احتلت الهند المرتبة الخامسة في القائمة العالمية لأفضل المأكولات العام الماضي، وفقاً لـTaste Atlas، وهو دليل عبر الإنترنت للأطباق التقليدية يجمع الوصفات الأصيلة ومراجعات نقاد الطعام والمقالات البحثية حول المكونات والأطباق الشعبية.
وعلى الرغم من تنوع المطبخ الهندي وشهرته الواسعة إلى جانب تمسك الهنود الشديد بتراثهم وعاداتهم الغذائية، إلا أنّهم وعندما تعرّفوا على المطبخ العربي وأطباقه من خلال سفر العمالة الهندية إلى دول الخليج، أو عبر الصيت الواسع لبعض الأطباق العربية، أحبّوها وألِفوا مذاقها وحاولوا نقل العديد منها إلى مطاعمهم في الهند، حيث افتُتح منذ أربع سنوات وحتى اليوم أكثر من عشرين مطعم شاورما في مدينة بوبانسوار، وهي عاصمة ولاية أوديشا في الشرق الهندي، علماً بأن سكان الشرق الهندي يفضلون الأطباق التي يغلب عليها الرز مع المرق، إلا أن معظمهم أحبوا فكرة الشاورما.
تسعى تلك المطاعم إلى صنعها كما يتذكر طهاتها المذاق الأصلي، أو يتخيلونه عندما يصفها السوريون أو العرب بشكل عام، كذلك توجد أيضاً مطاعم تقدِّم طبق المندي ويسوّقون أنّهم يملكون سرّ النكهة اليمنية الحقيقية، وجميعها حازت على علامة صفر من أصدقاء يمنيين يدرسون في المدينة الهندية نفسها، حيث يؤكد سعيد العامودي (42 عاماً)، وهو طالب يمني أنهى للتو دراسة الدكتوراه في هندسة الكومبيوتر، أنَّ "أي طبق يُطهى على غير التنّور ويقال عنه مندي فهو ليس كذلك".
المندي والهنود
يروي ابن حضرموت، كيف يتم طهي لحم المندي في اليمن ببطء في فرن خاص تحت الأرض (التنّور)، وهو سبب النكهة الدخانية الفريدة في الطبق، ويقول: "هذا الأمر يتجاوزه الهنود ويستبدلونه بالغاز وغيره من وسائل الطهي، بالإضافة إلى استخدام البهارات الهندية التي لا يمكنهم الاستغناء عنها والتي تؤثر على طعم المندي الأصلي، إذ تُعدّ بهارات المسالا في طعام الهنود بمثابة الملح في طعام العرب".
يروي علي أن الزبائن بدأوا بالمطالبة بإضافة البصل والملفوف إلى الشاورما، وهو لا يستطيع المغامرة بالاستمرار في عدم إضافته لكي لا يخسر زبائنه. يقول بابتسامة خفيّة: "أطلقت على الشاورما مع البصل والملفوف اسم شاورما هندية"
كذلك، لم ينجح واحد من مطاعم الشاورما في تحضيرها كما نعرفها في سوريا، علماً بأنهم امتنعوا عن إضافة البصل كما جرت العادة في معظم السندويشات الهندية كون طعمه قوياً ويؤثر على نكهة البهارات المستخدمة، إلا أنهم يتجاهلون تتبيل اللحم ليوم أو اثنين قبل البدء بشوائه، وهي الطريقة التي تجعل اللحم يتشرّب النكهة (التتبيلة) جيداً ويصير طرياً فيمنحه قواماً سهل المضغ وهو سر الشاورما الأساسي.
يؤكد علي خان (45 عاماً)، وهو صاحب محل شاورما في مدينة بوبانسوار، أن الزبائن بدأوا بالمطالبة بإضافة البصل والملفوف إلى السندويش، مشيراً إلى أنه لا يستطيع المغامرة بالاستمرار في عدم إضافته لكي لا يخسر زبائنه. يقول بابتسامة خفيّة: "أطلقت على الشاورما مع البصل والملفوف اسم شاورما هندية".
كذلك بالنسبة إلى طبق "البرياني" الهندي الشهير، وبشهادة الكثير من الأصدقاء الهنود وغيرهم الذين سافروا وجرّبوه في العديد من المطاعم حول العالم، فقد أصرَّوا على أن مذاقه كان أشهى بكثير في الهند، خاصةً في مدينة حيدر أباد عاصمة ولاية تيلينغانا الجنوبية، وهي الموطن الأصلي للطبق المشهور بحبّات الرز الطويلة وبهارات "المسالا" حيث تدّعي الكثير من المطاعم بأنها تقدِّم طبق "حيدر أبادي برياني".
الصبر وحيدر أبادي
يوضح نيتيش كومار (60 عاماً)، وهو أحد أصحاب المطاعم القديمة المتخصصة في تقديم البرياني في حيدر أباد، وقد توارث المهنة عن أجداده عبر عشرات السنين، أن خطوات تحضير البرياني للوصول إلى النكهة الأصلية يلزمها الصبر، الأمر الذي لا تملكه معظم المطاعم خارج الهند أو حتى في مناطق هندية عدة أخرى، إذ يجب أولاً طحن التوابل العطرية مثل الهيل والقرفة والقرنفل وأوراق الغار واليانسون طازجةً لتعزيز نكهتها وخلق رائحة وطعم مميزين في البرياني، كذلك اعتماد طريقة الطبقات خلال إعداد الطبق وهي الخطوة الأهم حيث يتم وضع طبقات من الرز المطبوخ جزئياً فوق اللحم المتبل الذي لا يزال نيئاً، ثم تُكرَّر العملية حسب كبر القِدْر، وبذلك تُضفي عصائر اللحم نكهةً شهيةً على الرز.
كذلك يشير إلى أن الغالبية يستخدمون ملونات صناعيةً بدل الزعفران الذي يعطي البرياني لوناً حيوياً ورائحةً مميزةً. أما عن أسلوب الطهي، فيوضح الرجل الهندي أن البطء جزء لا يتجزأ من تحضير البرياني في حيدر أباد، حيث يتم إغلاق الوعاء بعجينة أو قطعة قماش لاحتجاز البخار، ويتم طهيه على نار خفيفة وهذا ما يسمح للنكهات بالاختلاط والتداخل مع الرز واللحم.
كل هذه الخطوات في الطبخ تمنح الطبق فرادته وتحتاج إلى بذل جهد ووقت كبيرين لإنجازها. وطبعاً الأمر ذاته ينطبق على الكبة الحلبية والبرغل بحمّص على الحطب في اللاذقية ومنسف المليحي (الملاحية) في درعا والسويداء واللحمة بكرز في أريحا؛ لكل منهم طريقة خاصة لن تجد لها مثيلاً في أماكن أخرى من العالم، وكأن هناك ذاكرةً للأطباق! تعرف أصلها وتصبح أطيب فيه.
طبق الذكريات
هناك نظرية تقول إن كلّ شيء أجمل في موطنه. إذا طبّقناها على السوريين سيتم نفيها حكماً، لذلك يبدو أنها تنطبق على الأطباق أكثر. أعيش في الغرفة 508 في السكن الجامعي منذ أربع سنوات، وقد تصالحت معها في فكرة أنها تشعرني بالغربة باستثناء المطبخ، إذ أقضي فيه أكثر من ثلاث ساعات يومياً، محاولاً تحضير أي طبق مخزّن في ذاكرتي.
في كل مرة أعتقد فيها أني نجحت في تجهيز طبق الدجاج مع البطاط في الفرن، أتذكر أن الغرفة 508 ليست البيت وأني لا أمتلك خبرة والدتي في الطبخ
أرتب شرحات البطاطا في صينية الفرن، وأملأ الفراغات بينها بشرائح البصل ثم أضيف قطع الدجاج إليها إذا توافرت، وبخفّة الساحر، رشة بهار أسود تلحقها واحدة من الملح، وينتهي تحضير الطبق عملياً! أصفن لوهلة ثم أتذكر التوم والزيت والكزبرة اليابسة ودبس الفليفلة والبندورة، ثم أدرك أنه الخليط الذي يذكّرني برائحة مطبخ البيت حين كانت والدتي تجهز الغداء. وفي كل مرة أعتقد فيها أني نجحت في تجهيز الطبق ذاته، أتذكر أن الغرفة 508 ليست البيت وأني لا أمتلك خبرة والدتي في الطبخ.
التفكير في الخبز يبدأ مع بدء احمرار أوّل حبة بطاطا في الفرن. أتناول "الروتي" وهو الخبز السائد في الهند إلى جانب بعض أنواع الخبز الأخرى. وعلى الرغم من كونه "خبزاً"، لكنه لا يمتلك الأهمية عند الهنود كتلك التي يحظى بها الخبز في سوريا، حيث يباع بأسعار مدعومة عبر مراكز توزيع خاصة، كونه عصب الأمن الغذائي للسوريين. في المقابل توجد في الهند مراكز توزيع للرز بأسعار رمزية تصل إلى روبية هندية واحدة للكيلوغرام الواحد دعماً للطبقات الفقيرة، باعتباره عمود الأساس في النظام الغذائي اليومي لملايين الهنود.
والأمر تعدى ذلك ليرتبط بالديانات، إذ يقدّس الهندوس الرز ويقدّمونه طعاماً للآلهة ويقيمون المهرجانات في مواسم حصاده. ومن غير المستحب ترك ولو حبة رز واحدة في الصحن ورميها. الأمر يُشبِه عاداتنا في عدم التفريط برغيف الخبز واحترامه إلى درجة التقاط أي قطعة خبز عند رؤيتها في الطريق ووضعها في مكان مرتفع كي لا يدوس عليها أحد باعتبارها تجسيداً لمفهوم "النعمة".
لا يقتصر الأمر على الطعم فقط في كل طبَقٍ تجرّبه، هندياً كان أم عربياً، بل إنه يعكس ذاكرة المنطقة التي نشأ فيها واللحظات التي تترك أثراً عميقاً في النفس وهذه الذاكرة واللحظات تجعل الطعام لغةً تعبّر عن المشاعر والتجارب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع