يبدو أنّ الولايات المتحدة باتت أكثر ميلاً لدعم الوساطة الأفريقية في الأزمة السودانية، من خلال الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، التي عقدت قمة غير عادية في جيبوتي لبحث الأزمة السودانية، حظيت بحضور أفريقي وإقليمي وغربي كبير. وفي ظل رئاسة جيبوتي الدورية للهيئة شبه الإقليمية، فمن المنتظر أن تلعب دوراً أكبر في الأزمة السودانية، لما تتمتع به من علاقات جيدة مع الجيش السوداني، بخلاف معظم الأعضاء الآخرين الذين يتخذون موقفاً أقرب إلى الدعم السريع.
ذروة الأزمة السودانية
استضافت جيبوتي الاجتماع (41) للقمة غير العادية للهيئة الحكومية للتنمية، التي تضم في عضويتها: جيبوتي وإريتريا وكينيا وإثيوبيا والسودان والصومال وأوغندا وجنوب السودان، وذلك في 9 كانون الأول/ ديسمبر الجاري. شهدت القمة التي خُصصت لبحث الحرب في السودان مشاركة عبد الفتاح البرهان على رأس وفد بلاده، بصفته رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وحضور رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء، إلى جانب المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي والمبعوث الأممي للسودان ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، والعديد من الممثلين الأوروبيين والإقليميين والعرب.
تتشارك ثلاث منها الحدود مع السودان، ويتمتع أعضاؤها بعلاقات قوية مع القوى السياسية في السودان والجيش والدعم السريع، فضلاً عن تشارك مخاطر استمرار الحرب هناك… أي دور يمكن أن تلعبه هيئة الإيغاد في إنهاء الأزمة السودانية؟
لكن القمة التي كان مفترضاً لها أنّ تحقق تقدماً في حلحلة الأزمة في السودان، تحولت إلى عقبة أمام الحل، بعد الخلاف بين وزارة الخارجية السودانية وسكرتارية الهيئة، بسبب البيان الختامي للقمة، الذي رفضه السودان.
تضمن البيان الختامي عدة نقاط رفضتها الخارجية السودانية، وتشمل: الحديث عن لقاء غير مشروط بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، والإشارة إلى مكالمة هاتفية جمعت زعماء دول الهيئة بقائد الدعم السريع، والإشارة إلى مشاركة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية شخبوط بن زايد آل نهيان في القمة، والإشارة إلى المشاورات التي عقدتها الهيئة مع ممثلين عن الدعم السريع على هامش القمة، وعدم الإشارة للمبادرة المصرية لحلّ الأزمة السودانية. تبعاً لذلك أعلنت الخارجية السودانية أنّ "السودان لا يعتبر هذا البيان يمثل ما خرجت به القمة، وأنه غير معني به حتى تقوم رئاسة إيغاد وسكرتاريتها بتصحيح ذلك".
كذلك، اشترط البرهان في كلمته أمام القمة خروج قوات الدعم السريع من الخرطوم قبل لقاء قائدها، وإقرار وقف دائم لإطلاق النار في البلاد، مشدداً على حقّ الجيش وحده في احتكار السلاح.
وقال لرصيف22 مسؤول في الخارجية السودانية، فضل عدم الكشف عن اسمه، إنّه في ما يخص جهود السلام في السودان نتعامل مع هيئة الإيغاد بصفتها منظمة إقليمية، لا مع الدول الأعضاء فرادى، مضيفاً أن السودان غير معني بما صدر عن الهيئة عقب القمة الأخيرة، ومشدداً على أنّ الكرة الآن في ملعب الهيئة إن أرادت الاضطلاع بدور في جهود السلام.
لم يكن هذا الصدام مع هيئة الإيغاد الأول من نوعه، فمنذ تشكيل اللجنة الرباعية للهيئة - التي ضمت كينيا وإثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان، برئاسة الرئيس الكيني ويليام روتو - أعلن السودان تحفظه على رئاسة كينيا للجنة، ثم احتج على اجتماع عقدته اللجنة في إثيوبيا، وهدد بالانسحاب من الإيغاد.
لتجاوز هذه الخلافات مع دول الهيئة، قام البرهان بجولة خارجية إلى دول الإيغاد في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، شملت كينيا وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي، واتفق خلالها مع سكرتارية الإيغاد على عقد القمة غير العادية التي استضافتها جيبوتي، لتبني خطوات تؤدي لوقف الحرب في السودان.
وساطة على المحك
بحسب البيان الختامي لقمة جيبوتي، الذي رفضته الخارجية السودانية، فمن المفترض عقد اللقاء المباشر بين البرهان وحميدتي قبل نهاية العام الجاري، والدفع نحو اجتماعات ذات صبغة سياسية أوسع، مع استمرار الدور الكيني في رئاسة اللجنة الرباعية.
تعقيباً على البيان الختامي لقمة جيبوتي، كشف وزير الخارجية السوداني المكلف، علي الصادق، عن تدخل أطراف خارجية وضغوط من جهات أفريقية وإقليمية على الهيئة أدت إلى عدم استيعاب ملاحظات وزارته على مشروع البيان الذي أرسل إليها في اليوم التالي لانعقاد القمة.
الدور الأفريقي لا سيما للإيغاد ودول الجوار أصبح مهماً جداً في المعادلة، ومن المهم أن تلعب الإيغاد والاتحاد الأفريقي دوراً أساسياً في إنجاح منبر جدة عبر المشاركة فيه ودفع الطرفين للوصول لاتفاق لوقف الأعمال العدائية.
كما كشف الصادق عن تلقي اتصال هاتفي من نظيره الجيبوتي قبل يوم من القمة، نقل إليه رغبة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي في دعوة قيادات من الدعم السريع لحضور القمة. قال الصادق: "أبلغناه رفضنا لحضور أي ميليشيا أو متمردين باعتبار أن القمة معني بها زعماء دول المنطقة فقط"، معتبراً ما جرى "مؤامرة تستهدف السودان".
من جهته، قال عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع عمران عبد الله حسن، إنهم يدعمون ويرحبون بجميع الوساطات التي من شأنها إيقاف معاناة الشعب السوداني، مؤكداً ترحيبهم بنتائج قمة إيغاد. وكشف لرصيف22 أنّ قوات الدعم تلقت دعوة لحضور القمة، لكنها اشترطت أنّ يكون حضور الطرف الآخر كممثل للقوات المسلحة فقط، لا دولة السودان، موضحاً أنّ وفد الدعم لم يحضر الجلسة بسبب حضور البرهان بصفته رئيس مجلس السيادة الانتقالي.
وتابع: "البرهان الانقلابي لا يملك الشرعية الدستورية أو القانونية، ولا الشرعية على الأرض التي تؤهله للمنصب". وأكد على رغبة الدعم السريع في وقف إطلاق النار والمضي قدماً في عملية سياسية بشرط أن تقود إلى "معالجة جذور الأزمة السودانية".
ويتهم الجيش السوداني كلاً من إثيوبيا وكينيا باتخاذ موقف قريب من الدعم السريع، ويعتبر حضور الوزير شخبوط بن زايد آل نهيان إلى جيبوتي والإشارة إليه في بيان القمة الختامي، بعد إعلان الخرطوم أنّ 15 دبلوماسياً إماراتياً غير مرغوب فيهم على الأراضي السودانية، وإغفال الإشارة إلى جهود مصر من خلال مبادرتها، بمثابة انحياز واضح من الوساطة الأفريقية إلى الدعم السريع، وهو ما يهدد جهود تلك الوساطة التي تعتبر الأمل المتبقي لإحراز تقدم في الأزمة السودانية بعد تعليق منبر جدة.
"ما عجز عنه منبر جدة لا تستطيع أن تحققه الإيغاد" مقابل "جيبوتي دولة مهمة ولها دور ضروري لتوفيق الأوضاع بين الأطراف داخل الإيغاد"... الوساطة الأفريقية لإنهاء الحرب في السودان هل تنقذها جيبوتي؟
أي دور لجيبوتي؟
السؤال المهم هنا: هل يمكن لجيبوتي - بصفتها الرئيس الحالي لهيئة الإيغاد والبلد المستضيف لمقر الهيئة - أنّ تعالج مخاوف الجيش السوداني، حفاظاً على عدم انهيار وساطة الهيئة؟
برأي القيادي في قوى الحرية والتغيير والمتحدث باسم حزب الأمة القومي مصباح أحمد، فإن "جيبوتي دولة مهمة ولها دور ضروري لتوفيق الأوضاع بين الأطراف داخل الإيغاد"، مشيراً في حديثه لرصيف22 إلى أنّها "دولة مقبولة من الطرفين المتصارعين، خاصة في ظل حالة التوتر مع أعضاء في اللجنة الرباعية، وتحفظ الجيش السوداني على رئاسة اللجنة".
وأضاف أنّ "الدور الأفريقي لا سيما للإيغاد ودول الجوار أصبح مهماً جداً في المعادلة، ومن المهم أن تلعب الإيغاد والاتحاد الأفريقي دوراً أساسياً في إنجاح منبر جدة عبر المشاركة فيه ودفع الطرفين للوصول لاتفاق لوقف الأعمال العدائية".
كما اعتبر المتحدث باسم حزب الأمة القومي أن منبر جدة يحتاج لهذا الدعم ويحتاج كذلك لمشاركة كافة الأطراف المعنية بالأزمة في السودان، بما في ذلك الأطراف المدنية التي لها دور أساسي في تهيئة الأجواء والتوافق مع بعضها، من أجل الوصول لعملية سياسية شاملة تخاطب جذور الأزمات وتضع أسس ومبادئ إنهاء الحرب، وأسس المشروع الوطني الذي يحقق الاستقرار والتحول المدني الديمقراطي وإعادة البناء لما دمرته الحرب، على حد قوله.
من جهته، لفت الخبير الدبلوماسي السفير علي يوسف إلى أنّ جيبوتي "ظلت على علاقة وثيقة مع السودان في كافة المجالات على امتداد سنوات ما بعد الاستقلال، وهي على قائمة أقرب أصدقاء السودان على المستويين العربي والأفريقي"، مضيفاً أنّ التفاؤل ساد بين الجميع بعد انتقال رئاسة الهيئة إليها، ورئاستها القمة الأخيرة، غير أنّ سكرتارية الهيئة عبثت بمخرجات القمة فتسببت في الأزمة. هذا علماً أنّ السكرتير التنفيذي لهيئة إيغاد هو دبلوماسي إثيوبي.
مع ذلك، قال السفير علي يوسف إنّ أمام جيبوتي فرصة لموازنة جهود الإيغاد، بما ينعكس إيجاباً على إعادة جهود السلام في السودان إلى مسارها الصحيح، لافتاً إلى أنّ "نوايا جيبوتي في مساعدة السودان صادقة".
وتتشارك ثلاث دول من هيئة الإيغاد الحدود مع السودان، وهي إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان، وتتمتع هذه الدول بعلاقات قوية مع القوى السياسية في السودان والجيش والدعم السريع، فضلاً عن تشارك مخاطر استمرار الحرب في السودان. مع ذلك، فأهمية هيئة الإيغاد لا تنبع من الهيئة ذاتها، بقدر ما تحظى به من دعم أمريكي وغربي كبير كوسيط في الأزمة السودانية، وفي هذا السياق تنبع أهمية جيبوتي بالنسبة للجيش السوداني، نظراً لعلاقاتها الوطيدة مع المؤسسات الرسمية التي تدعم الجيش. كما أنّ استمرار وجود وساطات يشارك فيها طرفا الحرب مهمة لهما لرفع الحرج الدولي عنهما، وفرملة الإجراءات العقابية بحقهما من الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي، حتى لو لم تصل الوساطات إلى شيء جاد.
لكن الخبير العسكري عمر أرباب، له رأي آخر أبداه لرصيف22 وهو أن إيغاد لا قدرة لها على إحداث اختراق أو ممارسة أي شكل من أشكال الضغوط على الطرفين المتحاربين في السودان. وأضاف أنّ الأطراف التي لديها القدرة على الضغط على المتحاربين، هي الأطراف التي تقدم مساعدات إنسانية، أو لديها القدرة على فرض عقوبات اقتصادية أو قطع خطوط إمداد، أو لديها القدرة على التدخل العسكري المباشر، وهذه العوامل لا تتوفر في دول الإيغاد.
وشدد الخبير العسكري على أنّ مسألة رئاسة كينيا أو جيبوتي قضية ليست ذات معنى، وأن المنبر الأقوى الآن هو منبر جدة، وما عجز عنه منبر جدة لا تستطيع أن تحققه الإيغاد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...