شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
القضية الفلسطينية بين السنّة والشيعة في العراق... من جديد!

القضية الفلسطينية بين السنّة والشيعة في العراق... من جديد!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الأحد 29 أكتوبر 202301:28 م

هجمات عنيفة خلّفت آلاف الضحايا المدنيين، خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، منذ الـ7 من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، أدّت إلى حالة تضامن كبيرة لدى العراقيين، تمظهرت من خلال مسيرات مؤيدة، واعتصامات على الحدود الأردنية، مطالبة بالسماح لهم في التوجه إلى فلسطين، وصلوات دعاء تصدح في مساجد البلاد وكنائسها ومعابدها.

برغم ذلك، هناك مشهد آخر في العراق ظهر نتيجة ما يحصل في فلسطين. وكالعادة، فرض الخلاف نفسه. فالخلاف والتناقض سمتان ملازمتان للمجتمع العراقي، ومن السمات التي حاول عالم الاجتماع العراقي المعروف علي الوردي، تحليلها في كتابه "شخصية الفرد العراقي".

خلافات الرأي

منذ بدايات الصراع العربي الإسرائيلي، وتحديداً منذ النكبة عام 1948، أعلن العراق تضامنه مع فلسطين، كما استقبل، من بين دول قلة، مجموعةً كبيرةً من لاجئيها، قُدّرت بنحو 90 ألف لاجئ في عام 2003، بحسب منظمة الأمم المتحدة.

سيرة طويلة في التعاطف والتضامن مع الفلسطينيين. لكن اليوم يبدو أن المشهد قد بدأ يتغيّر قليلاً، ويتراجع، ليس من باب التخلّي عن القضية الفلسطينية، ولكن لاعتبارات داخلية وطنية، كما يقولون. فقد عبّر البعض عن ضرورة الاهتمام بالمشكلات الداخلية التي يعاني منها العراق، قبل التوجه إلى حل أزمات البلدان الأخرى، وطالبوا الدولة بالتركيز على قضاياهم الداخلية المتراكمة بلا حل، قبل اقتراح حلول لأزمات منطقة الشرق الأوسط أو فلسطين.

"مشاكل بلدي تكفيني، ومالي علاقة بغير بلد"؛ هكذا يجيب محمد حيدر العبودي (26 عاماً)، من بغداد، بعد سؤاله عن موقفه من القضية الفلسطينية، إذ يرى ضرورة حل مشكلات العراق الداخلية والخارجية، بشكل عاجل، فتجاهلها أدى إلى تشريد الشعب ودفعه إلى اللجوء في مختلف بلدان العالم، كحال الشعب الفلسطيني، وهو يعتقد تالياً، بأن حل هذه الأزمات أو الأسباب التي دفعت بالشعب إلى الهجرة من بلده، أهم من حل المشكلة الفلسطينية، أو مشكلة أي بلد آخر، بحسب تعبيره.

ويتساءل عبد الله سلطان إبراهيم (36 عاماً)، من بغداد، عن الدور الذي يلعبه الشعب أو الحكومة العراقية في هذه الأزمة المستمرة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً، في حين يعجزون عن حلّ مشكلات البلاد المتراكمة منذ نحو 20 عاماً.

 "لو كانت إيران تسعى حقاً لدعم فلسطين، فما هي أسباب تأخرها عن دعمها عسكرياً بشكل مباشر، ووقف الويلات التي حلت بقطاع غزة، لا سيما أنها تمتلك القدرات والمؤهلات لخوض هذه الحرب؟"

ويتخوف في حديثه إلى رصيف22، من أن "تؤدي محاولات زج العراق في هذا الصراع، إلى تكرار سيناريو الحصار الاقتصادي الذي مرّت به البلاد في عام 1991، على إثر الإجتياح العراقي للكويت، وفرض العقوبات عليه، وما عاناه في تلك الحقبة من موت بسبب نقص الطعام والعلاج والخدمات، بالإضافة إلى عزلته العالمية"، مؤكداً عدم قدرة البلد على تحمل عقوبات مشابهة، لا يزال يتحمل أوزارها حتى اليوم.

متضامنون ولكن!

الاقتباس والتقليد، مع السياسة الإيرانية أو ضدها، كانا حاضرين بقوة في مشهد التضامن العراقي مع فلسطين. فريقان لطالما حاول كل منهما مناكفة الآخر في موقفه، ولكنهما هذه المرة، وقعا في فخ لا يُحسدان عليه.

فعلى سبيل المثال، يبدي البعض دعمه لإسرائيل، ليس حباً بها، ولكن بغضاً بالسياسة الإيرانية. هم يبررون رأيهم بأن إنسانية إسرائيل تفوق إنسانية حكومة طهران أو الأنظمة العربية. فبحسب مجد (26 عاماً)، من محافظة بغداد، رفض الإدلاء باسمه الكامل لأسباب أمنية: "إسرائيل وبرغم احتلالها لفلسطين، أحسنت بالفعل إلى مواطنيها، وراعت حقوق سجنائها، وتقدّم لهم الخدمات والرعاية الصحية، فيما تفتقر إيران والعالم العربي والإسلامي، إلى مثل هذه الحقوق".

مثل هذه الآراء، وبرغم صواب جانبها المتعلق بانعدام حقوق الإنسان في بعض البلدان العربية والإسلامية، ولكن تأثرها بالإعلام الإسرائيلي واضح بشكل كبير، حيث توجه إسرائيل، ماكينتها الإعلامية نحو العراق، عبر صفحات رسمية ووهمية عدة، أبرزها "إسرائيل باللهجة العراقية" على فيسبوك، التي يؤكد مجد أنه أحد متابعيها بعد سؤاله، وقد طالته انتقادات وتهديدات بالقتل، بسبب دعمه لإسرائيل على أحد المنشورات، ما دفعه لحذف تصريحاته.

فيما يبدي مالك الوائلي (27 عاماً)، من محافظة بابل، تأييده للقضية الفلسطينية بشكل عام، وحق الفلسطينيين في تحرير أرضهم، ولكنه ينتقد العمليات التي تنفذها منظمة حماس، نظراً إلى الدعم الإيراني لها، ويرى استحالة أن تقدّم طهران دعمها لأي منظمة غير تابعة أو مؤيدة لسياستها أو مصالحها في المنطقة. ويستدل في رأيه على الدعم الذي تقدّمه إيران لبعض المجاميع المسلحة والحزبية داخل العراق، نظير خدمة مصالحها، وارتداد ذلك بشكل سلبي على الأوضاع الداخلية في البلاد.

وتالياً يعتقد في حديثه إلى رصيف22، أن عمليات حماس الأخيرة، هي مجرد توظيف إيراني للقضية الفلسطينية، وتنبع من محاولاتها لإشغال العالم عن مخطط أوسع تسعى إلى تحقيقه في المنطقة.

ويقول الوائلي: "لو كانت إيران تسعى حقاً لدعم فلسطين، فما هي أسباب تأخرها عن دعمها عسكرياً بشكل مباشر، ووقف الويلات التي حلت بقطاع غزة، لا سيما أنها تمتلك القدرات والمؤهلات لخوض هذه الحرب؟"

وبالضد من ذلك، يؤكد سعد مجبل (24 عاماً)، من محافظة النجف الأشرف، تضامنه مع غزة، بناءً على الإرشاد الذي تلقّاه من أحد المكاتب المرتبطة بحزب الله العراقي، والمقرب من طهران، ويشير إلى أن "معلوماته عن القضية الفلسطينية كانت شبه معدومة، قبل ذلك، ووقّع بالفعل على وثيقة للتطوع من أجل القتال في فلسطين، وزّعها عليهم هذا المكتب".

"تأييدي للقضية الفلسطينية مرتبط بتأييد المرجعية الدينية في إيران لها، والمتمثلة في خامنئي، وهي أولى بالتقليد لدى أي مناصر لفلسطين"

ويلفت في تصريحه لرصيف22، إلى أن "تأييدي للقضية الفلسطينية مرتبط بتأييد المرجعية الدينية في إيران لها، والمتمثلة في خامنئي، وهي أولى بالتقليد لدى أي مناصر لفلسطين"، مؤكداً عدم جدوى المواقف العربية التي اعتادت على التنديد وسارت في طريق التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

الطائفية في العراق

لم تكن الطائفية بعيدةً عن صراع الرأي العراقي، الخاص بالتضامن مع فلسطين المحتلة، وسببت لغطاً كبيراً داخل المجتمع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في آن واحد.

يشبه رامي الجبوري (37 عاماً)، من محافظة كربلاء، "الخذلان الذي تبديه الطائفة السُنّية في العراق أو الدول السُنّية، بخذلان بني أمية للحسين"، فيما يؤكد ثبات الموقف الشيعي في نصرة فلسطين، بالضد من إسرائيل والعالم، والذي عبّر عنه قادة الأحزاب الشيعية والحشد الشعبي ووفود المقاتلين الشيعة المتواجدين قرب الحدود اللبنانية الفلسطينية.

وكان القيادي في الحشد الشعبي، الملقّب بأبي عزرائيل، قد أكد على صفحته الشخصية في موقع إكس، وجوده في منطقة الناقورة، على الحدود اللبنانية الفلسطينية، استعداداً لأوامر التدخل العسكري في فلسطين، رداً على اتهامه بالكذب في ما يخص مكان وجوده.

كما يؤكد نزار السوداني (28 عاماً)، من محافظة كربلاء أيضاً، أن "الشيعة برزوا في الدفاع عن حقوق فلسطين، وسارعت مرجعياتهم كافة إلى نصرة قضيتها، فيما تجاهلها السُنّة، اقتداءً بالتطبيع الحاصل في بلدانهم، حيث لم تشهد مناطقهم أي تظاهرة أو موقف لنصرة فلسطين حتى الآن".

يُذكر أن مكتب المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، أصدر في 11 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، بياناً دعا فيه إلى إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، ودعم حقوقه في الحرية واستعادة أرضه، وهو التصريح الذي عدّه البعض دعوةً إلى الجهاد في فلسطين. كما دعت مرجعيات أخرى إلى نصرة القضية وعدّها مصيريةً لجميع المسلمين.

لكن في المقابل، يقول خالد الزوبعي، من محافظة بغداد، إن "التظاهرات عمّت مختلف المحافظات السنّية، وندد شيوخ الدين بالعدوان الإسرائيلي، ولكن الجهات الإعلامية لا تسلّط كاميراتها على هذه التظاهرات، من أجل تعميق الطائفية داخل المجتمع، والتي تخدم مصالح خارجيةً".

وجدير بالذكر أن المجمع الفقهي الأعلى، وهو هيئة الإفتاء السُنّية في العراق، قد أفتى في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، بوجوب الدفاع عن فلسطين، كما دعا إلى فتح مراكز للتطوع والتعبئة من أجل فلسطين. كما شهدت مساجد محافظة بغداد ومحافظات سُنّية أخرى، حملة تكبيرات جماعية، مساء الـ27 من تشرين الأول/ أكتوبر، نصرةً للقضية الفلسطينية، تلتها مسيرة شعبية تضامنية في منطقة الأعظمية وسط بغداد.

يقول محمد الفهداوي (41 عاماً)، من محافظة الأنبار، وهو أحد المشاركين في الاعتصامات الحاصلة في منفذ طريبيل الحدودي مع الأردن، إن "اعتصامنا من أجل فتح الحدود نحو فلسطين، مستمر إلى اليوم"، وينبّه في تصريحه لرصيف22، إلى "عدم صحة الحديث عن تخاذل السُنّة عن دعم فلسطين"، ولكنه يتساءل عن أسباب تبدّل مواقف بعض مرجعياتهم، لا سيما تلك التي كانت تنادي بترك قضية فلسطين، وعدّها قضيةً ناصبية، لا تخص الشيعة، بالإضافة إلى ما عايشه فلسطينيو العراق، من عمليات تهجير وقتل شنّتها ضدهم الجماعات المسلحة الشيعية، إبان الصراع الطائفي عام 2006.

وتخمن دراسات وتقارير صحافية، بأن أكثر من 25 ألف فلسطيني هُجروا من بغداد إبان الحرب الحرب الأهلية العراقية بين عامي 2006 و2008، وقُتل أكثر من 600 آخرين على الهوية في سيطرات وهمية، أو مداهمات على بيوتهم.

"الشيعة برزوا في الدفاع عن حقوق فلسطين، وسارعت مرجعياتهم كافة إلى نصرة قضيتها، فيما تجاهلها السُنّة، اقتداءً بالتطبيع الحاصل في بلدانهم"

يقول الباحث الاجتماعي عدنان ثامر، إن "الشخصية العراقية عنادية بشكل كبير، وتستهوي معارضة الآخر، بل نفسها أحياناً، وهو ما يعزز التناقض الداخلي فيها، وتالياً لا يتوقف صراع الرأي الحاصل حالياً على تأثر المجتمع بالماكينات الإعلامية الصهيونية الموجهة إلى العراق، بل هو صراع داخلي موجود منذ القدم".

وعن سبب إثارة الطائفية في هذه المسألة، يؤكد في حواره مع رصيف22، أن "العراقي لطالما عُرف بتعلّقه بالمسألة الطائفية، وتعزز هذا التعلق الويلات ذات الصبغة الطائفية التي مرّ بها بعض الأفراد، فعلى سبيل المثال، مقتل مواطن شيعي بسبب الأحداث الطائفية أو تفجير انتحاري أو الحرب ضد تنظيم الدولة، سيدفع بمحبّيه وعائلته، إلى الحقد على السنّة، وكذلك بالنسبة للمجتمع السنّي".

ويرى أن "التوجيه الحزبي يلعب دوره في هذه المسألة، إذ استغلت بعض الأحزاب أو الشخصيات السياسية هذه الأزمة من أجل تحريك جيوشها الإلكترونية وإثارة الفتنة داخل المجتمع من جديد، وتالياً بدلاً من اتحاد الناس حول موقف معيّن، يفضّلون التشتت فرقاً مختلفةً".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image