لم تتصور مرح طاهر حتى في أسوأ كوابيسها أن تعلق مع طفليها نمر ونورين (9 و7 سنوات على الترتيب) في ظلام دامس وظروف إنسانية قاسية، تحت القصف المتواصل لطائرات الجيش الإسرائيلي في دير البلح بقطاع غزة المحاصر، وسط شظايا الصواريخ الإسرائيلية التي حطمت نوافذ المنزل الذي لجأوا إليه، بعدما حاولت العودة مع أطفالها إلى مصر عبر معبر رفح الحدودي في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول. وبينما كانت في الصالة تنتظر دورها في زحام شديد لتخليص الإجراءات، قصفت طائرات الاحتلال المعبر على الجانب الفلسطيني، ثم توالى القصف على مدار 24 يوماً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع.
بعد تلك الواقعة بيوم واحد، أعلنت السفيرة سها جندي وزيرة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج، أن الوزارة تلقت استغاثات من نحو 30 مصرياً يحملون الجنسية الكندية، موجودين في الأراضي المحتلة التي تسيطر عليها إسرائيل لأداء الشعائر الدينية، وطلبوا من مصر مساعدتهم في الخروج، مؤكدة أنها تواصلت مع خالد عزمي السفير المصري في تل أبيب، والذي أكد بدوره على اتخاذ الإجراءات اللازمة لخروجهم سالمين وتم تعديل موعد مغادرتهم.
أما بخصوص المصريين الموجودين في قطاع غزة، اكتفت الوزيرة بأن أوضحت أنها اطمأنت عليهم بعد التواصل مع السفير إيهاب سليمان السفير المصري لدى السلطة الفلسطينية (في الضفة الغربية)، والذي أكد لها أن المصريين المقيمين بالقطاع بخير. ولم تصدر عن الوزارة أية بيانات لاحقة بشأنهم على الرغم مما نقلته وسائل إعلامية مصرية وعربية حول مقتل سيدتين مصريتين تنتميان لمدينة بورسعيد، الاثنين، التاسع من أكتوبر/تشرين الأول - قبل يوم واحد من تصريحات الوزيرة- هما هويدا خليل الدسوقي، وشقيقتها حياة خليل.
كان من المفترض أن تكون رحلة عائلية هادئة لزيارة أقارب زوجها الفلسطيني، عبرت مرح من معبر رفح رفقة أولادها الحاملين للجنسية المصرية، على أن تقضي أسبوعاً واحداُ في فلسطين، ومع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة توجهت للمعبر ويبدأ القصف الإسرائيلي عليه لتعلق وأولادها في قطاع غزة حتى اليوم
جواز سفر مصري ومخاطر فلسطينية
كان من المفترض أن تكون هذه رحلة عائلية هادئة لزيارة أقارب زوجها الفلسطيني الذي يعمل في تركيا، عبرت مرح من معبر رفح رفقة أولادها الحاملين للجنسية المصرية، على أن تقضي أسبوعاً في فلسطين قبل اللحاق بزوجها في تركيا، ومع بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، توجهت مع طفليها إلى المعبر أملاً في العبور السريع إلى مصر بفضل جواز سفرها الاخضر، إلا أن القصف الإسرائيلي واستمرار إغلاق المعبر وفشل التواصل مع الجهات الحكومية المعنية مراراً من قبل انقطاع الاتصالات على القطاع، جعلها تلجأ وأولادها إلى بيوت فلسطينية في جنوب القطاع، الذي لا يسلم من القصف المتواصل من الطيران الإسرائيلي على خلاف التصريحات التي يكررها قادتهم حول الجنوب الآمن.
ورغم تقدم شقيقتها بشكاوى متعددة لمجلس الوزراء المصري للتدخل وإعادة مرح وأولادها إلى مصر، لم تتلق رداً أو حلاً لمشكلتهم.
مرح ليست المصرية الوحيدة العالقة في قطاع غزة، هناك العديد من المصريين العالقين الذين تحدثوا إلى رصيف22 ومعظمهم من السيدات المصريات رفقة أولادهن ممن كن في زيارات عائلية أو يعشن في القطاع مع أزواجهن من فلسطينيين أو لكونهن يجمعن بين الأصول المصرية والفلسطينية. وإلى الآن، لم تصدر السلطات المصرية إحصاءات بعدد المصريين والمصريات العالقين في القطاع.
نزحت نغم مع أبنائها إلى رفح الفلسطينية، على أمل فتح المعبر فيتمكنون من العودة إلى مصر، ولأنها لا تعرف أحداً هناك، استضافتهم أسرة من السكان المحليين بغرب رفح، فيما يستمر القصف الإسرائيلي في مناطق ملاصقة لهم
منهن نغم عصام، المصرية ذات الأصول الفلسطينية التي سافرت مع أطفالها المصريين أيضاً لزيارة عائلتها في قطاع غزة من دون أبيهم الذي ظلّ في مصر، لكن القصف الإسرائيلي دمّر منزل عائلتها ومعه أغراضها هي وأطفالها. نزحت نغم مع أبنائها إلى رفح الفلسطينية، على أمل فتح المعبر فيتمكنون من العودة إلى مصر، ولأنها لا تعرف أحداً هناك، استضافتهم أسرة من السكان المحليين بغرب رفح، فيما يستمر القصف الإسرائيلي في مناطق ملاصقة لهم.
بطلة عالم مصرية وسط القصف
إيمان البيك، بطلة العالم المصرية والحاصلة على ذهبية رمي الرمح، علقت هي الأخرى بقطاع غزة التي زارتها لإنهاء بعض الأوراق الرسمية، قبل أن تندلع عملية طوفان الأقصى التي أعقبها القصف الإسرائيلي للقطاع.
كتبت إيمان في تدوينة عبر حسابها على فيسبوك: "الوضع خطير جدا، في غزة. واحد مصري انصاب إصابات بليغه وكان بالعناية المركزة وكان مشتبه إن جمجمته مكسورة بمشفى القدس وبنته أصيبت في وشها واتخيط وشها وجبينها، وعملت عملية في رجلها والحمد لله طلعوه من العنايه امبارح والله أعلم في ما يتم. مافيش أدويه ولا ميه ولا نور ولا طعام".
بعد يوم واحد من القصف الأول لمعبر رفح، صرحت وزيرة الهجرة المصرية عن تدخل وزارتها لاستعادة 30 مصرياً متواجدين في إسرائيل، ولم تصدر تصريحات تالية تفيد بمتابعة أوضاع المصريين العالقين في غزة، والذين يوجد بينهم عدد كبير من النساء والأطفال
رصيف22 تواصل مع البيك، التي أجابت باقتضاب : “الحمد لله حتى الآن عايشة"، لكن استغاثات ابنها خالد وليد لإنقاذها، لم تنقطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول خالد لرصيف22 إن تواصله مع والدته الموجودة حالياً في رفح الفلسطينية، انقطع من مساء الجمعة، تزامناً مع انقطاع الإنترنت في غزة، مؤكداً أن حالتها الصحية "تدهورت للغاية، إذ تضررت أذناها نتيجة انفجار وقع بالقرب منها، كما ساءت حالة ساقيها اللتين تعرضتا لإصابة سابقة"، مضيفاً أنها لا تستطيع النوم ليلاً بسبب القصف وتشرب ماءً مالحاً غير مكرر وتأكل هي والأسرة التي استضافتها ببيتها، منذ أيام باذنجاناً كان مخصصاً لإطعام الماعز بعدما نفد الطعام، ويعيشون دون كهرباء.
تقول والدتها ريم باكية: "بنتي بتكلمني عطشانة مش لاقية مياه تشرب، وبتصوم عشان مفيش أكل، فما بالك بوضع الأطفال؟، هما مستنيين إيه عشان يتحركوا وينقذوا ولادنا؟”
مصريون يقتلهم القلق على أبنائهم
كادت آية وطفلتها زينة تدفعان حياتيهما خلال القصف الإسرائيلي على معبر رفح في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، فقد كانت كلتاهما في زيارة للجد الفلسطيني المقيم بغزة حيث أن آية ابنة لأم مصرية وأب فلسطيني، وهي متزوجة من مصري ولديهما ابنة مصرية في عامها الثاني عالقة معها الآن في فلسطين.
يقول زوجها محمد يسري لرصيف22: "همّ نزحوا من مدينة تل الهوى في غزة بسبب الضرب الشديد، وراحوا إلى الجنوب، وإسرائيل قصفت العربيات أثناء نزوحهم، والحمد لله ماحصلهمش حاجة، واتجهوا للمعبر؛ فحصل قصف عندهم، وراحوا على بيت عمها برفح، وخلال الأربع أيام اللي فاتت حصل قصف شديد على رفح وكل شوية يسيبوا البيت ويجروا على الشارع".
في حين علقت ريم مع أطفالها الثلاثة سيلا، وبسمة، ومحمد الذين يبلغ عمر أكبرهم 6 سنوات - يحمل أربعتهم الجنسية المصرية- في غزة مع زوجها الفلسطيني، لكن طائرات الاحتلال قصفت بيت عائلته، ونجوا من القصف بأعجوبة على حد وصف والدتها التي تحدثت إلى رصيف22.
تقول والدتها ريم باكية: "بنتي بتكلمني عطشانة مش لاقية مياه تشرب، وبتصوم عشان مفيش أكل، فما بالك بوضع الأطفال؟، هما مستنيين إيه عشان يتحركوا وينقذوا ولادنا؟”.
أطفال مصابون بحروق ونوبات هلع
بحسب ما أفاد به مصريون عالقون تحدثوا إلى رصيف22، يصل عدد العالقين إلى عشرات الأفراد، تحيا أسرهم في مصر حالة من الهلع والقلق الشديد لكون ذووهم عالقين وسط القصف، ومعظمهم من النساء والأطفال الذين ينتظرون تدخلاً من السلطات المصرية لإجلائهم أو تأمين خروجهم من معبر رفح.
من بينهم سيف محمد المتزوج من ياسمين، الفلسطينية المقيمة بمصر، ولديه منها ثلاث أبناء مصريين هم: رامي، ومحمد، ومالك، تراوح أعمارهم بين الثالثة والثامنة، سافروا جميعهم لغزة لحضور حفل زفاف شقيقها، لكن الحرب حولت الفرح إلى مأساة، وحين غادر أربعتهم القطاع متجهين إلى معبر رفح، تلقت إتصالاً عائلياً يفيد بقصف المعبر من الجانب الفلسطيني واستشهاد أحد أقربائها إثر ذلك، فاضطرت للعودة مع أولادها لبيت عائلتها بغزة.
يقول سيف لرصيف22 إن أولاده يعيشون ظروفاً بالغة القسوة، "في الظلام دون كهرباء، لا يجدون ماءً نظيفاً للشرب والنظافة الشخصية، ولا طعاماً كافياً"، وتسببت المواد الكيميائية وقذائف الفسفور الأبيض في حروق بالجلد والدماغ لدى أصغرهم مالك، الذي لم يبلغ عامه الثالث بعد، ولم يحصل على رعاية طبية، كما حُرم شقيقيه بسبب الحرب من الذهاب للمدرسة والحضانة، مضيفاً: “قعدوا يشربوا في كوباية ميه واحدة على 3 أيام، ومش عارفين ينضفوا نفسهم، ورامي ابني مريض أنيميا الفول حالته الصحية تدهورت وبقى عنده نوبات هلع بالليل”.
في تقرير صدر عام 2015، قُدِّر عدد المصريين في قطاع غزة 40 ألف مواطن، ولم تعلن إحصاءات أحدث
ووسط القصف والظلام علقت ابنة هاني محمد الشافعي، المصرية تيا، ذات الستة أشهر في غزة مع والدتها الفلسطينية مرام التي حصلت على الجنسية المصرية حديثاً ولم تستكمل بعد أوراقها الثبوتية المصرية، وكانت في زيارة عائلية بالقطاع قبل اندلاع الحرب لحضور حفل زفاف، وحين ذهبت حاملة ابنتها إلى معبر رفح وبعد ركوبهما للحافلة متجهتين للجانب المصري، قصفت إسرائيل المعبر فعادتا مع الرُكاب إلى رفح الفلسطينية.
هاني الشافعي الذي أطلق استغاثات عبر فيسبوك، قال لـرصيف22 إنه تقدم بشكاوى لعدة جهات حكومية من بينها وزارة الهجرة ولم يتلق رداً أو حلاً لمشكلته، لكنه تلقى العديد من الرسائل ليكشف أن هناك عشرات الأسر التي تحيا أوضاعاً مشابهة لحالته، وهو ما دفعه لتأسيس مجموعة دعم وتواصل عبر واتساب، تحت مُسمى “العالقين المصريين بغزة”.
ورقة ضغط إسرائيلية؟
وتقدم العديد من الأسر بشكاوى واستغاثات إلى الخط الساخن لمنظومة الشكاوى الموحدة لمجلس الوزراء “16528”، والذي تواصل معه رصيف22 للاستفسار بشأن الإجراءات التي يجب أن يتبعها المصريون العالقون في فلسطين، لكن الموظف أكد أن دورهم يقتصر على تسجيل الشكاوى فقط وليست لديهم أي معلومات، ولا يعرف ما الجهة الرسمية التي ستقدم إليها الشكاوى.
النائبة سهام كمال عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان: أزمة المصريين العالقين في قطاع غزة معنية بها القوات المسلحة المصرية والمخابرات العسكرية، وليست أية جهة مدنية"
وتقدر أعداد الجالية المصرية في غزة بنحو 40 ألف مواطن، بحسب تقرير سابق لـلمصري اليوم نشرته الصحيفة في العام 2015.
وفي اتصال هاتفي أكد السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، لرصيف22 أن "مصر لم تغلق معبر رفح البري، وأن ما يحدث نتيجة تعنت الجانب الإسرائيلي وعدم وجود ضمان لعبورهم من الجانب الفلسطيني بأمان في ظل القصف، موضحاً أن هناك مفاوضات بين القاهرة وتل أبيب بشأن المعبر".
وتواصل رصيف22 مع مسؤولين في وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، ولم يجد لديهم معلومات تخص حاملي جوازات السفر المصرية العالقين في فلسطين أو حصراً لأعدادهم، لكن مسؤولاً تحفّظ على ذكر اسمه وعد بالتنسيق مع الجهات المختصة التي لم يُسمّها، وتوصيل بياناتهم وشكاويهم إليها. وطلب المتحدث الرسمي باسم الوزارة الذي إرسال أسئلتنا حول غياب أية تصريحات بخصوص متابعة المصريين العالقين في غزة وما تبذله السلطات المصرية لاستعادتهم وضمان سلامتهم، إلا أننا لم نتلق ردوداً على أسئلتنا رغم إرسالها على النحو المحدد.
في حين أوضحت النائبة سهام مصطفى كمال، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أن أزمة المصريين العالقين في قطاع غزة معنية بها القوات المسلحة المصرية والمخابرات العسكرية، وليست أية جهة مدنية، "كون القوات المسلحة هي الجهة المتحكمة في معبر رفح البري والأدرى بالتوقيت المناسب والآمن لدخولهم لأن الأمر يرتبط بمحادثات ومفاوضات تتم مع الجانب الإسرائيلي قد تتضمن فترة هدنة مؤقتة لحين دخول العالقين من أصحاب الجنسيات الأجنبية والمصريين بأمان عبر المعبر الحدودي، وضمان عدم تعرضهم للقصف الإسرائيلي"، متوقعة أن تكون الأولوية للمصريين في الدخول قبل الأجانب.
يذكر أنه وفقاً للقانون والمعاهدات الدولية الخاصة بالمعابر، تقع المعابر تحت سلطات وزارتي الداخلية والنقل في مصر، إلا أن للمعابر الواقعة على الحدود الشرقية وضعاً خاصاً.
وبحسب كمال، لا توجد معلومات لدى لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان بخصوص عدد أبناء الجالية المصرية العالقين في فلسطين أو سقوط مصابين أو شهداء بينهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين