شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
صنع المنظّفات منزليّاً... عائلات مصريّة تعيد تدوير نفاياتها لمقاومة الغلاء

صنع المنظّفات منزليّاً... عائلات مصريّة تعيد تدوير نفاياتها لمقاومة الغلاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 28 يناير 202402:32 م

بخمسة جنيهات وبقية زيت الطعام، استطاعت دعاء محمود توفير خمسين بالمئة من مصاريف المنزل التي كانت تستقطعها لشراء المنظفات المنزلية.

تقول دعاء، وهي ربة منزل من منطقة المعادي محافظة القاهرة: "تضاعفت أسعار المنظفات المنزلية في السنة الأخيرة، وكنت أبحث عن وسيلة لتقليل المصاريف، ووجدت طريقة لتحويل زيت الطعام المستعمل إلى صابون سائل، وكانت طريقة ناجحة".

وتوضح: "كنت أخلط الزيت المتبقي من القلي في أكل الطيور حتى لا أرميه، وبعد أن شاهدت فيديوهات كثيرة لكيفية الاستغلال الجيد له، حولته إلى صابون سائل باستخدام بعض المكونات التي لم تكلفني سوى خمسة جنيهات".

تستعمل دعاء الكمية التي تخزنها من الزيت المستعمل، وتضيف إليه قشر ليمون تجمعه بعد عصر الليمون، وصودا كاوية وخلاً، وملعقة نشاء ومعلقة ملح ليمون.

كنت أخلط الزيت المتبقي من القلي في أكل الطيور حتى لا أرميه، ثم صرت أحوله إلى صابون سائل.

وتشرح دعاء طريقة تحويل الزيت المستعمل إلى منظف منزلي لرصيف22: "أضع قشر الليمون ليغلي على النار، وبعد أن يبرد أهرسه في الخلاط، وفي وعاء أضع ملعقتين من البوتاس أو الصودا وكوباً من الماء ويُقلب المزيج حتى الذوبان، ثم أضيف كوب الخل ونصف كوب من منظف منزلي جاهز، ومعلقة نشا وملح ليمون مع قشر الليمون، فتصبح لدي كمية مضاعفة من الصابون السائل بأقل تكلفة".

وفّرت دعاء نصف تكلفة شراء الصابون المنزلي حسب تقديراتها، فإذا كانت تشتري صابوناً بعشرين جنيهاً شهرياً، فالمبلغ تراجع إلى عشر جنيهات، وعلاوة على ذلك فهي الآن تستخدم صابوناً مصنعاً في المنزل، تضاف إليه مواد طبيعية لا تسبب لها حساسية جلدية كما قد يحدث مع المنظفات الجاهزة.

وارتفعت أسعار المنظفات في مصر بنسب متفاوتة تراوح بين 16- 130% خلال العام المنصرم، "نتيجة ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج ونقص بعضها في السوق المحلي"، وفق ما أفادت به غرفة الصناعات الكيماوية.

كما ارتفعت أسعار المنظفات المدعومة من الدولة والتي يحصل عليها حاملو البطاقات التموين وعددهم 64 مليون مواطن من خلال 23 مليون بطاقة تموين، فزاد سعر صابون الغسيل مثلاً 3 جنيهات بعدما كان 2.25 جنيه، وصابون الحمام من 5.50 إلى 7.50 جنيه، وذلك خلال الأشهر الأخيرة فقط.

الزيت المستعمل خطر وتدويره كنز

يقول صالح عزب مستشار وزير البيئة الأسبق واستشاري التنمية المستدامة، إن "اتجاه بعض الأسر إلى إعادة التدوير يصب في خانة التنمية المستدامة التي يمكن أن تساهم في الحفاظ على ثروات البلاد وتحقيق النمو الاقتصادي دون المساس بحقوق الأجيال القادمة، ولكن لتحقيق الاستفادة العظمى من الأمر لا بد من تنظيمه".

ويوضح لرصيف22 أن التخلص من الزيوت المستعملة بالطريقة العادية سواء رميها في مواسير الصرف الصحي أو في النفايات خطر يهدد البيئة، ويستطرد: "وفق دراسة قامت بها جامعة الاسكندرية لتوضيح التأثير السلبي على البيئة للتخلص من النفايات العضوية والتي يُعد الزيت جزءاً منها، اتضح بأن إلقاء كيس من النفايات العضوية وتركه في الشارع 3 أسابيع يجذب إليه 15 ألف بعوضة وذبابة و3000 صرصار ناقلة لعشرات الأمراض، هذا بالإضافة إلى الرائحة الكريهة والتلوث البصري".

ويرى عزب ضرورة اهتمام الدولة بتدوير النفايات المنزلية لتكون منظمة أكثر من الوقت الحالي، إذ تديرها مجموعات أفراد دون تنظيم، ويوضح أن الدول المتقدمة ليس لديها فاقد فهي تدير جميع مواردها، وتشرف على عملية فصل النفايات وتدويرها شركات كبرى على عكس مصر ومعظم الدول العربية.

أضع قشر الليمون ليغلي على النار، وبعد أن يبرد أهرسه في الخلاط، وفي وعاء أضع ملعقتين من البوتاس أو الصودا وكوباً من الماء ويُقلب المزيج حتى الذوبان، ثم أضيف كوب الخل ونصف كوب من منظف منزلي جاهز، ومعلقة نشا وملح ليمون مع قشر الليمون

"وفّرت الكثير من تدوير الزيت"

وكان لسعاد محمد من محافظة الدقهلية شمال شرقي مصر طريقة أخرى لتحويل الزيت المستعمل إلى صابون، تقول لرصيف22: "ارتفعت أسعار المنظفات جداً في الشهور الأخيرة، وكان لا بد من إيجاد طريقة لتوفير المصاريف، خاصة أن أسعار كل السلع أصبحت أضعاف سعرها القديم، فلجأت إلى صناعة الصابون في المنزل باستخدام الزيت المستعمل".

وتشير إلى أنها تعلمت هذه الطريقة من أحد العمال في مصنع الصابون البلدي في قريتها، لكن لم تستخدمها إلا مؤخراً، بعد أن اضطرها ارتفاع الأسعار للبحث عن بدائل، كما علمت الطريقة لبناتها وجيرانها.

وتضيف: "أصفّي الزيت المستعمل الذي أجمعه على مدار أسابيع من الشوائب، وأضيف له من ثلاث إلى أربع ملاعق من الدقيق، وأخلطها ثم أضيف ربع كيلوغرام منظف منزلي أو صابون سائل جاهز، وربع كيلوغرام بوتاس، وأقلب المزيج جيداً ثم أصبه ويكون ثقيلاً وليس سائلاً في صندوق خشبي أو كرتونة أغلفها بكيس بلاستيكي وأتركها حتى تجف تماماً، وهنا تحتاج من 4 أيام إلى أسبوع، ثم أقطعها إلى قطع صابون وأخزنها".

وتستعمل سعاد إنتاجها من الصابون في غسيل الأواني والملابس، إذ إنه قادر على إزالة البقع التي لا تنظفها مساحيق الغسيل حسب وصفها.

باعة جوالون لشراء الزيت المستعمل

تعلمت سمر مصطفى، وهي ربة منزل، كيف تصنع الصابون من الزيت المستعمل من والدتها، بعد أن توقفت عن بيعه، وتوضح لرصيف22: "هناك باعة جوالون يشترون الزيت المستعمل من المنازل، وجيراني يخزنونه لبيع الليتر مقابل 30 أو 40 جنيهاً. كنت أحذو حذوهم حتى سمعت أن الباعة يعيدون تدويره ويبيعونه على أنه جديد للاستهلاك الغذائي، لذا توقفت عن إعطائه لهم نظراً للأضرار الصحية الجسيمة التي يمكن أن تسببها إعادة استخدام زيت مستعمل، فلجأت إلى طريقة والدتي في صناعة الصابون منه".

وجدت سمر التي تعيش في محافظة الغربية في قلب دلتا النيل، أن تخزين الزيت المستعمل حقق لها أكثر من فائدة، فهي تصنع منه صابوناً، وفي نفس الوقت لا تضر غيرها ببيعه واحتمال إعادة استخدامه في الطعام.

تعظيم الاستفادة من المبادرات المنزلية

ضمن هذا السياق، تقول لرصيف22 الدكتورة هدى الملاح وهي المديرة العامة للمركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى والتدريب: "استغلال الأسر للمخلفات المنزلية وإعادة تصنيعها له جدوى اقتصادية كبيرة، سواء لهذه الأسر التي توفر من مصاريفها أو للاقتصاد المحلي".

وتضيف: "لكي تتعاظم الاستفادة من تدوير المخلفات المنزلية لا بد أن يكون للدولة دور واضح في استغلال هذه المبادرات، وذلك من خلال تقديم جميع المعلومات والتسهيلات والتدريب اللازم، ﻟﺘﺤﻔﻴﺰ المواطنين والمستثمرين على الاﻫﺘﻤﺎﻡ بالصناعات التدويرية، فبدون تخطيط لهذه المشروعات لن نحقق الاستفادة القصوى منها في نمو الاقتصاد المحلي".

ارتفعت أسعار المنظفات جداً في الشهور الأخيرة، وكان لا بد من إيجاد طريقة لتوفير المصاريف، خاصة أن أسعار كل السلع أصبحت أضعاف سعرها القديم، فلجأت إلى صناعة الصابون في المنزل باستخدام الزيت المستعمل

وتوضح أن تحويل هذه المبادرات الأسرية إلى مشروعات صغيرة ودمجها في الاقتصاد الرسمي، يزيد من الحصيلة الضريبية للدولة مما يمكن أن يعد بديلاً للاقتراض الداخلي والخارجي، ويساهم فى زيادة معدلات النمو الاقتصادي من خلال دمج القيمة المضافة المنتجة من الأنشطة غير الرسمية إلى الحسابات القومية، وبالتالي خفض نسبة فوائد الديون وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي، وهو ما أثبتته من خلال دراسة نشرتها العام الفائت، عن دور الاصلاح الاقتصادي في دمج المشروعات غير الرسمية في الاقتصاد الرسمي في مصر.

وعن الأهمية الاقتصادية لإعادة تدوير النفايات المنزلية، تشير دراسة لرضا محمد عايد الخلايلة، وهو مدير إداري في بلدية بيرين الجديدة في الأردن، إلى أن تدوير المخلفات المنزلية يحقق الاستدامة الإقتصادية والأرباح المالية للجميع، كما يوفر فرص عمل جديدة، مع تحقيق الاستدامة البيئية بتخفيف النفايات والاستهلاك والأثر البيئي السلبي الناتج عنها.

ارتداء قفازات عند صناعة الصابون

ومع أهمية هذه الصناعة المنزلية، يلفت محمد عبد العليم وهو استشاري أمراض الجلدية والتناسلية، إلى نقطة أخرى، هي أن الزيت المُعاد استخدامه لصناعة الصابون يمكن أن يشكل خطراً على الجلد، ويسبب تهيجه وانتشار الفطريات، ومع استمرار امتصاص الجلد المُتكرر له قد يسبب مرض السرطان.

ويقول لرصيف22: "الكثير من مواد التنظيف الموجودة في السوق المصري حالياً تدخل في تركيبها مواد قد تكون ضارة، لذا نرى ارتفاعاً في حالات تهيج الجلد، ونرشد المرضى إلى استخدام منظفات طبية بعيداً عن تلك المتداولة في الأسواق".

وينصح عبد العليم في حالة استخدام الصابون المصنع منزلياً أو المنظفات التجارية، بارتداء قفازات لمنع امتصاص الجلد للمواد المكونة للصابون أثناء صناعته، وترطيب اليدين جيداً بعد الاستخدام للحماية من أضراره المحتملة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard