شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل الإجابة في الاقتصاد؟... لغط دستوري حول موعد الانتخابات الرئاسية المصرية

هل الإجابة في الاقتصاد؟... لغط دستوري حول موعد الانتخابات الرئاسية المصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حسم المنسق العام لجلسات الحوار الوطني ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر ضياء رشوان اللغط الدائر حول عقد انتخابات رئاسية في مصر في موعد طرحت وجوه محسوبة على السلطات المصرية أن يكون في نهاية العام الجاري، وقال رشوان في تصريحات رسمية يوم الأحد 11 يونيو/ حزيران الجاري أن الموعد المرجح لعقد الانتخابات سيكون في فبراير/ شباط المقبل بالمخالفة للانتخابات السابقة في 2014 و2018 التي انتخب فيها الرئيس الحالي في شهر إبريل/ نيسان من عام التجديد. 

تصريحات رشوان تأتي متزامنة مع استمرار أصوات أخرى تحترف الترويج لسياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي في الدعوة إلى حسم الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/ كانون الأول من العام الجاري، مما اثار اللغط حول "رغبة السلطة في عقد انتخابات رئاسية مبكرة" وإن كان هذا يعني التمهيد إلى قرارات اقتصادية وسياسية أكثر قسوة تعتزم الدولة تمرارها عقب تجديد الشرعية الممثلة في انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رائاسية ثالة ينتظر لها أن تكون الأخيرة بحسب الدستور الحالي، إن لم تعمد السلطات إلى تعديله مجدداً للسماح للرئيس بالترشح لفترات جديدة. 

تصريحات بكري أثارت الكثير من التساؤلات حول سبب التمهيد للتعجيل بالانتخابات التي وصفت إعلامياً بالمبكرة، وهو ما أثار حفيظة الدولة حسب ما ظهر في تصريحات ممثليها

وكانت الانتخابات المصرية الاخيرة قد انعقدت قبل 6 سنوات، وأعلن فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بها مرة اخرى ليحكم 4 سنوات كان يفترض أن تنتهي في 2022 على أن يمتنع الرئيس نفسه دستورياً عن الترشح من جديد بحسب دستور 2014. إلا أنه جرت دعوة المصريين للاقتراع على تعديلات دستورية في العام التالي مباشرة، شملت توسعة سلطات الرئيس على حساب السلطتين القضائية والتشريعية، وتمديد فترة الرئاسة إلى ست سنوات، وغضافة فقرة خصيصاً لشخص الرئيس السيسي تضيف عامين إلى مدته التي انتخب لها في 2014، مع السماح له بالترشح لفترة ثالثة. 

كيف بدأ جدل الانتخابات المبكرة؟ 

البداية كانت مع تصريحات مصطفى بكري، الكاتب الصحافي والنائب الذي يقدم نفسه باعتباره مطلعاً ومقرباً من مؤسسة الرئاسة المصرية، إذ قال خلال برنامجه التلفزيوني المذاع مساء الجمعة 9 يونيو/ حزيران الجاري، على فضائية "صدى البلد" المملوكة لرجل الأعمال القريب جداً من السلطات ووكيل مجلس النواب محمد أبو العينين. قال إن "الدولة المصرية قررت أن تكون هناك انتخابات رئاسية قبل نهاية العام الحالي"، وإن هذه الانتخابات "ستكون تحت إشراف قضائي كامل"، من دون توضيح لأسباب الدولة في إجراء الانتخابات قبل موعدها المتوقع في النصف الأول من العام القادم.

تصريحات بكري أثارت الكثير من التساؤلات حول سبب التمهيد للتعجيل بالانتخابات التي وصفت إعلامياً بالمبكرة، وهو ما أثار حفيظة الدولة حسب ما ظهر في تصريحات ممثليها، إذ نفي رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني ضياء رشوان إجراء "انتخابات مبكرة"، وقال على هامش مشاركته في جلسة قانون حرية تداول المعلومات بالحوار الوطني يوم الأحد الماضي، إن الانتخابات ليس لها موعد محدد بحسب الدستور، إذ تنص المادة 140 من الدستور على ضرورة بدء إجراءات الانتخابات الرئاسية قبل 120 يوماً على الأقل من تاريخ انتهاء مدة ولاية الرئيس الحالي، التي تنتهي - حسب تفسيره - في 2 أبريل/ نيسان، وبالتالي فإن الانتخابات ليس لها موعد محدد حتى يمكن وصفها بالمبكرة.

وقال رشوان إن نظام الحكم في مصر هو نظام رئاسي، وبالتالي لا يعرف الانتخابات المبكرة التي تكون فقط في النظام البرلماني.

طارق العوضي: النص الدستوري لا يحدد بدقة موعد الانتخابات الرئاسية، وإنما يحدد موعد لا تتأخر عنه بداية العملية الانتخابية، الولاية الرئاسية لا تبدأ بإعلان النتيجة بموجب الدستور، وإنما بانتهاء الولاية الحالية بمعنى أن أي رئيس سيتم انتخابه لن يتسلم السلطة إلا يوم 3 أبريل/ نيسان القادم

وتنص المادة 140 من الدستور المصري على أن "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة 6 سنوات ميلادية، تبدأ مع اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه. ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين. وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يوماً على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوماً على الأقل، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة".

وبحسب التفسيرات التي جرى تداولها لتلك المادة على لسان بكري وسواه من مؤيدي عقد الانتخابات هذا العام، فإن 2 ديسمبر/ كانون الأول المقبل هو آخر موعد للهيئة الوطنية للانتخابات للدعوة للانتخابات الرئاسية، و2 مارس/ آذار هو أخر موعد لإعلان النتيجة.

فهم خاطئ؟

من جانبه قال المحامي وعضو لجنة العفو الرئاسية طارق العوضي إن الأزمة تكمن في الفهم الخاطئ لنصوص الدستور.

وقال العوضي لرصيف22 إن النص الدستوري لا يحدد بدقة موعد الانتخابات الرئاسية، وإنما يحدد موعد لا تتأخر عنه بداية العملية الانتخابية، لافتاً إلى أن الولاية الرئاسية لا تبدأ بإعلان النتيجة بموجب الدستور، وإنما بانتهاء الولاية الحالية التي يربطها العوضي بموعد إعلان انتخاب الرئيس الحالي في 2 إبريل/ نيسان 2018، "بمعنى أن أي رئيس سيتم انتخابه لن يتسلم السلطة إلا يوم 3 أبريل/ نيسان القادم. فالمادة 231 المتعلقة التي تنص على استلام الرئيس لسلطته بعد إعلان النتيجة النهائية للانتخابات هي مادة انتقالية لا تطبق إلا في حالة واحدة وهي الانتخابات الرئاسية السابقة التي أجريت في 2018، وبالتالي هي ليست انتخابات مبكرة، لأن الانتخابات المبكرة تعني أن يتسلم الرئيس الجديد السلطة قبل انتهاء مدة رئاسة الرئيس الحالي".

باحث سياسي: التصريحات الرسمية الرافضة لمصطلح "الانتخابات المبكرة"، ثم اضطرار الأصوات المتحمسة للفكرة - ومن روجوا لها بداية - للخروج للشرح والتفسير، إنما يعود لكون هذا المصطلح "يوحي بحالة من عدم الاستقرار السياسي، لا سيما أن السياق الذي استخدمت فيه قبل ذلك كان في أحداث احتجاج على النظام الحاكم سواء في ثورة يناير أو يونيو"

جملة سيئة السمعة

ويتفق أحمد كامل البحيري الباحث بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية مع العوضي، بأن الأصوات المطالبة بإجراء الانتخابات قبل نهاية العام الحالي "تطالب بأمر سليم من الناحية القانونية والدستورية لأن الدستور لا يحدد موعد للانتخابات، وإنما يقول بضرورة بدء العملية الانتخابية قبل انتهاء مدة ولاية الرئيس الحالي بـ120 يوماً على الأقل، وبالتالي إذا تم بدء العملية الانتخابية قبل انتهاء مدة الولاية بأكثر من 120 يوماً لا يمثل مخالفة دستورية.

ورجّح البحيري في حديثه لرصيف22 أن التصريحات الرسمية الرافضة لمصطلح "الانتخابات المبكرة"، واضطرار الاصوات المتحمسة للفكرة والتي روجت لها للخروج للشرح والتفسير، إنما يعود لكون هذا المصطلح "يوحي بحالة من عدم الاستقرار السياسي، لا سيما أن السياق الذي استخدمت فيه قبل ذلك كان في أحداث احتجاج على النظام الحاكم سواء في ثورة يناير أو يونيو".

ما قاله البحيري يتضح بصورة كبيرة في تصريحات مصطفى بكري التي نشرها على حسابه على تويتر، إذ قال "قلت أكثر من مرة في قناة صدي البلد، وهو ما أكده د. صلاح فوزي أستاذ القانون الدستوري، الذي استضفته في برنامج حقائق وأسرار، لا يوجد شيء اسمه انتخابات رئاسية مبكرة، الحقيقة أن موعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى هذا العام 2023، تأتي استنادا لفقره الثانية من المادة 140 من الدستور، والتي تنص على إجراء انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يوما على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوماً على الأقل".

وأضاف "ونحن نعرف أن نتيجة انتخابات الرئاسة لعام 2018، أعلنت في 2 أبريل 2018، وهو ما يعني أنه لابد من إجراء الانتخابات الرئاسية قبل نهاية العام الجاري 2023، استنادا إلى النص الدستوري".

ورغم أن المادة 140 ذات نص ثابت، إلا أن حالة من التخبط سادت بين السياسيين المصريين، فبينما يتفق النائب ضياء الدين داود المحسوب على صفوف المعارضة مع زميله بكري في إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري استناداً إلى تفسيرهما للنص الدستوري، أكد رئيس مجلس أمناء الحوار الوطني أنه من غير الممكن إجراء الانتخابات في هذا الموعد، وثلاثتهم ينتمون إلى نفس التيار السياسي "التيار الناصري".

وقال داود لرصيف22 إن الانتخابات الرئاسية القادمة يجب أن تجري في ديسمبر/كانون الأول بحسب الدستور. وطالب داود "القائلين بأن الانتخابات في ديسمبر مبكرة، بقراءة الدستور الذي ينص على إجراء الانتخابات قبل 120 يوماً من انتهاء مدة الولاية الرئاسية الحالية في إبريل القادم".

ويتفق معهما الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي، الذي قال لرصيف22 إن نظام الحكم الرئاسي المعمول به في مصر لا يعرف الانتخابات المبكرة. مشيراً إلى أنه طبقاً للنص الدستوري فإن الانتخابات يجب أن تبدأ إجراءاتها في 2 ديسمبر/ كانون الأول القادم، ويجب أن تعلن نتيجة الانتخابات قبل انتهاء مدة الرئاسة الحالية ب30 يوماً.

إلا أن الاسلامبولي اختلف معهما حول إمكانية إقامة الانتخابات في ذلك الموعد، موضحاً أن المدد المذكورة في الدستور ليست مواعيد منظمة، وإنما مواعيد ملزمة وبالتالي يمكن الطعن قضائياً على الانتخابات إذا تم إجراؤها قبل موعدها، رغم اعترافه بأن النص لم يحسم إمكانية إقامة الانتخابات قبل مدة الـ120 يوماً من عدمه.

شادي العدل: التعجيل بالانتخابات الرئاسية من الممكن أن يكون متصلاً بالأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعانيها مصر، والتي تتطلب إجراءات واسعة وقاسية لمعالجتها، وتتطلب أيضاً استقراراً سياسياً، لذلك قد ترى السلطة ضرورة الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي مبكراً للتفرغ للأزمة الاقتصادية

لماذا الاستعجال؟

من جانبه قال شادي العدل، عضو مكتب الاتصال السياسي لحزب المحافظين، إن النص الدستوري استخدم كلمة "على الأقل" مع المدة المذكورة لبدء إجراءات الانتخابات الرئاسية، لذلك فالعملية الانتخابية لابد أن تبدأ قبل 120 يوماً، ويمكن أن تزيد هذا المدة لا أن تقل، ولذلك فإن إجراء انتخابات رئاسية قبل موعدها سليم من الناحية الدستورية.

وحول أسباب ترويج أصوات معبرة عن الدولة للتعجيل بالانتخابات الرئاسية رجح العدل لرصيف22 أن ذلك من الممكن أن يكون متصلاً بالأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعانيها مصر، والتي تتطلب إجراءات واسعة وقاسية لمعالجتها، وتتطلب أيضاً استقراراً سياسياً، لذلك قد ترى السلطة ضرورة الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي مبكراً للتفرغ للأزمة الاقتصادية، لا سيما أن الجهات المانحة قد تعلق أي طلب لقروض أو مساعدات لحين الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي.

ويرى إلهامي الميرغني الباحث الاقتصادي ونائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن التعجيل بالانتخابات الرئاسية مؤشر على احتدام الازمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر.

 توجد حزمة من الإجراءات الاقتصادية الموجعة التي يجب اتخاذها على وجه السرعة. لكنها تمس الجميع وتزيد الأعباء على الفقراء ومحدودي الدخل، لذلك فإن السلطة تحتاج إلى تفويض جديد

وقال الميرغني لـرصيف22 إن الالتزامات المالية خلال السنوات الثلاث القادمة كبيرة، و"المقرضين يفرضون شروطهم المجحفة على مصر، وكذلك المانحين وأصحاب الودائع الكبرى،  لذلك توجد حزمة من الإجراءات الاقتصادية الموجعة التي يجب اتخاذها على وجه السرعة. لكنها تمس الجميع وتزيد الأعباء على الفقراء ومحدودي الدخل، لذلك فإن السلطة تحتاج إلى تفويض جديد لكي يقلل من الصدمة لدي المواطنين والاعتراض على القرارات القادمة".

وأضاف الميرغني أنه بحسب جدول سداد الدين الخارجي المتوسط والطويل الأجل، يتعين على مصر سداد 8.32 مليار دولار حتى نهاية يونيو/ حزيران الجاري، وفي 2024 يجب سداد 10.9 مليار دولار في النصف الأول، و13.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام، وخلال عام 2025 يجب سداد 9.3 مليار دولار في النصف الأول و5.8 مليار دولار في النصف الثاني من العام، أما في عام 2026 فيتعين سداد 6.6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام بخلاف 10.2 مليار دولار خلال النصف الثاني.

وأوضح الميرغني أن الدولة ستحاول توفير النقد الأجنبي اللازم للسداد، وفي ظل ضعف الزراعة والصناعة والصادرات المصرية، ستنقل عبء الأزمة للفقراء ومحدودي الدخل لتوفير الحصيلة اللازمة لسداد هذه الالتزامات؛ وقد شهدنا الارتفاعات التي حدثت في الضرائب والرسوم إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع التموينية والغذائية والخدمات وآخرها أسعار تذاكر القطارات.

واستطرد "من هنا جاءت فكرة التعجيل بالانتخابات الرئاسية لكي نصبح أمام فترة رئاسية جديدة مدتها ست سنوات وعقد جديد مع الرئيس، وبذلك تجديد شرعية الرئيس ومنحه قدرة أكبر على اتخاذ القرارات القادمة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard