شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"الختان مثل إزالة اللوزتين"... أحدث استخدام سياسي لأجساد النساء في حشد الناخبين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الاثنين 9 أكتوبر 202312:32 م

في تزامن عجيب، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي المصرية بفيديو للسياسي والمرشح الرئاسي، أحمد الطنطاوي، متحدثاً فيه عن ختان الفتيات، ومدافعاً عنه باعتباره ليس اعتداءً جسدياً، بل إجراء طبي مشابه لعملية إزالة اللوزتين، وذلك في إطار مناقشة لتغليظ عقوبة الختان في القانون المصري. على الجانب الأميركي، وفي مناظرة رئاسية، صرح المرشح الجمهوري لانتخابات 2024، رون دي سانتيس، بأنه سيدعم الحظر الفيدرالي على الإجهاض في الأسبوع 15 من الحمل.

على الرغم من أن التصريحين خارجان من بلدين بينهما آلاف الأميال، إلا أن الرابط لا يمكن إغفاله، فأجساد النساء تستخدم للمرة التي لا يمكن عدّها لأغراض سياسية، واستقطاب شرائح واسعة من الناخبين، وهنا نتتبع كيف كل من السلطوية والليبرالية وكافة النظم السياسية جعلت من النوع الاجتماعي أداة سياسية.

أيتها النسوة قطعن أجسادكن صامتات

"كلا من الدول السلطوية والليبرالية يسعى إلى استخدام النوع الاجتماعي لتحقيق أهدافها"، د. ميرفت حاتم "الخطابات المصرية حول النوع الاجتماعي والتحرر السياسي".

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي المصرية بفيديو للسياسي والمرشح الرئاسي، أحمد الطنطاوي، متحدثاً فيه عن ختان الفتيات، ومدافعاً عنه باعتباره ليس اعتداءً جسدياً، بل إجراء طبي مشابه لعملية إزالة اللوزتين

قام أحمد الطنطاوي بتوضيح موقفه في فيديو مطوّل على حسابه الخاص بموقع يوتيوب، محاولاً التخفيف من تأثير الفيديو المسرّب من جلسة مجلس النواب، ولكن خلال هذه الكلمات التي يُفترض أن تزيح اللبس حول موقفه من الختان، قال إن هذا الإجراء ليس حراماً شرعاً، ويجب الرجوع لدار الإفتاء في هذا الموضوع، متناسياً أن دار الإفتاء بالفعل حكمت أن الختان محرم شرعاً بوضوح تام منذ سنوات، ومعلّلاً تصريحه في المجلس بأنه نتيجة لطلب طبيب توضيح الفرق بين الختان وعمليات تجميل المهبل عند الحاجة، لأن القانون الساري يغلّ من يد الأطباء، ومتناسياً أن التعلّل بحاجة نسبة من الفتيات للختان لأسباب طبية ليست سوى حجّة تستخدم الآن على نطاق واسع لتبرير الجريمة والاعتداء، الذي يفترض ألا يتم مناقشته إلا من ناحية أثاره السلبية.

وأصرّ على التشبيه بين اللوزتين والمناطق التي يتم إزالتها خلال عملية الختان، وأن في بعض الأحيان عدم الختان يؤدي لتشوهات نفسية وأضرار نفسية، وأن القوانين المعاقبة على الختان تحمل في متنها "تعميماً"، ورفض مناقشتها نوع من "الترهيب"، وأن تدخّل السلطة فيما يخصّ هذه "القضايا الاجتماعية" يضر، وليس من وظيفة رئيس الجمهورية، ثم أنهى الفيديو بأنه لو اكتشف أنه مخطئ في هذا الشأن سيعتذر عنه، مغلقاً الباب أمام احتمالية أن هذا الفيديو اعتذاراً من الأساس.

تم تسريب الفيديو الأصلي بشكل متعمّد بالطبع كأداة سياسية، سواء كانت ضد أو في صالح المرشح الرئاسي، ولكن الفيديو التبريري الذي قدّمه لا ريب في فحواه، فهو يعتبر أن الفصل في قضايا اجتماعية مثل الختان أمر لا يخصّ السلطة، على الجانب الآخر تخفيف عقوبة الختان أو إيجاد ثغرات في قوانينه من شأنه استقطاب شريحة كبيرة من الناخبين، الأمر الذي لا يحتاج دراسة إحصائية أو سوسيولوجية، فيكفي مراجعة التعليقات على أي منشور من دار الإفتاء عن الختان، والغضب الشعبي من تجريمه وتحريمه.

الأمر مماثل في حالة المرشح الرئاسي الأميركي، الذي يستقطب بخطابه هذا الجماعات المعادية للإجهاض من اليمين المتعصّب. يستخدم دي سانتيس الإجهاض لمهاجمة الرئيس السابق دونالد ترامب، لا سيما في الولايات المحافظة اجتماعياً مثل ولاية أيوا، حيث يقوم بأكبر محاولاته للإطاحة بترامب باعتباره المتسابق الأول في السباق.

تجنب ترامب الأسئلة حول ما إذا كان سيدعم حظر الإجهاض لمدة 15 أسبوعاً، وهو الموقف الأساسي للعديد من الناشطين المناهضين للإجهاض في الحزب الجمهوري. ومع نظرة واضحة على الانتخابات العامة - حيث يمكن للموقف المتشدّد بشأن الإجهاض أن ينفّر الناخبين المعتدلين والمستقلين، ويحفّز الديمقراطيين - انتقد ترامب المرشح دي سانتيس لتوقيعه على الحظر لمدة ستة أسابيع، واصفا إياه بأنه "خطأ فادح".

ادعميني ولكن لن أدعم حقوقك

"أصوات عديدة داعمة لحقوق النساء ترى أنه لا يجوز أن تحتلّ حقوق النساء الصدارة أو الأولوية على القضايا الاجتماعية والسياسية، إذ يرى أصحاب تلك الدعاوى أن النساء سيحصلن على حقوقهن بمجرّد تحقيق الديمقراطية أو الليبرالية أو الاشتراكية، تبعاً للموقف الذي تتبناه . ونجد في مصر تكرار مطالبة النساء بإرجاء مطالبهن النسوية وتوحيد جهودهن من أجل التخلص من الاستعمار في الماضي، وتحقيق العدالة الاجتماعية في الحاضر" د. هالة كمال، "لمحات من مطالب الحركة النسوية المصرية عبر تاريخها".

ما تقوله د. هالة كمال هنا ليس حكراً على مصر، أو العصر الحديث فقط، بل سردية متكرّرة في كل مكان وزمان، فالجماعات السياسية، أيا كانت نوعها، تستخدم المرأة لتحقيق أهدافها الخاصة، ثم تنحي مطالب هؤلاء النسوة جانباً، معتبرة أنها ستحقق بشكل تلقائي مع الأهداف الجماعية. يمكن ضرب عشرات الأمثلة على ذلك، أحدثها إبان ثورة يناير في 2011، عندما نزلت الفتيات والنساء الميدان، ولكن مطالبهن النسوية لم تكن على الأجندة لأنها ليست مهمة بما فيه الكفاية، والأولوية لتحقيق أهداف أخرى.

في التاريخ المصري مثال آخر صارخ يتمثل في تعامل عبد الناصر مع النساء، فتقول لورا باير في "Revolutionary Womanhood ": "إن النظام الناصري اتجه من تجاهل وقمع المبادرات النسائية المستقلة إلى توظيفهن في مشروعه السياسي، وهي استراتيجية استخدمها مع فئات أخرى كالعمال والفلاحين".

تبعاً للباحثتين مي طه وسارة سالم، في مقالهما بعنوان "Social reproduction and empire in an Egyptian century" فإن بعد بداية حكم ناصر ورفاقه، ظهرت نسوية ترعاها الدولة، كجزء من القومية الجديدة، شأنها في ذلك شأن العديد من الدول المستقلة حديثاً في الخمسينيات وما بعدها، مع تنفيذ برنامج قانوني واقتصادي وثقافي يعزّز سلطة هذه الأنظمة فيما بعد الاستعمار، حيث مُنحت المرأة المصرية حق التصويت عام 1956، وظهرت قوانين عمل لدعم توظيف المرأة، مثل إجازات الوضع المدفوعة، وتوفير الرعاية النهارية، ولكن ذلك في الأساس لتقوية الصورة الليبرالية الحديثة للدولة، وليس لخدمة النساء، فقوانين الأحوال الشخصية لم تحظ بأي تغييرات إيجابية.

استخدام أجساد النساء في القضايا السياسية ليس جديداً، ولكن عندما ترغب شخصياً في الانخراط في لعبة السياسة والمطالبة بحقوقها بنفسها، يقولون لها: انتظري عندما نحقق نحن لكِ العدالة الاجتماعية

خلال نفس العصر، تم اختيار قضايا نسوية محدّدة للعمل عليها من السلطة، كحق التصويت على سبيل المثال، بينما تم تجاهل قضايا أخرى، وتم التنكيل بالأصوات النسوية، كما حدث مع درية شفيق، المناضلة المصرية ومؤسسة حزب "اتحاد بنت النيل"، أول حزب نسائي سياسي في مصر، ولكنها تصادمت مع السلطة عند إعداد لجنة مشكّلة من قبل حكومة الثورة لوضع دستور مصري جديد في العام 1954، حيث احتجّت درية شفيق على عدم وجود امرأة واحدة بين أعضاء اللجنة، وقامت برفقة نساء أخريات بإضراب عن الطعام لمدة 10 أيام.

في عام 1957، حاولت درية إقامة إضراب آخر عن الطعام، هذه المرة لمدة ستة أيام، لكن هاجمتها وسائل الإعلام الناصرية كخائنة، وانقلب حلفاؤها ضدها، وطردت من "بنت النيل"، ومع عدم وجود أي شخص تقريباً إلى جانبها، اضطرت إلى قضاء 18 عاماً في عزلة تامة تقريباً، سجنت درية شفيق في منزلها ومنعت من العمل العام، لتتوفى في غموض في 20 سبتمبر 1975، وقد سقطت من شرفة في الطابق السادس، ومن المرجّح بقوة أنها انتحرت يأساً.

الاستخدام الحالي لأجساد النساء في القضايا السياسية ليس جديداً، الختان قد يكون حجّة قوية في يد مرشح انتخابي يرغب في حشد شعبي، يخبر جمهوره أنه سيرفع يد السلطة عن القضايا الاجتماعية، المصطلح الذي يمثل مظلة أسفلها العديد من الشؤون الخاصة بالمرأة، ومنع الإجهاض هو وسيلة مناسبة لجذب الناخبين اليمينيين، والضحية دوماً المرأة التي يستغلها الجميع لأغراض سياسية، ولكن عندما ترغب شخصياً في الانخراط في لعبة السياسة والمطالبة بحقوقها بنفسها، يقولون لها: انتظري عندما نحقق نحن لكِ العدالة الاجتماعية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard