أعلن الحرس الثوري الإيراني مسؤوليته عن هجمات صاروخية بالستية طالت أربيل العراقية ومواقع سورية. مما يُشير لتصعيد حدة الصراع الإقليمي مع مرور 100 يوم على الحرب الإسرائيلية في غزة.
وفي بيانه في وقت مبكر من يوم الثلاثاء، قال الحرس الثوري الإيراني "إن الهجمات استهدفت "مراكز تجسس إسرائيلية في إقليم كردستان العراق... وإنه تم تدمير مكان تجمع قادة وعملاء تفجيرات كرمان على الأراضي السورية".
قواعد اللعبة الإيرانية الأمريكية هي نفسها
ثمة تقارير أفادت أن الأهداف التي طالها القصف في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، تشمل قاعدة تستضيف عسكريين أمريكيين ومقراً للموساد، في حين قال الحرس الثوري إنه "تم استهداف داعش في سوريا المحتلة" رداً على الهجمات الإرهابية الأخيرة للجماعة في إيران"، حسب موقع ذا ناشيونال.
وكان الموقع قد أشار سابقاً، إلى أن منفذ تفجيرات كرمان في إيران، "يازوروف" هو طاجيكي إسرائيلي، تلقى تدريبه في معسكر للتنظيم الإرهابي في محافظة بدخشان الأفغانية. ومع ذلك، كتب محمد جمشيد، المستشار السياسي للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على صفحته على منصة "X": "تقول واشنطن إن الولايات المتحدة وإسرائيل ليس لهما أي دور في الهجوم الإرهابي... حقًا؟ لا تضيعوا البوصلة. إن مسؤولية هذه الجريمة تقع على عاتق الولايات المتحدة والأنظمة الصهيونية، والإرهاب مجرد أداة".
أعلن الحرس الثوري الإيراني مسؤوليته عن هجمات صاروخية بالستية طالت أربيل العراقية ومواقع سورية. مما يُشير لتصعيد حدة الصراع الإقليمي مع مرور 100 يوم على الحرب الإسرائيلية في غزة
في المقابل، قال رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، مسرور برزاني، "أربيل أصبحت مرة أخرى هدفاً لهجوم صاروخي من قبل الحرس الثوري الإيراني، وللأسف هناك شهداء وجرحى من المدنيين نتيجة هذا الهجوم غير المبرر". مطالباً الحكومة الاتحادية في بغداد "اتخاذ موقف حازم تجاه الانتهاكات التي تحدث على سيادة العراق وخاصة إقليم كردستان"، حسب موقع رووداو.
وقال مجلس أمن الإقليم في بيانه إن "الحرس الثوري أعلن أن الهجوم استهدف بعض المواقع لمجموعات معارضة لإيران، وهذا عذر عارٍ عن الصحة ومرفوض، مع الأسف، هم يستخدمون ذرائع لا أساس لها من الصحة دائماً لمهاجمة أربيل، وأربيل باعتبارها منطقة مستقرة لم تكن بأي وقت مصدر تهديد لأي طرف".
في سياق متصل، أدانت واشنطن الهجوم. وأعلنت معارضتها لـ"ضربات إيران الصاروخية المتهورة" ووصفتها بأنها "تقوض استقرار العراق". فيما ذكر مسؤولون أمريكيون لوكالة رويترز، إن الهجمات لم تلحق أضراراً بالمنشآت الأمريكية ولم تقع إصابات أمريكية.
يقول الخبير الاستراتيجي والعسكري د. عمر الرداد لرصيف22: "رغم ما يبدو من تصعيد من إيران والمليشيات التابعة لها مع الولايات المتحدة، لكني أعتقد أنه محسوب من قبل الطرفين، فكلاهما يردد أنه لا يرد توسيع الصراع إقليمياً، مع أنها توسعت على أرض الواقع من خلال دخول الحوثيين وما نراه من عمليات في العراق وسوريا من قبل المليشيات، إضافة إلى دخول حزب الله نسبياً في الحرب وحتى وإن كان ملتزماً قواعد الاشتباك".
خبراء لرصيف22: "رسائل الردع وقواعد اللعبة في المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران لم تتغير، رغم ما يبدو ظاهرياً من تصعيد".
لا يختلف معه في الرأي يقول لرصيف22 د. عبد الله باعبود، الباحث غير مقيم في مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط: "رسائل الردع المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ليست جديدة وهي إستراتيجية قائمة بين الطرفين منذ عام 2018، لكن إيران استجابت لاستهدافها موخراً مما تراه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فعدم الاستجابة يضع الحكومة الإيرانية في موقف حرج أمام شعبها ويمس شرعيتها ويعرضها للمزيد من الصفعات والتكاليف، لذلك لا يوجد شيء جديد وغير متوقع هنا، كما من غير المتوقع حدوث أي تغيير في قواعد الاشتباك المعروفة، مما يعني تفادي وقوع إصابات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال إخطارات مسبقة".
ويضيف: "أهمية التوقيت تظهر حسابات طهران المتمثلة في زيادة خطر عدم الرد على إسرائيل والولايات المتحدة، وتأتي أيضاً في مساق وحدة الجبهات المحسوبة بدقة لإرسال رسائل عديدة للولايات المتحدة، ولا يُنظر إليه على أنه تغيير في استراتيجية إيران في توسيع نطاق الصراع ودائرة الحرب فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة. ويؤكد اختيار الأهداف أن طهران لا تزال تختار عدم المشاركة بشكل مباشر في الحرب".
ضغط على واشنطن
في نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2023 استهدفت طائرتان مسيرتان قوات الأمن الكردية (البيشمركة) في بيرمام شمال شرقي مدينة أربيل، التي تضم مقراً لكبار قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، بما في ذلك رئيس الحزب مسعود بارزاني ونجله مسرور بارزاني، ورئيس وزراء الإقليم. ورغم عدم تبني أي جهة للهجوم، إلا أنه يأتي وسط توترات سياسية متزايدة بين أربيل وبغداد، وبعد أشهر من استئناف هجمات ما يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا.
وفي اتهام مبطن للمليشيات الشيعية الموالية لإيران عن مسؤوليتها عن الهجوم، قال مسرور بارزاني إنهم "يستخدمون أموال الدولة وأسلحتها لمهاجمة إقليم كردستان، وزعزعة استقرار البلاد بأكملها، والمخاطرة بتجدد الصراع في دولة شهدت ما يكفي من إراقة الدماء".
وفقاً لصحيفة جيروزاليم بوست، تسعى طهران للضغط على واشنطن وتل أبيب، من خلال التصعيد في العراق. حيث تأتي الهجمات الأخيرة بعد إشارات متضاربة من قبل رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني بخصوص القوات الأمريكية من العراق. إذ طالب بيان صادر عنه بانسحاب سريع للقوات الأمريكية. وفي نفس الوقت، أبلغ السوداني بعض المسؤولين الأمريكيين، أن البيان "محاولة لإرضاء الجماهير السياسية المحلية" وأنه "لا يزال ملتزماً" بالتفاوض على الوجود المستقبلي للولايات المتحدة في العراق. لذا ينظر للتوترات في العراق على أنها جهود إيرانية للضغط على واشنطن وتل أبيب.
تهدف إيران و"محور المقاومة" الدائر في فلكها من وراء رفع حدة عملياتهما أخيراً إلى هدفين أساسيين، حسب معهد دراسات الحرب، أولهما، إظهار قدرة واستعداد إيران والمحور للتصعيد ضد الولايات المتحدة وإسرائيل على جبهات متعددة. وثانيهما، وضع شروط لخوض حرب إقليمية على جبهات متعددة. وبحسب محللين تعتبر طهران استخدامها للصواريخ الباليستية رادعاً للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج العربية التي تنافس طهران على النفوذ الإقليمي.
طالب رئيس الوزراء العراقي بانسحاب سريع للقوات الأمريكية. وفي نفس الوقت، أبلغ بعض المسؤولين الأمريكيين، أن البيان "محاولة لإرضاء الجماهير السياسية المحلية"، لذا ينظر للتوترات في العراق على أنها جهود إيرانية للضغط على واشنطن وتل أبيب
يقول الرداد: "يجب أن نتذكر السؤال المطروح وهو ما الذي تريده إيران؟ هل تريد فتح جبهات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأن تخوض حروب حقيقية واسعة مع القوى العالمية؟ لا أعتقد ذلك. فإيران كل هذا التحرش والاشتباكات المحدودة، هي تريد الاعتراف الدولي والعربي بدورها الإقليمي، وهذا عليه خلاف مع الغرب، فإيران لن تدخل على اعتبارها قوة إقليمية في المنطقة في ظل سياسيات تصعيدية تستهدف الملاحة والأمن وتعزز دعم ميليشياتها، وهذا موضع خلاف غربي، لكن كل هذا النشاط الإيراني تريد إستراتيجياً في النهاية بوزنها ودورها الإقليمي ومصالحها في المنطقة، وهو ما يعني بكل وضوح أن كل المليشيات التابعة لها هي مجرد أوراق سيتم التنازل عنها بصيغة أو أخرى في اللحظة المناسبة".
نثر الفوضى واستثمارها
تدعم طهران إنشاء آلية أمنية إقليمية محلية، بعد استبعادها عن النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ ثورة 1979. ومع إدراكها عدم انسحاب كامل للولايات المتحدة من الشرق الأوسط في المستقبل القريب، تنظر إيران إلى الصراعات الجيوسياسية والأمنية في المنطقة على أنها فرصة لدعم موقفها والاستفادة منه لتعزيز مصالحها الوطنية المحددة. ولمتابعة مصالحها الأمنية وسط الفوضى والأزمات الإقليمية، حسب معهد الشرق الأوسط
وقد سبق لإيران أن استهدفت بصواريخ أرض-أرض منطقتي أبو كمال وهجين، شرق سوريا ضد أهداف تابعة لمن تسميهم بالـ"تكفيريين"، رداً على الهجوم الذي نفذه تنظيم داعش في 22 أيلول/سبتمبر 2018 على عرض عسكري في الأحواز، جنوب غربي إيران، والذي أسفر عن مقتل نحو أربعين شخصاً وجرح عشرات آخرين.
حينذاك تعهّد المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني بـ"عملية انتقام ساحقة" في المستقبل القريب داخل المنطقة وخارجها على السواء"، واصفاً الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بـ"الأطراف الرئيسية الداعمة للإرهاب".
تدعم طهران إنشاء آلية أمنية إقليمية محلية، بعد استبعادها عن النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة منذ ثورة 1979.
في حزيران/ يونيو 2017 أطلق الحرس الثوري ستة صواريخ باليستية متوسطة المدى من طراز "ذو الفقار" باتجاه أهداف تابعة لداعش الدولة الإسلامية، في محافظة دير الزور شرق سوريا. وقد وصفت إيران الهجوم حينها بالـ"رد الموازي" للعمليات الإرهابية التي شنها تنظيم داعش في وسط طهران وفي ضريح آية الله الخميني.
فيما وصفه بيان الحرس الثوري بأنه "رسالة واضحة للإرهابيين التكفيريين وللجهات الإقليمية والدولية الداعمة لهم، في إشارةٍ منه إلى الرياض وواشنطن".
"أنا اللاعب الإقليمي"
يقول الرداد: "إيران تفاضل بين ما يقوم به وكلاؤها في المنطقة، فعلى سبيل المثال أهمية دخول حزب الله باتجاه مستوطنات الشمال لا تقارن بما يوجه للقواعد الأمريكية من ضربات، لكن الأهم من ذلك موضوع الحوثيين وتدخلهم في البحر الأحمر، ثم الانتقال إلى ضربات آخرها البارجة الأمريكية هذا الصباح، كل هذا يطرح سؤالاً إذا كانت القضية مرتبطة فقط بحرب غزة أم هي حالة اشتباك مع الولايات المتحدة، لذا أعتقد أن الحوثي وما يقوم به في البحر هي الترجمة الأصدق لتوجهات الإيرانيين في المنطقة".
ويعلق على موضوع الدعاية الإيرانية في المنطقة العربية، كاستثمار مستقبلي لها، يقول: "من السهولة بمكان أن تنجح إيران بتمرير سياساتها الإعلامية التي تعتمد شعارات وأيدولوجيا كبيرة كتحرير فلسطين، حتى بتسميات الخطاب الإعلامي كفيلق القدس، والطريق إلى القدس، كل ذلك ينجح رغم أنه موضع شكوك من قبل كثير من الشعوب العربية ونخبها، لكن مع سياسات الكيل بمكيالين من قبل الغرب وعدم العدالة، ستعمل إيران على إحراج الأنظمة العربية من جهة وتدرك أن مثل هذا الخطاب العاطفي الذي لا يصمد على الأرض، ومع هذا في ظل رأي عام متحفز للدفاع عن فلسطين والعناوين المرتبطة بها وما يراه من فساد على الصعد الوطنية وما يراه من عدم عدالة من قبل الطروحات الغربية وتدافعها للدفاع عن إسرائيل، كل هذا يتم استثماره إيرانياً وتنجح إيران بتمريره في ظل أن المقاربات المقابلة والتي تحاول تفكيك مقاربات إيران غير قادرة على النجاح في البيئة العربية، لا سيما في ظل المشاهد التي تصدرها إسرائيل لقتل الأطفال وضرب المستشفيات والمدارس وانكشاف المخططات الإسرائيلية بما فيها تهجير الفلسطينيين من غزة أو من الضفة الغربية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين