أكثر من أربعة أشهر مضت منذ الاجتماع الثاني والأخير لأطراف مبادرة دول جوار السودان التي أطلقتها القاهرة في القمة التي جمعت قادة هذه الدول في 13 تموز/ يوليو 2023. كان من المفترض أنّ يعقد هذا الاجتماع على مستوى وزراء خارجية دول جوار السودان تمهيداً لخطوات واجتماعات وتحركات تُترجم ما خرجت به القمة من توافقات. وهي المطالبة بوقف إطلاق النار، وتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية، وإطلاق حوار شامل للأطراف السودانية بمشاركة القوى السياسية والمدنية، وتشكيل آلية اتصال بطرفي الحرب. بعد ذلك لم يحدث أي تقدم حتى على مستوى اللقاءات التشاورية. فهل أخفقت المبادرة التي طرحتها القاهرة؟ وما هي أسباب ذلك؟
الجوار المنقسم
يتشارك السودان الحدود البرية مع سبع دولة، من الشمال مصر وليبيا، ومن الشرق إريتريا وإثيوبيا، ومن الجنوب دولة جنوب السودان، ومن الغرب تشاد وأفريقيا الوسطى. تختلف هذه الدول في أوضاعها الداخلية وعلاقاتها الدولية. على سبيل المثال، تدور أفريقيا الوسطى في فلك روسيا، التي تملك نفوذاً عسكرياً واسعاً فيها من خلال شركة "فاغنر" العسكرية التي توفر الأمن والحماية للنظام الحاكم، بينما أخفقت محاولات فاغنر في دعم المعارضة للانقلاب على النظام الحاكم في تشاد.
يرى أستاذ العلوم السياسية عبد القادر إبراهيم أنّ سبب إخفاق مؤتمر دول جوار السودان هو المحاور الدولية والإقليمية التي تسببت في إضعاف توصيات المؤتمر، مبيّناً لرصيف22 أنّ دولة تشاد على وجه الخصوص لديها مصلحة فعلية في استمرار الحرب في السودان، لأنّها مثلت فرصة تاريخية للجنرال الحاكم محمد إدريس ديبي "محمد كاكا" للتخلص من عرب الشتات الذين يمثلون خطراً كبيراً على نظام حكمه، من خلال فتح المجال لهم للانضمام إلى الدعم السريع.
تنقسم تشاد على غرار إقليم دارفور السوداني بين القبائل العربية والأفريقية. تنتشر القبائل العربية في دول السودان وتشاد والنيجر ومالي، وترى في نفسها وحدة اجتماعية تتجاوز الحدود بين الدول التي تعيش على أراضيها، ولهذا ينضم مقاتلو تلك القبائل إلى الدعم السريع. ومنذ استقلال تشاد عن فرنسا عام 1960 شهدت صراعات سياسية على السلطة بين المكوّنين العربي والأفريقي، وكان آخرها مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي، والد الرئيس الحالي محمد كاكا.
لهذا يُفهم موقف تشاد التي استضافت الاجتماع الأول للآلية الوزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء الخارجية للدول السبع، كما أنّ تشاد مُتهمة بفتح المطارات والحدود أمام حليف الدعم السريع، دولة الإمارات، لتزويد الدعم بالسلاح والمقاتلين، وهو العامل الحاسم في موقف تشاد الحالي.
تعتبر دول الجوار السوداني الأشد تأثراً بالحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع، على عدة مستويات، منها ما يتعلق بحركة النزوح واللجوء إليها، وتنامي المخاطر الأمنية العابرة للحدود، خصوصاً أنّ جميع تلك الدول، عدا عن مصر، تملك قدرات عسكرية محدودة
بدوره، يذكر المحلل السياسي السوداني النبهاني إسماعيل أنّ هناك دول جوار للسودان لا ترغب في أن يكون مستقراً، وهى تشاد، وأفريقيا الوسطى التي بها استثمارات لقوات الدعم، وإثيوبيا التي تنظر إلى انتشار الجيش السوداني في منطقة الفشقة السودانية كاستغلال لانشغالها إبان حرب الحكومة ضد إقليم تيغراي.
يقول إسماعيل لرصيف22 إنّ مصر وجنوب السودان وإريتريا تريد التهدئة والاستقرار ووقف الحرب، وتتلاقى مصالحها مع ذلك، وهي جادة حيال ذلك.
تتبقى دولة ليبيا التي تسيطر قوات القيادة العامة بقيادة خليفة حفتر، حليف الإمارات، على منطقة الحدود مع السودان. في بداية الحرب، اُتهمت الإمارات بنقل إمدادات السلاح والوقود إلى الدعم السريع عبر الحدود الليبية السودانية التي تنشط فيها ميليشيات وحركات مسلحة مدعومة من الإمارات، لكن حفتر نفى ذلك. فضلاً عن ذلك، فمن حضر ممثلاً عن ليبيا في قمة القاهرة هو رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، والذي لا يملك أية صلاحيات فعلية، كما أنّ ليبيا بشكل عام غير مؤثرة في الأزمة السودانية.
تنافس المحاور
في السياق نفسه، تعتبر دول الجوار السوداني الأشد تأثراً بالحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع، على عدة مستويات، منها ما يتعلق بحركة النزوح واللجوء إليها، وتنامي المخاطر الأمنية العابرة للحدود، خصوصاً أنّ جميع تلك الدول، عدا عن مصر، تملك قدرات عسكرية محدودة.
تتنافس عدة محاور على النفوذ في السودان، على رأسها المحور الإثيوبي – الكيني المدعوم من الولايات المتحدة والإمارات، والذي يتمثّل في وساطة الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا "إيغاد"، التي تهيمن عليها إثيوبيا وكينيا، وكلاهما مُتهمان بالانحياز للدعم السريع، خصوصاً كينيا. كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد دعا إلى ربط المبادرة المصرية بمبادرة هيئة (إيغاد)، التي تحفّظ عليها الجيش السوداني.
من شروط نجاح أية مبادرة هي الحيادية، وهو الأمر الذي لا يتوفر لمصر التي تصرح بدعمها للجيش السوداني.
في المقابل، يرى الخبير العسكري الفريق عمر أرباب أن أحد الأسباب التي أدت إلى فشل مؤتمر جوار السودان عدم حياد الدول نفسها حيث تنحاز مصر إلى الجيش كمؤسسة دولة بينما تنحاز أفريقيا الوسطى إلى الدعم السريع، وفق حديثه لرصيف22.
ووظفت قوات الدعم السريع اسم مصر في تبرير شنها الحرب ضد الجيش السوداني، حين اقتحمت قاعدة مروي الجوية، وألقت القبض على عدد من الجنود المصريين، معلنة أنّ حربها تهدف إلى تحرير السودان من النفوذ المصري، قبل أنّ تتراجع وتُفرج عن الجنود، وتلجأ إلى سردية بديلة وهي محاربة فلول النظام السابق من الإسلاميين.
يقول الناشط السياسي عمار السجاد إنّ من شروط نجاح أية مبادرة هي الحيادية، وهو الأمر الذي لا يتوفر لمصر التي تصرح بدعمها للجيش، لافتاً لرصيف22 إلى أنّ السعودية لم تكن محايدة في الصراع، لكن حين استضافت لقاءات الجيش والدعم في منبر جدة، تغيّر موقفها إلى الحياد، ونجحت في الخروج بإعلان جدة الإنساني في أيار/ مايو الماضي.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان في 15 نيسان/ أبريل 2023، زار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أربعة من دول الجوار، وهي مصر وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا، ولم يزر ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى. وعلى الرغم من وجاهة جمع دول جوار السودان في مبادرة واحدة، كونهم الأطراف الأشد تأثراً بالحرب السودانية، إلا أنّ عدداً من تلك الدول باتت مرفوضة بشكل صريح من الجيش، وهي تشاد التي تبادلت طرد الدبلوماسيين مع السودان، فضلاً عن أفريقيا الوسطى التي لا تملك قراراً مستقلاً، وكذلك ليبيا التي يخضع شرقها لسيطرة حليف الإمارات، المرفوضة جملةً وتفصيلاً من الجيش السوداني.
القاهرة والأزمة
يقول الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الله إبراهيم إنّ دور مصر يمكن أن يكون أكثر فعالية في المرحلة المقبلة، مضيفاً أنّ القاهرة استطاعت أن تجمع متناقضات الواقع السياسي السوداني، كما أنّ لديها تأثير كبير على دولة الإمارات، وتتمتع بعلاقات قوية مع جنوب السودان الحليف الموثوق لقوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، واللاعب السياسي المقبول دولياً، فضلاً عن علاقتها القوية بإريتريا.
كما ترى أستاذة العلاقات الدبلوماسية بالجامعات السودانية، تقوى سليمان، أنّ مؤتمر جوار السودان هو الأكثر توفيقاً والأفضل، كون تلك الدول أكثر درايةً بالمشهد السياسي السوداني من الرباعية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وتقول لرصيف22 إنه لا بد من ترفيع المؤتمر ليكون منبراً في القاهرة، خصوصاً أنها بعد ثمانية أشهر من الحرب نجحت في الإمساك بعدد من خيوط اللعبة السياسية السودانية، مثل استضافة مؤتمر قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي. وتعتبر الأكاديمية السودانية أنّ اتخاذ الحرية والتغيير، أهم فاعل سياسي والشريك السابق للعسكريين في السلطة في الفترة الانتقالية، من القاهرة مقراً لعقد العديد من اجتماعاتها هو كسر للتوجس والرفض الذي كان لديهم تجاه القاهرة، مضيفة أنّ الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية عقدت هي الأخرى اجتماعات في القاهرة، ولديها علاقة طيبة بها، ما يعطي ميزات للتحرك المصري في الأزمة السودانية.
تُعتبر مصر الدولة الأقدر على التدخل في الأزمة السودانية، وصاحبة المصالح الأكبر، نظراً للعلاقات التاريخية بين البلدين على المستوى المؤسساتي والشعبي، كما أنّ الكتلة السكانية الأكثر صلابةً في السودان ترتبط بمصر على مدار التاريخ. أحد المصالح المصرية من وراء وقف الحرب في السودان هو تخفيف الأعباء تحسباً لأية تطورات في قضية سدّ النهضة
إلى جانب ذلك، تُعتبر مصر الدولة الأقدر على التدخل في الأزمة السودانية، وصاحبة المصالح الأكبر، نظراً للعلاقات التاريخية بين البلدين على المستوى المؤسساتي والشعبي، كما أنّ الكتلة السكانية الأكثر صلابةً في السودان ترتبط بمصر على مدار التاريخ. أحد المصالح المصرية من وراء وقف الحرب في السودان هو تخفيف الأعباء تحسباً لأية تطورات في قضية سدّ النهضة، التي تتشارك القاهرة والخرطوم فيها الموقف في مواجهة إثيوبيا. لهذا فمن مصلحة القاهرة أنّ يظل حليفها الجيش السوداني ممسكاً بالدولة في مواجهة الدعم السريع الأقرب إلى إثيوبيا.
وشهد الشهران الماضيان تراجعاً ميدانياً للجيش السوداني، بداية بالانسحاب من أربع ولايات من إقليم دارفور، ثم الانسحاب المفاجئ دون قتال من مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، التي تعتبر بوابة الخرطوم الجنوبية. إزاء ذلك، تحدث خبراء عن احتمال توسيع مصر من انخراطها إلى جانب الجيش السوداني لتحقيق نصر ميداني، يُترجم سياسياً. يرى الخبير العسكري الفريق المتقاعد عمر أرباب، أنّ مسألة التدخل العسكري من قبل مصر أو أي دولة أخرى مستبعداً نظراً لأن التدخل لا بد من أن يتم بموافقة الطرفين معاً، في إطار تسوية شاملة للأزمة، حتى لا تكون تلك القوات مُستهدفة من أحد الأطراف، فضلاً عن أنّ أي تدخل غير محسوب قد ينعكس سلباً على دول الجوار بشكل أكبر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين