منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، في 15 نيسان/ أبريل الماضي، وُجّهت اتهامات إلى قوات الدعم السريع لتجنيدها مرتزقةً من دول غرب إفريقيا ووسطها، وبشكل خاص تشاد، للقتال في صفوفها. يدعم ذلك أنّ القبائل العربية في إقليم دارفور التي تشكل الحاضنة الاجتماعية للدعم السريع، تتداخل بشكل وثيق مع القبائل العربية في تلك الدول، كما أنّها تدعم بعضها سياسياً في إدارة علاقاتها بالأنظمة الحاكمة، وبالقبائل الإفريقية التي دخلت معها في صراعات ممتدة.
حاور رصيف22، شاهداً على عمليات تجنيد مستمرة لتشاديين داخل العاصمة أنجمينا، للدفع بهم إلى صفوف الدعم السريع، تحت إشراف ضباط في الجيش التشادي، كما كشف عن وصول شحنات من الأسلحة والذخائر برفقة هؤلاء المجندين إلى الدعم السريع السوداني، بتمويل وتنسيق من دولة الإمارات العربية المتحدة.
آليات التجنيد
وفق شهادات مواطنين من تشاد جرى تجنيدهم، وقاتلوا في صفوف الدعم السريع، هناك نمطان للتجنيد: الأول عبر خداع الشباب باسم التجنيد في الجيش التشادي، والثاني بالاتفاق مع شباب للقتال مقابل راتب محدد.
بتمويل وتنسيق من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحت إشراف ضباط في الجيش التشادي، عمليات التجنيد مستمرة لتشاديين من أنجمينا، للدفع بهم إلى صفوف الدعم السريع السوداني
التقى رصيف22، شاباً تشادياً يبلغ من العمر 22 عاماً تعرّض للخداع ثم وجد نفسه يقاتل في صفوف الدعم السريع بدلاً من الالتحاق بالجيش التشادي. بدأت القصة باتصال هاتفي تلقّاه الشاب الجامعي من أحد أقربائه، في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أبلغه خلاله بوجود فرصة للتجنيد داخل صفوف الجيش التشادي.
ذكر الشاب هذا أنّ المسؤول عن عملية التجنيد، كان ضابطاً برتبة عقيد في الجيش التشادي، وكان هذا الضابط قد دعا مجموعةً من الشباب الملتحقين للتجنيد، وعددها 38 شخصاً إلى بيته في العاصمة أنجمينا، وأخبرهم بأنّهم سيُنقلون إلى مدينة أم جرس، في أقصى شمال البلاد والقريبة من الحدود مع السودان، لتدريبهم للانضمام إلى الفرقة الخاصة بمكافحة الإرهاب.
مُنح كل فرد في المجموعة، وهم شباب ينحدرون من القبائل العربية في تشاد، مبلغ 250 ألف فرنك سيفا (عملة تشاد)، أي نحو 400 دولار، قبل نقلهم إلى المطار بالسيارات.
صعد الشاب ورفاقه على متن طائرة محملة بالذخيرة من مطار حسن جاموس الدولي في العاصمة التشادية، هبطت بهم في منطقة قريبة من محلية جبرة، في ولاية شمال كردفان، التي تبعد 215 كم عن الخرطوم.
أيقن الشاب أنه تعرّض للخداع حين وجد قوات من الدعم السريع تنتظره ورفاقه حول الطائرة في المطار. استلم الدعم السريع الأسلحة والذخائر، ونُقلت المجموعة التشادية إلى الخرطوم، وتم إنزالهم في إحدى البنايات في شارع الستين. يقول الشاب: "وصلنا إلى الخرطوم على صوت المدافع والصواريخ. كنت مصدوماً ولا أدري ما أفعل. لم أكن جاهزاً أبداً للحياة العسكرية".
مكثت المجموعة التشادية داخل بناية يحرسها الدعم السريع لمدة أسبوع، دون أنّ يتحدث أحدٌ معهم، ولم يتلقوا أي تدريبات عسكرية. ثم لاحقاً تم تدريب المجموعة لمدة أسبوع على فكّ السلاح وتركيبه، وبعد ذلك شاركوا في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع.
خلال ذلك، نجح الشاب التشادي في التواصل مع أحد أقربائه، وهو مُجنّد في صفوف الدعم السريع مقابل راتب شهري، وتمكّن بمساعدته من العودة إلى وطنه تشاد. ورداً على سؤاله عن مصير المجموعة التي ذهبت معه إلى السودان، يذكر أنّها تعيش ظروفاً صعبةً للغاية، فهم متروكون دون عناية أو حتى تدريب عسكري، ويتمّ الزج بهم في المعارك، ولا إمكانية لعودتهم إلا عبر صلات شخصية مع أفراد من الدعم السريع، يساعدونهم كما حدث معه.
صعد أحمد على متن طائرة محمّلة بالذخيرة من مطار العاصمة التشادية، هبطت بهم في شمال كردفان، التي تبعد 215 كم عن الخرطوم. كان أحمد قد التحق بالجيش في عملية تجنيد محلية، ثم أيقن أنه تعرّض للخداع حين وجد قوات من الدعم السريع السوداني تنتظره ورفاقه.
هرباً من الفقر
بخلاف الخديعة التي تعرض لها الشاب الذي حاورناه وزملاءه، التحق مهدي، وهو خريج جامعي تشادي (اسم مستعار)، بصفوف الدعم السريع بإرادته، نظير مبلغ من المال وراتب شهري قدره 500 دولار، بعد أن يئس من إيجاد وظيفة في بلده، التي يعيش نحو 48% من سكانها تحت خط الفقر، بحسب إحصاءات العام 2020.
يقول مهدي لرصيف22: "كنا مجموعةً مكوّنةً من 40 شاباً، انتقلنا في طائرة شحن كانت محملةً بالذخائر والأسلحة من العاصمة أنجمينا باتجاه مدينة أم جرس في أقصى شمال تشاد، وهي منطقة نائية يقطنها عدد قليل من السكان، وفيها مطار كبير يضم أطول مدرج في البلاد".
قابلت قوة من الدعم السريع الطائرة في المدينة التشادية، ونقلت المجندين والأسلحة والذخائر في سيارات دفع رباعي إلى الخرطوم. كان ذلك مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري. يخبر الشاب مهدي رصيف22، بأنّ هناك نحو 140 مجنداً من تشاد وصلوا حديثاً إلى مناطق القتال في السودان للانضمام إلى صفوف الدعم السريع.
لطالما وُجهت اتهامات إلى الدعم السريع بتجنيد أفراد القبائل العربية من تشاد ودول غرب إفريقيا ووسطها في صفوف الدعم السريع، خاصةً بعد صعود نجم محمد حمدان دقلو (حميدتي)، منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير. من جانبها، تنفي قوات الدعم الأمر برمّته.
لكن الأمر الجديد في موضوع التجنيد أنّه يجري من داخل دولة تشاد، بتعاون مع ضباط في الجيش التشادي، وبدعم مالي من دولة الإمارات. تحدّث تقرير نشرته "نيويورك تايمز"، عن تقديم الإمارات الدعم لأحد أطراف الصراع في السودان عبر تشاد، تحت ستار إغاثة اللاجئين السودانيين الذين نزحوا إلى تشاد.
حقيقة الإغاثة الإماراتية
تواصل رصيف22 مع مصادر في مدينة أم جرس عاصمة منطقة "إندي إست" شمال شرق تشاد، ومع جنود تشاديين يعملون في مطار المدينة، التي أقامت فيها الإمارات مستشفى ميدانياً وتدير منها عمليات الإغاثة للنازحين عبر "مكتب التنسيق الإنساني".
أكدت المصادر التي تحفظت على ذكر أسمائها، أنّ الإمارات تدير عمليةً لدعم حليفها قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، في حربه ضد الجيش السوداني. تزوّد أبو ظبي الدعم السريع بالأسلحة الحديثة والذخيرة والطائرات المسيّرة، كما تقوم بإجلاء جرحى الدعم السريع وعلاجهم، وتجري تلك العمليات من مطار أم جرس عبر الحدود مع السودان، حيث تهبط طائرات الشحن الإماراتية بشكل شبه يومي، وهو ما أكده أحد العاملين في المطار، وقد فضّل عدم الكشف عن اسمه.
تحدث رصيف22 مع أحد المجندين في الدفعة الأولى، ضمن عمليات التجنيد الممولة إماراتياً، وذكر أنّ التجنيد يستهدف شباب القبائل العربية، ويستثني القبائل الإفريقية.
أموال أبو ظبي في تشاد
لم يكن للإمارات نفوذٌ كبير في تشاد حتى اندلاع الحرب في السودان. وكان النفوذ الأكبر لدولة قطر التي رعت اتفاق السلام بين السلطة العسكرية الانتقالية والمعارضة السياسية والحركات المسلحة في آب/ أغسطس 2022.
مطلع شهر تموز/ يوليو الماضي، شيّدت الإمارات المستشفى الميداني في مدينة أم جرس، ثم بعد شهر قدّمت دعماً عسكرياً للجيش التشادي، وفق اتفاقية التعاون العسكري التي وقّعها الرئيس التشادي الانتقالي، محمد إدريس ديبي، خلال زيارته لأبو ظبي في حزيران/ يونيو 2023.
ثمة سؤال يُطرح حول مدى معرفة الرئيس الانتقالي التشادي بالدور الإماراتي، خصوصاً عمليات التجنيد لمواطنيه. التقى رصيف22 بضابط في الجيش التشادي، يقول إنّ عملية التجنيد تجري وفق تعليمات من الرئاسة التشادية وبإشراف من كبار الجنرالات داخل الجيش. ويذكر أن التجنيد يستهدف القبائل العربية، وبشكل خاص قبائل الماهرية والمسيرية وأولاد راشد، وهي قبائل تنتمي إليها غالبية مقاتلي الدعم السريع، حيث يتداخل وجودهم بين تشاد والسودان.
وكان سكان من منطقة أم جرس قد نظّموا وقفةً احتجاجية للتنديد بالعمليات التي وصفوها بالمشبوهة داخل مطار المدينة. اتّهم المحتجون الإمارات بالعمل على تغذية الصراع في السودان، عبر استغلال مطار مدينتهم في نقل الأسلحة والأموال والذخيرة إلى قوات الدعم السريع، تحت غطاء الدور الإنساني. وذكر المحتجون أنّ مدينتهم لا تُعدّ محطة لجوء للسودانيين، الذين يتواجدون في منطقة "أدري" الحدودية، التي تُعدّ "أبشي" أقرب المدن إليها لا أم جرس. وبحسب تقرير نشرته "BBC" عن اللاجئين السودانيين في تشاد، لا تُعدّ مدينة أم جرس مكان عبور للاجئين من السودان.
في السياق نفسه، حذّر رئيس الحزب الاشتراكي المعارض، يحيى ديلو جرو، عبر صفحته على فيسبوك، من الدور الإماراتي في بلاده، وكتب: "العلاقات بين المجلس العسكري والإمارات علاقات سامّة، وتتطلب قدراً من الشفافية حتى يعرف الشعب التشادي السبب الحقيقي لوجود هذه الدولة في تشاد. ويجب ألا تكون التنمية ذريعةً للتمويل والاتّجار الغامضَين. نحن لا نريد ذلك؛ لأننا نعرف التأثيرات المدمرة لهذا التعاون الغامض".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 14 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 20 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com