شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
قروض مضمونة وانتخابات بلا منغّصات… مكاسب مصريّة من الحرب على غزّة

قروض مضمونة وانتخابات بلا منغّصات… مكاسب مصريّة من الحرب على غزّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 12 ديسمبر 202310:39 ص

في الوقت الذي تنصرف فيه أنظار المصريين تجاه الحرب في غزة التي تتعرض لإبادة جماعية على يد كيان الاحتلال الإسرائيلي لشهرين كاملين، تجرى الانتخابات الرئاسية المصرية داخلياً، من 10 إلى 12 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ويخوضها الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام ثلاثة مرشحين غير معروفين لدى غالبية الشعب المصري، الأمر الذي يسهل مهمة استمرار الرئيس الحالي ف يحكم البلاد لست سنوات أخرى وأخيرة ما لم يحدث تغيير دستوري.

يأتي هذا بعد مظاهر متعددة لحالة من الغضب الشعبي تجاه الوضع الداخلي في مصر بدا ظاهراً نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية، والاختناق السياسي الذي ظهر من خلال ما واجهه الراغبون في تأييد المرشح المحتمل أحمد طنطاوي وهي التضييقات التي استعرضها رصيف22 في حواره مع السياسي الشاب. ما يشير إلى أن الحرب الإسرائيلية على غزة مثلت بشكل ما فسحة للإدارة المصرية على المستوى السياسي الداخلي، من خلال انصراف الاهتمام العام عن المشهد الانتخابي، وكذلك على المستوى الاقتصادي، إذ خفّت حدة غضب المصريين من الأزمات الاقتصادية المتوالية، كما تحولت نبرة صندوق النقد الدولي تجاه مصر، من ضغط للالتزام بشروط القرض الأخير، إلى الثناء على جهود الدولة المصرية فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي والتأكيد على الدعم الكامل لها.

يختلف خبراء السياسة والاقتصاد تجاه وصف تأثير الحرب في غزة على بعض القضايا الداخلية في مصر، فخبراء السياسة يرونها "فرصة" للسلطة المصرية لصرف انتباه المصريين عن الانتخابات الرئاسية وتمريرها في هدوء، أما خبراء الاقتصاد فلا يرون أي فائدة اقتصادية من حرب غزة على مصر رغم نذر عودة القروض

قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واندلاع الحرب على غزة، كانت اهتمامات المصريين تنصب على أزماتهم الاقتصادية، وتحرير سعر صرف الجنيه المرتقب، الذي يتبعه ارتفاع في الأسعار، إلى جانب انتخابات الرئاسة، التي وإن كانوا يعرفون نتيجتها مقدماً، أثارت طريقة إخراج السلطة المصرية لها انتقادات واسعة، خاصة فيما واجهه المرشح المحتمل سابقاً أحمد الطنطاوي وحملته في سلسلة من الإجراءات العقابية التي انتهت إلى إحالته ومؤيديه إلى المحاكمة.

االوضع الاقتصادي في مصر - وكالات

ويأتي مشهد الانتخابات الجارية فيما تنتشر صور دعائية للرئيس عبد الفتاح السيسي (المرشح الرئاسي) في كل الشوارع والميادين وعلى أعمدة الإنارة بطريقة لافتة للنظر، في مقابل غياب شبه كامل لدعاية المنافسين لتعريف الناس بهم. وخلال الفترة من 1 إلى 3 ديسمبر/ كانون الأول، أجريت انتخابات المصريين في الخارج، وأعلنت وزارة الهجرة المصرية أن هناك 14 مليون مواطن في 121 دولة تعقد فيها الانتخابات، لكنها لم تذكر كم عدد من لهم حق التصويت أو أي أعداد تتعلق بالمصوتين، بعد أن تقرر ألا تعلن نتائج تصويت المصريين في الخارج ولا نتائج تصويت الناخبين في الداخل في اللجان الفرعية، والتي كشفت خلال الانتخابات السابقة عن تراجع في شعبية الرئيس الحالي لدى المصريين في الخارج والداخل في مناطق ومحافظات متعددة، وخفضت الهيئة الوطنية للانتخابات عدد اللجان الفرعية التي تجري فيها عملية الاقتراع من 13 ألفاً 706 لجان في الانتخابات السابقة 2018، إلى نحو 10 آلاف لجنة فقط في الانتخابات الحالية.  

"فجأة الأغاني الممنوعة لفيروز وجوليا بطرس عن فلسطين والقدس، أصبحت تبثها القنوات الإخبارية المصرية، وبعض الميادين المصرية بات يوزع فيها الشال أو العلم الفلسطيني، وده ماكنش موجود في مصر من سنين طويلة، وكإن النظام بيقول للشعب ركز في قضية فلسطين ومالكش دعوة بحاجة تانية"

ويختلف خبراء السياسة والاقتصاد تجاه وصف تأثير الحرب في غزة على بعض القضايا الداخلية في مصر، فخبراء السياسة يرونها "فرصة" للسلطة المصرية للفت انتباه المصريين عن الانتخابات الرئاسية وتمريرها في هدوء، أما خبراء الاقتصاد فلا يرون أي فائدة اقتصادية من حرب غزة على مصر، إذ أن المشكلات أكبر من هدوء مؤقت للاحتقان الشعبي أو تحول في خطاب المؤسسات الدولية تجاه مصر.


العدوان الإسرائيلي على غزة - أ ف ب

فرصة للإلهاء

يقول لرصيف22 الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، إلهامي الميرغني، إن الحرب على غزة صرفت إليها الاهتمام الشعبي المصري، بعيداً عن الانتخابات الرئاسية "المعروف نتيجتها مقدماً".

ويتوقع الميرغني أن تشهد انتخابات هذا العام عزوفاً كبيراً من المواطنين "الذين باتوا يدركون اللعبة السياسية، باستثناء الموظفين والعمال الذين يوجهون بالذهاب لمراكز الاقتراع، لكي لا تظهر خالية من الناخبين".

ويتفق معه في الرأي، أستاذ دراسات السلام بجامعة مصر- اليابان، سعيد صادق، قائلاً إن شعبية الرئيس السيسي قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول، لم تكن قوية، "نتيجة الفشل الاقتصادي الذي يعاني المواطنون من تبعاته المتمثلة في ترنح العملة المصرية التي فقدت أكثر من نصف قيمتها خلال عام، وغلاء الأسعار وأزمات الغذاء وزيادة معدلات الفقر، كما أن التهديدات التي كان يخشاها البعض في بداية حكم الرئيس عام 2014، كالإسلام السياسي والإرهاب لم تعد موجودة".

لم تعد الدراسات تتحدث فقط عن الفقر، بل وصل الحد إلى الجوع، إذ تقدر منظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية "الفاو"، أن أكثر من 27 مليون مصري يعيشون حالة متدنية أو شديدة التدني من عدم الأمن الغذائي، مما يدفع بعضهم إلى تغيير عاداتهم الغذائية وتبني النظام النباتي بسبب تفاقم الحاجة.

ويقول صادق لرصيف22 إنه بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، تغير الوضع وتراجعت قضية الانتخابات، إذ اتجهت أنظار المواطنين إلى القضية الفلسطينية، "واستغل النظام هذه الفرصة للإلهاء، فجأة الأغاني الممنوعة لفيروز وجوليا بطرس عن فلسطين والقدس، أصبحت تبثها القنوات الإخبارية المصرية، وكأنها قنوات فلسطينية، وبعض الميادين المصرية بات يوزع فيها الشال أو العلم الفلسطيني، وده ماكنش موجود في مصر من سنين طويلة، وكإن النظام بيقول للشعب ركز في قضية فلسطين ومالكش دعوة بحاجة تانية، ضربة حظ رهيبة للسيسي".

وأوضح أنه إضافة إلى ذلك، "لا يوجد منافس حقيقي للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يسيطر نظامه على الوزارات والأحزاب وقادر على الحشد بشكل لا يتوفر لأحد غيره، حتى أن المرشح المحتمل أحمد طنطاوي، المتهم في قضية تزوير، لم يكن ليحصد عدداً كبيراً من الأصوات، فقط كان يمكن من خلاله تقييم حجم التصويت العقابي. كما أن حرب غزة قد توجه تفكير البعض إلى أفضلية بقاء الرئيس السيسي في الحكم، باعتباره رجل عسكري ذو خلفية استخباراتية تصلح لهذه المرحلة".

ولفت صادق إلى أن الانتخابات بالتأكيد محسومة لصالح الرئيس الحالي، لكن لا تزال المقاطعة والتصويت العقابي لصالح أحد المرشحين المجهولين عاملين كاشفين لموقف المصريين منه: "المؤشرين دول اللي هيوضحوا مدى شعبية الرئيس لدى المواطنين، لكن في الواقع السلطة مش مهتمة بالداخل، هي مهتمة بس برضا أمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل ودول الخليج، اللي يهمها مايحصلش تغيير في مصر بالذات، فإسرائيل مثلا تهتم بعدم حدوث اضطرابات في قناة السويس أو عند معبر رفح، والاتحاد الأوروبي يهتم بوقف الهجرة غير الشرعية، وهذه الأمور مضمونة في ظل الوضع الحالي، خاصة مع تدهور الأوضاع في المنطقة، وتأجج الصراعات في جميع دول الجوار سواء السودان أو ليبيا أو فلسطين".

بعد اندلاع الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، تحولت دفة خطاب صندوق النقد لصالح مصر، فصرحت مديرة صندوق النقد الدولي كريستاليا غورغيفا، إن الصندوق يدرس بجدية زيادة محتملة لبرنامج القرض المقدم لمصر، بسبب الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن التصعيد في غزة

وبشكل عام، قال أستاذ دراسات السلام إن منطقة الشرق الأوسط لا تعرف التغيير السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات، فالزعيم يرحل إما بالموت أو الثورة فقط، ومثال على هذا، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي رحل بالموت، والسادات الذي قتل، وحسني مبارك ومحمد مرسي اللذان أطاحتهما الثورات، كذلك في البلدان العربية ظل القذافي على حكم ليبيا منذ عام 1969 حتى قتل في 2011، والسلطان قابوس الذي حكم من 1970 حتى موته عام 2020: "بشكل عام الناس متعودة إن محدش بيمشي، لكن حرب غزة هتخلي الانتخابات تمر بهدوء أكثر".


الانتخابات الرئاسية المصرية - أ ف ب

عربون محبة

على الجانب الاقتصادي، في ديسمبر/ كانون الأول 2022، اتفق صندوق النقد الدولي على منح مصر قرض تسهيل ممتد بقيمة 3 مليارات دولار، مقسمة على تسع شرائح وثماني مراجعات، للخروج من أزمتها الاقتصادية، مقابل الالتزام ببرنامج لانسحاب مؤسسات الدولة من الاقتصاد والسماح للقطاع الخاص بالمنافسة، إضافة تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.

وعلى مدار العام الجاري، أُرجئَت مراجعتان وتم تعليق شرائح القرض، نتيجة عدم التزام مصر بالمتفق عليه مع الصندوق، وتناولت العديد من التقارير ما يفيد إحباط صندوق النقد بسبب افتقار القاهرة للإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها.

لكن بعد اندلاع الحرب الفلسطينية الإسرائيلية، تحولت دفة خطاب صندوق النقد لصالح مصر، فعلى هامش قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، صرحت مديرة صندوق النقد الدولي كريستاليا غورغيفا، إن الصندوق يدرس بجدية زيادة محتملة لبرنامج القرض المقدم لمصر، بسبب الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن التصعيد في غزة.

وخلال مؤتمر المناخ Cop-28 المنعقد حالياً بالإمارات العربية المتحدة، قالت إن مصر ستحصل على دعم كامل من صندوق النقد، مشيرة إلى إنجاز مراجعة برنامج التمويل في وقت قريب.

يعلق النائب البرلماني السابق محمد فؤاد على تحول دفة خطاب صندوق النقد تجاه مصر، عبر صفحته على منصة X قائلاً: "الصندوق له داعمين وعليه ضغوط سياسية تقدر تخليه يغير دفة الخطاب 180 درجة كما يحدث الآن، فكرة أن مصر أكبر من أن تفشل تظل حاضرة بقوة في إطار أي صراع إقليمي، الواقع إن مفيش اقتصاد اتحسن ولا حاجة، لكن الدور الحيوي الذي تلعبه مصر يخلي اللي مشغلين الصندوق يجبروه يساند".

لكن خبراء الاقتصاد لا يرون أن ما يحدث تحول في خطاب صندوق النقد تجاه مصر، ولا يرون أي مكاسب اقتصادية تعود على مصر بسبب حرب غزة، بل يرون أن العكس أقرب للحقيقة.

يقول الخبير الاقتصادي ورئيس المركز القومي للدراسات الاقتصادية، رشاد عبده، إن هناك شبه وعود مصرية بالالتزام بالاتفاق مع صندوق النقد، لكن بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، والصندوق يدرك حجم الديون المطلوب من مصر سدادها، مشيراً إلى أن دراسة زيادة برنامج القرض لا ينفي أنه على مصر الالتزام بالشروط المتفق عليها مسبقاً: "الصندوق مش معترض على مساعدة مصر، طالما هتلتزم بالشروط المتفق عليها، ممكن نعتبر التصريح عربون محبة من الصندوق تمهيداً لتنفيذ الاتفاقات".

ويتفق خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل مدحت نافع، معه في الرأي، إذ يؤكد لرصيف22 أن الشروط التي ألزم المفاوض المصري نفسه بها، لا تزال سارية، ولا يتعارض ذلك مع زيادة حجم القرض، التي قد تأتي نتيجة المفاوضات المصرية مع صندوق النقد: "فكرة المراجعة بالزيادة لظروف الحرب ودعم الموقف الاقتصادي المصري، قد تكون في إطار مناقشات مصر مع الصندوق، وهو أمر جيد بالتأكيد لكن لا يمكن وضعه تحت عنوان "الاستفادة من حرب غزة" لكن يمكن أن نسميه تعويض عن الخسائر الناجمة عن الحرب".

تصريح صندوق النقد الدولي بشأن دراسته الجادة زيادة برنامج القرض لمصر من 3 إلى 5 مليارات دولار، ليس تحولاً في خطاب الصندوق تجاه مصر بل نتيجة للمفاوضات المصرية الجارية منذ فترة، بسبب الفجوة الدولارية التي تعاني منها الدولة، والتي تفاقمت بسبب الحرب في غزة

وتناولت بعض التقارير الصحافية ما يفيد أن الصندوق قرر زيادة مساعدته لمصر، للضغط الاقتصادي عليها بسبب موقفها من القضية الفلسطينية ورفضها تهجير الفلسطينيين، لكن نافع يرى أن موقف صندوق النقد الدولي أو حتى الاتحاد الأوروبي الذي يسير في نفس الاتجاه بدراسة ضخ 9 إلى 10 مليار يورو في القطاعات الرقمية والطاقة والزراعة والنقل في مصر، لا يمكن تفسيره بأنه ضغط على مصر إلا إذا وجدنا الموقف المصري يتغير بأي شكل من الأشكال: "مانقدرش نحسم الموقف بإنه ضغط على القرار السياسي خاصة أنه يبدو أن التوجه السياسي برفض تصفية القضية وتهجير الفلسطينيين إلى أي مكان آخر أصبح يلقى قبولاً عالمياً الآن، على الأقل فيما هو معلن، فلا نستبق الأحداث".

الأوضاع في معبر رفح - تصوير آيات الحبال

لكن إلهامي الميرغني يتبنى وجهة نظر أخرى، إذ يرى أن عروض صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي على مصر، ربما هي استثمار لأزمة العملة الصعبة التي تعاني منها مصر، من أجل مشاركتها في دعم الحلول الأمريكية والأوروبية تجاه حرب غزة والآثار المترتبة عليها.

ويقول لرصيف22 إنه لا يوجد أي فائدة اقتصادية تعود على مصر من زيادة القروض، التي تصب في إدارة اقتصادية غير كفء، ويتم تبديدها دون عمل أي أصلاح حقيقي ينعكس على الحالة المعيشية للمواطن، وفي النهاية تتراكم الأعباء على الجيل الحالي والأجيال القادمة، ويجد متخذ القرار نفسه خاضعاً لابتزاز الجهات المقرضة وبرامجها وشروطها المجحفة: "لا يمكن النظر للقروض باعتبارها فائدة اقتصادية لأنها لا تستثمر بشكل صحيح، ويعاني المواطن من أزمات غير مبررة في أسعار السلع الغذائية ولا تزال الطاقات عاطلة في القطاع الصناعي، وهناك فجوة كبيرة في سعر صرف الدولار بين البنوك والسوق السوداء، كما أن الدولة مستمرة في تنفيذ بيع أصول رابحة مثل شركة الشرقية للدخان ومصر للتأمينات التي تم بيعها لصندوق مصر السيادي تمهيداً لبيعها لمستثمر إماراتي إضافة إلى عدد من الفنادق، ولكن كل ذلك لا يرضى المقرضين الدوليين الذين يريدون تجريد مصر من مقوماتها الاقتصادية ومشروعاتها الرابحة".

لا مكاسب... خسائر اقتصادية فقط

بدورها تقول لرصيف22 الباحثة في الاقتصاد الكلي والعدالة الاجتماعية، سلمى حسين، إن تصريح صندوق النقد الدولي بشأن دراسته الجادة زيادة برنامج القرض لمصر من 3 إلى 5 مليارات دولار، ليس تحولاً في خطاب الصندوق تجاه مصر بل نتيجة للمفاوضات المصرية الجارية منذ فترة، بسبب الفجوة الدولارية التي تعاني منها الدولة، والتي تفاقمت بسبب الحرب في غزة، ولا يجب اعتبار هذا التصريح مكسباً اقتصادياً لمصر المتضررة بشكل كبير من الحرب.

وتضيف حسين أن الحرب الإسرائيلية على غزة، لها تأثيرات على إيرادات مصر الدولارية في بعض المجالات وعلى رأسها السياحة، كما أن عدم الاستقرار في الإقليم قد يؤثر على سرعة عملية بيع أصول الدولة، الأمر الذي قد يتسبب في زيادة الفجوة، خاصة في ضوء عبء سداد الدين الخارجي الذي تجاوز الـ40 مليار دولار حتى يوليو/تموز القادم، أي أكثر من دخل قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج معاً، ولهذا السبب تحتاج مصر لتعويض النقص الذي ستشهده إيراداتها الدولارية بطرق أخرى. ولا تستطيع سلمى حسين توقع إلى أن حد ستزيد الفجوة التمويلية، إذ يحددها الصراع الدائر.

وفي تقرير حديث، رجح البنك المركزي المصري أن ترتفع إجمالي الالتزامات الخارجية بما في ذلك الأقساط وفوائد الديون لتسجل نحو 42.3 مليار دولار خلال العام المقبل.

ويصل إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر، إلى 35 مليار دولار فقط، وهو احتياطي مقيد بودائع خارجية ويفترض به تلبية احتياجات الدولة من الواردات وسداد التزاماتها الخارجية أيضاً.

ولفتت إلى أن اتفاق مصر مع صندوق النقد ساري بنفس الشروط، التي على رأسها تحرير سعر الصرف وتخارج الدولة من بعض الأنشطة الاقتصادية، لكن الجدول الزمني المتفق عليه في ديسمبر/ كانون الأول 2022 قد تغير، مؤكدةً أن حديث الصندوق عن زيادة حجم القرض يستهدف مساعدتها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها.

وعن تحرير سعر الصرف، قالت سلمى حسين إن خفض قيمة الجنيه أمام الدولار لن يؤدي بالضرورة لزيادة الإيرادات الدولارية من خلال جذب الاستثمار، نظراً لأن أسعار الفائدة في كل العالم أصبحت مرتفعة، إضافة إلى توافر الثبات والاستقرار المالي والاقتصادي والسياسي بشكل يفوق الحال في منطقتنا، وبالتالي فإن أي مستثمر في أذون الخزانة سيفضل الاستقرار حتى لو كان يحصل على فائدة أقل مما تقدمه مصر، مشيرة إلى أن سيناريو تعويم 2016 يختلف عما سيحدث في 2024.

وتابعت أن عام 2016 كانت مصر تقدم سعر فائدة خرافياً، في حين أن الأسواق الدولية الأوروبية والأمريكية كانت فائدتها بالسالب، الأمر الذي دفع الكثير من المستثمرين لأذون الخزانة المصرية، وهذا يختلف عن الوضع الراهن، فعلى سبيل المثال، تقدم تركيا اليوم -وهي دولة ذات اقتصاد كلي أكبر من مصر- سعر فائدة يصل إلى 40%، ولا يستطيع الاقتصاد المصري تحمل مثل تلك الفائدة، خاصة في ظل ربط هذا المعدل بالاقتراض الحكومي، كما يمثل سعر الفائدة المرتفع عبئاً كبيراً على القطاع المصرفي وعلى الاستثمار.

وتختم حسين: "كلما انتهت الحرب الإسرائيلية الفلسطينية بشكل أسرع قلت خسائر الاقتصاد المصري".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image