يُعدّ الطعام من أهم الوسائل التي يستخدمها البعض للتدفئة في فصل الشتاء. ولأن الطعام يختلف باختلاف الثقافات، نجد أن هناك عدداً من الأطباق والمشروبات المتنوعة التي تساعد على الشعور بالدفء، يستخدمها أهل وجه بحري، وهناك وصفات اختص بها أهل الصعيد في مصر.
والطعام في فصل الشتاء له طبيعة خاصة وقدسية معروفة لدى الشعب المصري، بدأت مع المصريين القدماء الذين كانوا يتفننون في تحضير الوصفات للتخلص من برودة هذا الفصل، والحصول على الطاقة اللازمة فيه، كما يذكر الباحث في التراث المصري خطاب معوض، لرصيف22.
ويضيف الباحث أن المصريين القدماء كانوا يستعدون لاستقبال فصل الشتاء استعداداً خاصاً، حيث كانوا يقومون بتخزين العدس واللوبياء والفول والقمح لأنها أطعمة تمنح الطاقة وتساعد على التدفئة.
"شوربة العدس"
تُعدّ "شوربة العدس" الطبق الأول لدى المصريين في فصل الشتاء، فبالإضافة إلى أنها تساعد على الشعور بالدفء، يعتقد العديد من المصريين/ ات أنها علاج لنزلات البرد والأنفلونزا، ولهذا يضيفون/ ن إليها الكثير من الليمون، كما يذكر الباحث خطاب معوض.
ترى سهير فوزي، من محافظة كفر الشيخ (65 سنةً)، أن شوربة العدس من ألذّ الوجبات في فصل الشتاء.
وتضيف لرصيف22: "ما أحلاها بالعيش وكمان بالرز، وتتكون الشوربة من البصل والطماطم والعدس والجزر أيضاً، وتُخلَط جميعها في الخلاط".
وتشير سهير إلى أن هذه المكونات أصبحت غاليةً جداً، ولم يعد في وسع غالبية الناس شراؤها بعد ارتفاع سعر العدس والبصل أيضاً.
ويوضح خطاب معوض أن العدس موجود في مصر منذ آلاف السنين، فقد عرفه الفراعنة واستخدموه كطعام للعمال في أثناء بناء الأهرامات، مشيراً إلى أن العدس يعرفه المصريون بعدد من الألوان والوصفات التي قد تختلف من بلدة إلى أخرى، أو حتى من بيت إلى آخر: "أما الثابت في شوربة العدس، فهو أنها تحتوي على البصل والثوم والعدس بالطبع، وفي أحيان كثيرة تضاف إليها الطماطم والجزر، والبصل المحمر وتُشرب ساخنةً على الغداء، ويحرص البعض أحياناً على تناولها في شكل مشروب قبل النوم كوسيلة للتدفئة"، على حدّ قوله.
"السخينة" و"المصبوبة"... للعرسان
من أشهر أكلات الصعيد والدلتا أيضاً، السخينة التي يأكلها أهل الصعيد منذ مئات السنين، وأدخل عليها الجيل الجديد بعض التغييرات مع مرور الوقت.
في هذا السياق، تقول مؤرخة الطعام، سميرة عبد القادر، لرصيف22، إن هناك نوعين من السخينة؛ السخينة الحلوة والسخينة الحادقة.
تُعدّ "شوربة العدس" الطبق الأول لدى المصريين في فصل الشتاء، فبالإضافة إلى أنها تساعد على الشعور بالدفء، يعتقد العديد من المصريين/ ات أنها علاج لنزلات البرد والأنفلونزا، ولهذا يضيفون/ ن إليها الكثير من الليمون
وتوضح صاحبة "مبادرة" لتوثيق المطبخ المصري: "السخينة الحلوة هي عبارة عن عيش محمص بالعسل الأسود، بينما السخينة الحادقة تكون عبارةً عن شوربة بصل أحياناً يتم وضع الأرز فيها، وأحياناً يوضع فيها البيض وتسمّى شوربة البيض، والسخينة كانت معروفةً في مصر حتى استلهم منها الشعب الفرنسي شوربة البصل".
بدوره، يوضح محمد سباق الحويطي، الباحث في التراث الصعيدي، لرصيف22، أن من أشهر أكلات أهل الصعيد، "المصبوبة بالتقلية"، والمصبوبة عبارة عن فطير مرن يُعدّ من الطحين والسمن البلدي ويؤكل بالتقلية، والصلصة المصنوعة من البصل والطماطم وتُعدّ أكلةً خاصةً بالشتاء وكذلك تقدَّم للعرسان مع اللحوم المختلفة التي تُطهى مع التقلية.
وتكشف نعيمة محمد (36 سنةً)، من صعيد مصر، أن هذه الأكلات أوشكت على الاندثار بسبب عدم القدرة على شراء اللحوم بعد ارتفاع أسعارها بشكل جنوني.
"المفتقة" و"المبروم"
يقول خطاب معوض إن المفتقة تعطي من يأكلها شعوراً بالدفء، وكانت المصريات يعملن المفتقة في المنازل قديماً، كما كن يتفنن في عمل العجوة بالسمن، حيث كنّ يقمن بتخزين العجوة خصيصاً من أجل صنع تلك الأكلة، ويضعن إناءً كبيراً على النار ثم يضعن السمن ويضفن إليه العجوة، ويقلبنها جيداً حتى تتشرب السمن، وتوضع في سندويشات أو يأكلونها بالخبز الطازج.
ومن الأكلات التي تحدّث عنها محمد سباق الحويطي، والتي لها شهرة كبيرة في صعيد مصر، "المبروم"، وهي عبارة عن دشيش القمح والدقيق المبلول بالماء يخلطان معاً ليصبحا كالحبوب، ثم يتم تحضير مياه ساخنة يوضع فيها هذا الخليط حتى السلق، ثم تتم تصفية الماء ويضاف السمن البلدي والسكر.
من أشهر أكلات أهل الصعيد، "المصبوبة بالتقلية"، وهي عبارة عن فطير مرن يُعدّ من الطحين والسمن البلدي ويؤكل بالتقلية، والصلصة المصنوعة من البصل والطماطم وتُعدّ أكلةً خاصةً بالشتاء وكذلك تقدَّم للعرسان مع اللحوم المختلفة
ويشير الحويطي إلى طبق آخر يسمّى بـ"المخروطة"، يتناوله أهل الصعيد في الصباح وهو عبارة عن طحين يتم فركه وتشكيله على هيئة قطع صغيرة مثل المكرونة، ثم يُخلط بعد ذلك باللبن والسكر البودرة.
ويشير الحويطي إلى أن الكثير من هذه الأكلات الآن أصبح المواطن غير قادر على طبخها بسبب غلاء المكونات التي تحتاجها.
"الكشك"
الكشك أنواع؛ فهناك ما يُعرف بالكشك الصعيدي، والذي بحسب الحويطي: "يتكون من الدقيق والبصل والسمن والشوربة والزبادي، ويحضّر من خلال تحمير البصل في السمن وإضافة الشوربة، ثم وضع الدقيق والزبادي".
بينما توضح الباحثة في الطعام سميرة عبد القادر، أن هناك ما يسمّى بالكشك الألماظية: "برز عندما دخلت زراعة الأرز إلى مصر، وتم استبدال القمح بالأرز، وأطلق عليك 'كشك ألماظية' لأن حبات الأرز تلمع فيه مثل الألماس".
"الشلولو"
"الشلولو" أكلة من التراث القديم، وفق ما يوضح خطاب معوض: "هي أكلة مصرية صميمة وإن كانت غريبةً على البعض إلا أن الكثير من المصريين يعرفونها ويأكلونها حتى اليوم خصوصاً في الوجه القبلي وواحات الوادي الجديد كما أنها مشهورة عند المسيحيين المصريين خصوصاً أيام الصيام".
والشلولو أكلة سريعة التحضير وغير مكلفة على الإطلاق ومكوناتها متاحة فهي تتكون من كوب من الماء البارد وليمونة ونصف بصلة مقطعة قطعاً صغيرة وثوم مفروم وكوب ملوخية ناشفة منخولة وتوابل كمون وشطة وملح.
وتشير دينا عابد (45 سنةً)، من أسوان، لرصيف22، إلى أن "الشلولو" وجبة خفيفة وسريعة التحضير ولا تكلّف الكثير من النقود، ولذلك ما زال أهل الصعيد يحرصون على تناولها في الشتاء.
الفول النابت
الفول النابت من أهم مصادر التدفئة في فصل الشتاء، ويُعدّ من أشهر الأطعمة في الصعيد والأرياف والمناطق الشعبية خصوصاً في فصل الشتاء، لأن له فوائد صحيةً كثيرةً، حيث يتناوله الأهالي خاصةً المصابين بنزلات البرد وذلك لاحتوائه على فيتامين سي، ويطلقون عليه لقب دواء العيان، فالبروتين النباتي والمعادن الموجودة في الفول النابت تمدّ الجسم بالطاقة وتساعد على تقوية جهاز المناعة في جسم الإنسان، وشوربة الفول النابت تحتوي على الحديد كما تحتوي على ألياف طبيعية صحية تنظم مستوى السكر والدهون في الدم، وتُعدّ وجبةً مثاليةً للحصول على بروتين نباتي قليل الدهون وسهل الهضم.
تؤكد آية (28 سنةً)، من محافظة البحيرة، أن الفول النابت وجبة صحية ومهمة في الشتاء، وتتكون من الثوم والتوابل والفول وأحياناً الطماطم.
وتضيف لرصيف22: "ومن أهم صفاتها أنها غير مكلفة برغم أن سعر الفول قد ارتفع مؤخراً".
والفول النابت له وضع خاص لدى أهل الصعيد، وفق محمد سباق الحويطي: "الصعايدة يحبّون تناول الفول النابت بالليمون مع كسر الخبز المحمص".
والفول بشكل عام له وصفات عديدة، فإلى جانب الفول المدمس هناك ما يعرف بـ"الفول المقيلي"، وهي الوصفة التي يتم من خلالها مزج الفول بلسان العصفور وفي أوقات أخرى يتم استبدال لسان العصفور بالأرز.
"المحشي" بأنواعه
يوضح الباحث خطاب معوض، أنه برغم أن المحشي أكلة تركية في الأصل، غير أن الشعب المصري تفنن فيها وأضاف إليها الكثير من التجديد.
ويشير خطاب إلى أن المحشي له أنواع كثيرة تختلف من محافظة إلى أخرى، فهناك محشي الخس والكرنب وورق العنب والفلفل ويوجد أيضاً محشي البصل ومحشي الطماطم، وهناك المحشي السادة الذي لا يضاف إليه اللحم بينما هناك المحشي باللحم المفروم.
الفول النابت من أهم مصادر التدفئة في فصل الشتاء، ويُعدّ من أشهر الأطعمة في الصعيد والأرياف والمناطق الشعبية خصوصاً في فصل الشتاء، لأن له فوائد صحيةً كثيرةً، حيث يتناوله الأهالي خاصةً المصابين بنزلات البرد وذلك لاحتوائه على فيتامين سي، ويطلقون عليه لقب دواء العيان
وترى ولاء (35 سنةً)، من محافظة الجيزة، أن محشي الكرنب من أهم أنواع المحشي وأطيبها، وتقول لرصيف22: "المحشي صعب وكلفته عالية لأنه يحتاج إلى الأرز والطماطم والكثير من البصل والمواد الدهنية ويؤكل مع اللحوم أو الفراخ".
وفي ظل هذا التنوع يُعدّ المحشي واحداً من أهم الأطباق التي يعدّها الشعب المصري "الصديق الأقوى" في فصل الشتاء، فللمحشي طقوسه الخاصة وقت الأكل، حيث يجب أن يتم تناوله ساخناً.
"المغات" ليس للمرضعات فقط
على الرغم من أن البعض يربط بين مشروب "المغات" وبين المرضعات فحسب، خاصةً أنه وسيلة معروفة في مصر لإدرار اللبن عند الأم، إلا أن الباحثة سميرة عبد القادر توضح أن المغات من المشروبات التي ارتبط بها المصريون منذ مئات السنين ومن أهم وسائل التدفئة في فصل الشتاء.
وتوضح سميرة أن المغات نبتة لا تتم زراعتها في مصر إلا بنسبة صغيرة: "لكن نقوم باستيرادها من العراق لارتباط المصريين بها ولما لها من فائدة كبيرة للعظام".
المغات يُصنع من الحلبة والسمسم والسمن والسكر والماء أو الحليب. يمكن إضافة نكهات مختلفة إليه مثل القرفة أو جوز الهند أو الفستق الحلبي.
"العرديب"
من أهم المشروبات في الصعيد، مشروب العرديب الذي يتخذ في فصل الشتاء سمةً خاصةً، فبينما يُشرب طوال العام بارداً يحرص أهل الصعيد والبحر الأحمر على تناوله ساخناً في الشتاء.
تعليقاً على هذه النقطة، يقول الباحث محمد سباق الحويطي: "العرديب عبارة عن التمر الهندي الحي الذي يتم غليه لدقائق، ثم يتم نقعه في الماء ليلةً كاملةً، وفي الشتاء يُشرب ساخناً بعد التحلية بالسكر".
باختصار، هناك الكثير من الأكلات التي يتناولها الشعب المصري خاصةً في فصل الشتاء لكونها تجلب بعض الدفء، وبعضها لها تاريخ قديم وبعضها الآخر مستحدث، وقد تختلف مقادير هذه الأكلات وفقاً لاختلاف ذائقة صانعيها، وأحياناً تضاف إليها مواد باختلاف الأزمنة وتبعاً أيضاً للحالة الاقتصادية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه