"قبل أيام، كنت أحلم بالاجتماع الأول لحزب الأمل، ولكنني الآن لا أحلم بأكثر من أن أعود إلى منزلي دون أن يتم اعتقالي"؛ بهذه الكلمات يبدأ عضو حملة أحمد الطنطاوي، محمد وائل (اسم مستعار)، حديثه إلى رصيف22، بعد قرار إحالة الطنطاوي ومنسّق حملته محمد أبو الديار و21 شخصاً آخرين، بتهم تتعلق بتداول أوراق تخصّ العملية الانتخابية دون ترخيص، وهو الأمر المجرّم بفعل قانون مباشرة الحقوق السياسية المصري.
يضيف محمد: "منذ بداية مشاركتي في الحملة، كنت أعرف أن هناك احتمالاً كبيراً للتعرض لمخاطر أمنية، خاصةً مع الاعتقالات المستمرة. لكن في المقابل، وصلت إلى الحملة العديد من التطمينات من مصادر عدة في الحركة السياسية، بالإفراج عن المعتقلين، وهو ما جعل الحملة تلتزم الصمت قليلاً. إلا أن تلك الوعود لم يتم تنفيذها وأصبحنا جميعاً مهددين".
يتخذ محمد العديد من الإجراءات، أهمها عدم التدوين عن حملة الطنطاوي، وجعل المنشورات السابقة كافة عن الحملة للأصدقاء فقط، أو حذفها، والسفر خارج القاهرة أياماً عدة.
رحلة الرئاسة أو السجن؟
في الذكرى الثانية عشرة لثورة كانون الثاني/ يناير، بدأ أحمد الطنطاوي رحلته التي كان يطمح إلى أن تنتهي بمنصب الرئاسة، التي قد تقوده اليوم إلى السجن، عبر نشر رسالة مصوّرة كمحاولة لجسّ نبض الشارع والقوى السياسية، ألمح فيها إلى إمكانية ترشحه في انتخابات الرئاسة عبر تحدّيه النظام، بإقامة انتخابات رئاسية حقيقية أو استفتاء حقيقي بضمانات حقيقية ممثلة في "ستارة وصندوق".
ماذا بعد إحالة الطنطاوي ومنسّق حملته محمد أبو الديار و21 شخصاً آخرين، بتهم تتعلق بتداول أوراق تخصّ العملية الانتخابية دون ترخيص، وهو الأمر المجرّم بفعل قانون مباشرة الحقوق السياسية المصري؟
وفي نيسان/ أبريل الماضي، أعلن الطنطاوي أن سيعود إلى القاهرة في أيار/ مايو، واعتزامه الترشح في الانتخابات الرئاسية. قبيل ذلك، بدأت المضايقات باعتقال عدد من أقاربه، بالتزامن مع بدء جلسات الحوار الوطني، قبل أن يعود فعلاً إلى القاهرة في غير الموعد الذي حدده.
المعارضة والانتخابات
وعلى مدار الأشهر الماضية، وقبل فتح باب الترشح رسمياً في الانتخابات الرئاسية التي تُجرى قبل موعدها، بسبب الأزمات الاقتصادية المتتالية، حاول الطنطاوي الحصول على دعم الأحزاب المصرية كمرشح في الانتخابات الرئاسية، إلا أن المعارضة قدّمت مرشحَين آخرَين، هما فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاشتراكي المشارك في تحالف الحركة المدنية الديمقراطية، وجميلة إسماعيل رئيسة حزب الدستور وعضوة التحالف أيضاً وعضوة التيار الليبرالي الحرّ قبل تعليق مشاركة الدستور به.
بحسب مصدر في تحالف الحركة المدنية، رفض ذكر اسمه، نشب في التحالف خلاف ضخم بعد إعلان زهران وجميلة ترشحهما، إذ أصبح للمعارضة 3 مرشحين يطمحون إلى الحصول على دعمها، في الوقت الذي ترى فيه أحزاب عدة في الحركة عدم جدوى المشاركة في الانتخابات. إلا أن الموقف تم حسمه بالانتظار حتى إعلان قائمة المرشحين النهائية، ومعرفة من المرشح الذي سيستطيع تحقيق شروط الترشح بحسب القانون.
ويشترط قانون الانتخابات الرئاسية المصري، تقديم المرشح 25 ألف تزكية من المواطنين، من 15 محافظةً، على ألا يقل عدد التزكيات من المحافظات الـ15، عن ألف تزكية، أو 20 تزكيةً من أعضاء مجلس النواب المصري. وتضم قائمة المرشحين النهائية التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات، مرشحاً وحيداً حصل على تزكيات المواطنين، هو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، بينما لم يستطع كل من جميلة إسماعيل وأحمد الطنطاوي جمع التزكيات اللازمة، واكتفى المرشحون الباقون، وهم فريد زهران وعبد السند يمامة رئيس حزب الوفد، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري، بتزكيات أعضاء مجلس النواب، خاصةً أن الكتلة البرلمانية لحزبَي الوفد والشعب الجمهوري تفوق عدد النواب المطلوب.
بلطجة وحواسيب معطّلة
في أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات فتح باب الترشح للانتخابات بدءاً من 5 تشرين الأول/ أكتوبر حتى 14 منه، ليبدأ رسمياً ماراثون جمع التزكيات، حيث تعرضت حملة طنطاوي وجميلة إسماعيل بحسب شكوى طنطاوي للهيئة الوطنية للانتخابات، من منع تحرير التوكيلات باستخدام البلطجة تارةً، أو استخدام حجج مثل تعطّل الحواسيب في مقارّ الشهر العقاري، وهو ما دفع الحملة بحسب منسقها محمد أبو الديار، إلى اللجوء إلى التوكيلات الشعبية، قبل أن يعلن أحمد في مؤتمر، خروجه من سباق الرئاسة، بسبب عدم استكمال التوكيلات في 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وفي المؤتمر ذاته، قال الطنطاوي إن حملته تدرس تحويل الحملة إلى حزب سياسي يضم المؤمنين بالتغيير السلمي الديمقراطي.
وفي 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلن الطنطاوي عن انتهاء المشاورات مع أعضاء الحملة وقيادات المعارضة والأحزاب التي دعمت ترشحه إلى الموافقة على تدشين حزب "الأمل"، الذي سيكون قوامه الأساسي أعضاء الحملة الانتخابية. وبعد أسبوع واحد، أعلن محمد أبو الديار منسق الحملة، أنه فوجئ باسمه واسم أحمد الطنطاوي مدرجَين كمتهمين أول وثانٍ في القضية رقم 2،255 لسنة 2023، المحالة برقم 16،336 لسنة 2023 جنح المطرية لجلسة محاكمة عاجلة، في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، وتضم القضية 21 متهماً آخرين من أعضاء الحملة.
يقول أبو الديار لرصيف22، إنه حتى الآن لم يطّلع لا هو ولا أحمد الطنطاوي أو المحامون المدافعون عن باقي المتهمين على أوراق القضية أو قرار الإحالة، برغم تداول الإعلام أن التهم الموجهة إلى طنطاوي وأبو الديار هي التحريض على طباعة أوراق انتخابية دون ترخيص، وتداولها.
ويضيف أن الطنطاوي، وهو وأفراد الحملة كافة، "لم يمارسوا أي جريمة يعاقب عليها القانون، بل العكس هو الصحيح، لأن الحملة مورس ضدها منع لحق المواطنين في الحصول على تزكية المواطنين، ويمكن للّجنة الوطنية للانتخابات أن تتأكد من ذلك بمقارنة أداء مكاتب الشهر العقاري في أثناء تحرير توكيلات المرشح المنافس الذي استطاع جمع 1.1 مليون تزكية في أيام عدة، وبعد الانتهاء من تقديم التوكيلات".
"حملة الطنطاوي مصممة على استمرار خطة تدشين الحزب واستكمال المسار الديمقراطي لتمكين البديل المدني، لأنه الخيار الوحيد، ولكن حتى الآن لم يتم وضع خطة للتعامل مع الخيارات المطروحة كافة، لكن لن تتوقف خطوة إقامة الحزب، وتشكيل تحالفات مع الأحزاب لاستكمال المسار الديمقراطي"
ويتابع: "ستجد أن المكاتب التي استطاعت تحرير مليون توكيل، لم تستطع أن تحرر بضع مئات من التوكيلات بعدها، وسيتم اكتشاف أن الشهر العقاري كان يمارَس عليه، ومنه، منع لحق المواطنين في تزكية المرشح الذي يريدونه".
"تيار الأمل" والمحاكمة
حول الربط بين إعلان أحمد الطنطاوي عن تدشين حزب "تيار الأمل"، وإحالته إلى المحكمة، يقول أبو الديار: "هذا السؤال يوجَّه إلى السلطة"، مشيراً إلى أن المنتظر من النيابة أو القضاء هو أن يكونوا جهة تحقيق مستقلةً لا تربط السياسي بالقضائي، مؤكداً أن الحملة "اختارت المسار القانوني والدستوري، ولذلك كانت أول خطوة هي محاولة الترشح للانتخابات الرئاسية، وبعدها فوجئنا بالتضييق علينا، وكان أهم ما جرى قرار توقيف عمل توكيلات تزكية المرشحين حتى إشعار آخر، وأعقبه قرار بتخصيص مكتب أو اثنين في كل محافظة لهذه التوكيلات، وهي خطوة غير مسبوقة. وبعد وصولنا إلى اللحظة الأخيرة، واليقين بأن هناك أجهزةً في النظام تستهدف قتل المسار السياسي جاءت الخطوة التالية، وهي تدشين حزب سياسي لأن هذا هو جوهر العمل السياسي".
وبحسب أبو الديار، فإن "الحملة مصممة على استمرار خطة تدشين الحزب واستكمال المسار الديمقراطي لتمكين البديل المدني، لأنه الخيار الوحيد، ولكن حتى الآن لم يتم وضع خطة للتعامل مع الخيارات المطروحة كافة، لكن لن تتوقف خطوة إقامة الحزب، وتشكيل تحالفات مع الأحزاب لاستكمال المسار الديمقراطي، مشدداً على أنه لا يتمنى تكرار سيناريو حزب الغد، بعد أيمن نور، لأنها كانت تجربةً مريرةً وآثارها لم تكن على حزب الغد فقط، ولا أيمن نور فحسب، وإنما على النظام نفسه والبلد وانتهى الأمر بثورة كانون الثاني/ يناير، ومصر لا تتحمل ثورةً أخرى، والشعب المصري الآن على وعي بما جرى في أزمة التوكيلات".
ويضيف أن "أي نظام سيستغل أي أزمة للبقاء في السلطة والتخلص من الأخطار التي تهدده، وكنا نتمنى أن يكون ذلك بتقديم الحلول التي ترضي الشعب، لكن للأسف تم استغلال قضية غزّة التي تهدد السيادة المصرية، والأوضاع الإنسانية المأساوية للانتقام من الحملة ومرشحها، بالرهان على أن الشعب المصري سيجمد المشكلات الداخلية كافة إلى حين انتهاء الأزمة والخطر هو ما يحدث بالفعل، لكن لا أعتقد أن الشعب المصري سينسى ما يحدث بفعل غزة".
التوكيلات الشعبية
"مع تكرار المنع من استكمال تزكيات المرشحين، بدأنا نفكر في كيفية التحايل على ذلك، وجاءت الفكرة في إعلان فكرة التوكيلات الشعبية"؛ بهذه الكلمات تكشف رانيا الشيخ، عضوة حملة أحمد الطنطاوي الرئاسية، حول كيف جاءت فكرة التوكيلات الشعبية.
وتضيف: "التوكيلات الشعبية لم تكن هي الفكرة الأولى، ففي البداية كانت الفكرة أن يقوم المواطنون بعمل إنذارات للجنة الوطنية عن أحداث المنع على أن يكون كل إنذار بمثابة تزكية، وتطورت الفكرة لتصل إلى توكيلات شعبية على غرار استمارات تمرد لسحب الثقة من نظام محمد مرسي، وأسفرت عن وجود النظام الحالي".
"منذ التضييق على الطنطاوي في معركة التزكيات، وحتى إحالته إلى المحاكمة، هناك خلاف حول المشاركة في الانتخابات من الأساس التي ثبت أنها ستكون مجرد 'تمثيلية هزلية'"
وتوضح الشيخ أن الفكرة "كانت في توقيع التوكيلات دون توثيقها في الشهر العقاري، على أن تقدّمها الحملة إلى الشهر العقاري أو الهيئة الوطنية كطرف ثانٍ في التوكيل، إلا أنه عقب الإعلان عن الفكرة، تم القبض على عدد من أعضاء الحملة، مع حملة إعلامية من صحف النظام تتهم الحملة بتزوير التوكيلات".
الحركة المدنية وزهران
عقب الإعلان عن إحالة الطنطاوي إلى المحاكمة، توجهت الأنظار إلى تحالف الحركة المدنية وحملة المرشح فريد زهران، الذي دعاه البعض إلى الانسحاب من الانتخابات التى وُصفت بالهزلية، إلا أن زهران استمر في حملته ولم يقدّم سوى بيان استنكر فيه إحالة الطنطاوي إلى المحاكمة، بدلاً من التحقيق في ممارسات المنع ضده التي تم تقديم شكاوى بها للهيئة الوطنية للانتخابات، وهي المفردات نفسها التي استُخدمت في بيان تحالف الحركة الوطنية.
يقول خالد داود، المتحدث باسم تحالف الحركة الوطنية والمتحدث الإعلامي باسم حملة فريد زهران، لرصيف22، إن الحركة "لم تناقش انسحاب زهران من الانتخابات، خاصةً أن 4 أحزاب ضمن الحركة تؤيد خوض الانتخابات الرئاسية، وإن بيان التحالف وموقفه كانا واضحين في هذا الشأن".
إلا أن ما يقوله داود لا يتفق مع ما يقوله مصدر آخر داخل التحالف رفض ذكر اسمه، بأن التحالف يعاني من خلاف كبير في هذا الشأن.
ويقول المصدر إن "المرشحين الثلاثة، زهران والطنطاوي وفريد، أعلنوا ترشحهم دون الرجوع إلى قرار رسمي أو تصويت داخل التحالف، وكان هناك خلاف حول من المرشح الذي سيعلن التحالف دعمه، فهناك من كان يريد دعم الطنطاوي كونه المرشح الأول في إعلان ترشحه، وهناك من رأى دعم زهران، وآخرون رأوا مقاطعة الانتخابات قبل أن يستقر التحالف على الانتظار لإعلان القائمة الرسمية للمرشحين قبل قرار دعم مرشح آخر".
ويوضح أنه "منذ التضييق على الطنطاوي في معركة التزكيات، وحتى إحالته إلى المحاكمة، هناك خلاف حول المشاركة في الانتخابات من الأساس التي ثبت أنها ستكون مجرد 'تمثيلية هزلية'، إلا أن الأحزاب الداعمة للمرشح فريد زهران، تتحجج بضرورة المشاركة لصنع حراك سياسي في مصر، لكن لم يعلن التحالف عن دعمه لأي مرشح سواء زهران أو غيره".
بحسب القانون، فإن قضية المحال المرشح أحمد الطنطاوي إلى المحاكمة بشأنها، هي جنحة لا تزيد عقوبتها عن عام واحد، إلا أن هذه العقوبة قد تكون العقبة أمام أحمد في ممارسة حقوقه السياسية، وعلى رأسها الترشح في أي استحقاق انتخابي، وتضع سحابةً من الغموض حول مصير حزبه "تيار الأمل" المنتظر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه