الحب، الشغف، حكايات الطفولة والفرح، كلها صور حنين يخطوها الراقص والفنان التشكيلي فادي خوري، عبر سيرته الذاتية التي تحمل قصص ماضيه وشغفه في الرقص مذ كان عمره ثلاث سنوات، فوالده كان مدير فرقة التراث الشعبي العراقي وأمه ناشطة في السياسة وحقوق الإنسان. هكذا ترعرع فادي في بيت يحمل الكثير من الحب والدعم.
صندوق مقفل على ذكريات عمرها ستة وثلاثون عاماً، يفتحه فادي خوري لرصيف22، هو السوري الأصل الذي وُلد وعاش طفولته في العراق قبل أن ينتقل إلى لبنان مع أهله في عمر الثالثة عشرة وبعدها إلى نيويورك في بداية العشرينات، ليحترف فن الرقص الكوريغرافي وينشئ فرقةً للرقص خاصةً به.
"في حب بغداد"
في بغداد أولى الحكايات التي خاطها فادي مع جدته التي كانت تتقن حياكة الفساتين الصاخبة بألوانها وأشكالها. كان حاضراً ومسحوراً بجمالها، وبين الألوان كان ينمو شغفه وحبه للرسم والرقص ويعبّر عنه من خلال حفلات العائلة التي كانت تقام في دارتهم.
يذكر فادي الحكاية ويرويها لرصيف22: "لم تكن الحرب بين العراق وإيران عائقاً أمامنا لنعيش حياة مسالمة يغمرها الحب، فأنا أعشق الفن والموسيقى والرسم، ومحظوظ جداً بعائلتي التي تعرف معنى الإنسان وتحترم الفن، كما عشت في كنف جدتي أيضاً التي كانت تخيط فساتين بألوان تبهرني، وفي عمر الرابعة لا أعرف كيف خطر لها أن تُلبسني فستاناً من تصاميمها وكنت مذهولاً به، وما زلت أحتفظ بصورتي وأنا أرتديه حتى الآن. كان الفستان الحلم، رأيتني فيه فناناً استعراضياً على المسرح يومها، وكنت ألبسه دائماً وأغوص في أحلامي".
"لم أكن ذلك الطفل الذي يحب أن يلعب بالطابة او يدخل في عراك مع أطفال آخرين. كان الفن هو الواقع الوحيد الذي أعيشه وأهرب فيه من الضغوط المفروضة من المجتمع"
وأضاف: "كانت عائلتي الداعم الأول لي منذ الطفولة، وكان يفرحها أن أترجم موهبتي وشغفي بالرسم والخياطة والرقص برغم صغر سنّي. لطالما شعرتُ بنفسي راقصاً استعراضياً. كانت أعياد الميلاد والأعراس البرهان الأكبر على موهبتي. كنت أقف في الوسط وأرقص للجميع كأنني أقدّم عرضاً راقصاً للجمهور ولم أكن في وقتها قد تخطيت الثالثة من عمري، ولم يكن هناك تمييز جندري في مفهومي بل كان الفن فقط هو الفكرة الطاغية".
وعن مشاعره في ذلك الوقت، قال خوري: "أول المفاهيم التي بدأت تتغير في حياتي عندما كبرت قليلاً، بين المسموح والممنوع للفتيان، والذي اعتبرَه أهلي نوعاً من الحماية ضمن المجتمع الذي كنا نعيش فيه، كان الخوف الحاجز الأول بيني وبين حقيقتي، الخوف من الرفض والإهانة من المحيط الخارجي، فأنا لم أكن ذلك الطفل الذي يحب أن يلعب بالطابة او يدخل في عراك مع أطفال آخرين. كان الفن هو الواقع الوحيد الذي أعيشه وأهرب فيه من الضغوط المفروضة من المجتمع".
"بيروت كانت موطن الفن"
كشف فادي خوري أن واقع الحياة في بيروت تغيّر: "برغم صعوبة الحياة في هذه المدينة والهجرة النهائية من العراق وفقدان التواصل مع عائلتنا الكبيرة، إلا أن بيروت كانت موطن الفن بالنسبة لي، أكملت فيها تعليمي المدرسي والجامعي في الفنون التشكيلية وإدارة الأعمال، واستطعت أن أنخرط في الحياة الفنية باحتراف منذ أن كان عمري خمسة عشر عاماً، وكنت أذهب بعد المدرسة مع والدي إلى المركز الذي يعلم فيه رياضة التمدد وصفوف الرقص".
"تصالحت مع فكرة أني مثلي منذ أربع سنوات، وأعدت ترتيب المشاعر في داخلي، فهذه المدينة تسمح لنا بأن نعيش حريتنا ومشاعرنا دون أحكام مسبقة، بالإضافة إلى اكتشاف الذات، الرغبات، الأحلام وكلها كانت نقطة بداية جديدة في حياتي العاطفية"
وبالرغم من رفض والده أن يحترف فن الرقص، إلا أن فادي كان متمسكاً بشغفه إلى أقصى حد: "بدأت رحلتي في صفوفه ثم انتقلت لتعلم رقص الباليه في مدرسة أليس مسابكي، ومن بعدها أتحيت لي فرصة أن أكون راقصاً في عروض الرحابنة وأول ظهوري معهم كان في مسرحية "آخر يوم" واستمررت معهم لمدة عامين وكانت مرحلةً انتقاليةً في مسيرتي الفنية وحياتي العائلية أيضاً، كما كنت راقصاً في فرقة كركلا لمدة أربع سنوات، وكانت وجهتي النهائية نيويورك حيث اكتشفت الحب والفن بطريقة مختلفة عمّا اختبرته في لبنان".
"التصالح مع الهوية الجندرية"
يرى خوري أن نيويورك مدينة قاسية والمنافسة فيها عالية للمهاجرين/ ات، غير أن الحلم الأساس بالنسبة له كان أن يحقق نفسه في مجال الفن والرقص.
وعن التصالح مع هويته الجنسية، قال فادي: "غصت في هذا العالم الواسع وعشت قصص حب مع نساء يكبرنني في العمر، كنّ شريكاتي في الرقص، كان الحب هو دافعي الأول للعلاقة واختبرت الجنس مع النساء بحيث أنني لم أكن أود الاعتراف بميولي الجنسية وعشت هذا النكران لسنوات طويلة، لكن الحياة تواجهنا في محطات مفصلية، لنسأل: هل هذه حقيقتنا؟".
وتابع: "تصالحت مع فكرة أني مثلي منذ أربع سنوات، وأعدت ترتيب المشاعر في داخلي، فهذه المدينة تسمح لنا بأن نعيش حريتنا ومشاعرنا دون أحكام مسبقة، بالإضافة إلى اكتشاف الذات، الرغبات، الأحلام وكلها كانت نقطة بداية جديدة في حياتي العاطفية، وشغفي الأساسي أي صناعة الفن الكوريغرافي".
"تحقيق الحلم"
كانت رحلة فادي خوري مع الرقص في نيويورك "استثنائيةً"، وفق وصفه: "كان عليّ أن أتقبل في البداية أنني لست بالخبرة التي كان عليها الراقصون في أمريكا، مع أنني كفنان في عمر الثانية والعشرين حينها كانت لديّ الخبرة الكافية لكنهم كانوا يتفوقون عليّ بالقدرة الجسدية خاصةً أن حياة الراقصين/ ات في أمريكا عبارة عن تدريبات مكثفة ومراحل عالية جداً، وفي نيويورك نبقى طلاباً إذ نتعلم ما هو جديد في الفنون الراقصة، لكن وجودي في أمريكا بين مجتمع الراقصين/ ات كان الفرصة المثالية لي لأتقدم وأثبت موهبتي وأقدّم عروضاً محترفةً، وكان جميع من حولي يؤمنون بموهبتي ويتوقعون وصولي إلى عروض برودواي وعروض مسرحية راقصة وأنا ضمنياً كنت أعشق عروض الباليه والرقص الكلاسيكي الذي يتطلب سنوات طويلةً من التدريبات، وهذه التحديات كانت الأساس في وصولي إلى الاحتراف ودرست في مدارس عدة للرقص وكان تغيّر كبير في حياتي، إلى أن أصبحت مدرباً ومؤسس فرقة متخصصة بالرقص وتقديم العروض هنا، اسمها " FJK Dance".
"كان الحب هو دافعي الأول للعلاقة واختبرت الجنس مع النساء بحيث أنني لم أكن أود الاعتراف بميولي الجنسية وعشت هذا النكران لسنوات طويلة، لكن الحياة تواجهنا في محطات مفصلية، لنسأل: هل هذه حقيقتنا؟"
وعن هذه المدرسة، قال: "أسستُ هذه المدرسة في العام 2014، وهي متخصصة في الرقص المعاصر والتدريب وتحضير العروض الجاهزة للإنتاج، وأنا شخصياً أقوم بتأليف الرقصات وتصميم الملابس وانتقاء الموسيقى، كما اخترعت ما يُسمّى بلقاء الحضارات من خلال الموسيقى والرقص. على سبيل المثال، يلتقي بعض الراقصين السوريين واللبنانيين ليقدموا عرض سامبا أو تشاتشا ويدخل ضمن الموسيقى إيقاع طبلة ورقّ، ولباس مختلط بين الحضارتين. قدّمت هذا الانصهار الحضاري للجمهور الأمريكي، وقد شكّلت فناً مختلفاً ومميزاً لهم. وكانت عشر سنوات من رؤيتي الخاصة لتجاربي وما عشته من خبرات في هويتي الجنسية ورؤيتي للدور الجندري ووجدت من خلال الرقص الحرية الحقيقية بأكثر الطرق سلاماً وحباً وتناغماً".
وأضاف: "شاركني العديد من الفنانين/ ات والراقصين/ ات في هذه المهمة، واستطاعوا/ استطعن سماع الموسيقى العربية وتقديمها على المسرح، وما أتمناه حقاً أن تصل هذه العروض إلى العالمية وخاصةً الشرق الأوسط. وأشير هنا إلى أنني الراقص العربي الوحيد المحترف الذي يقدّم عروض الباليه والكوريغرافي في نيويورك وأمريكا إجمالاً وذلك يعود لأسباب اجتماعية عدة، بالإضافة إلى عدم وجود الدعم الكافي الذي يشكل عائقاً أمام تقدّم بعض الراقصين/ ات".
أما بالنسبة إلى الدعم الذي يقدّمه فادي خوري لمجتمع الميم-عين، فيجيب: "لطالما كنت داعماً لمجتمع الميم-عين وذلك منذ تواجدي في نيويورك، حتى قبل تصالحي مع هويتي الجندرية من خلال منظمة Lebmash، خاصةً في الحفلات الخيرية التي تقيمها المؤسسة. كنت أقدّم عروضاً خاصةً بالحفل، كما أنني ألتقي بأفراد من مجتمع الميم-عين في التجمعات العامة والأماكن الليلية، وهذا أيضاً جزء من الدعم الذي أحب أن أتشاركه معهم/ نّ، وأشير هنا إلى أن الفن الذي أقدمه للجميع".
وختم فادي خوري حديثه بالقول: "إذا كان لدى الإنسان حلم حققه، وإذا شعر بأنه بإمكانه صنع حقيقته الخاصة فليس عليه أن يتردد، الفن هو المساحة الآمنة للأحلام التي نستطيع التحكم بها ونستطيع اختبار ردود فعل الناس بكثير من السلام والأمان، وبالنسبة لي كان عليّ أن أرمم ما في داخلي للوصول إلى الفنان الذي أودّ أن أكونه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...