتعاون بين جميع الأطراف. فطهران تنشد السلام والأمن في المنطقة دائماً. كما تحدثنا حول ضرورة حماية الشعب الفلسطيني المظلوم، ونحن متفقون أن حل القضية الفلسطينية هو أمر بالغ الأهمية لدى البلاد الإسلامية. وعبرنا عن قلقنا حيال استمرار الحرب في السودان".

وصل دور الوزير فيصل بن فرحان، فقال بعد المجاملات الروتينية: "أود أن أشير إلى أهمية البلدين في تأمين أمن الممرات المائية وضمان عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، وأتطلع لتسليم رسالة الملك السعودي وولي عهده إلى الرئيس الإيراني بغية زيارة السعودية".

يبدو أن فحوى الزيارة كانت دعوة الرئيس الإيراني إلى الرياض، فذهب الوزيران نحو مكتب الرئاسة دون الرد على أسئلة الصحافيين، والشبهات التي أخذت تسيطر على الإعلام المحلي والدولي حول تغيير مكان القاعة.

تضارب آراء وضجة بين الرواد الإيرانيين

بينما كان وزير خارجية السعودية، يسلم رسالة العاهل السعودي الملك سلمان إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ضجت وسائل الإعلام المحلية بخبر تغيير قاعة المؤتمر الصحافي.

وأعلن مراسل التلفزيون الإيراني أن سبب تغيير مكان المؤتمر هو صورة قاسم سليماني خلف العلم السعودي ومحل وقوف الوزير السعودي.

وقالت وكالة تسنيم الإيرانية التابعة للحرس الثوري، إنه كان من المقرر عقد المؤتمر الصحافي في القاعة المعتادة حيث توجد صورة القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

وذكرت الوكالة: "بعد ذلك قام أحد الصحافيين الإصلاحيين بنشر تغريدة مسيئة للسعودية وقناة العربية، مما أثار انزعاج الجانب السعودي، وتسبب في قيام فريق البروتوكول السعودي بتغيير مكان الاجتماع".

رد الصحافي الإيراني رضا غُبَيشَاوي حول الادعاءات، قائلاً: "بصفتي صحافياً كنت حاضراً في الاجتماع، لم يكن تغيير مكان المؤتمر الصحافي بسبب تغريدة الصحافي المذكور"، ثم نشر صورة من العلم السعودي إلى جانب صورة قاسم سليماني، شارحاً: "منذ البداية انتبه الوفد السعودي (إلى الصورة)، وطالب بتغيير المكان".

ووسط تراوح آراء رواد منصات التواصل بين مؤيدي الحكومة ومعارضيها، كتب الصحافي المخضرم والناشط الإصلاحي عباس عبدي: "لست ضد تغيير مكان المؤتمر الصحافي، ففي الأساس مبدأ إنشاء هذه العلاقات هي مراعاة بعض الملاحظات. ولكن هؤلاء الذين كانوا يصدحون باسم قاسم سليماني دوماً، ماذا كانوا سيفعلون إن وقع هذا الحدث في عهد (وزير الخارجية السابق) ظريف؟".

كان المتشددون الذين يدعمون الحكومة الحالية من أشد معارضي الحكومة المعتدلة السابقة للرئيس حسن روحاني، وقد حدث الهجوم على السفارة السعودية وقنصليتها في إيران من قبل هؤلاء المتشددين قبل 7 سنوات.

وكتب الباحث في علم الاجتماع محمد فاضلي مخاطباً الحكومة المحافظة: "إن كنت دوماً براغماتياً بدرجة كافية في السياسة الخارجية، فلا تكن متضارباً أبداً. إذا لم تكن متطرفاً جداً عندما كان منافسك في السلطة، فلا تكن في تضارب كبير الآن. كن صبوراً وتعلّم! التعلم يجعلك تتعرض لضرر أقل".

رسمياً نفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، ما سماها "تكهنات إعلامية" بشأن تغيير مكان المؤتمر الصحافي للوزيرين، وقال إن هذه التكهنات لا أساس لها من الصحة، وأكد أن سبب هذا التغيير هو "مشكلة تقنية".

خرجت حينها تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عند لقائه فيصل بن فرحان: "التجربة الإيرانية الناجحة في مكافحة الإرهاب يمكن أن تكون محور العلاقات بين طهران والرياض".

ما تسميه إيران مكافحة الإرهاب والتطرف، يتمثل بجهود الجنرال قاسم سليماني في دول كسوريا والعراق والمنطقة، وهنا تكمن نقطة الخلاف بين الجانبين.

من جانبه قال الوزير السعودي وفقاً لـموقع مكتب الرئاسة الإيرانية: "التعامل بين الدول الإسلامية سيضمن عدم تدخل الأجانب في منطقتنا".

ثم ذهب فیصل بن فرحان، دون أن يفتتح السفارة والقنصلية التي جاءت التكهنات بأنهما ستفتحان بحضوره، وتم الإعلان عن افتتاحهما بعد عيد الأضحى. 

تعرض مبني السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مدينة مشهد، إلى حرق وتدمير عام 2016، ووفق مصادر إعلامية، استأجرت السعودية إلى حين إعادة ترميمهما أو تغيير موقعهما، طابقين من فندق "سبيناس بالس" (Espinas Palace) الضخم في شمال العاصمة الإيرانية، ليكون سكن الدبوماسيين ومحل عملهم مؤقتاً، وفي مدينة مشهد كذلك، يبدو أنها استأجرت قسماً من فندق "هُما" ليصبح موقع القنصلية، ريثما يتم تجهيز المكان السابق.

خلفيات الصراع بين قتلى وحرق المباني

في كانون الثاني/يناير عام 2016، هاجم مئات المتشددين دينياً في إيران السفارةَ السعودية لدى طهران وقنصليتها في مدينة مشهد، بالحجارة والمواد الحارقة وقنابل مولوتوف، وأضرموا النار في المباني، كما أنزلوا العلم السعودي، احتجاجاً على تنفيذ الحكم بالإعدام بحق رجل الدين الشيعي المعارض الشيخ نمر باقر النمر في السعودية. بعد ذلك انقطعت العلاقات بشكل نهائي، كما قامت كل من الكويت والإمارات بسحب سفيريهما من طهران تضامناً مع السفير السعودي. وحولت بلدية طهران اسم الشارع الذي يقع فيه مبنى السفارة السعودية من شارع "بوستان" إلى شارع "آية الله النمر".

لم يكن إعدام النمر السبب الرئيسي في قطع العلاقات السعودية الإيرانية، بل كان نقطة النهاية على تصاعد التوتر بين الجانبين؛ إذ دخلت الرياض وطهران في حالة صراع إقليمي وسياسي بعد دعم الأخيرة لاحتجاجات البحرين والحركة اليمنية ضمن الربيع العربي، كما لمحت إلى دعم شيعة السعودية ضد ما وصفته بـ"الاضطهاد السعودي"، وفق تصريحات غير رسمية، ودعمت الرياضُ الثورةَ السورية ضد بشار الأسد المتحالف مع طهران، كما أعلنت عن قلقها تجاه الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، والتقارب الأمريكي الإيراني الذي حصل وقتها.

وكانت الأحداث التي حدثت عام 2015 قد تركت أثراً سلبياً على العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، فاتهمت طهران في نيسان/أبريل، شرطيين سعوديين بالتحرش الجنسي بمراهقين إيرانيين في مطار جدة عند عودتهما بعد أداء العمرة.

وأثار الحادث استياءً كبيراً في إيران، حيث شارك مئات الأشخاص في تظاهرة أمام السفارة السعودية في طهران، وعلقت رحلات العمرة. كما أعلنت الرياض عن إحالة القضية والمتهمين فيها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام للتحقيق معهما واستكمال الإجراءات النظامية اللازمة.

في شهر حزيران/يونيو 2015، وقعت حادثة تسمم مواطنين سعوديين شيعة في فندق بمدينة مشهد، نتج عن هذه الحالة إصابة 33 مواطناً سعودياً ووفاة 4 أطفال منهم، فتفاقمت الأزمة الدبلوماسية بين الطرفين بسبب هذا الحادث.

وفي موسم حج عام 2015 أيضاً، وقعت حادثة سقوط رافعة في الحرم المكي أسفرت عن مقتل 11 إيرانياً وإصابة 25 منهم، كما وقعت بعدها بأيام حادثة تدافع الحجاج في منى راح ضحيتها 465 إيرانياً٬ فُقدت جثامين67 منهم. كل ذلك ساهم في انقطاع العلاقات السياسية بين البلدين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard