الحرب ليست نزهةً. فبالإضافة إلى الأرواح التي تُزهق فيها، وزيادةً على أضرارها البشرية والاجتماعية والعسكرية، ثمة أضرار اقتصادية تطال المشتركين فيها. تطال أيضاً دول جوارها، التي لها علاقات تجارية وغير تجارية مع أحد طرفيها، أو أطرافها، أو التي لا علاقة لها البتة بها.
بحسب تصريحات المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، فإن مصر والأردن، سوف تتأثران اقتصادياً، بسبب الحرب على غزة، التي نشبت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المنقضي، بعد عملية "طوفان الأقصى" والرد الإسرائيلي المستمر والذي راح صحيته إلى الآن ما يقارب 9 آلاف ضحية، عدا عن الجرحى.
تصريحات غورغييفا جاءت ضمن منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار"، التي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض. فما هي المجالات الاقتصادية الأكثر تضرراً في البلدين؟ وكيف يمكن أن تتأثر اقتصادات الدول المجاورة في المنطقة بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة منذ أسابيع ثلاثة؟
اقتصاد الأردن في مهب الحرب
يقول وزير الاقتصاد الأردني السابق، يوسف منصور، في حديثه إلى رصيف22، إن "حرب غزة الدائرة، سوف تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد المحلي الأردني، إذ يتراجع الاستثمار المحلي ويبتعد رجال الأعمال من المواطنين عن طرح أموالهم في الأسواق بسبب التخوف من المجازفة، في ظل حالة عدم اليقين التي تمر بها المنطقة، والقلق بشأن تطور الأحداث وتوسع دائرة الحرب".
المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، تقول إن مصر والأردن، سوف تتأثران اقتصادياً، بسبب الحرب على غزة. فما هي المجالات الاقتصادية الأكثر تضرراً في البلدين؟ وكيف يمكن أن تتأثر اقتصادات الدول المجاورة في المنطقة بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة منذ أسابيع ثلاثة؟
كما يشير منصور إلى تراجع تحويلات المواطنين الأردنيين المالية من الخارج، ويضيف: "مرحلة القلق التي نمر بها أيضاً سوف تؤثر على الاستثمار الأجنبي في الأردن، إذ يخاف المستثمر الأجنبي من الاقتراب بسبب عدم الهدوء في المنطقة".
وبحسب وزارة الاستثمار الأردنية، فإن حجم الاستثمار المحلي عام 2021، بلغ 77.6 ملايين دولار، فيما وصل عام 2022، إلى 1،375 مليون دولار، وبلغ حجم الاستثمار الأجنبي في الأردن عام 2021، نحو 97.4 ملايين دولار، ووصل إلى 193 مليون دولار عام 2022. ويبلغ حجم الاستثمار الأجنبي والمحلي في الأردن لهذا العام، 288.5 ملايين دولار.
وفقاً لتقرير صدر عن المرصد الاقتصادي الأردني، فإن الناتج المحلي الأردني ارتفع العام الماضي ووصل إلى 2.7%، مدفوعاً بانتعاش قوي في مجال السياحة، وانخفضت البطالة بشكل طفيف.
ويشير الوزير الأردني السابق، إلى أن نسبة البطالة في الأردن تبلغ 22%، ومن المتوقع أن تزيد إذا استمرت أوضاع الحرب الحالية متواصلةً بالإضافة إلى انخفاض معدلات نمو الإنتاج المحلي.
ويضيف: "الأردن ومصر سوف تتضرران اقتصادياً من الحرب، خاصةً قطاعَي السياحة والاستثمار الأجنبي، بينما الدول النفطية والمصدّرة للنفط سوف ترتفع إيراداتها بسبب ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته".
إسرائيل توقف تصدير الغاز
مع اشتعال الأحداث في غزة، أوقفت إسرائيل العمل في حقل تمار، ما أدى إلى تراجع حجم الواردات المصرية من الغاز الإسرائيلي بنحو 150 مليون قدم مكعب يومياً، أي ما يعادل 20% من متوسط الغاز الإسرائيلي الذي حصلت عليه مصر خلال ثمانية أشهر من العام الجاري، والذي يُقدَّر بنحو 870 مليون قدم مكعب يومياً. وبموجب قرار الإغلاق، تم منع الغاز الوارد إلى مصر، وترتبت على ذلك زيادة فترة انقطاع التيار الكهربائي في مصر من ساعة إلى ساعتين يومياً.
وقال المستشار سامح الخشن، الناطق باسم مجلس الوزراء المصري، إن ارتفاع نسبة استهلاك الكهرباء في البلاد جاء بالتزامن مع تراجع الغاز الوارد إليها، كما توقفت صادرات الغاز الإسرائيلي إلى الأردن.
وكانت إسرائيل قد وافقت في مطلع أيار/ مايو الفائت، على زيادة إمدادات الغاز الطبيعي لمصر، بحيث يتم نقل 6 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، وفقاً لخطة من شأنها بناء خط أنابيب من ناحية الجنوب يمتد إلى الحدود مع مصر، بمسافة تبلغ 65 كيلومتراً. وبحسب بيان وزراء الحكومة الإسرائيلية، فإن تكلفة إنشاء خط الأنابيب تصل إلى 900 مليون شيكل، أي ما يعادل 248 مليون دولار، وكانت إسرائيل قد بدأت بتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر في 2020، حيث تقوم الأخيرة بتسييله وتصديره إلى أوروبا.
ويمثّل الأردن معبراً مهماً لتوصيل الغاز الإسرائيلي إلى مصر، عبر خط أنابيب فجر الذي يمر بها، وستزداد أهمية هذا المعبر خاصةً بعد هجمات حماس الأخيرة. وكانت شركة شيفرون، المسؤولة عن توجيه شحنات الغاز، قد أعلنت لوكالة بلومبرغ، في الحادي عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، أنها سوف تعيد توجيه الصادرات إلى مصر بعد سوء الأحوال الأمنية في جنوب إسرائيل.
تراجع التبادل التجاري
بلغ حجم التبادل التجاري بين الأردن وفلسطين، عام 2018، نحو 266 مليون دولار. وفي عام 2019، وقّعت حكومتا البلدين مذكرة تفاهم لتوسيع نطاق التبادل التجاري بينهما، لكن ذلك لم يحدث بسبب رفض إسرائيل التي تريد التحكم في الاقتصاد الفلسطيني بصفته سوقاً تجارياً مربحاً لها، بقيمة مالية تُقدَّر بنحو 5 مليارات دولار.
"كان من أكبر مخاوف ومشكلات الاقتصاد والحكومة الأردنيين، قبل الحرب على غزة، ارتفاع أسعار البترول عالمياً، وسوف ترتفع أسعار الوقود بسبب الحرب، والخوف الأكبر من أن ترتفع الأسعار إلى سقوف تفوق التوقعات خاصةً مع تفاقم مشكلة التضخم الاقتصادي العالمي"
وفي ضوء تطوير العلاقات بين الأردن وإسرائيل، وافقت الأخيرة على توسيع حجم التبادل التجاري الأردني الفلسطيني ليصبح حجم الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية، 700 مليون دولار، بعد أن كان 160 مليون دولار سنوياً، بهدف تحسين العلاقات بين حكومة الأردن وحكومة إسرائيل.
في المقابل، التبادل التجاري بين الأردن وغزة لا يُذكر، بعكس التبادل التجاري بين الأردن والضفة الغربية، التي تخضع للسلطة الفلسطينية. والضفة تُعدّ حلقة الوصل بين الفلسطينيين والعالم العربي من جهة الأردن. وهي غير محاصرة بشكل كامل اقتصادياً وتجارياً من قبل إسرائيل، مثل حال غزة.
"قد لا يتأثر هذا التبادل التجاري المحدود في الأساس، بين الأردن والضفة، وفقاً للأوضاع الراهنة، لكن إن لم تتجه الأمور إلى الأسوأ"؛ بهذه الكلمات يفتتح الخبير في القانون التجاري الأردني رأفت المجالي، حديثه إلى رصيف22، متخوفاً من تطور الأحداث وتكرار حرب غزة في الضفة الغربية، تمهيداً لفرض تطبيق خطة اليمين المتطرف الإسرائيلي في تهجير أهل غزة وتوطينهم في مصر، وأهل الضفة في الأردن.
ويعاني الاقتصاد الأردني أساساً من تراجع الاستثمار وتباطؤ معدلات النمو والبطالة المرتفعة، وهذا كله مرتبط بارتفاع أسعار البترول والكهرباء والطاقة إجمالاً، خاصةً أن أسعار الوقود في الأردن ليست مدعومةً ولا متعلقة بمعادلة تسعيرية مستندة إلى سعر برميل النفط عالمياً، وتتم مراجعة تحديد السعر المحلي في نهاية كل شهر. ويضيف المجالي: "كان من أكبر مخاوف ومشكلات الاقتصاد والحكومة الأردنيين، قبل الحرب على غزة، ارتفاع أسعار البترول عالمياً، وسوف ترتفع أسعار الوقود بسبب الحرب، والخوف الأكبر من أن ترتفع الأسعار إلى سقوف تفوق التوقعات خاصةً مع تفاقم مشكلة التضخم الاقتصادي العالمي".
ويؤكد الخبير في القانون التجاري، أن "حرب غزة سوف تتسبب في رفع أسعار البترول وسوف ترتفع كلفة التأمين على البواخر التي تعبر قناة السويس، وكذلك الطيران التجاري الذي يمر بالقرب من المنطقة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النقل، مما يترتب عليه ارتفاع أسعار السلع أو المنتجات قبل أن تصل إلى المستهلك".
السياحة أولى الضحايا
في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سقط سائحان إسرئيليان قتيلين بالإضافة إلى قتل مرشد سياحي مصري، وإصابة سائح إسرائيلي آخر بجروح متوسطة، بعد أن تعرضوا لطلقات نارية انطلقت من سلاح أحد أفراد الأمن المصري، بالتزامن مع عملية "طوفان الأقصى". وقع الحادث في أثناء زيارة لعامود السواري في منطقة كرموز في الإسكندرية.
يقول أحمد محسب، مدير شركة سياحية في مصر، إن "حجوزات سياحية كثيرة لرحلات وأفواج، أُلغيت. السبب الأول هو وقوع هذا الحادث، أما السبب الأول هو اشتعال الأحداث في قطاع غزة، أما السبب الثاني فهو وقوع هذا الحادث".
ويضيف محسب في حديثه إلى رصيف22: "أكثر المتضررين من هذه الأحداث هي شركات السياحة التي حين تقع بسبب تراجع الوفود والأفواج السياحية إلى مصر، لا أحد يساعدها على الوقوف مجدداً".
وتعتمد كل الشركات السياحية في مصر، ومعظمها شركات خاصة، على نفسها في التسويق والترويج. ومثل هذه الأحداث تُعدّ من المعوقات التي تسبب لها الكثير من الخسائر المالية الفادحة. يتابع محسب: "كثير من الرحلات تم إلغاء الحجوزات الخاصة بها، خاصةً الرحلات الدينية التي تأتي لزيارة الكنائس وتزور طابا وسانت كاترين، ومنها يتجهون إلى إسرائيل والأردن. كل هذه الرحلات تم إلغاؤها، والرحلات القادمة إلى ميناء الإسكندرية ألغيت أيضاً".
وفي سياق متصل يتحدث سعيد حسين، مدير شركة مؤتمرات سياحية في مصر، إلى رصيف22، لافتاً إلى أن هذه الأحداث سوف تتسبب في تراجع السياحة الإسرائيلية في مصر، خاصةً أن إسرائيل طلبت من رعاياها الموجودين داخل سيناء مغادرتها، لدواعٍ أمنية فقط، خاصةً أن قواتهم تجتاح غزة الآن، وذلك تحسّباً لعدم السيطرة على الغضب الجماهيري العربي من تطورات الأحداث.
"حرب غزة سوف تتسبب في رفع أسعار البترول وسوف ترتفع كلفة التأمين على البواخر التي تعبر قناة السويس، وكذلك الطيران التجاري الذي يمر بالقرب من المنطقة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النقل، مما يترتب عليه ارتفاع أسعار السلع أو المنتجات قبل أن تصل إلى المستهلك"
ويضيف: "عدم الوعي بالمسافات يجعل السائح خائفاً، برغم أن المسافات قد تكون بعيدةً جداً بين موقع الحرب والمناطق السياحية والأثرية في مصر. إلا أن السائح قد يتصور أن المعركة قريبة جداً".
إسرائيل تنتعش؟
"دُمّرت في غزة أكثر من 200 ألف وحدة سكنية. من يعيد بناء هذه الوحدات، ويقوم بتعميرها من جديد؟ ربما يتم عقد مؤتمر لإعادة إعمار غزة، وتُجمع الأموال من الدول العربية والإسلامية من أجل ذلك الهدف، وفي النهاية هذه الأموال حتى لو وصلت إلى أيادي السلطة الوطنية الفلسطينية فسوف ينتهي بها المطاف في جيوب إسرائيل التي تبيع مواد البناء؛ الإسمنت والحديد والطوب. وغير ذلك لن تدخل هذه المواد إلى غزة. إسرائيل وحدها تبيعها لهم، وتالياً هي أول المستفيدين من الحرب اقتصادياً"؛ بهذه الكلمات يعلّق رجل الأعمال الأردني قاهر الطاهات، على التأثير الاقتصادي للحرب في قطاع غزة، والمستفيدين منها بالتحديد.
ويضيف في حديثه لرصيف22: "كل المنح المالية القادمة لأهل غزة، المستفيد الأول منها إسرائيل، لأن الفلسطيني لا يستطيع استيراد أي مواد بناء من الخارج".
ويستشهد رجل الأعمال الأردني، بالفيديو الذي نشره الممثل المصري محمد رمضان، الذي يدعم فيه أهل غزة، وقال فيه جملته الشهيرة: "السلاح هيصدّي"، معلّقاً عليها بقوله: "قد يظن البعض أن كلمة "السلاح هيصدّي"، جملة اعتباطية. بالعكس هو غاص في عمق الهدف، لأن التهديد المستمر بالحرب يجعل دول الجوار تعزز من أوضاعها الأمنية، وتزيد من احتياطي الأسلحة والذخائر لديها. إذاً سوف تنعم شركات السلاح بصفقات كبيرة خلال الفترة القادمة، وهذه الشركات تسيطر إسرائيل على جزء كبير منها، وهذه استفادة أخرى من جهة مختلفة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.