شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
لماذا يتكرر الاقتتال بين الوحدات العسكرية والأمنية في الصومال؟

لماذا يتكرر الاقتتال بين الوحدات العسكرية والأمنية في الصومال؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

السبت 14 أكتوبر 202312:11 م

بات الاقتتال الداخلي بين وحدات من القوات العسكرية والأمنية في الصومال، ظاهرةً متكررةً، فلا يكاد يمرّ شهر دون تسجيل اشتباك بين وحدتين عسكريتين، أو بين وحدة عسكرية وأخرى شرطية. وللعاصمة مقديشو النصيب الأكبر من تلك الحوادث، التي تؤدي إلى مقتل عسكريين ومدنيين.

تعكس تلك الاشتباكات حالة التفكك في المجتمع الصومالي، الناتجة عن أولوية الانتماء العشائري بين معظم المواطنين على حساب الانتماء إلى الوطن، والذي يُعدّ الأساس الذي بُنيت عليه الدولة الفيدرالية في الصومال، منذ سقوط الدولة المركزية عام 1991.

فوضى داخل الجيش والأمن

خلال شهر آب/ أغسطس الماضي فقط، سُجلت ثلاث حالات قتال بين وحدات عسكرية صومالية. أحدثها في 28 منه، بين وحدتين من الجيش الصومالي في مدينة مركا من محافظة شبيلي السفلى في ولاية جنوب الغرب، غير بعيد عن جبهات القتال مع حركة الشباب المصنفة إرهابيةً. وفي الشهر نفسه، شهدت العاصمة مقديشو واحداً من أعنف الاشتباكات بين وحدة من الجيش والشرطة العسكرية لمدة 10 ساعات، تسبب في نزوح عشرات العائلات، ومقتل أربعة عسكريين وإصابة ثلاثة. وتسبب قتال بين قوات فيدرالية في إقليم شبيلي السفلي في ولاية جنوب الغرب في مطلع الشهر نفسه، في مقتل 10 عسكريين وعشرات المصابين.

تعكس الاشتباكات المتكررة حالة التفكك في المجتمع الصومالي، الناتجة عن أولوية الانتماء العشائري بين معظم المواطنين على حساب الانتماء إلى الوطن، والذي يُعدّ الأساس الذي بُنيت عليه الدولة الفيدرالية في الصومال.

فما هي أسباب تكرار تلك الاشتباكات؟ يجيب ضابط في الجيش الصومالي، فضّل عدم الكشف عن هويته، بأنّ هناك أسباباً عدة، أولها: سيادة عامل القبلية في العلاقات بين الأفراد من ضباط وجنود، فعلى سبيل المثال لا يثق الجنود بقائدهم إن لم يكن من القبيلة نفسها، مهما تكن كفاءته، والثاني الخلافات الشخصية المتعددة بين أفراد الجيش، والتي سرعان ما تتطور إلى اشتباكات مسلحة، وبشكل عام فقدان القدرة على حلّ الخلافات الشخصية البسيطة سواء بين الجنود أنفسهم، أو بين الجنود والقادة، أو حتى بين القادة أنفسهم.

ويضيف الضابط الصومالي أنّ السبب الثالث هو التنافس على النفوذ بين ضباط الجيش أنفسهم، أو بين الجيش والشرطة، أو بين الوحدات الأخرى، وسعي كل طرف إلى تثبيت نفوذه على الأرض، والتنافس على المصالح. والرابع هو تهميش بعض الوحدات العسكرية لحساب أخرى، ما يؤدي إلى خلق حالة من الاحتقان لدى الوحدات المهمشة، فتردّ بتصرفات أحادية مثل وضع نقاط تفتيش في مناطق حساسة في العاصمة، ما يسبب إرباكاً للشرطة، ويؤدي إلى وقوع اشتباكات.

ويتابع أنّ السبب الخامس هو منح الحكومة الرتب العسكرية والميزات الأخرى بطريقة تخالف القواعد العسكرية؛ ما يؤدي إلى منح رتب عالية لمجنّد حديث الانخراط في الجيش، بينما عدد كبير من الجنود الذين خدموا في الجيش لسنوات لا يحصلون على حقوقهم في الترقية. والسادس هو العدد الكبير من الوحدات التي لم يتعلم أفرادها في مؤسسات عسكرية، مثل الميليشيات القبلية والعناصر التي انشقت عن الجماعات المتطرفة، وهؤلاء لا ينصاعون لأوامر قيادة الجيش.

يشير الضابط في الجيش الصومالي إلى أنّ الحكومة تعيّن عناصر حركة الشباب الإرهابية المنشقين في مناصب رفيعة في الجيش، ما يؤدي إلى خلل وإرباك في أداء مهام الوحدات العسكرية، بسبب قرارات هؤلاء القادة الذين لم يتلقوا تعليماً عسكرياً.

تحليل طبيعة الاشتباكات

بدايةً، هناك العديد من الجهات التي تتبعها القوات العسكرية والأمنية في الصومال، ونتج ذلك عن سيولة النظام السياسي الفيدرالي وطبيعة تأسيس الدولة الفيدرالية الحديثة. هناك القوات الفيدرالية وتتكون من الجيش، والشرطة في إقليم بنادر الذي يضم العاصمة، وقوات وكالة المخابرات والأمن الوطني (NISA)، فضلاً عن وحدات عسكرية تتلقى تدريبها وتمويلها من دول صديقة، مثل تركيا والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، وتعمل بالتنسيق مع المستوى الفيدرالي، الذي يتكون من الرئيس والحكومة.

يتصل بالمستوى الفيدرالي عامل التدخل الخارجي، الذي يتسم بالحدية والقطيعة. على سبيل المثال، في عهد الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، كانت العلاقات قويةً مع قطر، وشهدت قطيعةً مع الإمارات، وتحوّل ذلك إلى النقيض مع تولي الرئيس الحالي حسن شيخ محمود السلطة، حيث فترت العلاقات مع قطر، وتمت المصالحة مع الإمارات، وعاد تدخلها بقوّة.

يقول الضباط الصومالي، إنّ الدور الإماراتي خلق مشكلةً لسببين؛ الأول الرواتب الكبيرة التي تتقاضها الوحدات العسكرية التي موّلت الإمارات تدريبها وتجهيزها وتدفع رواتب أفرادها، والثاني النوايا المشكوك فيها لدور هذه الوحدات. ويضيف أنّ رواتب تلك الوحدات خلقت حالةً من التمييز داخل الجيش تثير الغضب، كما أنّ تلك الوحدات تسعى إلى السيطرة على الجيش وتهميش دور الوحدات التقليدية الأقدم، ما يخلق فجوةً في تنسيق العمليات الأمنية في العاصمة وخارجها.

الرواتب المرتفعة للوحدات الممولة من دولة الإمارات، خلقت حالةً من التمييز داخل الجيش تثير الغضب، كما أنّ تلك الوحدات تسعى إلى السيطرة على الجيش وتهميش دور الوحدات التقليدية الأقدم، ما يخلق فجوةً في تنسيق العمليات الأمنية في مقديشو.

أما على مستوى الحكم الثاني الولائي، وتتبعه القوات الولائية التي شكلتها حكومات الولايات، وتضم وحدات عسكريةً وقوات أمنيةً، فتختلف من حيث التركيب من ولاية إلى أخرى. تتكوّن الصومال من خمس ولايات إلى جانب إقليم بنادر، الذي تتبعه العاصمة مقديشو، فضلاً عن إقليم أرض الصومال المستقل من طرف واحد منذ العام 1991.

من خلال رصد واسع للاشتباكات المسجلة منذ عام 2015، يمكن تصنيف الاشتباكات في خمسة أنماط هي: الاقتتال بين وحدات الجيش، الاقتتال بين وحدات الجيش والشرطة أو الجيش والمخابرات، الاقتتال بين وحدات فيدرالية وأخرى ولائية، الاقتتال بين وحدات داخل الولاية نفسها، والاقتتال بين قوات الولايات.

يعلق المحلل السياسي الصومالي، عمر إسماعيل، بأنّ النظام الفدرالي لا يصلح للصومال؛ كونه يحمل في طياته الكثير من التعقيدات السياسية والأمنية، فضلاً عن خلل مفهومه وتطبيقه.

ويضيف أنّ الفيدرالية جعلت الصومال دويلات متناحرةً ومتنافسةً، وخلقت خلافات جوهريةً في كتابة دستور دائم وتقاسم السلطة والثروة والمسؤوليات، وباتت السلطة الفيدرالية في مواجهة مع الولايات.

مظهر آخر لإخفاق الفيدرالية، يشير إليه إسماعيل، هو الخلافات الحدودية بين الولايات، وتأسيس تلك الولايات على القبيلة، مثل قبيلة دارود في بونتلاند، وقبيلة هوية في غالمودوغ، ما جعل الخلافات القبلية الموروثة تنتقل إلى تلك الولايات. وتابع أنّ جميع الولايات الصومالية لديها خلافات حدودية ومناطق متنازع عليها لا تخضع لسيطرة أي طرف، وهي بمثابة بؤرة توتر دائمة، وحين يحاول أي طرف استغلال موارد تلك المناطق يرد الآخر بتدخل مسلح.

جميع الولايات الصومالية لديها خلافات حدودية ومناطق متنازع عليها لا تخضع لسيطرة أي طرف، وهي بمثابة بؤرة توتر دائمة

فضلاً عما سبق، تتحمل القوى السياسية على المستويين الفيدرالي والولائي، جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الاشتباكات بين القوات العسكرية والأمنية؛ كونها لا تتورع عن توظيف الوحدات الموالية في حسم الخلافات السياسية.

المخاطر الأمنية

مقابل هذا التشتت داخل القوات العسكرية والأمنية الفيدرالية والولائية، يقف خطر الإرهاب موحداً، وممثلاً في حركة الشباب، التي تتصف بهيكل مركزي متماسك.

يقول قائد عسكري فضّل عدم الكشف عن هويته، لرصيف22: "هناك فوراق فكرية بين أفراد الجيش الصومالي. الكتيبة الواحدة ممزقة من الداخل، ما يجعل من الصعب استيعاب تلك المشكلة". يوجد مظهر لحالة التشتت داخل القوات العسكرية والأمنية الفيدرالية، يقول عنه لرصيف22، محمد حسن، وهو مواطن من مقديشو، شهد العديد من الاشتباكات داخل تلك القوات: "إنّ اختلاف أزياء الوحدات العسكرية دون استناد إلى أسباب وظيفية يؤدي إلى الشك والارتياب بين الوحدات، خصوصاً في حالات المداهمات الأمنية".

ويضيف: "تقع اشتباكات بين وحدات عسكرية ترتدي أزياء مختلفةً، حين تسأل مجموعة الأخرى عن هويتها، فيتطور الأمر إلى اشتباك مسلح. هم يفتقدون القدرة على التنسيق والعمل معاً".

يحدث ما سبق في ظل تربص حركة الشباب، والتي يعود الفضل في تقلص وجودها في وسط البلاد القريب من مقديشو إلى المقاتلين العشائريين "معويسلي"، الذين يقدّم لهم الجيش الدعم. بعد إثبات مقاتلي معويسلي كفاءتهم مقارنةً بأداء القوات الفيدرالية، وبعد انتكاسة تلك القوات في شهر آب/ أغسطس الماضي، قررت القيادة الصومالية تغيير إستراتيجية القتال ضد الحركة الإرهابية، لتكون قوات معويسلي الأكثر درايةً بجغرافيا وديموغرافيا الجبهات، رأس الحربة، مدعومةً في ذلك بالقوات الفيدرالية.

يقول الباحث الصومالي محمد يوسف، إنّ طريقة إعداد أفراد الجيش غير صائبة تماماً؛ كونها لا تخضع للمعايير العالمية. ويضيف لرصيف22: "من المؤسف جداً أن تركيبة الجيش الصومالي هشة من الداخل، وذلك سبب عدم كفاءة الجيش في ميدان القتال ضد المنظمات المتطرفة".

بدوره يقول المحلل السياسي إسماعيل عمر، بأنّ "الدستور الذي يُفترض به تنظيم وتحديد العلاقات بين مستويات الحكم الفيدرالية هو جزءٌ من المشكلة ذاتها؛ لما فيه من تناقضات، فضلاً عن عدم الانتقال من كونه دستوراً مؤقتاً إلى دستور دائم حتى اليوم، بسبب الخلافات بين مستويات الحكم".

يرى عمر أنّ بداية الحلّ لفوضى التشتت العسكري والأمني، هي صياغة دستور دائم للبلاد، بالاتفاق بين مختلف الأطراف السياسية، ويراعي مصالح الجميع والوطن، ويكون واضحاً في تحديد الصلاحيات لكل مستوى في نظام الحكم، لافتاً إلى أنّ رئيس الدولة عليه تقديم المثال بالالتزام بالدستور الحالي والقانون، والشروع في مصالحة صادقة، تمهد لخروج البلاد من أزماتها المتعددة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image