في مطلع الأسبوع الجاري، امتلأت المواقع الإخبارية بخبر نجاح مدينة الرياض، في المملكة العربية السعودية، بالفوز بتنظيم معرض إكسبو 2030، بعد منافسة مع مدينتي روما الإيطالية وبوسان الكورية.
الاحتفاء بذلك الأمر من وسائل الإعلام العربية، يوحي بأننا أمام حدث جلل يستوجب الفخر والاحتفال، لكن السؤال هنا: ما هي قصة معرض إكسبو؟ كيف بدأ؟ وكيف تغيرت بوصلته؟ ولماذا كل هذا الاحتفاء به؟ وهل المملكة السعودية بحاجة له أم العكس؟
إكسبو… حلم الأمير الإنجليزي
في مطلع عام 1846، التقت رغبات الأمير ألبرت برينس، زوج الملكة البريطانية فيكتوريا، وهنري كول، محرّر مجلة "التصميم" البريطانية. رجلان تجمعهما اللغة، والوطن، وولع شديد بالعلم والابتكارات، ومن هنا بزغ نجم "الجمعية الملكية لتشجيع الإبداع والصناعة".
هل تجني السعودية ثمار المليارات التي تنفقها على الملاعب والمعارض قريباً؟
على الجانب الآخر من بحر المانش، نجحت فرنسا في تنظيم معرضها الصناعي الأول، والذي حقق نجاحاً مبهراً أثار غبطة الرجلين، وشجعهما على المضي قدماً صوب تدشين معرضهما.
ورغم أننا نتحدث هنا عن زوج الملكة، إلا أن الحكومة البريطانية لم تتحمّس للمشروع في البداية، لكن حديث هنري وألبرت عن أن المعرض سيقوم على التمويل الذاتي (فكرة مبتكرة حينها) فضلاً عن الضغط الشعبي المتزايد، جعلت الحكومة تقرّر، على مضض، تشكيل لجنة ملكية لبحث الفكرة ودراستها، وسرعان ما انتاب اللجنة الحماس للمشروع بعدما انبهروا بفكرة "التمويل الذاتي"، وامتزج التقدير بالفخر الوطني، ما جعلهم يصرّون على أن يكون هذا المعرض أهم وأكبر من ذلك الذي نظّمه الفرنسيون.
هايد بارك تحتضن الهيكل الحديدي
بعد قبول الفكرة، تمّ بناء هيكل ضخم في حديقة هايد بارك؛ لاحتضان المؤتمر، وخصّصت الحكومة حينها ما يقرب من 5000 جندي لبناء ذلك الهيكل، الذي بلغ طوله 564 متراً، وارتفاعه 33 متراً.
اُفتُتِحَ المعرض على يد الملكة فيكتوريا في الأول من أيار/ مايو عام 1851، وتضمن تقريباً كل أعاجيب العصر الفيكتوري في الصناعة ومبتكراتها، وعلى الرغم من أن الهدف الأصلي للمعرض العالمي كان الاحتفاء بالتطور الصناعي في شتى البلدان، إلا أن بريطانيا استحوذت على أكثر من نصف المعروضات.
المفاجأة كانت النجاح المبهر للمعرض، الذي تشير سجلاته إلى أنه خلال الفترة، من أيار/ مايو إلى تشرين الأول/ أكتوبر 1851، زاره قرابة 6 ملايين زائر، وهو رقم مرعب مقارنة بعصره، ما جعل الكثيرين يعتبرون ذلك المعرض أحد أهم ملامح القرن الـ 19.
لماذا غادر معرض إكسبو بلاد الغرب ليستقر في الخليج؟
تحولات في مسارات المعرض وأهدافه
في البداية، ركز المعرض على الصناعة بمفهومها الواسع، حينها كانت ثورة التصنيع هي سيدة الموقف، لذا تحوّل المعرض إلى منصّة لأحدث الاختراعات والتقنية الحديثة، كظهور الهاتف لأول مرة.
النقلة الأكبر في مسار المعرض، كانت في معرض نيويورك عام 1939، والذي أقيم تحت شعار "بناء الغد"، ليتحول المعرض إلى التركيز على الجانب الثقافي والاجتماعي للبلدان المشاركة.
توالت بعد ذلك العناوين الاجتماعية، فنرى معرض 1965 بشعار "التفاهم أساس السلام"، ثم معرض" عالم الإنسان"، وظهر جلياً أن المعارض تسعى إلى ترسيخ مفهوم التقارب بين الثقافات، فضلاً عن تبادل الابتكارات التكنولوجية.
وكما تبنت أمريكا زمام المبادرة في تغير فلسفة المعرض، غيرت أيضاً اسم المعرض إلى Montreal Expos (فريق البيسبول الشهير) ليُطلق بعدها اسم Expo على كافة المعرض حتى يومنا هذا.
تسويق للبلاد لا لصناعتها
طيلة كل تلك العقود، كان الهدف من المعرض تقنياً بالأساس، ثم ثقافياً، ومن عام 1988، وبالتزامن مع ظهور مصطلح "القوة الناعمة" على يد أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، جوزيف ناي، حدث تحوّل في فلسفة المعرض، ليتحول إلى أداة تسويق سياسي بالأساس للبلدان، ولم تعد المخترعات، ولا حتى المكسب المالي، هو الهدف منه.
ظهر ذلك جلياً في معرض إكسبو بإشبيلية 1992، الذي استخدمته إسبانيا لتقديم نفسها كدولة حديثة في أعقاب انضمامها للاتحاد الأوروبي، وحرصت في العام ذاته على استضافة حدثين مهمين، الأول كان دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، والثاني معرض إكسبو إشبيلية.
الخليج يستحوذ على معارض إكسبو
دخل معرض إكسبو العالم العربي عام 2020، على يد الإمارات التي استضافت معرض إكسبو دبي 2020 وأنفقت عليه بكرم، إذ تشير التقديرات إلى تجاوز ميزانية المعرض 6.5 مليار دولار أمريكي، وهو رقم ضخم، يشكّك الكثيرون في أن الإمارات حصدت نتائج مادية مقابلة تعادل المُنفق عليه، رغم أن التصريحات الرسمية تشير إلى أن المعرض نتج عنه زيادة إجمالي الناتج المحلي الإماراتي بنسبة 5%.
بعيداً عن الخلاف حول دقة تلك التصريحات، فالثابت أن المعرض كان فرصة لتعزيز مكانة دبي كقبلة لسياحة الترفيه الثرية.
ما العامل المشترك بين معرض إكسبو الرياض 2023 وكريستيانو رونالدو؟
إكسبو الرياض 2030…. حلم بن سلمان
وإذا كانت ميزانية إكسبو دبي 2023 قاربت 6 مليارات دولار، فإن الميزانية المبدئية لمعرض الرياض (قابلة للزيادة) ووصلت لـ 7.8 مليار دولار، لتسجل رقماً قياسياً في تكلفة إقامة مثل تلك المعارض.
السؤال هنا: هل من المتوقع أن تغطي عوائد المعرض هذه التكاليف؟
الإجابة: غالباً لا، فالربح المالي ليس هو ما تسعى له المملكة، ولا قطر من قبلها. القصة هنا سياسية بالأساس، أو للدقة أكثر دعائية، فالسعودية الآن تغير جلدها، وتمضي قدماً، مسرعة الخطى، نحو تغيير الصورة الذهنية من بلد لا تمتلك سوى النفط والحرم، إلى دولة منفتحة مستضيفة للفن والرياضة والمشاريع الناشئة.
لذا كان مهرجان الرياض، ودفع المليارات للاعبي الكرة، وستنفق أيضاً على إكسبو الرياض 2023.
الصناعة والتقنية والتبادل الثقافية لم تعد مبتغى المعرض، وإنما الدعاية السياسية، وترسيخ صورة تسعى بلاد النفط إلى تصديرها عن نفسها وعن مستقبلها… وفي ذلك يتنافس المتنافسون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه