شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"داوني بالتي كانت هي الداء"... إستراتيجية مصر للخروج من مأزق "انهيار الجنيه"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 5 فبراير 202404:26 م

نهاية أسبوع حافلة بالتطورات الاقتصادية في مصر، التي تعاني في الآونة الأخيرة من أزمة اقتصادية باتت ثقيلة على موازنة الدولة المثقلة أساساً بالديون، وعلى مواطنيها الذين يدفعون وحدهم فاتورة الأزمة. في وقت متأخر من مساء الخميس الموافق الأول من شباط/ فبراير 2024، أعلن البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة بنسبة 2% دفعة واحدة، لتصل إلى مستوى غير مسبوق بلغ 21.25%، 22.25% على الترتيب.  

بعد ذلك بساعات، أعلن صندوق النقد الدولي اتفاقه مع مصر على العناصر الأساسية لما يعرف بـ"برنامج الإصلاح الاقتصادي" الذي يتوقع أن يجلب لمصر دفعات متأخرة من قرض سبق الاتفاق عليه قبل نحو عام، بالإضافة إلى تمويل إضافي. تعتقد الحكومة المصرية أن هذه الخطوات من شأنها أن تخفف من حدة الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد في الشهور الأخيرة. 

وفي الشارع، يراقب المصريون انعكاسات هذه السياسة عليهم، وعلى رأسها "تعويم" مرتقب للجنيه، للمرة الرابعة خلال أقل من عامين، ما يطرح تساؤلات عديدة حول معنى قرارات رفع الفائدة المتكررة وأثرها المباشر على المواطنين من جهة والاقتصاد المصري من جهة أخرى؟ وإلى أي مدى قد تُساعد في حل الأزمة الاقتصادية؟ وهل تُبدد مخاوف المصريين من "تعويم" جديد؟

ما سبب الأزمة؟ 

بدأت الأزمة عام 2020 مع انتشار جائحة كورونا حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية والغذاء والوقود على مستوى العالم ومصر أيضاً. وجاءت بعدها الحرب الروسية على أوكرانيا لتزيد الطين بلّة، عندما هربت بعض الاستثمارات الأجنبية من مصر. وتناقص احتياطي البلاد من العملات الأجنبية بشكل حاد بعد ما فقدت العديد من مواردها الدولارية. وبدأت الحكومة بتقييد استيراد كثير من السلع، ما أدى لارتفاع أسعارها. 

واشتدت الأزمة شيئاً فشيئاً إذ تراجعت عوائد السياحة على إثر الحرب في أوكرانيا، ثم في غزة. كذلك خسرت مصر بعض عوائد قناة السويس بسبب التوتر الأمني الذي يشهده البحر الأحمر. كما انخفضت عوائد تحويلات المصريين في الخارج بالعملات الأجنبية.  

يترقب المصريون خفضاً وشيكاً لقيمة الجنيه المصري، الذي يعاني في الشهور الأخيرة. كما نشطت السوق الموازية لتداول العملات الأجنبية في مصر، وتجاوز سعر الدولار فيها أحياناً ضعفي سعره الرسمي. تكرّر هذا السيناريو مرتين خلال السنوات العشر الأخيرة - أي منذ بداية حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي في 2014

في المقابل، ارتفعت فاتورة الديون الخارجية لمصر إلى مستوى غير مسبوق، إذ بلغت 164.7 مليار دولار، من بينها نحو 42 ملياراً ينبغي سدادها هذا العام.

تعتمد مصر على الاستيراد بنسبة كبيرة ما يعني أن أي اضطراب في التوريد، أو أي أزمة في توافر العملات الأجنبية، ينعكس تلقائياً على أسعار معظم السلع. وقد قفز التضخّم السنوي من 6.27% بداية عام 2022 ليصل إلى أعلى مستوى له في التاريخ، متجاوزاً حاجز الـ40% في أيار/ مايو 2023، قبل أن يتباطأ في الشهور التالية، مسجِّلاً 34.18% في كانون الأول/ ديسمبر المنقضي. 

زيادة أسعار الفائدة... هل تحل المشكلة؟ 

"الضغوط التضخّمية الواسعة النطاق مستمرة في التأثير على الأسعار، والتوترات في المنطقة ترفع حالة عدم اليقين حول معدلات التضخّم العالمية والمحلية"، هذا ما اعتبره البنك المركزي المصري، الخميس الماضي، سبباً يدفعه إلى رفع سعر الفائدة. 

عادة ما ترفع البنوك المركزية الفائدة على الودائع والقروض للحد من ارتفاع الأسعار، أو ما يسميه الاقتصاديون "التضخّم".  تعتمد هذه النظرية على أنه كلما زادت الفوائد التي يحصل عليها المواطنون من إيداع أموالهم في البنوك، زادت ودائعهم، وقلت السيولة النقدية في السوق، وبالتالي طلب أقل على شراء السلع، وهو ما يحد من ارتفاع أسعارها. لكن هذه السياسة لا تؤتي ثمارها في مصر، لأن الفائدة ترتفع بنسب قياسية، وكذلك التضخم. 

وفقاً للدكتور عمرو عادلي، الأستاذ المساعد بقسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، فإن زيادة أسعار الفائدة في مصر لم تكبح جماح التضخم، بل زاد الاثنان معاً. يفسر هذا الأمر بأن التضخم، في مصر، لم يكن نتيجة سيولة اقتصادية كما هو الحال في بعض الدول الأخرى. ويشرح الأكاديمي المصري المتخصص لرصيف22 أن "جزءاً كبيراً من التضخم يأتي مدفوعاً بانخفاض قيمة العملة، في ظل اعتماد كبير على الواردات من مدخلات الإنتاج أو السلع المستوردة، وبالتالي فإن الآليات التقليدية مثل رفع نسب الفائدة، نجاعتها محل شك". 

عادة ما ترفع البنوك المركزية الفائدة على الودائع والقروض للحد من ارتفاع الأسعار، أو ما يسميه الاقتصاديون "التضخّم". تعتمد هذه النظرية على أنه كلما زادت الفوائد التي يحصل عليها المواطنون من إيداع أموالهم في البنوك، زادت ودائعهم، وقلت السيولة النقدية في السوق، وبالتالي طلب أقل على شراء السلع، وهو ما يحد من ارتفاع أسعارها. لكن هذه السياسة لا تؤتي ثمارها في مصر، لماذا؟

هل القرار الأخير مقدمة لـ"تعويم" جديد؟

أحد أسباب ترقّب الشارع المصري مراجعة البنك المركزي بشأن الفائدة وكذلك مراجعة صندوق النقد لبرنامج القرض، هو توقعه بأن المراجعتين تحملان معهما خفضاً محتملاً لسعر العملة المحلية، ما يحمل معه عادة مزيداً من التضخّم. 

ويترقب المصريون خفضاً وشيكاً لقيمة الجنيه المصري، الذي يعاني في الشهور الأخيرة. كما نشطت السوق الموازية لتداول العملات الأجنبية في مصر، وتجاوز سعر الدولار فيها أحياناً ضعفي سعره الرسمي. تكرّر هذا السيناريو مرتين خلال السنوات العشر الأخيرة - أي منذ بداية حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي في 2014. 

المرة الأولى كانت في 2016، عندما تعرضت مصر لأزمة مشابهة، وأعلنت عن برنامج "إصلاح اقتصادي" بالتعاون مع صندوق النقد، حصلت بموجبه على قرض بقيمة 12 مليار دولار. جاء القرار وقتها مصحوباً برفع سعر الفائدة "3% لتصل إلى 14.75 % على الإيداع وإلى "15.75 % على الإقراض". وانخفض سعر الجنيه وقتها بشكل درامي، وارتفع سعر الدولار من 8.88 جنيهاً إلى نحو 18 جنيهاً.

تكرر السيناريو ذاته للمرة الثانية كانت في آذار/ مارس 2022، إذ رفعت مصر سعر الفائدة 1% في اجتماع استثنائي للبنك المركزي المصري. وفي اليوم نفسه انخفضت قيمة الجنيه، وقفز سعر الدولار من 15.7 جنيهاً إلى 18.3 جنيهاً ليواصل رحلته في التدهور حتى وصل سعر الدولار نهاية الأسبوع الماضي إلى 30.85 جنيهاً (في البنوك). 

ويعتقد عمرو عادلي أن ارتفاع سعر الفائدة ومراجعة صندوق النقد مؤشّران على قرب الاتفاق على قرض ستحصل عليه مصر من الصندوق، وأن تخفيض قيمة الجنيه في إطار هذا الاتفاق بات وشيكاً. لكنه لا يستبعد أن يستغرق الأمر بعض الوقت. ويقول إن "بعثة خبراء صندوق النقد التي زارت مصر الأسبوع الماضي ستعرض ما توصّلت إليه من تفاهمات على المجلس التنفيذي للصندوق. مصر تطلب زيادة التمويل، لكن هذا الأمر لا بد من عرضه على المجلس. بالطبع تقرير الخبراء مهم لكن يبدو أن هناك تفاصيل لم تحسم بعد".  

كانت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، قد أكدت، الخميس الماضي، أن مصر والصندوق وصلا إلى المرحلة النهائية في مفاوضات توسيع قيمة القرض الحالي الذي يبلغ 3 مليارات دولار. 

"مشكلة اليوم هي نفس مشكلة عام 2016، بل أسوأ إذ أصبح رصيد الدين الخارجي أكبر، وخدمة الدين صارت بنداً رئيسياً في الموازنة… الحل يجب أن يكون عبر تعميق الصناعة والبعد عن الاعتماد المفرط على الواردات وسياسة الاقتراض. كان يجب الالتفات لهذه الأمور بعد اتفاق مصر مع صندوق النقد عام 2016، وهذا لم يحدث"

هل يحل القرض الأزمة؟ 

تنتظر الحكومة المصرية بفارغ الصبر أن تتسلّم من صندوق النقد الدولي دفعات جديدة من القرض السابق. وتعتبر أن الحصول على قروض الصندوق، يلعب دوراً في طمأنة المستثمرين، وجذب استثمارات أجنبية. في السنوات الأخيرة، لجأت مصر للاقتراض لسد عجز الموازنة وسداد القروض، وحصلت من صندوق النقد الدولي على نحو 20 مليار دولار منذ 2016. وكانت الصراحة التي تحدث بها وزير المالية المصري، محمد معيط، في حديث تلفزيوني سابق، لافتة عندما قال إنه يلجأ للاقتراض لسداد الديون. 

يعتبر عادلي أن الحصول على هذه القروض لا يعدو كونه حلّاً مؤقتاً لأعراض المشكلة وليس أصل المشكلة. ويقول: "الغرض من أي تمويل خارجي هو محاولة السيطرة على سعر الصرف، والقدرة على الالتزام بسداد الديون الخارجية وتوفير الواردات. مما لا شك فيه أننا ندور في دوائر مفرغة". 

وبينما تُلقي الحكومة باللوم على الأزمات الخارجية، يرى محللون أن للحكومة يداً في تضاعف الأزمة. يقول عادلي: "أزمتا كورونا أوكرانيا أثّرتا على الاقتصاد المصري لكن السياسات الحكومية هي التي أوصلتنا لهذه المرحلة التي بدأت قبل ذلك بكثير"، مردفاً "مشكلة اليوم هي ذات مشكلة عام 2016، بل أسوأ، حيث رصيد الدين الخارجي أصبح أكبر، وخدمة الدين صارت بنداً رئيسياً في الموازنة". ويرى أن الحل يجب أن يكون عبر تعميق الصناعة والبعد عن "الاعتماد المفرط على الواردات وسياسة الاقتراض. كان يجب الالتفات لهذه الأمور بعد اتفاق مصر مع صندوق النقد عام 2016، وهذا لم يحدث". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard