مدينة تُعرف بأهلها المضيافين الكرماء، وتاريخها الأصيل، وبكثرة جسورها الجميلة، ونهرها العريق، وبناياتها التاريخية الأثرية. إنها الأهواز، مركز محافظة خوزستان جنوب غرب إيران، والعاصمة النفطية للبلاد، وتُعدّ ثالث أكبر حقل نفطي في العالم، بعد المملكة العربية السعودية والكويت.
وتتنوع معالم الأهواز ما بين تاريخية وحديثة، سنلقي نظرةً هنا على بعض هذه الأماكن المستقطبة للسياح والزوّار من جميع أنحاء إيران والعالم.
جسور الأهواز
تُلقَّب الأهواز بـ"مدينة الجسور"، وذلك لكثرة جسورها التي تصل غرب المدينة بشرقها، إذ فيها 10 جسور، من بينها جسور شهيرة أكثر من غيرها، وذلك حسب أقدميتها أو استخدامها، وهذه الجسور سُمّيت حسب دلالاتها مثل "الجسر الأسود"، و"الجسر الأبيض"، و"الجسر السلكي".
تُلقَّب الأهواز بـ"مدينة الجسور"، وذلك لكثرة جسورها التي تصل غرب المدينة بشرقها، إذ فيها 10 جسور، سُمّيت حسب دلالاتها مثل "الجسر الأسود"، و"الجسر الأبيض"، و"الجسر السكي"
الجسر الأسود، هو أول جسور هذه المدينة وأقدمها، تم إنشاؤه عام 1929، في فترة حكم الشاه رضا بهلوي، بهدف ربط خط سكة حديد ميناء الخميني (شابور آنذاك)، المطلّ على شمال الخليج، بخط سكة حديد طهران وصولاً إلى شمال إيران، وتعود ملكية هذا الجسر إلى المديرية العامة للسكك الحديدية في جنوب إيران.
تم بناء هذا الجسر المعدني الأسود، الذي يبلغ طوله 1،050 متراً، وعرضه ما يقارب 6 أمتار، ويقف على 52 عموداً بأساسات خرسانية وحجرية، على قاع نهر كارون، ويعمل الجسر في مجال مواصلات القطارات، إذ يكون فوقه خطان واحد للذهاب والآخر للإياب لمرور القطار، كما توجد أرصفة بعرض نحو متر واحد على الجانبين، لمرور الأشخاص.
بعد سبع سنوات من افتتاح الجسر الأسود، تم تشييد جسر جديد يربط الأهواز القديمة بالجديدة، وكان للسيارات والعربات والأشخاص، إذ عُرف منذ القِدم باسم "الجسر الأبيض" أو "الجسر أبو هلالات"، وكذلك "الجسر الهلالي"، نظراً إلى لون طلائه الفضي وشكله.
يتكون هذا الجسر من ثلاثة أجزاء، فيها خمسة هلالات معدنية، الجزءان الكبيران من الجسر يصل أحدهما إلى 136 متراً، والآخر إلى 130 متراً، ويكون فوق كل جزء هلال بطوله، كما يقع بين هذين الجزأين، جزء آخر للجسر تحته ثلاثة أقواس معدنية بطول 49 متراً لكل واحد، إذ يبلغ الطول الإجمالي للجسر 501.2 من الأمتار. كما يُعدّ الجسر الهلالي رمزاً للمدينة.
ومن بين جسور الأهواز، يكون جسر "السلكي أو الثامن أو الغدير"، هو الأحدث حتى الآن، ويُعرف بـ"جسر السلكي" بين الأهوازيين، وهو مدعوم بالأسلاك المتصلة بعمودين على شاكلة حرف A، إذ يبلغ طوله 1،014 متراً وعرضه 22 متراً، ويربط هذا الجسر منطقة الأمانية (الأمنية) غرب نهر كارون، بشارع زند شرق هذا النهر، ويُعدّ واحداً من أطول الجسور المعلقة داخل المدينة في الشرق الأوسط، وبدأ العمل به في سنة 2013.
البنايات الأثرية في الأهواز
بعيداً عن عالم الجسور والمواصلات، هناك بنايات تاريخية وأثرية كثيرة في الأهواز، تحظى باهتمام واسع من قبل الأهوازيين والسياح الذين يزورون المدينة، فعلى سبيل المثال: "فندق قو" و"خان معين التجار" و"الجامعة المثلثة"، هي من أبرز هذه البنايات في الأهواز وأشهرها.
"فندق قو" أو ما تبقّى منه، يعود تاريخ إنشائه، إلى أواخر الفترة القاجارية 1920، في إيران، ويقع على ضفاف نهر كارون الذي يعبر وسط مدينة الأهواز، لكن كل ما تبقى من هذا الفندق الذي كان عبارةً عن تحفة معمارية في عصره، هو مجرد هيكل هش مهترئ قد ينهار في أي لحظة، إذ لم يحظَ باهتمام جدّي، غير أن منظمة التراث الثقافي لمحافظة خوزستان قامت بعمليات ترميم جزئي في عامي 2018 و2019.
لكن بعد عام 2018، قامت مجموعة باسم "أوكسين للدراجات الهوائية" في الأهواز، بتنظيف المبنى وساحة الفندق بشكل طوعي وترميمهما، ولا تزال هذه العمليات مستمرةً، وذلك إلى جانب افتتاحها مقهى في ساحة الفندق، وجاءت هذه الخطوة بهدف إعادة افتتاح الفندق بشكل دائم، ولتعريف الناس به أكثر، كما ستُدفع جميع الأرباح من مبيعات هذا المقهى لصيانة المبنى وترميمه.
على بعد خطوات من فندق قو، يوجد مبنى تاريخي على ضفاف كارون، يُعرف بـ"خان معين التجار"، الذي سُمّي على اسم بانيه "الحاج محمد تقي معين التجار"، وهو تاجر من أهل مدينة "تُستر"، وقد شُيّد هذا الخان في عهد الملك الإيراني "ناصر الدين شاه القاجاري"، ليكون عبارةً عن مكتب لشركته ومحطة لتبادل السلع التجارية التي تشحن بالسفن من مدينة خرمشهر (المحمرة) إلى الأهواز عبر نهر كارون، إذ كان يتم تفريغها في هذا الخان، ومن ثم تُشحن في القطارات لترسل إلى خارج البلاد.
ومن عام 1928 إلى عام 1995، تحول الخان إلى مخزن للبضائع والسلع، حتى اندلع فيه حريق كبير عام 1995، تدمّر إثره معظم المبنى، كما تضرر الشقف ومعظم الأعمدة بشدة، وبعد ترميم هذا المكان التاريخي أعلن المسؤولون في خوزستان فتح أبوابه أمام السياح.
وإذا عبرنا من جسر "سلمان الفارسي" المجاور لهذا الخان، ففور وصولنا إلى الجهة الأخرى من الجسر، سنواجه مبنى بديعاً وفريداً من نوعه، هو أحد المعالم التاريخية الأخرى للأهواز، إذ كانت له استخدامات عدة منذ تدشينه في عام 1929، أي في عهد حكم البهلوي الأول في إيران.
بعد افتتاح "المبنى المثلث" بالفارسية (ساخْتِمانِ سْهِ گْوشْ)، في سنة 1929، أصبح هذا المبنى محلاً "للبنك الإيراني الوطني" في الأهواز، وتحوّل بعد ثلاث سنوات إلى المكتب الإداري للمحافظة، وبقي على هذا الحال حتى دخل جيش الحلفاء البلاد إبان فترة الحرب العالمية الثانية عام 1942، وأصبح المقر الرئيسي لهذا الجيش، وبعد سبع سنوات صار مقراً لمنظمة "ترومان الأمريكية" في الأهواز.
وظل على هذه الحال تتبادله الدوائر والمؤسسات، حتى تم شراؤه أخيراً في عام 1957، من البنك الوطني الإيراني، من قبل الحكومة آنذاك، وتحول إلى مبنى لكلية الطب في "جامعة جندي شابور" في الأهواز، حتى عام 1966، حيث تحول المبنى في العام نفسه إلى محل لمجموعة معاهد تتبع لجامعة جندي شابور.
وفي عام 1971، أصبح "المبنى المثلث" كلية الآداب واللغات الأجنبية في جامعة الشهيد تشمران في الأهواز، حتى ترك طلاب الأدب واللغات الأجنبية هذا المبنى المبهر، عام 2010، لتنتهي مهامه في احتضان العلوم والعلماء والطلاب، ومنذ تلك الفترة أُغلقت أبوابه من أجل عمليات الترميم والتجديد.
المعالم الدينية
تحتضن الأهواز أماكن دينيةً تاريخيةً، أحدها هو مرقد علي بن مهزيار الأهوازي، الذي كان أحد الرفاق المقرّبين للإمام الثامن لدى الشيعة الاثني عشرية الإمام الرضا، في فترة مكوثه في هذه المدينة، إذ بعد خروج الإمام من المدينة، قام شيعة الأهواز ببناء مسجد في محل إقامته، ودُفن بن مهزيار بعد وفاته فيه، وشيّد له مقام تزوره الشيعة من إيران وخارجها.
تحتضن الأهواز أماكن دينيةً تاريخيةً، أحدها هو مرقد "علي بن مهزيار الأهوازي"، الذي كان أحد الرفاق المقرّبين للإمام الثامن لدى الشيعة الاثني عشرية الإمام الرضا، في فترة مكوثه في هذه المدينة
يتميز هذا المبنى الذي يقع بالقرب من نهر كارون، بأسلوب البناء والتزيين والزخرفة الإيراني الإسلامي البديع، ويُعدّ هذا المقام أحد المعالم المهمة والدينية لهذه المدينة العريقة.
"كنيسة مسروب المقدسة"، واحدة من كنائس الأهواز، وهي مبنى قديم في مركز المدينة وقريب من نهر "كارون"، يعود إلى فترة حكم الملك الإيراني المخلوع محمد رضا البهلوي. تم تصميمها وبناؤها على يد الإيراني المسيحي "ترداد داووديان"، عام 1968، والذي كان يعمل في شركة النفط الوطنية الإيرانية آنذاك.
على ضفاف كارون
"صومعة قمح الأهواز"، التي تُعدّ واحدةً من المعالم التاريخية في هذه المدينة، إذ تشكل جزءاً من تاريخها المعاصر، بما أنها ساعدت في تشكيل مدينة الأهواز الحديثة في مجال الصناعة، وهي ثاني أكبر صومعة للقمح بعد صومعة طهران.
تطلّ هذه الصومعة على نهر كارون، وتقع بالتحديد بين جسري السلكي والخامس، حيث أصبحت رمزاً عمرانياً تاريخياً وجميلاً في الأهواز. تم تشييد هذه الصومعة عام 1940، بهدف حفظ وتخزين الغلال، وعلى وجه الخصوص القمح، بجدران خرسانية مسلحة على الضفة الغربية لكارون، كما يتكون المبنى الرئيسي لهذه الصومعة من عشرين أسطوانةً في ثلاثة صفوف. وقديماً كان القمح يُنقل من الصومعة عبر نفق طوله 145 متراً إلى السفن الراسية في النهر لتصديره إلى الدول المجاورة.
وإلى جانب جميع هذه المعالم المبهرة والتاريخية، يبقى "نهر كارون" المعلم الرئيسي والأساسي لمدينة الأهواز، ويجمع بين معالمها من الماضي إلى الحاضر، ويرتبط بتراثها وتاريخها منذ طليعتها، إذ أصبح في عصرنا الحالي، مكاناً مريحاً وخلاباً، شُيدت على ضفافه المطاعم والمقاهي والأماكن الترفيهية المطلة على مياهه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...