عندما انقسم العالم الإسلامي إلى قوتين عظيمتين في القرون الوسطى، بين الفاطميين والعباسيين، اغتال رجل من ألموت في إيران خليفةً من الفاطميين وخليفتين من العباسيين وتحدّى القوة الإمبراطورية السلجوقية، لتتوسع شهرة محاربي ألموت أكثر فأكثر في العالم الإسلامي؛ كان هذا الرجل كِيا بُزُرك أُميد (بزُرجميد)، الذي كان بدوره زعيمَ ألموت بعد حسن الصبّاح أي أصبح هو الزعيم الثاني للإسماعيليين النزاريين.
الإسماعيلية وألموت
بعد وفاة نبي الإسلام محمد، انقسم المسلمون إلى طائفتين رئيسيتين؛ الطائفة السنّية والطائفة الشيعية. الطائفة الشيعية نفسها تقسمت عبر التاريخ إلى طوائف أخرى، بما في ذلك الشيعة الإسماعيلية والشيعة الإمامية الاثني عشرية. الإسماعيلية هي فرقة شيعية آمنت بعد وفاة الإمام جعفر الصادق، الإمام السادس للشيعة، بإمامة نجله إسماعيل، أو حفيده محمد بن إسماعيل، وبذلك انفصلت عن التيار الرئيسي للشيعة الاثني عشرية، وقد سُمّيت على مرّ التاريخ بأسماء مختلفة كالطائفة الإسماعيلية، أو "الباطنية"، أو "التعليمية".
عندما انقسم العالم الإسلامي إلى قوتين عظيمتين، بين الفاطميين والعباسيين في العصور الوسطى، اغتال رجل من ألموت في إيران خليفةً من الفاطميين وخليفتين من العباسيين وتحدّى القوة الإمبراطورية السلجوقية… من هو كِيا بُزُرك أُميد الذي كان زعيم ألموت، والزعيم الثاني للإسماعيليين؟
أسس حسن الصباح الحكومة النزارية عام 1090، في قلعة ألموت الواقعة في شمال إيران، وكانت هذه الحكومة عبارةً عن حكومة ثورية تهدف إلى إنقاذ إيران من حكم السلاجقة الأتراك. استولى حسن صباح، على قلعة ألموت التي تم بناؤها بالفعل على قمة جبل ألبرز (شمال إيران)، وقرر تحويلها إلى مقر لثورته العظيمة التي كانت تعمل على تأسيس دولة مبنية على أُسس اجتماعية جديدة، وذلك لإيجاد مجتمع إسلامي شيعي عادل، يعتمد اللغة الفارسية بدلاً من العربية.
حسن الصباح، الذي نشأ في أسرة شيعية اثني عشرية، ترك في شبابه مذهب أسرته، واعتنق المذهب الإسماعيلي. بعد ذلك انضم إلى الفاطميين في أثناء رحلة له إلى مصر، ومن ثم عاد إلى إيران في العشرين من عمره، ليكون إمام الفاطميين فيها، وليعزز مبادئ المذهب الإسماعيلي وأفكاره التحررية.
في عام 1090، اختار حسن الصباح منطقةَ ألموت مركزاً لنشاطه السياسي ليقود الإسماعيليين في إيران منه. وفي ذلك الوقت، كان المستنصر بالله الفاطمي (1029-1094)، هو الخليفة، وثامن خلفاء الفاطميين. تزايدت الصراعات على الخلافة بعد وفاته في عام 1094، في القاهرة، حيث دعم حسن الصباح "نزار"، الابن الأكبر للخليفة، لكن نزاراً قُتل على يد أخيه الأصغر.
مع هذا، روّج حسن الصباح للمذهب النزاري، وأصبح هو زعيمه في آسيا الوسطى وإيران والعراق والشام، وقطع علاقاته مع الخلافة الفاطمية تماماً. والنزاريون من أتباع الطائفة الإسماعيلية، اتخذوا من نزار إماماً لهم بعد الخلاف بينه وبين المستعلي بالله على خلافة أبيهما، ولهذا السبب أصبحوا يُعرفون بالنزاريين.
وكانت القلعة التي حوّلها حسن الصباح لتصبح حصنه الثوري، ملكاً للأتراك السلاجقة، إذ جاء حسن الصباح في بادئ الأمر إلى نهر الديلم في زيّ معلم للأطفال، منتحلاً شخصية "دهخدا"، الذي كان معتمَداً لتعليم أطفال الحراس والشيوخ في القلعة. وبعد أن استقر، أرسل رفاقه لدعوة أهل ألموت إلى المذهب الإسماعيلي، وفي فترة قصيرة لم تتجاوز العام، تمكّن من بسط سيطرته على الأهالي وقلعة ألموت.
في السنوات التالية، قام الصباح بتوسيع بناء القلعة وتجهيزاتها، وأنشأ فيها مكتبةً كبيرةً، وعَلّم أتباعه الذين كانوا يطلقون عليه اسم "سيدنا"، تعاليمه الروحية والعسكرية، وسرعان ما انتشر اسم حسن الصباح، وحصن ألموت، والنزاريين، من الديلمان حتى القدس.
كيا بُزُرك أميد
لا توجد معلومات عن بداية العمل السياسي لبزرك أميد في الحكومة الإسماعيلية في إيران، لكن ما هو مؤكد أن بزرك أميد كان تحت إمرة حسن الصبّاح، خلال السنوات التي كان الصبّاح يوسع فيها نفوذه في ألموت. كما يذكر مؤرخو تلك الحقبة أن بزرك أميد ظهر لأول مرة عند الاستيلاء على حصن لمسر الواقع على ضفاف نهر شاهرود وغرب قلعة ألموت، وفي تلك الحقبة كان هذا الحصن تحت سلطة أسرة رساموج الإيرانية.
وبعد وقت قصير من خدمة حسن الصباح، نقضت هذه الأسرة عهدها مع الإسماعيليين وقررت تسليم القلعة لأحد أمراء السلاجقة، الذي كان عدواً لدوداً للإسماعيليين. بعد هذه الخيانة، أرسل حسن الصباح، كيا بزرك أميد، مع ثلاثة من زعماء الإسماعيليين لغزو حصن لمسر بهدف قمع هذا التمرد، وبعدما سيطر الإسماعيليون مرةً أخرى على الحصن، قام حسن الصباح على الفور بتعيين بزرك أميد حاكماً عليها.
في الربيع الثاني من سنة 518 هـ، استدعى حسن الصباح الذي كان على فراش الموت، بُزُرك أُميد، وعيّنه خلفاً له قبل وقت قصير من وفاته، كما عيّن ثلاثةً من كبار النزاريين أعضاءً في مجلسه لمساعدته.
وبمساعدة السكّان المحليين، أعاد بزرك أميد بناء لمسر وحوّلها لتصير إحدى القلاع المهمة للنزاريين، وأدى الاستيلاء على لمسر التي كانت تحمي ألموت من الحدود الغربية، إلى تعزيز الموقع العسكري للإسماعيليين في منطقة ألموت بشكل كبير، وظل بزرك أميد يحكم لمسر أكثر من عشرين عاماً، حتى وفاة حسن الصباح، وخلال هذه الفترة الحرجة من تاريخ الإسماعيليين، واجه هجمات واسعةً للقوات السلجوقية بشكل مستمر، وصمد بزرك أميد ضد كل الهجمات والضغوط ومنع سقوط هذه القلعة المهمة لحكومة الصباح.
وفي الربيع الثاني من سنة 518 للهجرة، استدعى حسن الصباح الذي كان على فراش الموت، بزرك أميد من لمسر، وعيّنه خلفاً له قبل وقت قصير من وفاته، كما عيّن ثلاثةً من كبار النزاريين أعضاء في مجلسه لمساعدته في تقدم شؤون الحكومة النزارية الإسماعيلية. بعد ذلك واصل بزرك أميد سياسات حسن الصباح في جميع المجالات، ومثّله، كما كان يطبق أحكام الشريعة بصرامة من سلفه، وقاد النزاريين في إيران والشام والمناطق الأخرى لمدة أربعة عشر عاماً دون أن يواجه معارضةً داخليةً، لكن في المقابل واجه بزرك أميد معارضةً وعداوةً من قبل السلاجقة.
بزرك أميد والسلطان سنجر
يُعدّ هجوم السلطان سنجر السلجوقي، على القلاع الإسماعيلية، أحد الأحداث المهمة في فترة حكم بزرك أميد. وسنجر هو ابن الملك شاه الأول الملك السلجوقي الذي كان في البداية حاكم خراسان من 1097 إلى 1118، لكنه أصبح في نهاية المطاف السلطان التاسع للإمبراطورية السلجوقية وحكمها حتى وفاته عام 1157، ويُعدّ السلطان سنجر آخر السلاطين السلاجقة الأقوياء.
خلال فترة حكمه، شنّ سنجر هجمات ضد الإسماعيليين، وذلك بهدف تدميرهم ومحوهم من إيران. في البداية، نجح في الاستيلاء على عدد من معاقل الإسماعيليين في قهستان وطبس، وتابع هجماته هذه حتى هجم على مركز الحكومة الإسماعيلية قلعة ألموت، ولكن في طريقه إلى هذه القلعة، استيقظ ذات يوم ووجد خنجراً بجانبه مع رسالة من حسن الصباح. وقد كتب في تلك الرسالة أن حسن الصباح يريد السلام، رداً على هذه الرسالة أرسل السلطان سنجر، مبعوثين إلى الصباح واتفق على السلام في ما بينهما، طالما كان كل منهما يبتعد عن طريق الآخر.
السلطان سنجر، الذي وافق على التسوية في عهد حسن الصباح، فكر مرةً أخرى في الهجوم على معقل الإسماعيليين بعد وفاة الصباح في عام 520 هـ، حيث استطاع مهاجمتهم، وكان يعتقد أن ألموت كانت تحت قيادة ضعيفة بعد وفاة الصباح، ولكن السلاجقة واجهوا دفاعاً قوياً من قبل خليفة الصباح، وربما كانت هذه المواجهة بمثابة اختبار لمدى كفاية بزرك أميد، الحاكم الجديد للإسماعيليين.
وعاد جيش السلطان سنجر الذي انطلق من خراسان دون إنجاز، إذ صدّه الإسماعيليون، لكن سنجر لم يكتفِ بذلك بل شنّ هجوماً ثانياً في العام نفسه، وكانت حصيلة هذا الهجوم القبض على كبير قادة السلاجقة تامور طغان، الذي سُجن في ألموت لبعض الوقت حتى أُطلق سراحه بناءً على طلب السلطان سنجر.
وفي سنة 523 هـ، أرسل إسماعيليو قهستان جيشاً إلى سيستان للهجوم على السلاجقة، فرأى السلطان محمود السلجوقي، أن التفاوض على السلام مع الإسماعيليين هو الطريقة المثلى لتجنب الأضرار، ومن هذا المنطلق استدعى سفيراً من ألموت، حيث أرسل بزرك أميد، خواجة محمد ناصحي الشهرستاني إلى أصفهان، عاصمة السلاجقة آنذاك، لكن المفاوضات هذه باءت بالفشل وقُتل مبعوث الإسماعيليين ورفيقه على يد مجموعة من سكان المدينة بعد مغادرتهما قصر السلطان.
السلطان لم يتحمل مسؤولية الاغتيال هذا، كما رفض طلب بزرك أوميد معاقبة مرتكبي هذا الحادث، وبعد فترة قصيرة انتقم الإسماعيليون بمهاجمة قزوين، حيث قتلوا نحو أربعمئة شخص وأخذوا غنائم كثيرةً، وكانت هذه الحادثة بداية الأعمال العدائية المستمرة بين أهل قزوين وجيرانهم النزاريين في ألموت، والتي غالباً ما اتخذت شكل حرب مفتوحة. مع وفاة السلطان محمود السلجوقي عام 525 هـ، والخلاف على خلافته بين إخوته وابنه، حصل إسماعيليو إيران على فرصة أخرى لتعزيز قاعدتهم.
من قتل الخليفة؟
ومن أشهر الأعداء النزاريين الذين تم قتلهم من قبل الموالين لبزرك أميد، وكان عددهم أقل من الذين تم اغتيالهم في زمن حسن الصباح، يمكن ذكر الخليفتين العباسيين المسترشد بالله والراشد بالله، والخليفة المصري الفاطمي الآمر بأحكام الله أبي علي المنصور.
لا توجد معلومات عن بداية العمل السياسي لبزرك أميد في الحكومة الإسماعيلية في إيران، لكن ما هو مؤكد أن بُزُرك أُميد كان تحت إمرة حسن الصبّاح خلال السنوات التي كان الصبّاح يوسع فيها نفوذه في ألَموت
المسترشد هو الخليفة العباسي التاسع والعشرون في بغداد، وقد حكم بين عامي 1118 و1135، وهُزِم في الحرب مع السلطان مسعود السلجوقي، وأُسر في مدينة مراغة، حيث قتلته جماعة من أتباع الإسماعيليين. احتفل بزرك أميد بمقتل المسترشد في ألموت لمدة أسبوع.
وكان الراشد بالله أيضاً أحد الخلفاء العباسيين في بغداد الذين حكموا من 1135 إلى 1136، وهو الخليفة العباسي الثلاثون، الذي اتّبع نهج والده نفسه وقاتل السلاطين السلاجقة، وأخيراً انهزم أمامهم، وبعد 9 أشهر من توليه الخلافة تم عزله. وبعد ذهاب السلطان محمود السلجوقي إلى بغداد، هرب الرشيد إلى أصفهان وقُتل على يد الموالين لألموت في أثناء حصار أصفهان.
الآمر بأحكام الله، هو عاشر الخلفاء الفاطميين وابن المستعلي، وفي عهده كان نائبه أفضل شاهنشاه يتولى عملياً الخلافة ولم يتدخل الخليفة في الشؤون السياسية، وذلك حتى عزل الآمر نائب السلطنة وعين مأمون البطائحي مكانه. كما اغتيل الآمر على يد الحشاشين عام 1130، وتولى من بعده الطيب أبو القاسم الخلافة الفاطمية.
توفي كيا بزرك أميد، في 26 جمادي الأول عام 532 هـ، ودُفن بجوار حسن الصباح في ألموت، وأصبحت هذه المقابر مزاراً للنزاريين، حتى قبل هجوم المغول على إيران، حيث دمرها جيش جنكيز خان في عام 654 للهجرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع