شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
من الفراق إلى الارتباط... هل يمحو الحب الجديد ألم الانفصال؟

من الفراق إلى الارتباط... هل يمحو الحب الجديد ألم الانفصال؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الجمعة 12 يناير 202412:42 م

في رحلة الحياة المليئة باللحظات الجميلة والتحديات الصعبة، يصطحبنا الزمن في مسارات متقاطعة، وأحياناً يضعنا أمام نقاط التلاقي والفراق.

في هذه المحطات، قد نجد أنفسنا تائهين/ ات بين ذكريات الانفصال والشوق إلى الارتباط من جديد، وهنا يُطرح السؤال الحاسم: هل يمكن للحب الجديد أن يمحو ألم الانفصال ويشكّل فصلاً جديداً في كتاب حياتنا؟

إن الفراق يترك آثاره على الإنسان، ويتسلّل إلى كل خلية في جسمه وروحه، وقد يكون تحدياً لا يُحسد عليه، إذ يتسلل الألم إلى القلب وتظلّ الذكريات الحزينة ملتصقةً بالذاكرة. هذا الانفصال، الذي يمكن أن يكون نهايةً لحب كان قويّاً، يتطلّب وقتاً للتآلف وبناء جسر نحو المستقبل، ما قد يعرقل فرصة الدخول في علاقة جديدة، أو خوض تجربة حب جديدة، خصوصاً إن كان ألم الانفصال لم يتلاشَ بعد.

في العادة، يُطلب بعد الانفصال من الأشخاص أن يأخذوا وقتهم في الحزن قبل أن ينخرطوا في المواعدة مرةً أخرى، حتى يتمكّنوا من إنجاح العلاقة الجديدة، ولكن طبعاً ما من قاعدة معيّنة تنطبق على كلّ الناس، ففي كل علاقة تجربة خاصة لا تشبه غيرها.

الحب الجديد: رحيق الشفاء؟

"هناك العديد من الأشخاص الذين يلجؤون إلى الحبّ من أجل التخلّص من ألم الانفصال السابق. عادةً يلتهي الفرد بالعلاقة الجديدة ظنّاً منه أنّه تغلّب على وجع الحب السابق، ولكن في الواقع وبعد فترة يظهر هذا الألم على السطح، لأنّه ببساطة لم يُعالَج بشكل صحيح"؛ هذا ما تقوله مدربة العلاقات والتنمية الذاتية، ميرنا الخليل، لموقع رصيف22.

تضيف: "لذلك من المهمّ جداً قبل الدخول في أيّ علاقة جديدة أن يأخذ الشخص كلّ الوقت للتخلّص من كلّ القصص السلبية والمعتقدات التي ترسّخت فيه وحملها معه من العلاقة القديمة. من هنا، قد يعتقد البعض أن الحب الجديد سيكون بمثابة وسيلة للتغلّب على ألم الانفصال السابق، ولكن في الواقع قد يعيش المرء تجربة علاقة فاشلة مرةً أخرى لأنّه من الضروري أن يتمتّع بنوايا صافية وخالية من أيّ مشاعر سلبية سابقة قبل البدء بعلاقة".

هل يمكن للحب الجديد أن يمحو ألم الانفصال ويشكّل فصلاً جديداً في كتاب حياتنا؟

من ناحية أخرى، عندما يبدأ الشخص بالمواعدة مباشرةً بعد الانفصال، فإنّه قد لا يكون قد تجاوز تماماً العلاقة السابقة، ومع ذلك، فإن العلاقات الجديدة يمكن أن تساعد الأشخاص على المضي قدماً ونسيان العلاقات القديمة.

في دراسة أجريت على مشاركين/ ات يتعافون/ ين من ألم الانفصال، تمّ نشرها على موقع Researchgate، تبيّن أن الأفراد الذين وجدوا شريكاً جديداً هم أكثر ثقةً بأنفسهم وبالآخرين، وأقل عرضةً للاعتراف بأن لديهم/ نّ مشاعر تجاه الحبيب/ ة السابق/ ة.

في السياق نفسه، توضح ميرنا الخليل، أن نوع الانفصال يؤثر على قدرة الانخراط في علاقة جديدة بشكل إيجابي أو سلبي. بمعنى آخر، في حال كان الانفصال ودّياً، فالعلاقة الجديدة ستتأثر بشكل إيجابي لأنّه ما من مشاعر سلبية طاغية، أمّا في حال كان الغضب موجوداً، فهذا يعني أنّه سيتجلّى في واقع يشبه مشاعر الطرف الآخر، ممّا يؤثر سلباً على العلاقة الجديدة.

ألم الانفصال وتأثيره على الشريك الجديد

في حال كان الحبيب ما زال يحمل معه ألم الانفصال، فمن الطبيعي أن يتأثّر الشريك الجديد بهذه المشاعر، وفق تأكيد ميرنا الخليل: "كلّما كانت العلاقة قويةً وحميميةً، كان هناك تبادل طاقات بين الطرفين. ومن هنا، إذا كان الشريك دائم الغضب ولم يتعالج من ألم الانفصال، فسيؤثر هذا على علاقته الجديدة، حتى أنّه لن يفهم ما الذي يحدث معه وسبب عدم نجاح العلاقة".

وتكشف الخليل أن الحب وسيلة من الوسائل التي تساعد في التغلّب على ألم الانفصال، ولكن لا يمكن الاتّكال عليه، خصوصاً إن أردنا إنجاح العلاقة الجديدة: "لذلك من المهمّ جداً العمل على الألم العاطفي والبدء برحلة التعافي، وذلك من خلال تطوير الذات ومعرفة الأسباب التي أدّت إلى هذا الوجع".

"هناك العديد من الأشخاص الذين يلجؤون إلى الحبّ من أجل التخلّص من ألم الانفصال السابق. عادةً يلتهي الفرد بالعلاقة الجديدة ظنّاً منه أنّه تغلّب على وجع الحب السابق، ولكن في الواقع وبعد فترة يظهر هذا الألم على السطح، لأنّه ببساطة لم يُعالَج بشكل صحيح"

تكشف سيبال (اسم مستعار)، في حديثها إلى رصيف22، أنّها دخلت في علاقة جديدة مع شاب لطيف، ولكنّها كانت لا تزال تحمل في داخلها غضباً شديداً بسبب علاقتها السابقة: "كنت كون معه وتضلّ تجيني أفكار سيئة وأتذكر وقت تركنا أنا وحبيبي السابق، وصير إبكي. أوّل مرة كنت صريحة وخبّرته وتفهّمني، بس بعدين صرت جرّب ما إبكي تما يصير في مشكلة، بس هوي كان يحس في شي مش طبيعي عم يصير معي. مرة على مرة، صارحني وقلي مش ماشي الحال هيك. للصراحة، زعلت إنه ما بدو نكمّل العلاقة، بس من ناحية تانية تفهمّته، ما في يكون مع وحدة بعدها بتفكّر بحبيبها السابق وما عندها طاقة لعلاقة جديدة".

أمّا ماريو، فبعد أن انفصل عن حبيبته السابقة، لم يتعرّف مباشرةً إلى صبيّة أخرى لأنّه كان على يقين بأنّه لا يزال عالقاً في الحب السابق، ولكن بعد 4 سنوات تقريباً، تعرّف إلى مريانا (اسم مستعار)، وحرص على أن يكون صريحاً معها في كلّ شيء حتى في حال حلم بحبيبته السابقة، لأنّه أراد فعلاً أن يبدأ حياته من جديد.

يقول الرجل البالغ من العمر 31 عاماً لرصيف22: "علاقتنا تكلّلت بالزواج وأثمرت طفلاً، وتحرّرت من المشاعر السلبية تجاه الحب وتجاه حبيبتي السابقة، وتعاملت مع زوجتي بوعي وبحب والعكس صحيح".

التعامل مع أثر الانفصال السابق

وفقاً لميرنا الخليل، من المهمّ جداً أن نفهم مشاعرنا، وأن نحددها ونعبّر عنها والأهمّ عدم رفضها. بعدها يجب البدء بإحداث تغييرات على حياتنا من خلال بعض العادات اليومية، مثل الاستماع إلى الموسيقى، وممارسة الرياضة والتأمّل، والمشي على شاطىء البحر أو القيام بأي نشاط يفرحنا، كذلك يجب علينا أن نكون ممتنّين للعلاقة السابقة ونتعلّم درساً بفضلها، ولكن طبعاً لنصل إلى هذه المرحلة، يجب أن نكون قد تقبّلنا الوضع الذي نحن فيه.

من جهة أخرى، في وسعنا إدخال عادة الكتابة إلى حياتنا، فهي خطوة مهمّة للتغلّب على ألم الانفصال.

في هذا السياق، يشرح الدكتور Lewandowski Jr. في حديثه إلى موقع Oprah Daily، أن حالات الانفصال مليئة بالمشاعر السلبية، ومن السهل جداً الانغماس في هذه المشاعر، ثم الانحدار إلى الأسفل.

وعليه، لاجتياز هذا الوقت العصيب، يوصي بممارسة الكتابة لمدّة 20 دقيقةً فقط يومياً على مدار 3 أيام، وذلك من خلال تدوين أعمق الأفكار والمشاعر الإيجابية التي تتعلق بالعلاقة السابقة.

بالعودة إلى سيبال (اسم مستعار)، فقد بقيت لمدّة 3 سنوات تشعر بألم الانفصال من خطيبها السابق، فالذكريات كثيرة ولم تتقبل بعد سبب انفصالهما: "بعد كلّ هالفترة قرّرت شوف معالجة نفسية، طلبت منّي صير أكتب كلّ شي زاعجني أو مضايقني وبالمقابل دوّن كلّ شي إيجابيات وحلو بالعلاقة السابقة وبحياتي الحالية. وأكيد أعطتني كتير نصائح، بس فيني قول إنه الكتابة كانت بمثابة راحة لمشاعري، لأنه كنت عبّر عن جد عن يلي جوّاتي".

بدوره، لم يتمكن سليم (اسم مستعار)، وبعد سنة من الانفصال، من تخطّي علاقته السابقة، بل لا يزال يأمّل في عودة حبيبته السابقة إليه، بحسب ما يوضح لرصيف22: "بصراحة كلّ ما فعلته خلال هذه الفترة، هو التركيز على دراستي الجامعية والعمل، هذا إلى جانب التسكّع مع بعض الأصدقاء من وقت إلى آخر. لكن هذا الأمر لم يساعدني على عدم التفكير فيها نهائياً، بل على العكس كنت أشتاق إليها خصوصاً أنّنا كنا في الجامعة عينها، وكنّا نفعل كلّ شيء معاً".

الحب الجديد قد يكون رحيقاً للشفاء بعد الانفصال، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الحلّ لكل الآلام، إذ يتطلّب التعامل مع أثر الانفصال السابق والتأثير النفسي الذي يتركه، وقتاً وجهداً

ويأمل سليم أن يصبحا من جديد صديقين، لأنّه يكنّ لها كلّ مشاعر الاحترام، ولا يريد أن يخسر صداقتها، فهو يفضّل هذا الاحتمال على أن تبقى خارج حياته بشكل دائم.

في ختام هذا الموضوع، يمكن القول إن الحب الجديد قد يكون رحيقاً للشفاء بعد الانفصال، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الحلّ لكل الآلام، إذ يتطلّب التعامل مع أثر الانفصال السابق والتأثير النفسي الذي يتركه، وقتاً وجهداً.

من المهم أن يأخذ الفرد الوقت اللازم لمعالجة الألم العاطفي قبل الانخراط في علاقة جديدة، فالتفكير في أهمية تعزيز النمو الشخصي يلعب دوراً مهماً في التحضير للعلاقات الجديدة.

كذلك عند الانتقال إلى علاقة جديدة، يجب أن يكون الشخص صادقاً مع نفسه ومع الشريك/ ة في ما يخص مشاعره وتجاربه السابقة، بحيث أن القدرة على التحدّث بصراحة عن الألم السابق والالتزام ببناء علاقة صحية يمكن أن يشكلا مفتاحاً للنجاح.

باختصار، الحب الجديد يمكن أن يكون فصلاً جديداً في كتاب الحياة، ولكن يجب أن يتمّ ذلك بعناية ووعي لضمان ألا يكون مجرّد هروب من الألم السابق. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image