شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
على جانبي المعبر... أسر مزقتها الحرب على غزة

على جانبي المعبر... أسر مزقتها الحرب على غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 5 ديسمبر 202304:07 م
Read in English:

On both sides of the crossing: Families torn apart by the war on Gaza

المشهد ثابت منذ ما يزيد على الشهر، بعد أن تم الاتفاق أخيراً على السماح بعبور حاملي الجنسيات الأجنبية عبر معبر رفح إلى مصر. 

على الجانب المصري من المعبر، تقف سيارات وحافلات كبيرة تترقب انتهاء راكبيها المنتظرين للإجراءات الرسمية التي تكفل لهم الخروج من فلسطين. تحمل معظم السيارات والحافلات أعلام دول أجنبية، ويرافقها فريق من البعثات الدبلوماسية لتلك السفارات والقنصليات يتولى اصطحاب رعاياها إلى مدينة العريش للاستراحة، ومنها إلى مقر السفارة أو إلى مطار القاهرة الدولي حيث الوجهه الأخيرة، إلا من بعض الرعايا الذين اختاروا البقاء لبعض الوقت في القاهرة لأن رحلة نجاتهم لم تكتمل بعد، كما يبيِّن رصيف22 في هذا التقرير. 

الخوف، الفزع، القلق والترقب، هموم النزوح، الخوف على الأبناء كلها مشاعر مختلفة يعيشها الفلسطينيون أصحاب الجنسيات المزدوجة كون عائلاتهم التي لا تزال محتجزة داخل قطاع غزة، بعضهم خرج لينجو ببعض من عائلته تاركاً بعضها الآخر خلفه، يعيشون الرعب في كل ثانية وهم يتابعون توالي القصف على جميع أنحاء القطاع، حتى في المواضع التي يزعم الجيش الإسرائيلي أنها "آمنة" للمدنيين.

الخوف، الفزع، القلق والترقب، هموم النزوح، الخوف على الأبناء كلها مشاعر مختلفة يعيشها الفلسطينيون أصحاب الجنسيات المزدوجة كون عائلاتهم التي لا تزال محتجزة داخل قطاع غزة،

منهم سهير عبد الرحمن، الخمسينية التي تجمع بين الجنسيتين الفلسطينية والكندية، والتي عادت مع أسرتها من كندا إلى قطاع غزة المحاصر قبل 12 عاماً ولم تفكر مرةً في مغادرته حتى مع تكرار الاعتداءات الإسرائيلية، إلا أنها خلال العدوان الوحشي الجاري، اتخذت أخيراً قرار العودة إلى كندا لإنقاذ حياة أبنائها وأحفادها، إلا أن مسعاها لم يوفّق بشكل تام.

تركوا غزة ولم يتركهم الهم - فلسطينيون مزدوجي الجنسية يصلون إلى مصر عبر رفح

أيام من جحيم

سهير شاهدة على 36 يوماً من العدوان قبل أن تتمكن أخيراً من الخروج من معبر رفح إلى مصر، بعدما فقدت 65 من أفراد أسرتها خلال الأيام الـ36 الأولى، منهم من يعيش في شمال والجنوب بالقطاع. تقول سهير لرصيف22 إن الحرب في كل مكان بغزة "لا يوجد مكان آمن. الاحتلال يقصف كل مكان حتى مدارس الأونروا يقصفها". خرجت سهير مع ابنها وزوجته وحفيدها البالغ من العمر 4 أشهر وابنتها وزوج ابنتها، جميعهم يحملون الجنسية الكندية، لكن من خرجوا معها هم نذر يسير من أسرتها الكبيرة التي لا يزال باقي أفرادها تحت القصف كونهم لا يحملون جوازات سفر أجنبية تقيض لهم فرصة للنجاة: "عشت بالقطاع حروب 2012 و2014 و2020، ولم أفكريوماً بالمغادرة، لكن هذه الحرب أعنف من كل ما رأينا في غزة في الحروب السابقة". 

قالت وهي تبكي وعلى وجهها أثار الإعياء الشديد، إنها كانت تعيش في مدينة غزة (شمال القطاع)، "طلب الاحتلال مننا الرحيل من الشمال إلى الجنوب، فنزحت مع عائلتي وخسرت بيتي، وبقينا بنفس الملابس التي خرجنا بها 36 يوماً، وسكنت مع 15 عائلة أخرى في نفس البيت".

سهير شاهدة على 36 يوماً من العدوان قبل أن تتمكن أخيراً من الخروج من معبر رفح إلى مصر، بعدما فقدت 65 من أفراد أسرتها خلال الأيام الـ36 الأولى

منذ ذلك الوقت بقيت سهير وأسرتها قرب المعبر معاودة محاولات الخروج من غزة كل يوم، لكن الجيش الإسرائيلي قصف معبر رفح أكثر من مرة، لكنها ظلت تحاول حماية لحياة ابنها وأحفادها وعلى أمل العودة مرة أخرى إلى غزة بعد الحرب. تقول سهير لرصيف22: "عشنا رعب مفيش بعده رعب. مفيش راحة. نسيت كل ملامح اللي حواليا، وفور توفر الفرصة، بدأت رحلة الإعداد للخروج من القطاع برعاية السفارة الكندية"، وأضافت "أنا خرجت بس عشان أحافظ على حياة ابني وحفيدي، وهنرجع تاني لأن دي أرضنا ومش هنسيبها".

فلسطينيون مزدوجي الجنسية يصلون إلى مصر عبر رفح

تركت بعضي هناك

مرام صلاح خليفة سيدة فلسطينية عمرها 29 من غزة ومتزوجة من مصري وأم لطفلة مصرية عمرها 6 أشهر، ولديها أوراق تفيد بأنها على وشك الحصول على وثيقة سفر مصرية، سافرت إلى غزة في منتصف أغسطس/ آب الماضي للاستعداد لزفاف أخيها الذي كان مقرراً له أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. كان يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، هو اليوم الذي حددته أسرتها لأول احتفالات الفرح، لكن توقف الاحتفال فور بدء معركة طوفان الأقصى.

مرام ابنة مدينة رفح، ظلت حبيسة بيت العائلة منذ بدء العدوان الإسرائيلي ولأسابيع طالت تحت القصف، لم تخرج من البيت إلا مرتين كلتاهما لنفس الوجهة؛ معبر رفح الحدودي. 

المرة الأولى كانت بعد مرور أسبوع من الحرب على أمل الخروج، لكنها كانت واحدة من الشاهدين على قصف المعبر مدار يومين متتالين، والمرة الثانية بعد أن تم السماح بخروج الرعايا الأجانب وحصلت على موافقة للخروج مع ابنتها التي تحمل الجنسية المصرية نسبة لأبيها.

خرجت مرام وحدها مع ابنتها، تاركة وراءها أسرتها المكونة من 20 فرداً يقيمون جميعهم في بيت واحد في رفح التي باتت تتعرض لقصف يومي من جيش الاحتلال، ومعهم في بيتهم نازحين قادمين من لهم نازحين من مدينة غزة بعد أن فقدوا منازلهم وحولوا صالة المنزل إلى مكان لنومهم وجلوسهم سوياً، في محاولة لتخفيف آثار الخوف من أصوات القصف المتواصلة فوق رؤوسهم ومن حولهم.

خلال فترة وجود مرام داخل القطاع، ناشد زوجها هاني الشافعي السلطات المصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالسماح لخروج زوجته وابنته، وفقد التواصل معهما لأيام بسبب انقطاع الإنترنت والكهرباء المتكرر في غزة.

حافلة تنقل فلسطينيين وصلوا إلى مصر عبر رفح

تصف لنا مرام الوضع الذي تركت فيه أسرتها: "مدينة رفح مثل باقي المدن، مقطوع عنها أبسط الاحتياجات الأساسية فهي بدون كهرباء أو ماء أو طعام يكفي لها ولعائلتها فكان الحصول على الاحتياجات الرئيسية لها ولابنتها "صعب جداً" وكانت تخشى على أي فرد من أسرتها الخروج من المنزل خوفاُ من فقده بسبب "القصف العشوائي على كل مناطق القطاع". تقول مرام: "الحصول على الطعام والشراب صعب، فعلبة الفول من الصعب الحصول عليها، والمياه المتاحة كانت مياه غير صالحة للشرب، وكل يوم كنا نعبي الميّ من مكان بعيد، وكانت مخاطرة كبيرة الذهاب بشكل يومي لملء الماء".

بعد الأسبوع الأول من الحرب، كانت مرام "بين نارين" على حد قولها: "أترك أهلي أم أظل معهم"

عودة الفلسطينيين من حملة الجنسيات الأجنبية كانت تتم من خلال تنسيق بين سلطات المعبر الفلسطينية والمصرية، والمنظمات الدولية وسفارات الدول التي يحملون جنسياتهم وبتنسيق معها، وأقر مسؤول أمني مصري منذ أيام بالتنسيق المصري مع السلطات الإسرائيلية بخصوص الأسماء التي يتم السماح لها بالعبور إلى مصر، ويتم كتابة الأسماء في كشوف تحدد فيها الأعداد المسموح لخروجها خلال اليوم، وهذا ما أكدته جميع من التقى بهم رصيف22.

بعد الأسبوع الأول من الحرب، كانت "بين نارين" على حد قولها "أسيب أهلي أم أظل معهم".

روت في شهادتها عن رحلتها الأولي لمعبر رفح الحدودي، فقالت "خاطرت بحالي للوصول إلى المعبر بعد مرور أسبوع من الحرب، وذهبت بسيارة خاصة وطلعت راية بيضاء لتفادي القصف".

ظنت مرام وقتها أن مصرية ابنتها وزوجها سيكفيان لمنحها حق العبور؛ إلا أن اسمها لم يكن في الكشوف الأولى، ولكن تمكنت من دخول المعبر بشكل استثنائي، وكان هذا اليوم هو اليوم الذي تعرض فيه معبر رفح في الجانب الفلسطيني للقصف.

قبل قصف صالة المعبر صعدت للحافلة استعداداً للوصول إلى معبر رفح المصري، ولكن جاء بلاغ إلى المسؤولين على المعبر الفلسطينيين بضرورة إخلاء المعبر وطلبوا إنزال الركاب "طلبوا انزالنا وسرعة التوجه إلى الصالة نظراً لقصف المعبر، اللحظة دي كانت مرعبة مش قادرة أوصفلك".

"في كل الحروب السابقة كان بيتم تحذير بصاروخ انذار في الأول حتى يخرج السكان من المنزل ثم يضربوا البيت ولكن في هذه الحرب القصف بدون انذار"

عادت مرام إلى صالة المعبر، وظلت هناك طوال الليل على الكراسي الباردة في انتظار إصلاح المعبر حسبما قال مسؤولو المعبر على الجانب الفلسطيني للمسافرين: "قالوا لينا المصريين هيصلحوا الأضرار" في اليوم التالي تم نقل مرام وباقي الركاب إلى الحافلة استعداد للمرور من الجانب الفلسطيني إلى الجانب المصري، بالفعل استقل الركاب الحافلات من الساعة 9 صباحاً حتى 12 ظهراً، وفور تحرك الحافلة تم ضرب المعبر مجدداً، كان هذا يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. حسب شهادتها طلب الركاب من السائق استكمال المسير ولكن تم ضرب المسافة الفاصلة بين المعبر المصري والمعبر الفلسطيني مما اضطرهم إلى العودة إلى صالة المعبر التي تعرضت للقصف أيضاً.

أصبحت مرام محاطة بالقصف من جميع الاتجاهات إذ هربت من القصف المحيط بمنزلهم إلى قصف المعبر الحدودي: "اليوم ده كأنه هول يوم القيامة، الناس بتجري من بعض أنا شوفت بعيني الناس بتجري والموظفين مشيوا والناس بتجري ورا بعضهم وأي عربية كانت بتنقل أي حد لرفح، وجرينا مسافة كبيرة وبنتي على يدي لحد ما لقيت عربية ووصلت رفح".

معبر رفح

عادت مرام إلى منزل أسرتها لتعيش معهم أجواء الحرب كاملة، وبعد شهر تم تسجيل اسمها ضمن كشوف المسموح لهم بالعودة إلى مصر وعادت سالمة هي وابنتها بعد أن أصبح عمر الأخيرة 8 شهور.

 "في كل الحروب السابقة كان بيتم تحذير بصاروخ انذار في الأول حتى يخرج السكان من المنزل ثم يضربوا البيت ولكن في هذه الحرب القصف بدون انذار". مرام مرتبطة بأهلها وفقدان الاتصال بهم أو صعوبة الإتصال هي أكثر ما يقلقها منذ عودتها إلى مصر في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني المنقضي، فهي تتواصل معهم من خلال تطبيقات التواصل مثل واتس اب من خلال الرسائل فقط التي ترسلها وتنظر الرد بعدها بأيام حتى يتسنى لهم شحن الهواتف بالكهرباء من أي منزل يستخدم طاقة شمسية من المنازل المتبقية بجوارهم: "علاقتي بأهلي قوية أنا خايفة عليهم. كل اللي يهمني إنهم يكونوا بخير، بانتظر رسالة منهم حتى أعرف إنهم بخير".

"كل بيت بغزة فيه حزن أو فقد" فقدت مرام صديقتها التي كانت تخطط أن تعود معها على مصر: "فقدت صديقتي كانت طالعة معي على مصر ولكن تم قصف بيتها وتوفت هي وابنها". وتضيف: "الناس فاض فيها، أبسط احتياجات الحياة غير موجودة، وانخفضت ساعات النوم بسبب القصف الليلي العنيف". 

يذكر أن عمليات إجلاء الأجانب من غزة عبر رفح، بدأت في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني لما يقدر بنحو 7 آلاف من حاملي جوازات السفر الأجنبية ومزدوجي الجنسية وعائلاتهم، إضافة إلى عدد محدود من الأشخاص الذين يحتاجون علاجاً طبياً عاجلاً.

--------------------------------------------------------

تصوير آيات الحبال


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image