يعمل إبراهيم عطوة، في مجال السياحة منذ نحو 20 عاماً، ولكن هذه هي المرة الأولى التي لا يستطيع وضع خطة سنوية لشركته: "الموضوع حالياً صعب جداً، في ظل الأحداث المتغيرة السريعة. الخطة تتغير مدة بعد أخرى. والخطة السنوية للشركة مالية أكثر منها تسويقية".
عطوة واحد من أصحاب شركات السياحة التسويقية العاملة في السوق المصري، والمتأثرة باضطراب سوق العملة الأجنبية وقيودها واحتمالات انخفاض معدلات الإقبال على السياحة في مصر في ظل الاضطرابات الإقليمية.
تتفق حالة الحيرة التي يشعر بها عطوة مع ما قالته وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما توقعت أن مصر ولبنان والأردن قد تخسر بين 10 و70% من عائدات السياحة إذا استمرت الحرب في غزة، أو اتسعت رقعتها.
إلا أن مسؤولي الحكومة المصرية شككوا في توقعات الوكالة المالية وقالوا إن تأثير الحرب في غزة على السياحة "ليس كبيراً"، وإن الأثر يختلف وفقاً للمنطقة وطبيعة السوق السياحية.
يحاول التقرير التالي التعرف على العقبات التي تواجه السياحة المصرية، والأدوات المتاحة للعاملين في المجال السياحي لتحقيق خطة الحكومة لجذب نحو 30 مليون سائح سنوياً إلى البلاد بحلول عام 2028، ونمو سنوي في أعداد السائحين
العرب يحبون مصر
في عام 2010 سجل رجل الأعمال الخمسيني إبراهيم عطوة شركته يقول لرصيف22: "الوزير السابق زهير جرانة فتح إمكانية الحصول على تراخيص لشركات السياحة، وحصلنا عليه".
عمل عطوة وقتئذ على فكرة جديدة وهي التسويق التليفوني: "كان المستهدف السوق العربي الخليجي، لأن اللهجة المصرية بالنسبة له أسهل، واشتغلنا على فكرة برامج الولاء التي تقدمها الفنادق الكبيرة العالمية في مصر، حيث تقدم الشركات للمستهلكين حوافز معينة مثل قسائم الاسترداد عند إجراء عملية شراء والنقاط وما إلى ذلك. ويحصل العميل على تخفيضات وهدايا".
يعتبر عطوة التعامل مع السائح العربي "أسهل"، "لأنه يعرف مصر والكثير من السياح العرب يمتلكون منازل في مصر، لكن السياحة الأوروبية دائماً تبحث عن الهدوء والبعد عن الصراعات، ويتبعون تحذيرات سفارتهم التي تبالغ في قياس تأثير أي أحداث سواء سياسية أو اجتماعية".
اكتسب عطوة خبرته من العمل نحو عشرين عاماً مديراً لتسويق فنادق شيراتون في مصر: "أحببت أن أستغل خبرتي في الفنادق، وأطبق البرنامج نفسه في التسويق السياحي".
حققت مخاطبة العميل عن طريق الهاتف نتائج جيدة حينئذ: "عن طريق الكول سنتر أو المكالمات التلفونية المباشرة، كنا نخاطب العملاء وكانت وقتذاك بادرة جديدة خلقت تواصلاً ما بيننا وبين العميل، ولم تكن السوشال ميديا قد ظهرت بعد".
في بداية افتتاح الشركة كان الهدف الوصول لما يقرب من 4 آلاف عميل، "ظلت الأهداف تتحقق منذ افتتاح الشركة، على رغم أن تلك السنوات شهدت ثورات، والاتصالات الهاتفية المباشرة أعطت بعض التطمين للسياح العرب" ولم ينقطع زبائنه المعتادون عن زيارة مصر. وبلغ عدد السائحين في العام 2011 مليون سائح حققوا عائدات وصلت إلى 8.8 مليار دولار.
ويعتبر عطوة التعامل مع السائح العربي "أسهل"، "لأنه يعرف مصر والكثير من السياح العرب يمتلكون منازل في مصر، لكن السياحة الأوروبية دائماً تبحث عن الهدوء والبعد عن الصراعات، ويتبعون تحذيرات سفارتهم التي تبالغ في قياس تأثير أي أحداث سواء سياسية أو اجتماعية".
الأزمات لا تحب السياحة
الضربة الكبيرة كما يصفها إبراهيم، "كانت مع انتشار فيروس كورونا، لأول مرة في تاريخ السياحة نسبة الإغلاق 100%، حتى في أي مجال بيزنس كان هناك تراجع بنسبة 25% أو 30% أو 50%، وليس مثل السياحة التي استمرت في الإغلاق عامين".
حاولت الدولة في ذلك صرف جزء من الدعم للشركات ضمن مبادرة تمويل سداد رواتب وأجور العاملين بالقطاع السياحي، "لكن الأزمة كانت أكبر من أي دعم".
بعد عامين من انتشار فيروس كورونا انخفض عدد العاملين في الشركة من 120 موظفاً إلى 20، و"ما زلنا نحاول تجاوز الخسائر والديون". كما خسرت الشركة
بدأ عطوة يشعر بتحسن الأحوال مع بدايات عام 2023، "كانت من أحسن السنين، وكنا متوقعين قبل الشتاء نسبة الإشغال توصل فوق 100%".
ثم جاءت الهجمات الإسرائيلية على غزة: "العرب عادة لا يلغون الحجوزات، ولكنْ هناك تأثر واضح لأن الازمة المرة دي جزء منها نفسي مما يحدث للأشقاء، وجزء منها مخاوف بعد الأخبار عن سقوط أجسام في نويبع وطابا، لكن إلى حد ما الهدوء السياسي الذي فرضته الحكومة المصرية في التعامل مع الأزمة أعطي نوع من التطمين".
وبحسب بيانات رسمية، زادت أعداد السائحين الوافدين إلى مصر 27.4% على أساس سنوي إلى 14.91 مليون سائح في 2023، مسجلة بذلك أعلى مستوى لها في تاريخ السياحة المصرية، على رغم التوترات التي شهدتها المنطقة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، لا سيما منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إثر طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
السياحة الداخلية ليست حلاً
"في أوقات الأزمات تلجأ الفنادق إلى التسويق الداخلي، عروض الشركات والمؤسسات والشباب، لكي تغطي المصاريف الشهرية". يشرح إبراهيم عطوة المبدأ نفسه الذي يطبقه في شركته.
السياحة الداخلية حالياً ليست الحل الأمثل في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها مصر، وزيادة أسعار الغرف الفندقية التي أدت إلى تراجع السياحة الداخلية
لكن التسويق الداخلي ليس "سياحة" في رأي إبراهيم، "لأن الدولة تحتاج إلى الدولار وليس تداول العملة المحلية، ومع احترامي لقناة السويس والقطاعات الأخرى، السياحة قطاع مباشر، يحصل التاكسي والمندوب والشركة والفندق مباشر، ويدخل الدولار في الاقتصاد سريعاً ولا ينتظر".
يرى عطوة مثل كثيرين من العاملين في قطاع السياحة أن السياحة الداخلية حالياً ليست الحل الأمثل في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها مصر، وزيادة أسعار الغرف الفندقية التي أدت إلى تراجع السياحة الداخلية، "تقريباً تراجعت لدينا في الشركة ما بين 25-30%".
منذ منتصف عام 2013 بدأت تظهر وكالات الحجز الإلكتروني، "مع الوقت بدأت سرعة الإنترنت تزيد، وتتحسن خدمات المواقع، وتزداد ثقة العملاء". وهو في رأي عطوة المنافس المخيف لشركات السياحة: "منذ العام 2016 أصبحت منافساً خطيراً، وتهيمن تماماً على أسعار الفنادق لأنها تجذب أعداداً كبيرة، وسهل بالنسبة للعميل الحجز وتخطيط رحلته".
وتكمن خطورة وكالات الحجز الإلكتروني في حجم البيانات لديها إذ تتيح لها التحكم في التشغيل الذي توفره للفنادق، ويبلغ نحو 60% من الحجوزات عن طريق المواقع الإلكترونية الكبرى مثل "بوكينغ"، لذلك الفندق مدين لها بأفضل الأسعار ورفع العمولات. في رأي ابراهيم: "ممكن تتحكم في الدول وتحول العميل الذي يسأل في دولة معينة إلى دولة أخرى، فأصبحت هذه الوكالات الضخمة لها تأثيراً في السياح والدولة نفسها".
وجد إبراهيم نفسه مضطراً إلى دخول عصر التسويق الإلكتروني: "عملنا موقعاً وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي منذ 2011، وتحولنا من التسويق خلال الهاتف إلى وسائل العصر، بدأنا نطور أنفسنا وإمكانياتنا، لا ننسى أن إحدى أكبر شركات السياحة في العالم (توماس كوك) أغلقت؛ لأنها تمسكت بالطرق التقليدية في العمل".
روشتة خبراء السياحة
أعلنت الحكومة المصرية في بداية عام 2024 خطة لجمع 300 مليار دولار حتى 2030 ضمن برنامج قومي لزيادة الموارد من النقد الأجنبي.، وطبقا للخطة سيساهم القطاع السياحي بنسبة 20% سنويا من الحصيلة الدولارية للخطة لتصل إلى 45 مليار دولار.
تنفيذ خطة الحكومة تحتاج مجموعة من الشروط وضعها سامح سعد مستشار وزير السياحة الأسبق، لخصها لرصيف22 في نقاط هي: "أولاً: لا بد من زيادة المقاصد السياحية، لدينا حالياً جنوب سيناء والساحل الشمالي القاهرة والأقصر وأسوان والبحر الأحمر. مشكلة الساحل الشمالي إنه موسمي، قد يصل إلى نسبة إشغال 100% في شهر أو اثنين فقط من العام. ولا بد من زيادة عدد الغرف الفندقية. مصر لديها حالياً 220 ألف غرفة فندقية، ويجب خلق مقاصد سياحية جديدة فعالة ومواصلات تعمل. لا ينفع أن تتكدس الفنادق في الأماكن الحالية".
ويشرح المستشار الأسبق لوزير السياحة: "الطاقة الفندقية الموجودة في مصر موزعة كما يلي: 72% بين جنوب سيناء والبحر الأحمر، و18% بين القاهرة والأقصر وأسوان، والباقي في الإسكندرية والساحل الشمالي".
وهو ما يقودنا للنقطة الثانية، كما يقول سعد "المواصلات لا تعني الطرق الجديدة، ولكن هي وسائل الطيران والاتصال، حالياً يُفَكَّر في شلاتين وبرانيس جنوب مصر".
يتابع سعد أن الشرط الثالث هو التسويق الذي يحتاج إلى تخطيط مسبق على فترات زمنية طويلة، ولنا مثال السعودية التي تخطط لافتتاح مدينة نيوم في 2030، لذا يُرَوَّج لها منذ اليوم.
النقطة الرابعة هي "الحافز المقدم للمستثمر، ولنا مثال فيما قام به وزير السياحة الأسبق فؤاد سلطان لما باع أراضي في شرم سيناء كان سعر المتر بدولار، فأنشأنا 150 ألف غرفة في شرم الشيخ والغردقة ومرسي علم وحصلت تنمية سياحية حقيقية. مطلوب من الدولة توفير بنية أساسية وقوانين أكثر جذباً للاستثمار. الخواجة لا يجذبه الإعفاء من الضرائب، الاستثمار يتوسع بوضع سياسة موحدة للتراخيص وعدم تعدد جهات الولاية. واليوم هناك نحو 16 جهة تشرف على الفنادق وتشارك في إصدار التراخيص من الصحة والسلامة والغذاء والكهرباء".
العقبة الأهم في رأيه هي تعدد الجهات التنظيمية الداخلة في منح التراخيص السياحية: "كل جهة إدارية لها هيمنتها".
ويختم أن هناك قاعدة للتخطيط في المجال السياحي، ونجاح أي خطة يعتمد على ثبات الظروف السياسية.
يشيد عمرو صدقي الخبير السياحي باستثمارات الدولة في البنية التحتية لأنها سهلت التواصل بين المدن، وبمبادرة الحكومة لدعم القطاع السياحي بقيمة 50 مليار جنيه، لبناء وتشغيل غرف جديدة أو الاستحواذ على غرف مغلقة، والوصول بالعدد إلى 500 ألف غرفة
الاستقرار المنشود
يتفق معه عمرو صدقي رئيس لجنة السياحة والطيران بمجلس النواب سابقاً، ويقول لرصيف22: "الإستراتيجية هي رؤية لتحقيق الهدف، وأي استراتيجية بيكون فيها متغيرات، زي أحداث الكورونا أو الحروب المفاجئة".
يشيد الخبير السياحي باستثمارات الدولة في البنية التحتية لأنها سهلت التواصل بين المدن، وبمبادرة الحكومة لدعم القطاع السياحي بقيمة 50 مليار جنيه، لبناء وتشغيل غرف جديدة أو الاستحواذ على غرف مغلقة، والوصول بالعدد إلى 500 ألف غرفة.
ويقول صدقي أحد المشاركين في جلسات الحوار الوطني: "مهما طرحنا آمالاً ومقترحات، فسيظل هناك معوقات، لكن فلنبقَ متفائلين. تقبل الدولة الأفكار الجديدة، لكي يكون الهدف الأكبر تعظيم الإيرادات وليس زيادة عدد السائحين، كيف أجعل السائح يصرف بمزاجه 1500 دولار بدلاً من ألف".
ويضع ثلاثة مطالب، أولها هي وسائل النقل الداخلية، وتوفير تسهيلات لشركات النقل السياحي لأن "الأتوبيسات عمرها الافتراضى انتهى، وبسبب ارتفاع أسعارها لم تستطع شركة شراء أتوبيس جديد منذ نهايات 2010".
ويواصل متسائلاً: "هل نعتمد في الأعداد المرجوة على نمط واحد من الأنماط السياحة، ولا نقدر هلى تزويد أنماط أخرى؟ وهل الأنماط السياحية التقليدية من الأثرية والشاطئية هل هي دي آمنة في ظل المتغيرات التي تحدث حولنا؟".
ويجيب "السياحة الصحية والروحانية الدينية مهمتان لا أحد يستطيع الاستغناء عنهما في ظل الأزمات. لذلك نحتاج تشريعات جديدة وبناء كوادر للعمل في هذه المجالات".
ويقول: "التطوير يحتاج للتعاون بين أعضاء المنظومة الواحدة".
ويضيف إبراهيم عطوة مطالبةً من وجهة نظر أصحاب شركات السياحة: "الدعم، الدعم، لا بد من إزالة قطاع السياحة من قوائم المخاطر في البنوك، مثلاً لو أنا لدي فكرة انشاء برنامج حجوزات إلكتروني، لا بد أن أجد استجابة من القطاع المصرفي أو القطاع التمويلي".
ويتابع: "نحتاج أيضاً إلى توفير تدريب للعاملين، لتعلم أساليب التسويق الجديدة، التي تُمول حالياً من جيوب أصحاب الشركات. الدعم كله موجه إلى المنشآت السياحية. أنت عندك ملايين المنشآت السياحية لكن أين الموظف؟ والحديث عن زيادة عدد السائحين وعدد المنشآت السياحية والمقاصد، وأنا أسأل أين المُسوِّق؟".
الطلب الثالث والأخير لعطوة: "أن تقوم وزارة السياحة بإشراك جميع الشركات في المعارض الخارجية، إذ يقتصر الجناح المصري على عدد محدود، وباقي الشركات لا تستطيع المشاركة لأن ليس لديها القدرة المالية".
ويكمل عطوة: "لا بد من السماح بأفكار جديدة في ظل منافسة تكبر مع دخول دول مثل السعودية والإمارات للخريطة السياحية".
وقد افتتح عطوة قبل سنوات فرعاً لشركته في الإمارات ويقارن بينها وبين مصر فيقول: "في الإمارات وجدت كل أشكال الدعم: قروض مفتوحة للعاملين والموظّفين والشركات الناشئة، ودورات تدريبية للعاملين لمساعدتهم على جلب عدد أكبر من السياح". ويختم ساخراً: "لو طلبت لبن العصفور هتقدمه الحكومة هناك".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه