لم تصمت إثيوبيا طويلاً عن التقارب العسكري المصري السوداني المتمثل في تدريبات "حماة النيل" المشتركة، لتحرك أديس أبابا قواتها، وترسل تعزيزات عسكرية غير مسبوقة إلى الحدود في الفشقة، وسط تساؤلات عدة حول حقيقة الدور المصري في المعارك الجارية حالياً هناك.
الفشقة بين الصدام العسكري والمبادرات
"لم يُستكمل التحرير بعد". بتلك الكلمات وصف النائب السابق عن منطقة الفشقة في البرلمان السوداني مبارك النور، ما تم تحريره من أراضي الفشقة، قائلاً إن القوات المسلحة السودانية نجحت في استرداد 75٪ من الأراضي التي سيطرت عليها القوات الإثيوبية، ولم يبقَ سوى 25٪ منها تحت الاحتلال الإثيوبي، وهي جزء من الفشقة الصغرى، بما فيها مستوطنة "برخت"، إحدى أكبر المستوطنات الإثيوبية في الفشقة.
وأكد النور أن قضية استرداد الجيش للأراضي الحدودية، تهدف إلى حماية الحدود، واستخراج العصابات الإثيوبية التي استولت على أراضٍ سودانية بغير وجه حق، مشدداً على استمرار دعم أهل السودان، والقضارف، للقوات المسلحة لاسترداد الأراضي كافة، وإعادة الحياة إلى طبيعتها في الحدود الشرقية للبلاد.
وبعيداً عن الاشتباكات العسكرية، ثمة العديد من المبادرات السياسية لحلحلة الوضع في الفشقة، ومنها ما يقوم به وزير الخارجية الأمريكية، والمبادرة الإماراتية للوساطة بين إثيوبيا والسودان في القضية.
"فكرة فرض الوصاية من الغير على الشعب السوداني مرفوضة". بتلك الكلمات وصف القيادي في الحركة الشعبية قطاع الشمال محمود إبراهيم، لرصيف22 المبادرات المطروحة للحل السياسي في الفشقة، وعلى رأسها المبادرة الإماراتية، قائلاً إن أراضي الفشقة أراضٍ سودانية، والتاريخ، وشعوب المنطقة كلها تشهد ذلك، وهناك مظالم وقعت على أرض السودان وسيادته في الفشقة، وكان لا بد من استرداد تلك الأراضي، وإرجاعها إلى الوطن بأي أسلوب من الأساليب التي يراها السودان مناسبة.
لم تصمت إثيوبيا طويلاً عن التقارب العسكري المصري السوداني المتمثل في تدريبات "حماة النيل" المشتركة، لتحرك أديس أبابا قواتها، وترسل تعزيزات عسكرية غير مسبوقة إلى الحدود في الفشقة، وسط تساؤلات عدة حول حقيقة الدور المصري في المعارك الجارية حالياً هناك
وأضاف إبراهيم لرصيف22، أن "استرداد الفشقة أمر لا يجب أن نتفاوض عليه، ولا أن نناقشه، وقد استرددنا جزءاً منها، وسوف نسترد ما تبقى، والجيش السوداني وضع آلياته وقواته كلها على الحدود السودانية الإثيوبية، والشعب السوداني عن بكرة أبيه يؤيد ذلك".
الجانب الاقتصادي للصراع على الفشقة
الخبير الاقتصادي السوداني والقيادي في قوى الحرية والتغيير صالح على حسين، تحدث لرصيف22 عن الجانب الاقتصادي في مشكلة الفشقة بين السودان وإثيوبيا، ذاكراً أن حجم الأراضي الزراعية التي اعتدى عليها الإثيوبيون تُقدّر بنحو مليون فدان، وتُعرف بأراضي الفشقة، وتمتد من سيتيت، وباسلام شرقاً وصولاً إلى منطقة القلابات جنوب القضارف، وتضم الفشقة "أخصب" الأراضي الزراعية في السودان، وتُقسم إلى ثلاث مناطق هي: الفشقة الكبرى، والفشقة الصغرى، والمنطقة الجنوبية. واستولى الإثيوبيون عليها عبر اعتداءات ميليشيات الشفتة الإثيوپية، وتشير السلطات الإثيوبية إلى أنها كانت قد أبلغتهم بعدم الزراعة في تلك الأراضي السودانية. وتصف الحكومة الإثيوبية تلك المجموعات بأنها "متفلتة"، و"خارجة عن القانون".
"إثيوبيا محاصرة بصراعات داخلية كافية لإشغالها عن أي حرب مع السودان، ولكنها تريد أن تبعث برسائل مفادها أنها مستعدة لأي قتال، وهذا كذب، وتكشفه وقائع قتال الجيش السوداني الذي استعاد كل أراضيه في الفشقة الصغرى، والكبري، من دون مواجهة أي مقاومة من الجيش الإثيوبي"
ويضيف الخبير الاقتصادي السوداني أن المجموعات المسلحة الإثيوبية نجحت في السيطرة على الفشقتين، لتحصّل ما لا يقل عن 700 مليون يورو سنوياً كعائدات شخصية لها، نظير دعمها للمزارعين الإثيوبيين في الفشقتين، وكانت تخطط لتوطين ثلاثة ملايين شخص من الأمهرا فيها، عبر إنشاء 500 قرية نموذجية فيها كل الخدمات الأساسية، كما خططت، بشراكة صينية، لإنشاء محالج، ومصانع للغزل والنسيج، ومصانع للزيوت، ومسالخ للماشية، ومشاريع لتربية المواشي.
المشهد العسكري في الفشقة بعد "حماة النيل"
"حماة النيل درس مجاني للجارة إثيوبيا". بتلك الكلمات أوضح الإعلامي والصحافي في محافظة القضارف صالحين العو، حقيقة عمل الجيش السوداني بعد "حماة النيل" في الفشقة، موضحاً أن المناورات العسكرية المشتركة مع السودان هي الأضخم والأكبر، وتؤكد أن خيار القوة مطروح على الطاولة، ولذلك قام الجيش بتطهير الشريط الحدودي كله، حتى أمس الأول، مستعيداً أربعة آلاف فدان من الأراضي تنطلق منها عمليات ضد المواطنين في الفشقة.
وأضاف العو لرصيف22، أن العمليات العسكرية لم تقتصر على الفشقة فحسب، ولكنها شملت الأراضي السودانية المتاخمة للخط الحدودي بين إثيوبيا والسودان، والتي كان ينتشر فيها المستوطنون الإثيوبيون، ولذلك قام الجيش السوداني بطردهم من المناطق المسيطرين عليها جميعها، ومنها مناطق مهمة أخرى مثل جبل حلاوة، وشرق سندس.
وعلّق العو على التعزيزات العسكرية التي أرسلتها أديس أبابا بعد مناورات "حماة النيل" إلى الفشقة، قائلاً إن إثيوبيا محاصرة بصراعات داخلية كافية لإشغالها عن أي حرب مع السودان، ولكنها تريد أن تبعث برسائل مفادها أنها مستعدة لأي قتال، وهذا كذب، وتكشفه وقائع قتال الجيش السوداني الذي استعاد كل أراضيه في الفشقة الصغرى، والكبري، من دون مواجهة أي مقاومة من الجيش الإثيوبي.
ضغوط عرقية على الرئيس الإثيوبي
وحول رد فعل أديس أبابا على التحركات المصرية السودانية الأخيرة، وتأثيرها على الفشقة، أوضح الصحافي الإثيوبي ورئيس تحرير شبكة مستقبل أوروميا جمادا سوتي، لرصيف22، أنه لا يوجد خلاف على تبعية المنطقة للسودان داخل إثيوبيا، باستثناء منطقة الفشقة الصغرى، ومساحتها لا تتعدى 30-40 كم، لأنها حدود دولية مرسومة منذ مئة سنة، ولكن الحديث يدور حول تعويض المزارعين الإثيوبيين الذين تركوا الأرض، وانسحبوا منها.
وتأتي المطالبات الحالية من آبي أحمد للسودان بالانسحاب من المنطقة، ثم التفاوض، بسبب ضغوط الأمهرا عليه، وذلك لأن قرارات آبي أحمد السياسية كلها لصالح حلفائه الأمهرا، الذين ساعدوه في حربه ضد إقليم تيغراي، وهم الداعمون الرئيسيون لحكمه بعد ثورة الأورومو ضده، بحسب سوتي.
"حجم الأراضي الزراعية التي اعتدى عليها الإثيوبيون تُقدّر بنحو مليون فدان، وتُعرف بأراضي الفشقة، وتمتد من سيتيت، وباسلام شرقاً وصولاً إلى منطقة القلابات جنوب القضارف، وتضم الفشقة "أخصب" الأراضي الزراعية في السودان"
وبيّن رئيس تحرير شبكة مستقبل أوروميا، أن الفشقة سيطر عليها المزارعون الأمهرا 30 عاماً، والمسألة أصبحت مسألة استفادة شعب كامل من خيرات تلك المنطقة بحكم الأمر الواقع، وتقسيمها في ما بينهم، ناهيك عن الميليشيات الأمهرية التي مارست السلب والنهب في تلك الأراضي ضد المزارعين السودانيين.
وأردف سوتي أنه وعلى الرغم من تلك الضغوط، فمن المستبعد أن يدخل آبي أحمد في صدام عسكري مع السودان بسبب الفشقة، أو أن يعاون الميليشيات الأمهرية ضد القوات السودانية، وذلك لأنها حدود دولية محددة، ومعترف بها.
مطالب أهل الفشقة
وكشف نائب رئيس تجمع أهل القضارف محمد علي عبد الرحمن، أنه لا تزال هناك مطالبات أهالي الفشقة بالتعويض العادل، جراء سنوات الاحتلال الإثيوبي لأراضيهم، إذ هناك العديد من المواطنين الذين فقدوا مشاريعهم الزراعية لسنوات، واستغلها المستوطنون الإثيوبيون.
وأكد عبد الرحمن لرصيف22، أنه يطالب بالتعويض بمبلغ ٣٠ مليار دولار، هو حجم الخسائر التي مُني بها المزارعون السودانيون طوال فترة الاحتلال.
وطالب نائب رئيس تجمع أهل القضارف بتسليم الأرض لأصحابها فوراً، لزراعتها هذا الموسم، وإعادة الحياة إلى طبيعتها في الحدود الشرقية للبلاد، داعياً الحكومة لتوفير آليات زراعية، وتقديم خدمات تنموية في القرى والمناطق الحدودية، حتى يستطيع مواطنوها العيش هناك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع