عادةً ما ارتبطت طبيعة العلاقة بين الإمارات والصومال بالشخص الذي يسكن "فيلا صوماليا"، القصر الرئاسي في العاصمة مقديشو. ففي عهد الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو توترت العلاقات بين البلدين إلى حد القطيعة، وبعد تولي الرئيس الحالي حسن شيخ محمود الرئاسة تغيّر الحال، وباتت الإمارات الدولة صاحبة النفوذ الأكبر في البلاد.
يطرح ذلك تساؤلات عديدة حول أهداف وتداعيات النفوذ الإماراتي في الصومال. علماً أنّ الوجود الإماراتي كعادته يسير في علاقة عكسية مع الوجود القطري في الصومال، فحيث كان لدولة نفوذ يتضاءل نفوذ الأخرى. في عهد فرماجو كان النفوذ لدولة قطر، التي كان يُنسب إليها الدور الأكبر في توليه الرئاسة عبر المال السياسي، وهو الدور الذي يُقال إن الإمارات لعبته لاحقاً مع حسن شيخ.
النفوذ الإماراتي
يتماشى النفوذ الإماراتي في الصومال مع واقع البلد، إذ لا تقتصر علاقات أبوظبي على رأس الدولة فقط، بل تمدّ نفوذها إلى الأطراف مستفيدةً من السيولة والتنافس السياسي وطبيعة النظام الفيدرالي في البلاد. في عهد الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو (2017-2022) تدهورت العلاقات الإماراتية الصومالية فور ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية حيث فرضت الصراعات العربية بين دول الرباعية (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر) من جهة، وقطر من الجهة الأخرى، على الإدارة الجديدة الاصطفاف مع أحد جانبي الصراع. وكان الخيار قطر التي دعمت وموّلت وصول فرماجو إلى رئاسة الصومال عبر رجلها المثير للجدل، الإعلامي السابق في قناة الجزيرة، فهد ياسين، الذي تولى مناصب هامة منها رئاسة وكالة الاستخبارات والأمن الوطني (NISA)، حتّى أسماه المواطنون "مالك القرار الصومالي".
الإمارات تنفق ملايين الدولارات على تدريب القوات الأمنية الصومالية وعلى المساعدات الإنسانية والتنموية في البلاد لأجل مصالحها السياسية والاقتصادية والجغرافية في الصومال… فما هي؟
واتّهم فرماجو الإمارات بتجاهل السيادة الوطنية لبلاده بسبب التحركات المتمثلة في إنشاء قواعد عسكرية في مناطق تتمتع بحكم شبه ذاتي مثل أرض الصومال وبونتلاند دون الرجوع إلى الحكومة الفيدرالية، ودعم الإدارات الإقليمية التي تطالب بالاستقلال. زادت الخلافات بعد إقرار البرلمان الصومالي قانوناً يدعو إلى إنهاء جميع الأنشطة الاقتصادية والعسكرية الإماراتية في البلاد في آذار/ مارس 2018. في نيسان/ أبريل من العام نفسه، تفاقمت الأزمة بعدما صادرت السلطات الصومالية محتويات طائرة إماراتية كانت تحمل ما يقرب من 10 ملايين دولار نقداً، بدعوى أنها كانت مخصصة لعمليات زعزعة الاستقرار في أرض الصومال وبونتلاند.
من جهتها، نفت الإمارات تلك المزاعم، مؤكدةً أن الأموال كانت مخصصة لتدريب جنود الجيش الصومالي. ورداً على ذلك أوقفت معظم الأعمال الإنسانية في الصومال، وأغلقت مستشفى تم بناؤه لتوفير الرعاية الطبية المجانية، وعلّقت برنامج تدريب عسكري لقوات الأمن الصومالية.
كما أوضح وزير الدولة في الخارجية الإماراتية آنذاك، أنور قرقاش، أن التعاون مع أرض الصومال والمبادرات الإنسانية التنموية لا تعني وجود علاقات دبلوماسية، مشيراً إلى أن اتفاقية ميناء بربرة في أرض الصومال تمت بوساطة مسؤولين صوماليين في الحكومة السابقة، دون أن يكشف عن أسمائهم أو مناصبهم.
واشترطت الإمارات تقديم مقديشو اعتذاراً رسمياً لإنهاء الخلاف، وهو ما حدث بعد تعيين محمد حسين روبلي رئيساً للوزراء في نهاية عهد فرماجو، والذي سوّى قضية الأموال الإماراتية المُصادرة، وأمر بردها.
بدورها، قامت أبوظبي بإعادة توجيه تلك الأموال كمساعدات للصومال. فبعد أيام من اعتذار روبلي، أرسلت الإمارات أطناناً من المساعدات إلى الصومال حيث كان يواجه أزمة جفاف هي الأشد منذ عقد من الزمن، ليبدأ بذلك فصل جديد، وتحول كبير في العلاقات بين البلدين.
ربيع العلاقات
وصف الكاتب الصومالي والباحث في شؤون القرن الأفريقي، أنور عبد الفتاح، العلاقة بين الصومال والإمارات، بأنها مبنية على الاقتصاد والجغرافيا السياسية إذ تتنافس الإمارات في منطقة القرن الأفريقي مع السعودية ومصر وقطر، ويعد البحر الأحمر ونهر النيل مسرحاً للصراع بين هذه الدول الإقليمية. للسبب ذاته تنفق الإمارات الملايين لإعادة تأهيل القوات الصومالية وإنشاء القواعد العسكرية ودفع رواتب الجنود الصوماليين.
اتضحت معالم هذه الأجندات بعد انتخاب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود حيث طلبت الحكومة الفيدرالية الصومالية رسمياً التعاون مع حكومة الإمارات لتعزيز قدرات القوات الصومالية، بما في ذلك تزويدهم بالأسلحة والذخيرة وغيرها من المواد الضرورية. ووقّع الجانبان في الرابع من كانون الثاني/ يناير 2023 اتفاقية مثيرة للجدل، تركز على التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب، وتشمل نقاط قد تمس بسيادة البلاد. وتتضمن الاتفاقية (13) مادة، تمنح الإمارات الحقّ في استخدام المرافق الإقليمية، واستيراد المعدات العسكرية، والتحقيق وجمع المعلومات، وإنشاء مراكز تدريب للعسكريين وتوفير وتمويل قوات مكافحة الإرهاب، وغير ذلك.
في حينها، اعتبر معارضون أن "الاتفاق جعل من الصومال محمية إماراتية" على غرار الاتفاقيات التي أبرمتها مع أطراف في ليبيا واليمن، والتي يعتقد أنها لعبت دوراً في تدهور الوضع الأمني في هذه الدول. من بين النقاط التي اعترض عليها صوماليون كثيرون، منح الاتفاقية الإمارات الحقّ في متابعة الأفراد الذين يتورطون في الإرهاب والتحقيق معهم دون الرجوع إلى السلطات الصومالية، وهو ما قد يعني احتجاز الأشخاص المعارضين لمصالح الإمارات بتهمة الإرهاب، كما يتخوفون.
كما أعرب ناشطون عن خشيتهم من منح الإمارات حقّ بناء قواعد عسكرية في الصومال وتجهيز جنودها بالمعدات والأسلحة، ما قد يؤدي إلى إنشاء جيش تقوده ويعمل لصالحها. كما يمكن للإمارات - بموجب الاتفاقية - تفعيل هجمات جوية وميدانية دون إبلاغ الصومال، ويحق لها استخدام الأراضي الصومالية لمهاجمة التنظيمات التي تهدد أمن الإمارات.
يقول الباحث أنور عبد الفتاح لرصيف22 إن الإمارات تريد أيضاً أن تجد مركزاً لإيصال المساعدات اللوجستية لقواتها في اليمن عبر البحر الأحمر.
وتحدث رصيف22 إلى ضابط في الجيش الصومالي، رفض الإفصاح عن هويته لأسباب أمنية، وذكر أن تقريراً يومياً يُرسل إلى القيادات الإماراتية حول الأوضاع الأمنية في مقديشو، مضيفاً أنّ شخصيات إماراتية تتدخل في عمل الأجهزة الأمنية عبر التحكم في أعداد الوحدات النشطة في مديريات العاصمة المختلفة.
"القيادة الإماراتية تستخدم رواتب الجنود لضمان سير خطة استقرار أمن العاصمة بسلاسة... تلك الرواتب بمثابة أداة قوة بيد الإمارات، التي تستطيع إحداث خلل كبير بعدم دفع الرواتب، في وقت لا تستطيع الحكومة تحمل كلفتها".
ويتابع الضابط الصومالي بأن "القيادة الإماراتية تستخدم رواتب الجنود لضمان سير خطة استقرار أمن العاصمة بسلاسة" وأن "تلك الرواتب بمثابة أداة قوة بيد الإمارات، التي تستطيع إحداث خلل كبير بعدم دفع الرواتب، في وقت لا تستطيع الحكومة تحمل كلفتها".
على الجانب الآخر، يستفيد الصومال من الدعم الجوي الذي تقدمه الإمارات لعمليات مكافحة الإرهاب، فضلاً عن الدعم المالي والتدريبي عبر دول ثالثة مثل أوغندا، الذي ساهم في زيادة عدد القوات العاملة بما انعكس إيجاباً على الأمن ومكافحة الإرهاب.
صوماليلاند وبونتلاند
إلى ذلك، تبقى أهم القضايا التي أثارت المشاكل في السابق متمثلة في نفوذ الإمارات الكبير في الإقليم المستقل من طرف واحد، أرض الصومال، وفي ولاية بونتلاند التي تتمتع بسلطات واسعة في ظل النظام الفيدرالي. للمفارقة، الإقليم والولاية هما ألد خصوم الرئيس حسن شيخ الحليف القوي للإمارات. ظل هذا النفوذ يؤرق الحكومة الفيدرالية خلال فترة الإدارة السابقة، ويتمثل هذا التواجد على المستويين الأمني والاقتصادي.
في أرض الصومال، يحظى الجانبان بعلاقة ثنائية قوية وشراكة تنموية ملحوظة تميزت بالاستثمارات الاقتصادية، خاصة في مشاريع البنية التحتية. أحد الاستثمارات الرئيسية هو الامتياز لمدة 30 عاماً الممنوح عام 2017 لموانئ (P&O) المملوكة لحكومة دبي، بقيمة 336 مليون دولار. يهدف هذا الامتياز إلى توسيع وإدارة ميناء بربرة، وهو موقع إستراتيجي داخل أرض الصومال، ويرى بعض المحللين أن الارتباطات الاقتصادية هي جزء من إستراتيجية أوسع تنتهجها الإمارات لكسب النفوذ السياسي في القرن الأفريقي.
جانب آخر من الاتفاقية، يتعلق بعلاقات الصومال مع إثيوبيا في السياسة والاقتصاد، ومنافسة موانئ قطر التي حصلت على امتيازات في جيبوتي بعد طرد موانئ دبي منها.
أما في بونتلاند، فيسلك النفوذ الإماراتي جانباً أمنياً وسياسياً. تدعم أبوظبي قوة الشرطة البحرية في بونتلاند (PMPF) منذ تشكيلها في عام 2011 للتصدي لخطر القراصنة والأنشطة غير القانونية. لكن تلك القوات لها أهداف سياسية تتمثّل في حماية رئيس بونتلاند، سعيد دني، حليف الإمارات في وجه المعارضة التي تحظى بدعم قوات أمنية هي الأخرى.
نظرة المجتمع للإمارات
تقول فوزية حسن حاشي، إحدى المواطنات الصوماليات، لرصيف22، إنّ لديها مخاوف بشأن السياسات الإماراتية في بلادها، وتصف حكومتها بالسلطوية. كما تشير إلى التناقض الإماراتي الذي يُصّعب حصول الصوماليين على تأشيرات الدخول إليها بينما تروج لاهتمامها بشعب ودولة الصومال.
"ينظر بعض الصوماليين إلى التدخل العسكري الإماراتي في المنطقة على أنه تهديد للاستقرار، وتدخل غير مبرر في شؤونهم الداخلية للاستفادة من ثروات البلاد عبر تفاهمات ودية مع مسؤولين فاسدين، تتعارض بمجملها مع مصالح الشعب"
من جهتها، تلفت الكاتبة الصحافية منى حسين إلى أنّه من المهم ملاحظة اختلاف تصور الصوماليين عن دولة الإمارات، التي يراها البعض كدولة معادية. مشيرة في حديثها لرصيف22 إلى أنّ تدخلات الإمارات الإقليمية ودورها في الصراعات في اليمن والصومال تساعد على تكوين صورة سلبية عنها.
وتُردف: "ينظر بعض الصوماليين إلى التدخل العسكري الإماراتي في المنطقة على أنه تهديد للاستقرار، وتدخل غير مبرر في شؤونهم الداخلية للاستفادة من ثروات البلاد عبر تفاهمات ودية مع مسؤولين فاسدين، تتعارض بمجملها مع مصالح الشعب"، متابعةً بأنّه من الأهمية بمكان إدراك أن هذه الآراء ليست سائدة بين الصوماليين، وأن الآراء متباينة في هذا الخصوص، وهناك العديد من الأشخاص الذين يعتقدون أن الدور الإماراتي إيجابي ويعزز الشراكات الاقتصادية.
الجدير بالذكر أنّ الإمارات قدمت وما تزال الكثير من المساعدات المالية والإنسانية إلى الصومال، كما أنّها تمول العديد من المشاريع الإنسانية والتنموية في البلاد، مثل مشروع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في مدينة بوصاصو في ولاية بونتلاند. مع ذلك، تبقى تجارب التدخل الإماراتي في المنطقة جدليّة، على غرار التدخل في السودان من خلال حليفها الدعم السريع، وهو الأمر الذي لا يفارق أذهان الصوماليين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.