ما بين الدعوة للقضاء على أهالي غزة، أو تهجيرهم خارجها، تسير آلة الحرب الإسرائيلية وفق المسار الأول، تطبيقاً لنظرية "النجم الجديد لهذه الحرب"، إلياهو يوسيان: "عليك أن تدخل غزة في ذروة الوحشية، بهدف الانتقام، مع صفر أخلاق، والحد الأقصى من الجثث"، من دون إغلاق السبل أمام المسار الثاني، إذ تنقل صحف إسرائيلية عن خطة تحضّرها الحكومة لتقديمها للبنك الدولي، تتضمن محو ديون مصر مقابل استيعابها اللاجئين من قطاع غزة.
إلى جانب ذلك، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من بعض القادة العالميين، الضغط على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لقبول هذه الخطة، كونها "الحل الأفضل" في تقديره، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت".
فيما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز"، رفض الدول الأوروبية الرئيسية، فرنسا ألمانيا وبريطانيا، هذه المحاولات لأنها "غير واقعية".
ووفقاً للصحيفة، أفاد دبلوماسي غربي، بأن "نتنياهو أكّد أنّ الحل هو أن يأخذ المصريون سكان غزة على الأقل خلال الحرب"، من دون أن "يؤخذ الأمر على محمل الجد لأن الموقف المصري كان ولا يزال واضحاً للغاية، أي أنّهم لن يفعلوا ذلك". فيما أشار دبلوماسي غربي آخر، إلى أن بعض القادة الأوروبيين "يعتقدون بأنّ الضغط الناجم عن الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة، بالتوازي مع الضغط على مصر، قد يؤدي إلى تغيير في الموقف ويدفعها إلى الموافقة".
برأيه، "حان الوقت الآن لزيادة الضغط على المصريين للموافقة". غير أن قادة الاتحاد الأوروبي، حسب "فاينانشال تايمز"، توافقوا في نهاية المطاف على أن "مصر يجب أن تلعب دوراً في تقديم مساعدات إنسانية واسعة النطاق لغزة، ولكن من دون الضغط عليها لقبول اللاجئين".
"هدف الحرب الأول ليس القضاء على حماس، كما يزعم قادة إسرائيل، بل تهجير أهالي غزة إلى سيناء، وبعدها تهجير أهالي الضفة الغربية إلى الأردن، للوصول إلى الدولة اليهودية الصافية، حلم اليمين المتطرف الذي أصبح أغلبيةً في إسرائيل"، حسب المفكر وأستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون، برهان غليون
في المقابل، وعلى الرغم من الضغوط المتزايدة، رفض السيسي "أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بالوسائل العسكرية، أو من خلال التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم، والذي سيأتي على حساب دول المنطقة"، مقترحاً نقلهم إلى النقب بدلاً من سيناء، إن كان الأمر مؤقتاً، كما تدّعي إسرائيل.
وكانت تل أبيب قد أمرت سكان مدينة غزة، بإخلائها والنزوح جنوباً، تحضيراً لاجتياحها القطاع، وأنه "لن يُسمح بالعودة إلى مدينة غزة إلا بعد صدور بيان يسمح بذلك"، في قرار أكدت الأمم المتحدة أنه يطال 1.1 مليون شخص، وحذّرت من تبعاته "المدمّرة".
"هدف الحرب الأول ليس القضاء على حماس، كما يزعم قادة إسرائيل، بل تهجير أهالي غزة إلى سيناء، وبعدها تهجير أهالي الضفة الغربية إلى الأردن، للوصول إلى الدولة اليهودية الصافية، حلم اليمين المتطرف الذي أصبح أغلبيةً في إسرائيل"، حسب المفكر وأستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون، برهان غليون.
ويضيف غليون: "التطهير العرقي، هدف أساسي لإسرائيل منذ إعلانها. لذا، ترفض الحكومات الاسرائيلية أي مفاوضات حول الدولة الفلسطينية المنصوص عليها في القرارات الأممية، إلى جوار تقويضها لمفاوضات السلام منذ مؤتمر أوسلو عام 1991، ورفضها لأي نقاش حول عودة اللاجئين، واستمرار الحصار، والمعاملة التي تنتقص من كرامة الفلسطينيين الذين أصبحوا مواطنين في إسرائيل".
ويشير غليون لرصيف22، إلى أن "إسرائيل تحولت إلى دولة فصل عنصري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بدل تحولها إلى دولة ديمقراطية على الطريقة الأوروبية، كما كانت تأمل أو تروّج لنفسها".
مدن الخيام
في تصريح مثير للجدل، أشار نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، داني أيالون، إلى أنه "توجد مساحات لا نهاية لها تقريباً في صحراء سيناء على الجانب الآخر من غزة ويمكنهم (أي الفلسطينيين)، أن يتركوا قطاع غزة، إلى تلك المساحات المفتوحة حيث سنعدّ نحن والمجتمع الدولي للبنية الأساسية ومدن الخيام وسنمدّهم بالماء والغذاء".
تصريح أيالون لم يأتِ من فراغ، فهناك العديد من الوثائق والمقترحات المقدمة من سياسيين وأكاديميين إسرائيليين في هذا الشأن.
تبحث وزيرة الاستخبارات جيلا غمليئيل، في إحداها، في ثلاثة بدائل لحقبة ما بعد الحرب، ويمثّل نقل المدنيين من غزة إلى سيناء، البديل الإيجابي إستراتيجياً على المدى الطويل، ويمكن تنفيذه على ثلاث مراحل: أولها، إنشاء مدن الخيام في سيناء، وثانيهما، إنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان، وثالثهما، بناء مدن في شمال سيناء. بالإضافة إلى إنشاء منطقة معقمة بعرض كيلومترات عدة داخل مصر، جنوب الحدود مع إسرائيل، لمنع من تم إجلاؤهم من العودة، عادّةً هذه الخطوة أفضل الخيارات، لأن القتال بعد إجلاء السكان سيؤدي إلى عدد أقل من الضحايا.
بحسب غليون: "يسعى التكتل الأطلسي إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، بينما يحاصر الاستيطان اليهودي فلسطينيي الضفة الغربية. ولن يتوقف هذا التكتل عن الضغط على مصر وربما يحاول في وقت لاحق وضعها تحت ضغط الأمر الواقع عندما يتجمع مئات الآلاف من الناس المشردين على الحدود المصرية"، مشيراً إلى "الشعور المصري والأردني أيضاً بخطورة ذلك، وإلى رفضه، لاعتبارات الأمن القومي المصري إلى جانب ما تعنيه مشاركة أي دولة عربية في هذا المخطط من وصمة عار، وتحقيق للمشروع الصهيوني بإنهاء القضية الفلسطينية والسيطرة الكاملة على فلسطين. ومن الصعب الاعتقاد بقبول القاهرة بأي عرض مقابل تمرير هذا المشروع، كونه يعني ببساطة أن مصر تقضي على دورها ومكانتها في الشرق الأوسط".
"يسعى التكتل الأطلسي إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، بينما يحاصر الاستيطان اليهودي فلسطينيي الضفة الغربية. ولن يتوقف هذا التكتل عن الضغط على مصر وربما يحاول في وقت لاحق وضعها تحت ضغط الأمر الواقع عندما يتجمع مئات الآلاف من الناس المشردين على الحدود المصرية"
يكشف معهد مسغاف لبحوث الأمن القومي وللإستراتيجية الصهيونية، تفاصيل خطة مرتقبة لتهجير سكان قطاع غزة وتوطينهم في المدن المصرية، مقابل مساعدات اقتصادية مغرية، والتي تشكل ورقةً يمكن التعويل عليها، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر. ووفقاً لصاحب الدراسة، أمير ويتمان، "هناك حالياً فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله بالتنسيق مع الحكومة المصرية. وهناك حاجة إلى خطة فورية وواقعية ومستدامة لإعادة التوطين وإعادة التأهيل الإنساني لجميع السكان العرب في قطاع غزة، والتي تتماشى بشكل جيد مع المصالح الاقتصادية والجيو-سياسية لإسرائيل ومصر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وتستثمر إسرائيل لاحقاً أرض غزة بعد تفريغها من سكانها، ببناء مستوطنات ومجمعات سكنية عالية الجودة للإسرائيليين، ما يعطي زخماً هائلاً للاستيطان في النقب، حسب ويتمان، زاعماً استفادة السعودية من هذه الخطة، من خلال إبعاد "حماس"، "حليفة إيران"، مشيراً إلى اتفاق "قريب وممكن" بين مصر وإسرائيل.
سيتم النظر في خيارات أخرى بعيدة عن التهجير لعدم إمكانية تمريره، بحسب الباحث الأكاديمي، ماجد عزام: "منها إلقاء مسؤولية غزة على مصر، بمعنى أن يكون هناك نوع من الوصاية المصرية على غزة، وإلقاء كل أزمات غزة بعد الحرب على مصر، وقطع كل علاقة لإسرائيل مع غزة. فوزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أعلن أن أهداف الحرب الحالية على غزة، القضاء على حماس بالمعنى السلطوي أو العسكري، وإزالة التهديد الأمني عن المستوطنات، وإزالة مسؤولية إسرائيل عن غزة نهائياً. واليوم مثلاً تم إبعاد العمال الغزاويين، وعددهم 18،500 عامل، كانوا متواجدين في إسرائيل عند بداية الحرب".
برأيه، "سيكون هناك دور مصري في إعادة تأهيل غزة بعد الحرب ضمن إدارة ما، ربما يتم البحث في شكلها؛ عربية، دولية، أو إسلامية، إلى أن تعود السلطة ضمن حل سياسي ما، ولكن بعيداً عن التهجير. وسيكون هناك عمل أمريكي-عربي وتمويل عربي، لكي تتولى مصر إلى حد كبير المسؤولية عن غزة".
"سيكون هناك دور مصري في إعادة تأهيل غزة بعد الحرب ضمن إدارة ما، ربما يتم البحث في شكلها؛ عربية، دولية، أو إسلامية، إلى أن تعود السلطة ضمن حل سياسي ما، ولكن بعيداً عن التهجير. وسيكون هناك عمل أمريكي-عربي وتمويل عربي، لكي تتولى مصر إلى حد كبير المسؤولية عن غزة".
"لا النقب ولا سيناء... فلسطين لنا"
مطالبة مصر باستقبال 2.2 مليون لاجئ من غزة، ليس غير أخلاقي فحسب، بل غير ممكن من الناحية اللوجستية، حسب موقع "بريتان"، نتيجة اعتبارات محلية وإقليمية، أولها، تأييد معظم الشعب المصري بشدة لفلسطين، وتالياً سيعارض تهجير الفلسطينيين، باعتباره وأداً للقضية الفلسطينية. وخلال المظاهرات المندلعة مؤخراً في الجامعات، وأمام نقابة الصحافيين في الأزهر، هتف المصريون، بالإضافة إلى شعار ثورة 2011، "عيش وحرية وفلسطين عربية"، "لا تهجير أو إعادة توطين، الأرض أرض فلسطين"، و"لا النقب ولا سيناء، فلسطين لنا بالكامل"، في إشارة إلى تعليق السيسي الذي طالب فيه بوضع الفلسطينيين في صحراء النقب بدلاً من شبه جزيرة سيناء.
إلى جانب ذلك، نقلُ الفلسطينيين إلى سيناء سيجعلهم أغلبية السكان فيها، وتالياً يقوّض السيادة المصرية عليها، مما ينذر بنسخة مصرية لأحداث أيلول الأسود في الأردن في سبعينيات القرن الماضي، والتي استمرت عشرة أشهر من الصراع الدامي بين الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني. وتعزز هذه المخاوف المصرية، أحداث عام 2008، عندما دخل عشرات الآلاف من فلسطينيي غزة إلى مصر، بعد أن فجّر مسلحون السياج الحدودي الإسرائيلي. كما أن "حماس" فرع من جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة التي قضى عليها النظام المصري الحالي. دخولها مع فلسطينيين آخرين إلى سيناء، قد يؤدي بدوره إلى إحياء جميع الفصائل المعارضة للنظام المصري، وليس الإخوان المسلمين فقط.
الفكرة جدية من وجهة النظر الإسرائيلية، لكنها ليست جديدةً، حسب الباحث عزام، مستشهداً خلال حديثه إلى رصيف22، بمقولة إسحاق رابين: "أتمنى لو أستيقظ يوماً وأرى غزة وقد ابتلعها البحر"، والتي رددها الكثير من قادة دولة الاحتلال من بعده. ويضيف عزام: "طوال الوقت كانت فكرة تهجير أهالي غزة حاضرةً ومخططاتها، وهي حاضرة اليوم، ولكن بصورة أكثر دمويةً، وأكثر فظاظةً، وأكثر علنيةً. إلا أن تمريرها صعب جداً، حتى في حال استعداد النظام المصري للمساومة، نتيجةً للوضع المصري الداخلي، وتآكل شرعية النظام، بالإضافة إلى الرأي العام المصري، الناقم على النظام، والغاضب مما يجري بحق غزة".
إشارة أمريكية ومشاركة خليجية
تُشير حملات القصف المتواصلة، وخطط الطرد المسرّبة، مع السوابق التاريخية، إلى اتخاذ إسرائيل هذا الخيار من جانب واحد. فقبول اللاجئين من غزة ليس متروكاً بالكامل لمصر، حسب بريتان، مشيراً إلى إمكانية استقبال مصر لبعض اللاجئين مقابل تخفيف جزئي للديون، أو قبولها اللاجئين ثم السماح لهم بالهجرة ببطء إلى أوروبا، وهو ما هدد به متحدث وزارة الخارجية المصرية في اجتماعه مع الاتحاد الأوروبي.
وول ستريت جورنال: "وفوداً إسرائيليةً وقطريةً زارت القاهرة في الأيام الأخيرة، لمحاولة إقناع السلطات باستقبال ما يمكن أن يكون مئات الآلاف من الفلسطينيين الفارّين من الحرب"
وفي إشارة ملغومة تضمّنتها رسالة مكتب الميزانية والإدارة الأمريكية، إلى رئيس مجلس النواب بالنيابة، طلب البيت الأبيض من الكونغرس تمويل "الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارّين إلى الدول المجاورة"، بدعوى أن الأزمة الحالية "يمكن أن تؤدي إلى النزوح عبر الحدود وارتفاع الاحتياجات الإنسانية الإقليمية وقد يتم استخدام التمويل لتلبية متطلبات البرمجة المتطورة خارج غزة".
يقول غليون: "الرأي العام الخليجي كما المصري، متماهٍ كلياً مع فلسطين والفلسطينيين، وغير مستعد لبيع نفسه للغرب لقاء التفاهم والتصالح مع إسرائيل، وحالياً يزداد زخم التضامن العالمي مع فلسطين يوماً بعد يوم، حتى بين الأوساط اليهودية الديمقراطية، وينكشف الطابع العنصري والفاشي لسياسات الحكومة الإسرائيلية وأهدافها الاستيطانية التوسعية".
وفق رأيه، لن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدي أمام هذه الحرب الموجهة ضد "العرب" من خلال اغتيال فلسطين والشعب الفلسطيني، ولن يرحم الرأي العام العربي حاكماً يتعاون لإنجاز أهداف الحرب الاسرائيلية العنصرية، ويتجاوز هذا الموقف المتأخر عن موقف دول عديدة غير عربية في إدانة ما يجري في غزة.
في المقابل، ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن دول الخليج التي قاومت تقديم أموال لمصر، تطرح الآن فكرة منحها مساعدات ماليةً مقابل قبولها استضافة لاجئين فلسطينيين من قطاع غزة في سيناء، من دون كشفها أسماء هذه الدول أو الموقف المصري من هذا العرض. لكنها أشارت إلى أن "وفوداً إسرائيليةً وقطريةً زارت القاهرة في الأيام الأخيرة، لمحاولة إقناع السلطات باستقبال ما يمكن أن يكون مئات الآلاف من الفلسطينيين الفارّين من الحرب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع