تُعرف الممثلة البريطانية أودري هيبورن (1929-1993) بأنها أيقونة من أيقونات السينما والموضة، إذ صنّفها معهد الفيلم الأمريكي، ثالث امرأة أسطورية في السينما الكلاسيكية في هوليوود. قالت أودري ذات مرة، إن كل امرأة يجب أن يكون لها أحمر شفاه بلون خاص بها.
لكن أحمر الشفاه ليس منتجاً حديثاً، بل له تاريخ يمتد لآلاف السنين، إذ تم صنعه عبر تاريخ البشر باستخدام مجموعة متنوعة من المواد المختلفة، كالأحجار الكريمة أو حتى مسحوق الحشرات المجففة. واكتسب هذا المنتج التجميلي الشهير للمرأة العصرية شعبيةً واسعةً على مر القرون، وهو اليوم أحد أهم مكونات مكياج المرأة، كما أُطلق على يوم 29 تموز/يوليو، اسم "اليوم الوطني لأحمر الشفاه" في التقويم الأمريكي.
يعود تاريخ استخدام أحمر الشفاه إلى العصور القديمة، إذ استخدم السومريون الحجارة الملونة لصنع أحمر الشفاه، والمصريون القدماء سحقوا الصراصير المجففة ليصنعوا منها هذا المنتج، وفي الصين القديمة استُعمل شمع العسل لصنع أحمر الشفاه، كما أن اليونانيين صنعوا من أصباغ التوت هذا المنتج التجميلي.
يعود تاريخ استخدام أحمر الشفاه إلى العصور القديمة، إذ استخدم السومريون الحجارة الملونة لصنع أحمر الشفاه، والمصريون القدماء سحقوا الصراصير المجففة ليصنعوا منها هذا المنتج، وفي الصين القديمة استُعمل شمع العسل
وفي العصر الحديث، أنتجت الشركة الفرنسية غيرلان، أول أحمر شفاه في عام 1870، لكن ليس على نطاق واسع، إلا منذ نهاية القرن التاسع عشر، إذ صنعت أول أحمر شفاه تجاري في عام 1884، من شحم الغزلان وزيت الخروع وشمع العسل. خلال الحرب العالمية الثانية، واجه العالم نقصاً في أحمر الشفاه، الذي كان يُباع بأسعار باهظة وفي عبوات بلاستيكية وورقية، وفي أثناء هذه الفترة تم اختراع أول أحمر شفاه طويل الأمد، وكان يُصنع من اللون الأحمر فحسب، حتى تم تقديم ألوان مثيرة أخرى كـ"الأزرق" و"الكحلي" و"الأسود" و"الأخضر"، في عام 1970.
يمكن عدّ المصريين أول من اهتم بصنع أحمر الشفاه واستخدامه، ولعل أشهر شخصية تاريخية وضعت أحمر الشفاه، والتي لا تزال مشهورةً بجمالها الأسطوري، هي ملكة مصر كليوباترا. ولكن كيف صنعت كليوباترا أحمر الشفاه الخاص بها؟
نظرة سريعة على تاريخ أحمر الشفاه منذ الإغريق حتى اليوم
في اليونان القديمة، لم يُسمح لنساء الأُسَر "النبيلة" باستخدام أحمر الشفاه، حيث كانت الراقصات وسائر النساء من الطبقات المتدنية يستخدمنه لتمييزهن عن النساء الأخريات، كما صدر قانون في هذا الشأن، يفيد بأن كل سيدة لا تلتزم بهذا القانون يُقبض عليها وتعاقَب.
ليس لدى كل الدول مثل تلك القوانين، إذ إن الملكة إليزابيث الأولى، التي كانت ملكة إنكلترا وإيرلندا من 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1558، حتى وفاتها عام 1603، لم تهتم بما كان يعتقده اليونانيون بشأن أحمر الشفاه، ووضعت دائماً أحمر الشفاه، إلى درجة أن شفتيها عند وفاتها كانتا مدهونتين بأحمر الشفاه الخاص بها، إذ كانت تعتقد أن لهذا المنتج خصائص طبيةً وعلاجيةً، وكان يحتوي أحمر الشفاه الخاص بها على مواد مثل الرصاص، لذا من المرجح أن يكون هذا المنتج التجميلي قد عجّل في وفاتها. كانت الملكة إليزابيث الأولى عموماً مهتمةً جداً بالمكياج، حتى أنها تُعدّ مخترعة أحمر الشفاه.
صنعت كليوباترا أحمر شفاهها من الصراصير
على عكس الملكة إليزابيث الأولى، كانت الملكة فيكتوريا مثل الإغريق القدماء، ترى أن المكياج أمر بعيد عن التهذيب، واتبعتها في ذلك نساء العصر الفيكتوري بعدم وضع المكياج على شفاههن، وكانت الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمى وإيرلندا من 20 حزيران/ يونيو 1837، وحتى نهاية حياتها، وقد حكمت الإمبراطورية البريطانية لمدة 63 عاماً و7 أشهر ويومين، وخلال عهدها عدّ البريطانيون استخدام أحمر الشفاه أمراً غير لائق، ومن هذا المنطلق سُمح للنساء غير الأرستقراطيات باستعمال منتجات التجميل، كما كانت الممثلات وسائر النساء يضعن أحمر الشفاه.
إلى ذلك، كانت لأحمر الشفاه أبعاد سياسية في أوروبا في القرن العشرين، فخلال الفترة الممتدة من 1920 إلى 1930، بدأت الموجة النسوية الأولى في العالم وظهرت حركات تطالب بحق المرأة في التصويت، وإبان تلك الحقبة، كان وضع المكياج وأحمر الشفاه رمزاً لإظهار حب الحرية والميول المساواتية للنساء.
الممثلة الفرنسية الشهيرة سارة برنارد (1844-1923)، والتي صنعت التاريخ بأدوار البطولة في المسرحيات الفرنسية الأكثر شعبيةً في أواخر القرن التاسع عشر، لعبت دوراً مهماً في ترويج أحمر الشفاه. ومع بداية الحرب العالمية الثانية، تغيرت الثقافة العالمية وأصبح وضع أحمر الشفاه أمراً شائعاً، بل مرغوباً فيه لدى النساء.
أحمر الشفاه في مصر القديمة
في مصر القديمة، تم استخدام المعادن والأحجار والنباتات والدهون الحيوانية وغيرها من العناصر الطبيعية لإنتاج مستحضرات التجميل. وبالإضافة إلى مكياج العيون، قامت النساء المصريات أيضاً بطلاء أظافرهن بالحنّاء، لكن أحمر الشفاه الذي استخدمنه تم الحصول عليه عن طريق سحق الصراصير الحمراء. وحتى اليوم، تُستخدم الخنافس الحمراء، التي تحتوي على مادة كيميائية قرمزية، في صناعته، إذ يتم تجميع إناثها وتجفيفها تحت الشمس وسحقها ثم خلطها بمحلول كحولي حمضي لإنتاج مجموعة من الألوان القرمزية إلى الوردية، ويتطلب صنع 500 غرام من الطلاء نحو 70 ألف حشرة.
كما صنعت كليوباترا أحمر شفاهها من الصراصير الحمراء المسحوقة، وربما وقع إمبراطور روما القديمة في حب طعم أحمر الشفاه المصنوع من الصراصير بعدما قَبّلها! وعلى الرغم من أن كليوباترا كانت واحدةً من أشهر النساء في عصرها، إلا أنها لم تكن المرأة المصرية الوحيدة التي وضعت مكياجاً حادّاً، إذ اهتمت النساء المصريات بشكل خاص بمكياج الشفاه والعين في مصر القديمة، واستخدمت جميع الطبقات الاجتماعية هذا النمط من المكياج، حتى أن المصريين كانوا يعتقدون أن الإله يحمي الخدم الذين يضعون المزيد من المكياج!
يمكن عدّ المصريين أول من اهتم بصنع أحمر الشفاه واستخدامه، ولعل أشهر شخصية تاريخية وضعت أحمر الشفاه، والتي لا تزال مشهورةً بجمالها الأسطوري، هي ملكة مصر كليوباترا. ولكن كيف صنعت كليوباترا أحمر الشفاه الخاص بها؟
كانت تركيبة منتجات التجميل عند المصريين، تحميهم من لسعات الحشرات السامة، فمن المعروف أن الخزف الأسود عند قدماء المصريين كان عنصراً مطهراً يبعد الحشرات، كما كانت تُستخدم الظلال الداكنة حول العينين لحماية العينين والبشرة من أشعة الشمس الحادة، وكانت الرموش الطويلة تمنع دخول الغبار إلى العين.
كليوباترا وشفتاها التاريخيتان
ولكن من هي كليوباترا التي لا يزال يُضرب المثل بجمالها؟ يجد المؤرخون ارتباطاً قوياً بين جمالها وقدرتها السياسية، فقد كانت امرأةً تهتم كثيراً بجمالها، وهو ما يتنافى مع الفكرة المحافظة القائلة بأن المرأة إما جميلة أو ذكية. وكانت كليوباترا ملكة مصر القوية والقائدة الشجاعة تضع دائماً مكياج عيون ثقيلاً وملوناً. وبالطبع يعتقد بعض المؤرخين أن كل هذا المكياج لم يكن للجمال فقط بل كانت هناك أسباب أخرى وراءه!
قامت كليوباترا بتجميل وجهها بطرائق مختلفة، حيث استخدمت ظلال العيون باللون الأزرق الفاتح على الجفن العلوي وظلال العيون الخضراء على الجفن السفلي، كما أنها استخدمت الكحل الأسود لجعل رموشها تبدو أطول، وقامت بتغميق حواجبها لتجعل عينيها تبدوان أكبر.
ولم تكن كليوباترا مثالاً للأنوثة والجمال والموضة فحسب، بل كانت تُعدّ أيضاً قائدةً قويةً ومثقفةً، وكانت قد طلبت صنع أحمر شفاه ومستحضرات تجميل خاصةً بها، باستخدام الصراصير الحمراء والنمل المسحوق للحصول على لون زاهٍ، وكان ذلك كافياً ليتحدث المؤرخون والفنانون عن جمالها.
كليوباترا، أو بشكل أكثر دقةً، كليوباترا السابعة من العائلة المالكة البطلمية، كانت ملكة مصر في أواخر عام 69 قبل الميلاد حتى 12 آب/ أغسطس عام 30 قبل الميلاد. والبطالمة عائلة من أصل يوناني حكمت مصر لمدة 275 عاماً بعد وفاة الإسكندر الأكبر، كان أفرادها يتحدثون اللغة اليونانية ويمتنعون عن التحدث بالمصرية، لكن كليوباترا تعلمت اللغة المصرية وادّعت بأن الإلهة المصرية إيزيس سكنت جسدها.
عندما أصبحت كليوباترا ملكة مصر في سن الثامنة عشرة، كان يُمنع جلوس النساء على مسند الحكم في مصر، فاضطرت إلى تقاسم حكمها أولاً مع إخوتها ثم مع ابنها، واعتلت كليوباترا العرش أولاً مع والدها، ثم مع إخوتها، لكنها أصبحت في النهاية الحاكمة الوحيدة لمصر.
دخلت كليوباترا في علاقة رومانسية مع يوليوس قيصر، الذي ساعدها في الوصول إلى العرش وتعزيز قوتها، وبعد اغتيال يوليوس عام 44 قبل الميلاد، دعمت مارك أنتوني ضد الوريث الشرعي ليوليو، غايوس يوليوس قيصر أوكتافيانوس، إذ كانت كليوباترا على علاقة رومانسية مع مارك أنتوني لكنها لم تتزوجه، إذ كانت لأنطوني زوجة في روما، وكان تعدد الزوجات أمراً غير لائق في روما. وعلى الرغم من ذلك أنجبت كليوباترا طفلاً من أنطونيوس، وعندما انتحر الأخير بعد هزيمته في معركة عسكرية، انتحرت كليوباترا حسب العادات المصرية، بواسطة لسعة أفعى الكوبرا المميتة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...