شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل رفعت السعودية يدها عن جهود الوساطة لحل الأزمة السودانية؟

هل رفعت السعودية يدها عن جهود الوساطة لحل الأزمة السودانية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 19 ديسمبر 202301:49 م

بعد سبعة أشهر من الإعلان عن الوساطة السعودية المدعومة من الولايات المتحدة بين طرفي الحرب في السودان، أعلنت الرياض عن تعليق المفاوضات بين الجيش السوداني والدعم السريع إلى أجل غير مسمى، لعدم التزام الطرفين بالتعهدات التي وافقا عليها، وعدم إحراز تقدم يُذكر في المفاوضات نتيجة تعنت الفرقاء.

تعتبر السعودية الدولة الأكثر قدرةً على الوساطة بين أطراف الصراع في السودان، لما تتمتع به من علاقات متوازنة مع الجميع، سواء مع طرفي الحرب، والفرقاء السياسيين من القوى المحسوبة على الثورة والأخرى المرتبطة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير. فهل ترفع الرياض يدها نهائياً عن الوساطة؟ أم هل تحتاج إلى طرح رؤية أكثر شمولاً لحلحلة الأزمة؟

الرياض والطرفان المتحاربان

ارتبطت السعودية بعلاقات متوازنة مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ اشتراك الطرفين في حربها في اليمن في العام 2015، إذ كان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" مسؤولين عن القوات السودانية التي شاركت في حرب اليمن، إلى جانب التحالف العربي بقيادة السعودية وحليفتها الإمارات.

عقب أسابيع من اندلاع الحرب في الخرطوم، منتصف نيسان/ أبريل 2023، أعلنت السعودية استضافة وفدي الجيش والدعم السريع في مدينة جدة الساحلية، بدعم من الولايات المتحدة من أجل التوصل لوقف للأعمال العدائية كهدف أساسي، والتخفيف من التبعات الكبيرة على المدنيين كهدف مرحلي، في ما عُرف بـ"منبر جدة التفاوضي". نجحت الوساطة السعودية في التوصل لترتيبات إنسانية شملت وقفاً قصيراً لإطلاق النار عُرف باسم "إعلان جدة لحماية المدنيين"، في 20 أيار/ مايو الماضي، ثم اتفاق حول "التزامات العمل الإنساني" في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

تعتبر السعودية أكثر الدول قدرةً على الوساطة بين أطراف الصراع في السودان، لما تتمتع به من علاقات متوازنة مع جميع الأطراف. هل ترفع يدها عن الوساطة لحل الصراع؟ ما هي السيناريوهات المحتملة إن حدث ذلك؟

لكن مطلع كانون الأول/ ديسمبر الجاري، قررت الوساطة السعودية الأمريكية تعليق المفاوضات بين وفدي الجيش والدعم السريع إلى أجل غير مسمى، بعد إخفاق الطرفين في الالتزام بمتطلبات العمل الإنساني وفق الاتفاق الموقع، نتيجة تمسك الجيش بخروج الدعم السريع من المدن، وهو الطلب الذي رفضه الدعم.

الجدير بالذكر أنّ المفاوضات في جدة لا تجري مباشرة بين وفدي الجيش والدعم السريع، بل بشكل غير مباشر عبر الميسرين من السعوديين والأمريكيين بجانب ممثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد.

يرى مستشار قائد قوات الدعم السريع، الباشا محمد طبيق أنّ الرياض لعبت أدواراً كبيرة لإنهاء الصراع في السودان، واجتهدت كثيراً لجمع أطراف الحرب في منبر جدة، وهيّأت الظروف المناسبة للتفاوض في الجولة الأولى، مضيفاً أنّها نجحت في إقناع الطرفين المتحاربين بتوقيع هدن إنسانية قصيرة المدى، ولولا تعنت الجيش لتم توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية، على حد قوله.

ويقول لرصيف22 إن "السعودية ومعها الولايات المتحدة نجحتا في الحصول على دعم الأطراف الإقليمية الفاعلة لمنبر جدة، ليكون المنبر الفاعل لمفاوضات إنهاء الحرب، بما في ذلك دول جوار السودان والاتحاد الأفريقي ودول منظمة إيغاد وجامعة الدول العربية"، لافتاً إلى "الدور الإنساني الكبير للمملكة في إغاثة الشعب السوداني".

وحول موقف الدعم السريع من الوساطة السعودية، يثمّن مستشار قائد قوات الدعم السريع هذه الجهود، مؤكداً أنّ للمملكة مصلحة حقيقية في وقف الحرب ورفع المعاناة عن الشعب السوداني، حرصاً على أمن واستقرار البلاد. 

وتعقيباً على إعلان الرياض وواشنطن تعليق مفاوضات جدة، يلفت الباشا طبيق إلى أنّ الفرصة لا تزال كبيرة أمام المملكة للتوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب، مؤكداً تمسك الدعم السريع بالمنبر كمسار وحيد لرعاية واستضافة مفاوضات إنهاء الحرب في السودان. منوّهاً إلى أنّ نجاح جهود منبر جدة مرتبط بـ"إبعاد العناصر الإسلامية المتطرفة عن صناعة القرار داخل الجيش".

الجيش فضّل منبر جدة لأنّ وساطة الاتحاد الأفريقي كانت تميل لصالح الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير، بينما كانت المبادرة المصرية غير فعالة بدرجة كافية، رغم أنها جمعت دول جوار السودان الثماني.

فقدان الزخم

في السياق ذاته، يرى ضابط عسكري متقاعد، فضل عدم ذكر اسمه، أنّ أسباب إخفاق المفاوضات بين الجيش والدعم في منبر جدة، هو عدم جدية الطرفين في وقف القتال، ظناً أنّ الطريق الوحيد لحسم الصراع هو الحرب. ويقول لرصيف22: "رغم ذلك، فالأمر المرجح هو العودة للمفاوضات استجابةً للضغوط الكبيرة التي تُمارس على الطرفين المتحاربين، من الخارج والداخل، ولغياب حسم قريب للأزمة عسكرياً. ولهذا، فمن المحتمل أنّ يوافق الجيش والدعم على إعلان هدنة إنسانية طويلة الأجل، توفر الظروف لتخفيف المعاناة الإنسانية على المدنيين".

لكن الضابط المتقاعد يحذر من "تحايل طرفي الحرب على الضغوط الدولية، بعدم الالتزام بالاتفاقيات التي يوقعان عليها، من خلال انتهاك وقف الأعمال العدائية وتبادل الاتهامات بالمسؤولية".

مقارنة بالجهود الإقليمية الأخرى للوساطة في الأزمة، يرى الضابط السوداني المتقاعد أنّ الجيش فضّل منبر جدة لأنّ وساطة الاتحاد الأفريقي كانت تميل لصالح الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير، بينما كانت المبادرة المصرية غير فعالة بدرجة كافية، رغم أنها جمعت دول جوار السودان الثماني.

لكن الجيش مع تمسكه بمنبر جدة لا يقبل بتدخله في العملية السياسية، وهو ما شدد عليه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان خلال حضوره القمة الإسلامية الأفريقية الأخيرة في الرياض، حيث أكد للقيادة السعودية الالتزام بإعلان جدة الذي يؤسس للعملية الإنسانية، دون أن يكون لذلك علاقة بالعملية السياسية. حدد البرهان شرط الجيش لإحراز تقدم في المفاوضات، وهو إخلاء قوات الدعم السريع لمنازل المواطنين والمستشفيات والمرافق الحكومية، وتحديد تواجدها في أماكن تجمع محددة.

على جانب آخر، أدى انشغال الولايات المتحدة بتفاقم الأوضاع في أوكرانيا والوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إلى تراجع أولوية الأزمة السودانية لدى الإدارة الأمريكية، وبالتالي تراجع حضورها في منبر جدة، ما أفقده الزخم الذي تمثّله واشنطن، التي لا ترى أطراف الحرب في السودان جادين في إنهاء الأزمة.

 في السياق نفسه، فإن صعوبة التواصل مع قائد الدعم السريع، حميدتي، تعتبر العقبة الأهم أمام إحراز تقدم في منبر جدة أو المسارات الأخرى. كان لدى السعودية طرحاً يقوم على جمع البرهان وحميدتي في مفاوضات مباشرة من أجل تسريع عملية التفاوض، بدلاً من اللقاءات غير المباشرة التي تستهلك الوقت ولا تضمن التزام المتحاربين بالمخرجات، لكن الوساطة السعودية لم تستطع التواصل المباشر مع حميدتي.

السيناريو المطروح في منبر جدة يمثّل تحدياً لاستمرار المنبر في تقديم حلول مقبولة من جميع الأطراف حيث تحاول الحرية والتغيير والدعم السريع توسيع مهام المنبر من العمل الإنساني إلى التسوية السياسية الشاملة، بعكس الجيش السوداني الذي يصر على أن يتناول الجوانب الإنسانية فقط

تسوية سياسية واسعة

علاوةً على ما سبق، يتأثر منبر جدة سلباً بتوجهات الإقصاء السائدة لدى الفاعلين في السودان؛ تطالب قوى الحرية والتغيير المكون السياسي الأبرز بإقصاء الجيش من العملية السياسية، بينما لا تمانع حضور الدعم السريع التي يتهمها الجيش بدعمه. تعوّل الحرية والتغيير على نجاح منبر جدة التفاوضي، الذي يجعل الجيش والدعم السريع جهتين على قدم المساواة، بخلاف ما يرى الجيش. 

يقول عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير محمد عصمت يحيى لرصيف22 إنّه "ليس من الغريب أن تتصدى المملكة لحل قضية الحرب الدائرة في السودان الآن بما تملكه من رصيد أخوي لدى قطاعات الشعب السوداني بأكمله"، مؤكداً أنّهم - أي الحرية والتغيير - يعولون على قيام المملكة بدور كبير في إنهاء الحرب وما بعد ذلك. كذلك  على مكانة المملكة لدى الشعب السوداني وعلاقاتها الواسعة بالمجتمعين الإقليمي والدولي، مشيداً بما حققه منبر جدة من نجاحات، ومتوقعاً أنّ ينجح منبر جدة في المستقبل في التوصّل إلى وقف لإطلاق النار.

بدوره، يرى خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الإستراتيجية في الخرطوم، اللواء متقاعد إسماعيل محجوب، أنّ التعويل على خيار الحرب لحسم الصراع غير ممكن، لتبعاته الكبيرة إنسانياً وموقف المجتمع الدولي والإقليم والداخل الرافض للحرب، موضحاً لرصيف22: "منبر جدة هو المكان المناسب للتوصل لاتفاق لإنهاء الحرب". 

ويتوقع الضابط السابق بالجيش السوداني أنّ تدعو المملكة لعقد مؤتمر سوداني جامع لحلّ الأزمة بحضور جميع أصحاب المصلحة، على غرار احتضان الاجتماعات اللبنانية إبان الحرب الأهلية، والتي أدت إلى توقيع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية. لتحقيق ذلك يرى مجذوب، ضرورة توافق القوى الإقليمية والدولية على برنامج محدد، يوقع عليه طرفا القتال في السودان، ويمهد لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية انتقالية، بمشاركة القوى السياسية.

ختاماً، فإن السيناريو المطروح في منبر جدة يمثّل تحدياً لاستمرار المنبر في تقديم حلول مقبولة من جميع الأطراف، حيث تحاول الحرية والتغيير والدعم السريع توسيع مهام المنبر من العمل الإنساني إلى التسوية السياسية الشاملة، التي تضمن لهما المشاركة في تشكيل المشهد السياسي والعودة إلى الحكم بالطريقة الإقصائية التي قادت إلى الحرب في المقام الأول، بينما يصر الجيش على أن يتناول منبر جدة القضايا الإنسانية فقط دون السياسية، ولن تُناقش فيه أي رؤى سياسية أو محادثات لما بعد الحرب.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image